إيذاء المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتعنتهم في أسئلتهم إياه

بواسطة | مشرف النافذة
2005/04/06
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، وأُخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثون من بين يوم وليلة وما لي ولبلال ما يأكله ذو كبد؛ إلا ما يواري إبط بلال)).
أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه ، وقال الترمذي:
((حديث حسن صحيح)).
واعترض المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعنتوا له في أسئلتهم إياه أنواعاً من الآيات وخرق العادات على وجه العناد لا على وجه طلب الهدى والرشاد.
فلهذا لم يجابوا إلى كثير مما طلبوا، ولا ما إليه رغبوا؛ لعلم الحق سبحانه؛ أنهم لو عاينوا وشاهدوا ما أرادوا لاستمروا في طغيانهم يعمهون، ولظلوا في غيهم وضلالهم يتردّون.
قال الله تعالى : ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ ءَايَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ. وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ. وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ﴾[ الأنعام: 109-111].
وقال تعالى : ﴿الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ. وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ ءَايَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾[يونس: 96و97].
وقال تعالى : ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ [الإسراء: 59].
وقال تعالى : ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا. أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا. أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا. أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: 90-93].
عن ابن عباس قال:
سأل أهل (مكة) رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم لصفا ذهباً، وأن ينحّي عنهم الجبال فيزدرعوا. فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم، وإن شئت أن تؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم. قال:
((لا؛ بل أستأني بهم)).
فأنزل الله تعالى : ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ [الإسراء:59].
رواه أحمد والنسائي.
وفي رواية لأحمد عنه قال:
قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم : ادعُ لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهباً ونؤمن بك. قال: ((وتفعلوا؟)). قالوا: نعم.
قال: فدعا ، فأتاه جبريل فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام، ويقول لك: إن شئت أصبح الصفا لهم ذهباً، فمن كفر منهم بعد ذلك أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب الرحمة والتوبة. قال:
((بل باب التوبة والرحمة)).
وإسناد كل منهما جيد.
وقد جاء مرسلاً عن جماعة من التابعين؛ منهم: سعيد بن جبير وقتادة وابن جريج وغير واحد.
قال ابن إسحاق: ثم إنهم عدوا على من أسلم واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه، فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين، فجعلوا يحبسونهم، ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش، وبرمضاء (مكة) إذا اشتد الحر، من استضعفوه منهم يفتنونهم عن دينهم.
فمنهم من يفتن من شدة البلاء الذي يصيبهم، ومنهم من يصلُب لهم، ويعصمه الله منهم.
وعن ابن مسعود:
أن أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد.
فأما رسول الله فمنعه الله بعمه، وأبو بكر منعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون، فألبسوهم أدرع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم من أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا؛ إلا بلالاً؛ فإنه هانت عليه نفسه في الله تعالى ، وهان على قومه، فأخذوه، فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب (مكة) وهو يقول: أحد أحد.
وعن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعمار وأهله وهم يعذبون، فقال:
((أبشروا آل عمار وآل ياسر! فإن موعدكم الجنة)).
رواه البيهقي عن الحاكم.
قلت: وفي مثل هذا أنزل الله تعالى : ﴿من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقبله مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم﴾ [النحل: 106].
فهؤلاء كانوا معذورين بما حصل لهم من الإهانة والعذاب البليغ، أجارنا الله من ذلك بحوله وقوته.
وعن خباب بن الأرت قال:
كنت رجلاً قيناً، وكان لي على العاص بن وائل دين، فأتيته أتقاضاه، فقال: لا والله؛ لا أقضيك حتى تكفر بمحمد! فقلت: لا والله؛ لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث. قال: فإني إذا مت ثم بعثت؛ جئتني ولي ثمّ مالٌ وولد فأعطيك، فأنزل الله: ﴿أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولداً﴾ إلى قوله: ﴿ويأتينا فرداً﴾ [مريم: 77-80].
أخرجه أحمد، والبخاري، ومسلم في ((الصحيحين))، وفي لفظ البخاري:
كنت قيناً بـ(مكة)، فعملت للعاص بن وائل سيفاً، فجئت أتقاضاه … فذكر الحديث.
وفي طريق أخرى له عنه قال:
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد ببردة وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: ألا تدعو الله؟ فقعد وهو محمر وجهه، فقال:
((لقد كان من كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب؛ ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه، فيشق باثنتين، ما يصرفه ذلك عن دينه، وليُتمّنّ الله هذا الأمر؛ حتى يسير الراكب من (صنعاء) إلى (حضر موت) ما يخاف إلا الله عز وجل (زاد بيان: والذئب على غنمه) )).
وفي رواية : ((ولكنكم تستعجلون)).
وعن أبي ليلى الكندي قال: جاء خباب إلى عمر فقال: ادنُ؛ فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار. فجعل خباب يريه آثاراً بظهره مما عذبه المشركون.
أخرجه ابن سعد ، وابن ماجه بسند صحيح.

بحث سريع