أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر مع الصحابة

بواسطة | مشرف النافذة
2005/04/06
قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في المسجد، فجلس عليها المستضعفون من أصحابه: خباب، وعمار، وأبو فكيهة يسار مولى صفوان بن أمية، وصهيب، وأشباههم من المسلمين؛ هزئت به قريش، وقال بعضهم لبعض: هؤلاء أصحابه كما ترون! أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا بالهدى ودين الحق؟! لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقنا هؤلاء إليه، وما خصهم الله به دوننا!
فأنزل الله عز وجل فيهم: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ. وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ. وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام: 52-54].
قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يجلس عند المروة إلى مبيعه غلام نصراني يقال له: جبر؛ عبد لبني الحضرمي، وكانوا يقولون: والله؛ ما يعلّم محمداً كثيراً مما يأتني به إلا جبر.
فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم: ﴿إنما يعلمه بشر لسان الذي يُلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين﴾ [النحل: 103].
ثم ذكر نزول سورة (الكوثر) في العاص بن وائل حين قال: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه أبتر. أي : لا عقب له؛ فإذا مات انقطع ذكره، فقال الله تعالى : ﴿إن شانئك هو الأبتر﴾.
أي: المقطوع الذِكر بعده؛ ولو خلف ألوفاً من النسل والذرية، وليس الذكر والصيت ولسان الصدق بكثرة الأولاد والأنسال والعقب.
ثم روى ابن إسحاق بإسناده الصحيح عن أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل له: يا رسول الله! ما الكوثر الذي أعطاك الله؟ قال:
((نهر كما بين (صنعاء) إلى (أيلة)، آنيته كعدد نجوم السماء، ترده طيور لها أعناق كأعناق الإبل)).
قال: يقول عمر بن الخطاب: إنها يا رسول الله! لناعمة. قال:
((أكلّها أنعمُ منها)).
قال ابن إسحاق:
وقد سمعت في هذا الحديث أو غيره أنه قال صلى الله عليه وسلم :
((من شرب منه لا يظمأ أبداً))].
قلت: وقال الله تعالى : ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾[ألأنعام: 34].
وقال تعالى : ﴿إنا كفيناك المستهزئين﴾ [الحجر: 95].
قال سفيان: عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:
المستهزؤون: الوليد بن المغيرة، والأسود بن عبد يغوث الزهري، والأسود بن المطلب أبو زمعة، والحارث بن عيطل، والعاص بن وائل السهمي.
فأتاه جبريل، فشكاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراه الوليد، فأشار جبريل إلى أكحله، وقال: كفيته.
ثم أراه الأسود بن المطلب، فأومأ إلى عينيه، وقال: كُفيته.
ثم أراه الحارث بن عيطل، فأومأ إلى بطنه، وقال: كفيته.
ومر به العاص بن وائل ، فأومأ إلى أخمصه، وقال: كفيته.
فأما الوليد؛ فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبلاً له، فأصاب أكحله، فقطعها.
وأما الأسود بن عبد يغوث؛ فخرج في رأسه قروح؛ فمات منها.
وأما الأسود بن المطلب فعمي، وكان سبب ذلك أنه نزل تحت سمرة، فجعل يقول: يا بنيّ ألا تدفعون عني؟ قد قتلت فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً. وجعل يقول: يا بنيّ! ألا تدفعون عني؟ قد هلكت! ها هو ا الطعن بالشوك في عيني. فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً. فلم يزل كذلك حتى عميت عيناه.
وأما الحارث بن عيطل؛ فأخذه الماء الأصفر في بطنه؛ حتى خرج خرؤه من فيه ؛ فمات منها.
وأما العاص بن وائل؛ فبينما هو كذلك يوماً؛ إذا دخل في رجله شبرقة حتى امتلأت منها؛ فمات منها.
وقال غيره في هذا الحديث.
فركب إلى الطائف على حمار، فربض به على شبرقة (يعني: شوكة)، فدخلت في أخمص قدمه شوكة، فقتلته.
رواه البيهقي بنحو من هذا السياق.
