استهزاء المشركين بالرسول وجدالهم بالباطل ونزول آيات في ذلك

بواسطة | مشرف النافذة
2005/04/06
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو قومه ليلاً ونهاراً ، وسراً وجهاراً، منادياً بأمر الله تعالى ، لا يتقي فيه أحداً من الناس.
فجعلت قريش حين منعه الله منها – وقام عمه وقومه من بي هاشم وبني عبد المطلب دونه ، وحالوا بينهم وبين ما أرادوا من البطش به – يهمزونه، وستهزؤون به ويخاصمونه.
وجعل القرآن ينزل في قريش بأحداثهم، وفيمن نصب لعداوته، منهم من سمى لنا، ومنهم من نزل القرآن في عامة من ذكر الله من الكفار.
فذكر ابن إسحاق أبا لهب ونزول السورة فيه، والعاص بن وائل ونزول قوله: ﴿أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولداً﴾ [مريم: 77] فيه.
وأبا جهل بن هشام، وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم: لتتركن سب آلهتنا أو لنسبنّ إلهك الذي تعبد. ونزول قول الله فيه: ﴿ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم﴾ الآية [الأنعام: 108].
قال ابن إسحاق: و جلس رسول الله صلى الله عليه و سلم – فيما بلغنا – يوماً مع الوليد بن المغيرة في المسجد فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم، و في المجلس غير
واحد من رجال قريش.
فتكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم فعرض له النضر، فكلمه رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أفحمه، ثم تلا عليه و عليهم ﴿ إنَّكُم وما تعبُدُون مِن دُونِ اللهِ حصبُ جهنَّمَ أنتُمْ لَها واردُونَ لوْ كانَ هؤلاءِ آلهةً ما وردُوها و كلٌّ فِيها خالدِون لُهم فِيها زفيرٌ و هم فِيها لا يسمَعُون ﴾[ الأنبياء : 98 - 100].
ثم قام رسول الله صلى الله عليه و سلم و أقبل عبد الله بن الزبعري السهمي حتى جلس.
فقال الوليد بن المغيرة له : و الله ما قام و الله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفا و ما قعد، و قد زعم محمد أنّا و ما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم !.
فقال عبد الله بن الزبعرى : أما – والله – لو و جدته لخصمته، فسلوا محمداً أكل من نعبد من دون الله حصب جهنم مع عبده ؟ فنحن نعبد الملائكة و اليهود تعبد عزيراً
والنصارى تعبد عيسى.
فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول ابن الزبعرى و رأوا أنه قد احتج و خاصم.
فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم …فأنزل الله تعالى ﴿ إنَّ الذين سبقَتْ لَهمْ مِنَّا الُحسنى أُولئِك عنْهَا مُبعدُونَ لا يسمعُون حسِيسَها و هُم في ما اشْتَهتَ أنْفُسُهُم خالِدُون ﴾ [ الأنبياء : 101-102 ]؛ أي: عيسى ابن مريم، و عزيراً، و من عبد من الأحبار و الرهبان الذين مضوا على طاعة الله تعالى .
و نزل – فيما يذكرون أنهم يعبدون الملائكة و أنها بنات الله – : ﴿و قالُوا اتَّخذَ الرَّحمنُ ولداً سُبحانَه بَلْ عِبادٌ مُكرَمُون﴾ [ الأنبياء :26 ].
و نزل في إعجاب المشركين بقول ابن الزبعري: { و لمَّا ضُرِبَ ابنُ مريمَ مثلاً إذا قومُكمَ مِنْهُ يَصدُّونَ و قَالُوا آلِهَتُنَا خَيْرٌ أمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قومُ خَصِمُونَ } [ الزخرف :57و58 ].
و هذا الجدل الذي سلكوه باطل، و هم يعلمون ذلك؛ لأنهم قوم عرب من لغتهم أن (ما) لما لا يعقل، فقوله : ﴿ إنكُمْ وَ مَا تَعْبُدُون مِنْ دونِ اللهِ حصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ إنما أريد بذلك ما كانوا يعبدونه من الأحجار التي كانت صور أصنام، و لا يتناول ذلك الملائكة الذين زعموا أنهم يعبدونهم في هذه الصور، و لا المسيح، و لا عزيراً، و لا أحداً من الصالحين؛ لأن اللفظ لا يتناولهم لا لفظاً و لا معناً.
فهم يعلمون أن ما ضربوه بعيسى ابن مريم من المثل جدل باطل؛ كما قال الله تعالى : ﴿ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إلا جَدَلاً بلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾.
