ولاية النقابة وأنواعها

بواسطة | مشرف النافذة
2005/04/16

لما كانت النقابة من أمر الخلافة ورسمها ، كانت لابد أن تستمد شرعيتها من خليفة الوقت ، ولهذا ارتبطت دوماً بالخلافة عبر مر العصور في الدولة المسلمة إلى أن زالت الخلافة عن أهل الاسلام ، فلما زالت زال كثير من توابعها وأنظمتها ، ومن ذلك أمر نقابة الأنساب ، حتى لم يعد لها ذكر أو خبر عند آل البيت فضلاً عن غيرهم من عامة الناس . وقد تكلم الفقهاء عن الجهة التي تستمد النقابة منها التولية الشرعية ، وذكروا أنها تصح من إحدى ثلاث جهات : " 1- إما من جهة الخليفة المستولي على كل الأمور . 2- وإما ممن فوض إليهه الخليفة تدبير المور ، كوزير التفويض ، أو أمير الإقليم . 3- وإما من نقيب عام الولاية ، استخلف نقيباً جعله خاص الولاية . " أهـ[1] . و إذا رضي الخليفة عن النقيب فإنه يجدد له عادة بتوقيع خاص يصله من الخليفة . قال القلقشندي :" فإن كتب بذلك لنقيب الأشراف ، كتب :" توقيع شريف أن يستقر المجلس السامي الأميري الفلاني فلان : أدام الله تعالى علوه في نقابة الأشراف بالديار المصرية على عادة من تقدمه وقاعدته … " أهـ[2] . ونقابة الأنساب على نوعين : نوع خاص ، و نوع عام ، يشتركان في بعض الحقوق والمهام ، ويختلفان في البعض الآخر على حسب قوة الولاية ونفوذها .