عَنْ خَبَّابٍ قَالَ:
جَاءَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ، فَوَجَدَوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ صُهَيْبٍ وَبِلالٍ وَعَمَّارٍ وَخَبَّابٍ قَاعِدًا فِي نَاسٍ مِنْ الضُّعَفَاءِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ حَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقَرُوهُمْ، فَأَتَوْهُ فَخَلَوْا بِهِ، وَقَالُوا:
إِنَّا نُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَ لَنَا مِنْكَ مَجْلِسًا تَعْرِفُ لَنَا بِهِ الْعَرَبُ فَضْلَنَا، فَإِنَّ وُفُودَ الْعَرَبِ تَأْتِيكَ، فَنَسْتَحْيِي أَنْ تَرَانَا الْعَرَبُ مَعَ هَذِهِ الْأَعْبُدِ! فَإِذَا نَحْنُ جِئْنَاكَ فَأَقِمْهُمْ عَنْكَ، فَإِذَا نَحْنُ فَرَغْنَا فَاقْعُدْ مَعَهُمْ إِنْ شِئْتَ. قَالَ :
((نَعَمْ)).
قَالُوا: فَاكْتُبْ لَنَا عَلَيْكَ كِتَابًا.
قَالَ: فَدَعَا بِصَحِيفَةٍ، وَدَعَا عَلِيًّا لِيَكْتُبَ – وَنَحْنُ قُعُودٌ فِي نَاحِيَةٍ – فَنَزَلَ جِبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلام فَقَالَ: ﴿وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾ [ الأنعام:52].
ثُمَّ ذَكَرَ الأقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ فَقَالَ: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ [الأنعام:53] .
ثُمَّ قَالَ: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام:54].
قَالَ : فَدَنَوْنَا مِنْهُ حَتَّى وَضَعْنَا رُكَبَنَا عَلَى رُكْبَتِهِ، وهو يقول :﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ مَعَنَا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ قَامَ وَتَرَكَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾:
وَلَا تُجَالِسْ الْأَشْرَافَ ﴿تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾ يَعْنِي: عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعَ ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ قَالَ: هَلاكًا؛ قَالَ: أَمْرُ عُيَيْنَةَ وَالأَقْرَعِ، ثُمَّ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلَ الرَّجُلَيْنِ وَمَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
قَالَ خَبَّابٌ: فَكُنَّا نَقْعُدُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا بَلَغْنَا السَّاعَةَ الَّتِي يَقُومُ فِيهَا؛ قُمْنَا وَتَرَكْنَاهُ حَتَّى يَقُومَ.
أخرجه ابن ماجة والسياق له، وابن جرير ، وابن أبي شيبة أيضاً، وأبو يعلى، وأبو نعيم في ((الحلية))، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ ، وابن مردويه، والبيهقي في ((الدلائل))؛ كما في ((الدر المنثور)) ، وإسناده صحيح كما قال البوصيري. وله شاهد عن ابن مسعود مختصراً. أخرجه أحمد ، وابن جرير من طريق أشعث عن كردوس الثعلبي عنه. وسنده صحيح إن كان أشعث بن أبي الشعثاء. ثم ترجح عندي أنه ابن سوار، وفيه ضعف؛ لأنه ممن رواه عن حفص بن غياث.
عن سعد قال:
كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : اطرد هؤلاء لا يجترؤون علينا.
قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فحدث نفسه، فأنزل الله عز وجل: ﴿ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه﴾ [الأنعام: 52].
أخرجه مسلم ، وابن ماجه ، وابن جرير ، والحاكم وقال: ((صحيح على شرط الشيخين))، ووافقه الذهي، وابن كثير في ((التفسير)) لابن حبان والحاكم فقط! وعزاه في ((الدر)) (3/13) لجمع آخر منهم أحمد، ولم أره في ((مسنده)).
وعن ابن عباس قال:
لما قدم كعب بن الأشرف (مكة) أتوه، فقالوا له: نحن أهل السقاية والسدانة، وأنت سيد أهل (المدينة)، فنحن خير أم هذا الصنبور المنبتر من فوقه يزعم أنه خير منا؟ قال: بل أنتم خير منه! فنزلت عليه: ﴿إن شانئك هو الأبتر﴾.
قال: وأنزلت عليه: ﴿ألم تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا﴾ [النساء: 44و45].
أخرجه ابن جرير في ((التفسير)) (30/330) بإسناد صحيح رجاله رجال الصحيح))، وقال المؤلف في ((التفسير)): ((رواه البزار، وإسناده صحيح)). وفي ((المجمع)) (7/6): ((رواه الطبراني، وفيه يونس بن سليمان الجمال، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجاله رجال (الصحيح) )).
قلت: قد توبع عند الأولين، فصح الحديث، والحمد لله.

بحث سريع