ثم قال ﴿ إنْ هُوَ ﴾؛أي: عيسى ﴿إلا عَبْدٌ أنْعَمْنَا عَلَيْهِ ﴾؛ أي: بنبوتنا، ﴿وَ جَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إسْرَائِيل﴾؛ أي: دليلاً على تمام قدرتنا على ما نشاء، حيث خلقناه من أنثى بلا ذكر، و قد خلقنا حواء من ذكر بلا أنثى، و خلقنا آدم لا من هذا، و لا من هذا، و خلقنا سائر بني آدم من ذكر و أنثى، كما قال في الآية الأخرى: ﴿و لنجعله آيةً للنَّاس﴾[مريم:21]؛ أي: أمارة و دليلاً على قدرتنا الباهرة، ﴿و رحمةً منَّا﴾ نرحم بها من نشاء .
وذكر ابن اسحاق الوليد بن المغيرة حيث قال: أَيُنْزَل على محمد وأترك وأنا كبير قريش وسيدها؟! ويترك أبو مسعود عمرو بن عمرو الثقفي سيد ثقيف؟! فنحن عظيماً القريتين. ونزول قوله فيه: ﴿وقال لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم﴾ والتي بعدها . [الزخرف: 31و32].
وذكر أبي بن خلف حين قال لعقبة بن أبي معيط: ألم يبلغني أنك جالست محمداً وسمعت منه وجهي من وجهك حرام؛ إلا أن تتفل في وجهه. ففعل ذلك عدو الله عقبة لعنه الله، فأنزل الله :﴿ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً، يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً﴾ والتي بعدها [الفرقان: 27-29].
قال: ومشى أبي بن خلف بعظم بال قد أرمّ، فقال: يا محمد أنت تزعم أن الله يبعث هذا بعد ما أرم؟! ثم فته بيده، ثم نفخه في الريح نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
((نعم؛ أنا أقول ذلك؛ يبعثه الله وإياك بعد ما تكونان هكذا، ثم يدخلك النار)).
وأنزل الله تعالى : ﴿وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشاها أول مرة وهو بكل خلق عليم﴾ إلى آخر السورة [يس: 78-83].
قال: واعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم – فيما بلغني – وهو يطوف عند باب الكعبة الأسود بن المطلب، والوليد بن المغيرة، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل فقالوا: يا محمد! هلم فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر!
فأنزل الله فيهم: ﴿قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون﴾ إلى آخرها.
قال: ووقف الوليد بن المغيرة فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله يكلمه، وقد طمع في إسلامه.
فمرّ به ابن أم مكتوم: عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة الأعمى، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل يستقرئه القرآن، فشق ذلك عليه حتى أضجره، وذلك أنه شغله عما كان فيه من أمر الوليد وما طمع فيه من إسلامه، فلما أكثر عليه انصرف عنه عابساً وتركه.
فأنزل الله تعالى : ﴿عبس وتولى. أن جاءه الأعمى ﴾ إلى قوله: ﴿مرفوعة مطهرة﴾ [عبس: 1-14].
وقد قيل: إن الذي كان يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءه ابن أم مكتوم: أمية بن خلف. فالله أعلم.
عن علي رضي الله عنه قال:
قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: قد نعلم يا محمد! أنك تصل الرحم، وتصدق الحديث، ولا نكذبك، ولكن نكذب الذي جئت به. فأنزل الله عز وجل:
﴿﴿قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون﴾ [الأنعام:36].
أخرجه الترمذي ، والحاكم وقال : ((صحيح على شرط الشيخين)).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما:
((ان أبا معيط كان يجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم بـ(مكة) لا يؤذيه، وكان رجلاً حليماً، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه، وكان لأبي معيط خليل غائب عنه بالشام، فقالت قريش: صبأ أبو معيط.
وقدم خليله من الشام ليلاً، فقال لامرأته: ما فعل محمد مما كان عليه؟ فقالت: أشد مما كان أمراً. فقال: ما فعل خليلي أبو معيط؟ فقالت: صبا.
فبات بليلة سوء، فلما أصبح أتاه أبو معيط فحياه، فلم يرد عليه التحية. فقال: مالك. لا ترد علي تحيتي؟ فقال: كيف أرد عليك تحيتك وقد صبوت؟!
قال: أوقد فعلتها قريش؟! قال: نعم.
قال: فما يبرئ صدورهم إن أنا فعلت؟
قال: تأتيه في مجلسه، وتبزق في وجهه، وتشمته باخبث ما تعلمه من الشتم!.
ففعل، فلم يزد النبي صلى الله عليه وسلم إن مسح وجهه من البزاق، ثم التفت إليه فقال:
((إن وجدتك خارجاً من جبال (مكة) أضرب عنقك صبراً)).
