مطلقة على أبواب الثامنة عشرة

بواسطة | مازن الفريح
2005/04/16
كنت صبية في السادسة من عمري، لم تفارقني آثار الطفولة بعد .. فلم أكن أتردد عن اللعب بالماء في حديقة منزلنا .. أما دميتي فلم تزل رفيقتي حتى اليوم منذ أن كان لي من العمر ست سنوات .. لا أهنأ بنوم إلا بجانبها .. ويغمرني الفرح حينما أبتكر لها تسريحة أو ألبسها فستاناً جديداً.
وكنت وحيدة والدي، فقد حظيت باهتمامهما الفائق ودلالهما الزائد لا سيما ونحن أسرة ميسورة .. كان دلالهما يؤخر نضوجي ويؤجل انتهاء مرحلة طفولتي إلى حين .. وهكذا مرت الأيام، ملؤها اللهو والفرح والسرور، حتى جاء اليوم الذي أخبرتني فيه أمي بالمفاجأة: لقد خطبك جارنا لابنه، وهو كما تعلمين .. صاحب أكبر شركة سيارات .. ستسافران إلى الخارج لقضاء شهر العسل، وستسعدين بإذن الله، وفي الغد سنذهب إلى السوق لنشتري ما تريدين، وبكل عطف وحنان قالت: وفقك الله يا بنيتي!
لم أكن في الحقيقة أعرف معنى للزواج سوى ما شرحته لي أمي .. سفر ومغامرة وسعادة، وخروج إلى السوق في كل يوم..! رأيت أنه شئ لا بأس به، وما هي إلا أيام معدودة حتى أصبحت زوجة .. نعم زوجة .. بعد احتفالات مهيبة، وفساتين رائعة، ومجوهرات ثمينة، وفرقة غناء تناسب مقام أسرتي وأسرة زوجي.
ثم سافرت إلى أوربا لشهر كامل، ومرت الأيام سعيدة هنية، حتى عدنا لأرض الوطن، وهنا بدأت الحقائق تتساقط على رأسي واحدة تلو الأخرى .. اكتشفت أن زوجي لم يكمل تعليمه كما أخبرنا .. وهو لا يعمل؛ بل يعتمد في مصروفه على عطايا والده، كما أنه لا يصلي ولا يعرف طريق المسجد .. ورحت في ربيع عمري أتعرض لنسمات حارقة من قسوة زوجي وفظاظته، حتى ذهبت نضارتي ونحل جسمي، وازددت بؤساً وتعاسة حين اكتشفت أنني حامل .. لم يكن يهمني أن زوجي لم يكمل تعليمه أو أنه لا يعمل .. ولكن لم أعد أحتمل قسوته المفرطة، وعدم تورعه عن ضربي وإهانتي لأتفه الأسباب! عدا عن سهره الدائم خارج المنزل .. وعدم إحساسي بالأمان إلى جانبه كما ينبغي لكل زوجة .. فكرهت حياتي برمتها، ولم يعد أمامي سوى طلب الطلاق، والدعاء بالمغفرة لوالدي الذي زوجني دون سؤال عن أخلاق الزوج ودينه، ولوالدتي التي لم تسأل عن المجتمع الذي سأعيش فيه بقدر ما سألت عن قيمة صداقي والهدايا والعطايا .. وهكذا أدركت لماذا ينبغي على الناس أن يسألوا عن صلاح الزوج وتقواه وورعه، وليس عن منصبه وجاهه وماله .. إذ أن من يخشى الله فسوف يتقيه، ويخافه في أقرب الناس إليه وهي زوجته.
وها أنا اليوم أعيش بعد طلاقي منه بين جدران شهدت عهد طفولتي كما شهدت عهد شقائي .. وأحمل وساماً يحرق فؤادي .. وساماً تشقى به كل مطلقة، إنه الطلاق، أنا الطفلة البريئة المدللة، غدوت اليوم مطلقة، أرمق بعيون ملؤها الشك والريبة، وأعاب بما ليس لي فيه ذنب ولا خطيئة، هذا الوسام الذي وسمني به والداي عندما زوجاني وأنا لست أهلاً للزواج، من رجل يحمل المال .. فقط .. ! مطلقة كلمة ترميني في دهاليز الآلام والحزن.
ولكن بالرغم من ذلك كله لن أيأس، وسأبدأ حياتي من جديد، وأكمل دراستي . .وسألتحق بحلقات تحفيظ القرآن ومجالس الذكر، ولن أقبل إلا بمن يحفظ القرآن .. كاملاً. (38)

بحث سريع