نقابة الأنساب عند آل البيت

بواسطة | مشرف النافذة
2005/04/16

المبحث الأول – استعمالها في القران والسنة واللغة : النقابات جمع نقابة ، وهي مأخوذة من مادة :" نقب " التي وردت في القران الكريم والسنة على عدة أوجه من المعاني ، والنظر في هذه المعاني يوضح المراد بالنقابة والنقيب في أصل اللغة ، ومن ثم يمكن فهم معنى نقابة الأنساب . فمن معانيها في اللغة : الكشف والتفتيش ، ومن ذلك قوله تعالى :" وكم أهلكنا قبلهم من قرن فنقبوا في البلاد هل من محيص " ( سورة ق ، آية : 36 ) ، أي : فتشوا وكشفوا . وجاء في الحديث :" إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس " ، أي : أفتش وأكشف [1]. ولهذا يقال في الرجل الكثير العلم بالأشياء ، السؤول عنها : " النِّقَاب ، والمَنْقَب " ، ومنه ما جاء في :" حديث الحجاج – وذكر ابن عباس -: " إن كان لنقاباً " ، وفي رواية :" إن كان لمنقباً " ، والنقاب والمنقب بالكسر والتخفيف : الرجل العالم بالأشياء ، الكثير البحث عنها والتنقيب : أي ما كان إلا نقاباً " أهـ [2]. ولتلك المعاني اللغوية أطلقت كلمة " النقيب " ، و " النقباء " في الصدر الأول في عهد الصحابة رضي الله عنهم ، ووردت بمعنى مصطلح خاص يطلق على من تميز بكثرة التفتيش والتنقيب عن أمور رهطه ، واستخراج آراءهم إذا حلت مدلهمة أو نزلت نازلة بالمسلمين ، فإذا احتاج النبي صلى الله عليه وسلم إلى معرفة رأي القوم ، كان المتبع في ذلك أن يسأل النقيب ، فيعطيه خلاصة ما عند رهطه من الرأي . ومن ذلك ما جرى في بيعة العقبة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بايع الأنصار ليلة العقبة :" كان فيهم اثني عشر نقيباً ، ثلاثة من الأوس ، وهم : أسيد بن الحضير ، وسعد بن خيثمة ، و رفاعة بن عبدالمنذر – ويقال بدله : أبوالهيثم بن التيهان – رضي الله عنهم ، وتسعة من الخزرج ، وهم : أبوامامة أسعد بن زرارة ، وسعد بن الربيع ، وعبدالله بن رواحة ، وورافع بن مالك بن العجلان ، والبراء بن معرور ، وعبادة بن الصامت ، و سعد بن عبادة ، وعبدالله بن عمرو بن حرام ، والمنذر بن عمرو بن خنيس رضي الله عنهم . وقد ذكرهم كعب بن مالك في شعر له ، كما أورده ابن اسحاق رحمه الله . والمقصود أن هؤلاء كانوا عرفاء على قومهم ليلتئذ عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بذلك ، وهم الذين ولوا المبايعة والمعاقدة عن قومهم للنبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة " أهـ [3]. ولما مات أسعد بن زرارة جاء بنو النجار إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله مات نقيبنا ، فنقب علينا . قال :" أنا نقيبكم " ، رواه الحاكم ، وساقه الحافظ في ترجمة أسعد في الاصابة [4]. وقريب من معنى " النقيب " :" العريف " ، وقد ألمح بعضهم إلى أن " النقيب " أرفع درجة من " العريف " كما سيأتي من كلام الشوكاني رحمه الله تعالى ، ويظهر أنهما في عهد الصحابة رضي الله عنهم بمعنى . والعريف هو : " القيم بأمور القبيلة والجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم . أهـ . قال الحافظ : وسمي بذلك لكونه يتعرف أحوالهم حتى يُعرِّفَ بها من فوقه عند الاحتياج .أهـ . وفي الصحيح في قصة مجيء وفد هوازن مسلمين فسألوا أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم ، فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إليهم السبي دون المال ، فخطب في الناس لأجل ذلك ، فقال الناس : قد رضينا ذلك ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنا لاندري من أذن لكم في ذلك ممن لم يأذن ، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم " ، فرجع الناس ، فكلمهم عرفاؤهم ، ثم رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبروه برضاهم " أهـ[5] .