فلما كان يوم بدر، وخرج أصحابه، أبى أن يخرج.
فقال له أصحابه: أخرج معنا.
قال: قد وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجاً من جبال (مكة) أن يضرب عنقي صبراً.
فقالوا: لك جمل أحمر لا يدرك، فلو كانت الهزيمة طرت عليه.
فخرج معهم، فلما هزم الله المشركين، وحل به جمله في جدد من الأرض، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيرا في في سبعين من قريش، وقدم إليه أبو معيط فقال: تقتلني من بين هؤلاء؟ قال:
((نعم. بما بزقت في وجهي)).
فأنزل الله في أبي معيط ﴿ ويوم يعض الظالم على يديه﴾ إلى قوله ﴿وكان الشيطان للانسان خذولا﴾[الفرقان: 27-29].
أخرجه ابن مردويه، وأبو نعيم في ((الدلائل)) بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس؛ كما في ((الدر المنثور)).
وعن ابن عباس أيضاً:
أن قريشا وعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مالاً، فيكون أغنى رجل بمكة ويزوجوه ما أراد من النساء، ويطؤوا عقبه، فقالوا له: هذا لك عندنا يا محمد! وكف عن شتم آلهتنا، فلا تذكرها بسوء.
فإن لم تفعل؛ فإنا نعرض عليك خصلة واحدة، فهي لك ولنا فيها صلاح.
قال: ((ما هي؟)).
قالوا: تعبد آلهتنا سنة: اللات والعزى، ونعبد إلهك سنة. قال:
((حتى أنظر ما يأتي من عند ربي)).
وكان لذلك سبب ذكره كثير من المفسرين عند قوله تعالى : ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم﴾ [الحج:52].
وذكروا قصة الغرانيق، وقد أحببنا الإضراب عن ذكرها صفحاً؛ لئلاً يسمعها من لا يضعها على مواضعها.
إلاأن أصل القصة في ((الصحيح)).
روى البخاري دون مسلم عن ابن عباس قال:
فجاء الوحي من اللوح المحفوظ: ﴿قل يا أيها الكافرون﴾ السورة، وأنزل الله: ﴿قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون﴾ إلى قوله: ﴿ فاعبد وكن من الشاكرين﴾ [الزمر: 64-66].
أخرجه ابن جرير ، وابن أبي حاتم، والطبراني؛ كما في ((الدر)) وإسناده حسن.
ثم ذكر ابن إسحاق من عاد من مهاجرة الحبشة إلى (مكة).
وذلك حين بلغهم إسلام أهل (مكة)، وكان النقل ليس بصحيح ولكن كان له سبب.
وهو ماثبت في ((الصحيح)) وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يوماً مع المشركين، وأنزل الله عليه: ﴿والنجم إذا هوى. ما ضل صاحبكم… ﴾يقرؤها عليهم حتى ختمها ، وسجد، فسجد من هناك من المسلمين والمشركين، والجن والإنس.
سجد النبي صلى الله عليه وسلم بـ(النجم)، وسجد معه المسلمون والمشركون، والجن، والإنس.
وروى هو ومسلم وأبو داود والنسائي عن عبد الله (ابن مسعود). قال:
قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿والنجم﴾ بـ(مكة)، فسجد فيها وسجد من معه؛ غير شيخ أخذ كفّاً من حصا أو تراب فرفعه إلى جبهته، وقال: يكفيني هذا. فرأيته بعدُ قُتِلَ كافراً.
وروى أحمد وعنه النسائي عن المطلب بن أبي وداعة قال:
قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ(مكة) سورة (النجم)، فسجد، وسجد من عنده، فرفعت رأسي وأبيت أن أسجد.
ولم يكن أسلم يومئذ المطلب، فكان بعد ذلك لا يسمع أحداً يقرؤها إلا سجد معه.
وقد يجمع بين هذا والذي قبله بأن هذا سجد ولكنه رفع رأسه استكباراً، وذلك الشيخ الذي استثناه ابن مسعود لم يسجد بالكلية. والله أعلم.
والمقصود أن الناقل لما رأى المشركين قد سجدوا متابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ اعتقد أنهم قد أسلموا واصطلحوا معه، ولم يبق نزاع بينهم.
فطار الخبر بذلك، وانتشر حتى بلغ مهاجرة الحبشة بها، فظنوا صحة ذلك، فأقبل منهم طائفة طامعين بذلك، وثبتت جماعة، وكلاهما محسن مصيب فيما فعل.
وقال البخاري:
وقالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((أريت دار هجرتكم؛ ذات نخل بين لابتين)).
فهاجر من هاجر قبل (المدينة)، ورجع من كان هاجر بأرض الحبشة إلى (المدينة).

بحث سريع