الدر الحاتمي في منع دفع الزكاة من الهاشمي للهاشمي

بواسطة | صديق حسن خان الحسيني القنوجي
2005/04/17

هل يصح إعطاء هاشمي زكاته لهاشمي آخر أم لا ؟

لا شك أن اسم الصدقة يصدق على هذه الزكاة ، و قد قال صلى الله عليه و سلم في الحديث الثابت في الصحيح بل المتواتر :" إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة " . و في لفظ :" إن الصدقة لا تنبغي لمحمد و لا لآل محمد " . و في لفظ :" إنا لا نأكل الصدقة " .
و هذه الأحاديث كلها ثابتة في الصحيح ، و أيضاً لا شك في أن بني هاشم من الناس .
و قد علل النبي صلى الله عليه وسلم تحريم الصدقة على هؤلاء بأنها أوساخ الناس – يعني هذه الزكاة أوساخ الناس – فصدقة الهاشمي لا تحل للهاشمي ، إذ وجدت العلة ، و هي كون الصدقة أوساخ الناس .
و ما استدل القائل بجواز صدقة الهاشمي للهاشمي بحديث ابن عباس :" إن العباس بن عبد المطلب قال : قلت يا رسول الله إنك حرمت علينا صدقات الناس ، هل تحل لنا صدقات بعضنا لبعض ؟ قال : نعم " أخرجه الحاكم في النوع السابع و الثلاثين من علوم الحديث بإسناد جميع رجاله من بني هاشم العباسية ، فهذا الحديث لو وصل إلى الصحة لكان دليلاً واضحاً صالحاً لتخصيص العموم المذكور ، و لكن قال الشوكاني : لم يصح بل قد اتهم به بعض رواته ، و قد أطال الكلام على ذلك صاحب "الميزان "، و من الغرائب أن الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله تعالى بعد سياق هذا الحديث ، قال : " و أحسب له متابعاً لشهرة القول به " ، قال بعده : " و القائل به جماعة وافرة من أئمة العترة و أولادهم و أتباعهم ، بل ادعى بعضهم أنه إجماعهم ، و لعل توارث هذا بينهم يقوي الحديث " . انتهى .
و صدور هذا الكلام من مثل هذا الإمام من عجائب المسموعات ، لأنه بعد الاعتراف بأن بعض رواة الحديث المهتمين به ، عول على مجرد الحسبان بأن راويه متابع ، مع أن التعويل على الحسبان و التمسك به في هذا الباب لا يجوز بإجماع المسلمين ، بل لو انكشف هذا الأمر للعلامة الموصوف لن يخالفه ، إذ الحسبان لو كان حجة و مستنداً ، لحقّ َلكل قائل أن يقول ما يريد ، و يقول في كل حديث في إسناده كذاب ووضاع و متهم به : احسب له متابعاً ، و صار هذا الحسبان حجة على الناس الآخرين ، و هذا من غرائب التعسفات و عجائب الكبوات ، و أما تعليل هذا الحسبان بأن القائلين بجوازه كثيرون ، فكثرة القائلين ليست بدليل على الحقية بإجماع المسلمين ، وعم هذا لم توجد الكثرة هنا ، بل القائلون بالجواز بالنسبة للمخالفين نزر يسير وعدد حقير .
قال الشوكاني : " و لم أسمع إلى الآن من جعل ذهاب طائفة من الناس إلى قول من الأقوال دليلاً على أن ذلك القول حق ، و أن دليله صحيح ، فاعتبر بهذه من مثل هذا الإمام ، واجعله زاجراً لك عن التقليد ، و ليس من مقصودنا من هذا الإزراء عليه رحمه الله ، فهو إمام الناس في التبحر في جميع المعارف و الوقوف على الدليل و عدم التعويل على ما يخالفه من القال والقيل ، وقد نفع الله به من جاء بعده ، ولكن المعصوم من عصمه الله ، وكل أحد يؤخذ من قوله و يترك ، و ما أردت بهذا التنبيه إلا تحذير أهل العلم عن إحسان الظن بعالم من العلماء حتى يفضي هذا الإحسان إلى تقليده في كل ما يأتي ويذر و اعتقاد أنه محق في كل إيراد و إصدار ، فهذه رتبة فاز بها المعصومون – أي الأنبياء عليهم السلام – " انتهى .
و ما قال في آخر كلامه : أنه إجماع أئمة العترة هذا أيضاً من العجائب ، و لا شك أن هذه الدعوى من أبطل الباطلات ، إذ القائلون به بالنسبة إلى غير القائلين قليلون جداً ، و كيف تصل دعوى إجماع العترة إلى الصحة و جمهور العترة خارجون عنها ، و كتب العترة و أتباعهم موجودة على وجه الأرض لم تذكر فيها هذه الدعوى أبداً .
و أعجب من هذا كله قول السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمر في " منحة الغفار " حيث سكن بعد وجدان سند هذا الحديث و كونه معتضداً بالإجماع نفسه . يقول الشوكاني :" فيالله العجب ! من مثل هذا السكون بمجرد وجدان السند و دعوى الإجماع ! فإن وجدان السند يكون في الموضوع كما يكون في الصحيح و ليس من وجد سند حديث من دون بحث عن حاله و كشف عن رجاله وجد نفسه ساكنة إليه عاملة به ، فإن هذا ليس من الاجتهاد في شيء ، بل من الوساوس الفاسدة و التشهيات الباطلة ، و هكذا قوله و دعوى الإجماع ، فقد جعله علة السكون ، و يالله العجب ! كيف تجري بمثل هذا أقلام العلماء المتقيدين بالدليل ، فإن الدعاوي إذا لم تعضد بالبراهين فهي أكاذيب ، و هذه الدعوى من بينها أوضح كذباً و أظهر بطلاناً و أبين اختلالاً " انتهى .
الحاصل : أنه ليس لدى المجوزين لزكاة الهاشمي للهاشمي متمسك يصلح للاحتجاج و الاستدلال و التمسك ، و مجرد أقوال أهل العلم في إثبات جوازه أما المتقيد بالدليل و التارك لقيل والقال من رجال كل قبيل و علماء كل جيل يلقى في النهر ، و الأحاديث الواردة في عدم جوازه لآل محمد صلى الله عليه و سلم تشمل ما نحن فيه ، و الله أعلم .