وقد وردت آية في سورة المائدة تبين أن استخدام ذلك المصطلح قديم جداً حتى في بني اسرآئيل ، وفي ذلك يقول الله تعالى :"ولقد أخذ الله ميثاق بني اسرآئيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً " ( المآئدة ، آية : 12 ) . وقد اختلف أهل التفسير في المراد بكيفية بعث هؤلاء النقباء بعد الاتفاق على أنهم من كبراء بني اسرائيل . قال الشوكاني :" واختلف المفسرون في كيفية بعث هؤلاء النقباء بعد الاجماع منهم على أن النقيب كبير القوم العالم بأمورهم الذي ينقب عنها ، وعن مصالحهم فيها . والنقاب : الرجل العظيم الذي هو في الناس على هذه الطريقة ؛ ويقال : نقيب القوم لشاهدهم وضمينهم . والنقيب : الطريق في الجبل ، هذا أصله . وسمي به نقيب القوم لأنه طريق إلى معرفة أمورهم . والنقيب أعلى مكاناً من العريف … " . انتهى المراد [6]. وهذه الاستعمالات لمصطلح النقيب في القران والسنة تدل على بقاء ذلك المسمى جرياً على مؤدى الحقيقة اللغوية ، ثم عرض لهذا المصطلح تخصيص عرفي في معناه ، نقله من معناه السابق في اللغة إلى معنى آخر جديد ، وأهم ما تميز به هذا التعديل الجديد في المصطلح : تحديد مهام النقيب ، وإعطائه ولاية شرعية من قبل الخليفة بضوابط وحدود تقيد ولايته في جماعته من الطالبيين أو العباسيين ، وقصر ذلك على الأنساب في الغالب ، ويطلق على تلك الولاية :" ولاية النقابة " أو :" نقابة الأنساب " ، وقد تكون هذه النقابة قوية بقوة من يتولاها ومقدار نفوذه في الدولة وهيبته ، وقد تضعف بضعفه ، كما أن الغالب عليها الضعف وقلة الشأن إذا ضعف أمر الخلافة الاسلامية ، ومن ثم قد تفقد سلطانها أو أغلبه على المنتسبين للآل ! . وكان بدء الاستعمال لهذا المصطلح " نقابة الأنساب " في دولة بني العباس ، ولم يرد لها ذكر أو استعمال في دولة بني أمية ، وقد قصروا مصطلح " النقيب ، والنقابة " على نقابة الأنساب فحسب ، للطالبية والعباسية على حد سواء . وقد حاول بعض المستشرقين إثبات وجود شيء من أمر النقابة في عهد بني أمية ، ولم يأت بما يعتمد عليه في ذلك ، كما هي عادتهم في تخبيطاتهم وتلبيساتهم وسوء استدلالاتهم [7]! . المبحث الثاني -انتشار الاصطلاح وتوسعه : ومما ينبغي الاشارة إليه أن أول استخدام لمصطلح :" النقابة " إنما كان في نقابات الأنساب ، ثم انتشر بعد ذلك الاستعمال ، فأصبح يطلق على كل جماعة من الصناع أو الحرفيين ، أو الجند ، ينتهون إلى رئيس ما يعين عليهم إما من قبل ولاية شرعية من الخليفة أو الأمير ، أو من قبل ترشيح فيما بينهم كما في هذا الزمان ، يرجعون إلى رأيه ، وتكون من مهامه استبطان آرآئهم ، ومعرفة مطالبهم ، والمطالبة بحقوقهم ، وحمايتهم من الاعتداءات ، وتلقي الشكاوى فيهم من عامة الناس . يقول الأستاذ حسن الباشا :" وقد استخدمت لفظة " نقيب " بدلالات مختلفة من ذلك استعمالها كرتبة عسكرية في الجيوش الاسلامية . إذ يبدو أنه منذ بداية تنظيم الجيش في الاسلام