- " النوع الأول : النقابة الخاصة " : وهي " أن يقتصر نظر النقيب على مجرد النقابة من غير تجاوز لها إلى حكم ، وإقامة حد ، فلايكون العلم معتبراً في شروط هذا النوع من النقابة " . ويُلزم الفقهاء صاحب النقابة الخاصة من الحقوق على أهله من آل البيت ما يلي :" 1- حفظ أنسابهم من داخل فيها وليس منها ، أو خارج عنها وهو منها ؛ فيلزمه حفظ الخارج منها كما يلزمه حفظ الداخل فيها ، ليكون النسب محفوظاً على صحته ، معزواً إلى جهته . 2- أن يميز بطونهم ومعرفة أنسابهم حتى لايخفى عليه منهم بنو أب ، فيذكره على تمييز أنسابهم . 3- معرفة من يولد من ذكورهم وإناثهم ، فيثبته . ومعرفة من مات منهم فيذكره حتى لايضيع نسب المولود إن لم يثبته ، ولايدعي نسب الميت غيره إن لم يذكره . 4- أن ياخذهم من الآداب بما يضاهي شريف أنسابهم وكريم محتدهم ، لتمون حشمتهم في النفوس موفورة ، وحرمة الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم محفوظة . 5- أن ينزههم عن المكاسب الدنية ، ويمنعهم من المطاعم الخبيثة حتى لايستفل منهم متبذل ، ولايستضام منهم متذلل . 6- أن يكفهم عن ارتكاب المآثم ، ويمنعهم من ارتكاب المحارم ليكونوا على الدين الذي نصروه أغير ، وللمنكر الذي أزالوه انكر ، فلاينطلق بذمهم لسان . 7- أن يمنعهم من التسلط على العامة لشرفهم ، والتشطط عليهم لنسبهم ، فيدعوهم ذلك إلى المقت والبغض ، وويبعثهم على المناكرة والبعد . ويندبهم إلى استعطاف القلوب ، وتألف النفوس ليكون الميل إليهم أوفى ، والقلوب لهم أصفى . 8- أن يكون لهم عوناً في استيفاء الحقوق حتى لايضعفوا عنها ، وعوناً عليهم في اخذ الحقوق منهم حتى لايمنعوا منها ، ليصيروا لهم بالمعونة منتصفين ، وبالمعونة عليهم منصفين ، لأن من عدل السيرة فيهم : انصافهم وانتصافهم . 9- أن ينوب عنهم في المطالبة بحقوقهم العامة : من سهم ذوي القربى في الفيء والغنيمة الذي لاختص به أحدهم حتى يقسم بينهم بحسب ما أوجبه الله تعالى لهم . 10- أن يمنع الأيامى من نسآئهم أن يتزوجن بغير الأكفاء ، صيانة لأنسابهن ، وتعظيماً لحرمتهن أن يزوجن غير الولاة أو ينكحهن غير الكفاة . 11- أن يُقَوِمَ ذوي الهفوات منهم فيما سوى الحدود ، بما لايبلغ به حداً ، ولا ينهر به دماً . ويقيل ذا الهيئة منهم عثرته ، ويغفر بعد الوعظ زلته . 12- مراعاة وقوفهم بحفظ أصولها ، وتنمية فروعها ، و إذا لم ترد إليه جبايتها راعى الجباة فيما اخذوه ، وراعى قسمتها إذا قسموه ، وميز المستحقين لها إذا خصت ، وراعى أوصافهم فيها إذا شرطت ، حتى لايخرج منها مستحق ، ولايدخل فيها غير محق ." أهـ[3] . تلك هي النقابة الخاصة وحقوقها على متوليها كما يقوله بعض الفقهاء ، من الحنابلة والشافعية ، وقد نقلت هذه الحقوق في كذا مرجع ، وعدَّدَها كذا مؤلف ، مما يدل على تلقي أمرها بالقبول ، وهي حقوق تجري مع حاجة آل البيت في ذلك الوقت ، فإن الادعاء لنسبهم قد كثر بشكل واضح ، وفي نفس الوقت كثرت أوقافهم وغلاتهم ، و ظهر من الأمور والمسآئل التي يحتاج آل البيت إلى العناية بها الشيء الكثير ، كانتحال طوآئف من الملاحدة الباطنية والروافض لحبهم والاعتقاد فيهم ، لقضاء مآربهم وأطماعهم . ومن هنا يُلزم العلماء متولي النقابة أن يحفظ أنسابهم ويقوم تصرفاتهم ، ويأخذهم بالآداب الشرعية ، ويحذرهم من طرق البدع المحدثة ، وينوب عنهم في حقوقهم ومطالبهم التي يستحقونها لدى الخلافة أو لدى عامة الناس . وقد تتغير صيغة هذه الحقوق المفترضة على النقيب بحسب تغير الأحوال والأزمان ، ولاينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان كما هو مقرر في محله من كتب الفقه . وإذا غابت النقابة في زمن من الأزمان أو مكان من الأمكنة فإن المتعين على نجبآء آل البيت أو غيرهم أن يقوموا بمهامها الشرعية ، وهذا من فروض الكفاية التي قد يأثم فيها من يتوجه عليه التكليف بواجبها إذا تعطلت ، ويدخل في هذا الاعتناء بأنسابهم وضبطها ونحو ذلك ، فإن كثيراً ممن يتعانى الاشتغال بذلك ليس على ولاية من حاكم شرعي ، وإنما هو يقوم بفرض كفآئي – فإذا توفرت فيه أهلية القيام بالفرض الكفآئي أثيب على قدر النية – ، وليس هذا مختصاً بآل البيت ، بل ينبغي أن يكون هذا شأن أهل الاسلام ، إذا طُعِن لهم في نسب ، أو التاط بأنسابهم دعيٌّ ، أو ضاع لهم حق من حقوقهم أو اعتدي على شيء منها ، وجب أن تكون هناك طآئفة من أهل الأهلية ممن يتعين عليهم الفرض الكفآئي كما هو مقرر في كتب الأصول ، تقوم بالمحافظة على أنساب أهل الاسلام وأعراضهم ، وارجاع الحقوق أو ما استطاعوا منها إلى أهلها ، ويأثم الجميع إلم ينبر أحد لذلك ، " وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طآئفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " ، والمحافظة على الأنساب والأعراض من الضرورات الخمس . 2-" النوع الثاني : النقابة العامة " : وهي ما تكون أعم ولاية ونفوذاً من سابقتها ، فيسند إليها من قبل الخليفة أو الوزير المفوض حقوقاً أخرى بالاضافة لما سبق من الحقوق التي تكون لصاحب النقابة الخاصة ، وكل ذلك مما يزيد في قوة متوليها و نفوذ سلطانه . ومن تلك الحقوق التي تتميز بها النقابة العامة ما يلي : "1 – الحكم بين الطالبيين أو العباسيين فيما تنازعوه . 2 – الولاية على أيتامهم فيما ملكوه . 3 – إقامة الحدود عليهم فيما ارتكبوه . 4 – تزويج الأيامى اللآئي لايتعين أولياؤهن ، أو قد تعينوا فعضلوهن . 5 – إيقاع الحجر على من جن منهم أو سفه ، وفكه إذا أفاق أو رشد ." [4] . فيصير بهذه الخمسة حقوق عام النقابة ، وواضح من هذه الحقوق أنها لاتعطى إلا لمن ملك الأهلية ، والأهلية في الحكم والقضاء ونحو ذلك لابد فيها من اشتراط العلم بالدين والفقه بالشرع . يقول القاضي أبو يعلى عن شرط ولاية النقابة العامة :" فيعتبر حينئذ في صحة نقابته وعقد ولايته : أن يكون عالماً ، من أهل الاجتهاد ، ليصح حكمه ، وينفذ قضاؤه " .أهـ [5] . وهذا لايشترط في صاحب النقابة الخاصة لعدم توقف أمرها على العلم بالشرع .

بحث سريع