تعليق الموقع على الفتوى :
توسع الإمام الشوكاني في نقد قول ابن الوزير و الأمير الصنعاني بما لا موجب له عند التأمل ، و استروح لذلك صديق حسن خان رحم الله الجميع ، و ليس أمثالهما ممن يقال فيهما ذلك ، وهما هما ، و قد رأيا رأياً فاجتهدا فقالا به ، و قد سبقهما إليه عدد من المحققين على رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في " الاختيارات " و " مطالب أولي النهى " .
و المسألة من محال الاجتهاد ، و الواجب أن يسلك فيها ما يسلك في موارد النزاع و الخلاف ، فمن ظهر له القول بجواز الدفع قال به و لا تثريب عليه ، و لقوله حظ من النظر ، و في مقاصد الشريعة ما يشير إليه ، و من رأى الوقوف مع أدلة المنع والتحريم فقوله قولٌ قوي في المسألة إلا أن من يمنع يبالغ أحياناً في التشديد إما على المخالف في المسألة ، أو على المخاطب بها و هم بنو هاشم ، حتى يؤول به ذلك إلى مخالفة الشرع ، و لهذا كان " أشد المذاهب في ذلك هو مذهب الزيدية الذين لم يجوزوا الزكاة من الهاشمي لمثله على المعتمد عندهم و جعلوا أكل الميتة للهاشمي مقدماً على أخذ الزكاة . قالوا : فإن كان تناول الميتة يضره أخذ من الزكاة على سبيل الاستقراض ، ويرد ذلك متى أمكنه . و هذا كله في المضطر الذي خشي التلف و الهلاك من الجوع و العطش أو العري و نحوه " ! . انظر ( فقه الزكاة للقرضاوي 2/731 ) .
و في الموقع إشارة إلى هذه المسألة في " ما حكم صرف الزكاة لآل البيت؟ " ، و بالله التوفيق .

بحث سريع