قسم الجنود إلى جماعات : عشرات ، ومئات ، والوف ، وعشرات الألوف ، وكان رؤساء هذه الجماعات من رتب متفاوتة أصغرها العريف ، ثم النقيب ، أو الخليفة ثم القائد ثم الأمير ، ولو أنه من الصعب تحديد القيمة التي كانت عليها كل رتبة من هذه الرتب في فجر الاسلام . واستمر استخدام " النقيب " كرتبة عسكرية في بعض الدول الاسلامية : كالغزنوية والسلاجقة والأتابكة ، والأيوبيين ، ومنهم انتقل إلى المماليك . وقد ذكر القلقشندي أنه كان من المقرر أن يضم المثبت للعطاء في الديوان إلى نقيب عليه ، أو عريف يكون مأخوذاً بدركه . وكان النقيب يختار من بين أمراء الخمسات أو العشرات . وذكر خليل الظاهري أنه كان كل ألف من أجناد الحلقة يضاف إلى أحد الأمراء من مقدمي الألوف ، وكل مائة من الألف لهم نقيب أو باش . وقد ورد لفظ النقيب في كتابة أثرية بتاريخ سنة 636هـ في جب السدلا بحلب ، تتضمن وقفية باسم :" العبد الفقير الى رحمة ربه النقيب محمد بك الملكي العزيزي الناصري … " . وبالاضافة إلى استخدام لفظة النقيب كرتبة في الجيش ، استخدمت أيضاً كمرتبة في الدعوة الفاطمية ، فكان لداعي الدعاة الفاطمي اثنا عشر نقيباً . وعرف النقيب في عصر المماليك كوظيفة يشغلها أحد العسكريين ، وكانت مهمته أن يكون في أبواب الحجاب والولاة وغيرهم من كبار رجال الدولة على استعداد أن يجهز في طلب من يُطلب . وقد نصح السبكي النقباء – هؤلاء – بأن يترفقوا في طلب من يستدعى وألا يزعجوه أو يرعبوه [8]. وكان النقباء يتبعون لموظف أعلى كان يسمى نقيب الجيوش . وقد جرت العادة أن يبيت بعض النقباء على دهليز السلطان عند مبيته أثناء سفره . وعرف " النقيب" في دولة الموحدين بتونس بدلالة قريبة من هذه الدلالة ، إذ جاء في " مسالك الأبصار " أنه كان إذا كتب كتاب إلى نواحي المملكة ليوصل إلى بعض نوابها جهز مع من يقع الاختيار عليه من النقباء أو الوصفان ، وهم : عبيد السلطان . وكان مثل هؤلاء يسمى في عصور المماليك " نقيب الرسائل " ، وكان هو المكلف بالرسائل . واستخدم " النقيب " أيضاً بمعنى رئيس الطائفة أو زعيمها ، وكان في الغالب يضاف إلى لفظة " نقيب " اسم الطائفة التي يتزعمها ، مثل " نقيب الأشراف " ، أو " الطالبيين " ، أو " العلويين " ، و "نقيب الأتراك " ، ونقيب الأمراء ، ونقيب العساكر ، ونقيب نقباء الجيوش ، ونقيب على ذوي النساب ، ونقيب الفقهاء ، ونقيب المماليك ، ونقيب الهنود ، ونقيب نقباء الطالبيين . وقد يقتصر أحياناً على لفظة " النقيب " فقط ، ولو أنه يغلب استخدامها في هذه الحالة لنقيب الأشراف بصفة خاصة ، سواء من العلويين أو العباسيين ، وقد كانت بزعيم العلويين أشهر . وبالمدرسة النظامية بالموصل كتابة أثرية فوق شباك الحضرة مرقد ابن علي تتضمن تجديد الشباك سنة 731هـ في ولاية " المولى الحسيب النقيب أحمد أبوالعباس محي الدين حيدرة بن محمد شرف الدين بن محمد بن عبيدالله الحسيني " . أهـ [9].

بحث سريع