خصائص بيت إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم

بواسطة | الإمام ابن القيم
2005/04/17
لبيت نبي الله الخليل إبراهيم خصائص تميز بها عن كثير من بيوت العالم ، و أهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم روضة من رياض ذلك البيت العظيم ، و زهرة من بستان عظيم غرسته و حاطته يد خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام ، رعاها في الشام و في الحجاز ، فأخرج الله من ذريته الأنبياء والصالحون ، و منهم من تنكب عن سبيل أبيه ، فكان كما قال الله عنهم :" و منهم ظالم لنفسه مبين " .
و من أحسن من تكلم على خصائص بيت أبي الأنبياء و عمود العالم الثاني ، الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى ، حيث قال :
" … ولما كان هذا البيت المبارك المطهر اشرف بيوت العالم على الإطلاق خصهم الله سبحانه وتعالى منه بخصائص :
منها : انه جعل فيه النبوة والكتاب فلم يأت بعد إبراهيم عليه السلام نبي إلا من أهل بيته . و منها : انه سبحانه جعلهم أئمة يهدون بأمره إلى يوم القيامة فكل من دخل الجنة من أولياء الله بعدهم فإنما دخل من طريقهم وبدعوتهم .
و منها : انه سبحانه اتخذ منهم الخليلين إبراهيم ومحمدا عليهما السلام ، وقال تعالى :" واتخذ الله إبراهيم خليلا " النساء 125 . و قال النبي :" إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا " ، و هذا من خواص هذا البيت .
و منها : أنه أجرى على يديه بناء بيته الذي جعله قياما للناس وقبله لهم وحجا فكان ظهور هذا البيت من أهل هذا البيت الأكرمين .
ومنها : أنه أمر عباده بأن يصلوا على أهل هذا البيت كما صلى على أهل بيتهم وسلفهم وهم إبراهيم وآله وهذه خاصة لهم .
و منها : انه أخرج منهم الأمتين المعظمتين اللتين لم تخرجا من أهل بيت غيرهم وهم امة موسى وأمة محمد عليهما ، و أمة محمد تمام سبعين امة هم خيرها وأكرمها على الله .
و منها : أن الله سبحانه أبقى عليهم لسان صدق وثناء حسنا في العالم فلا يذكرون إلا بالثناء عليهم والصلاة والسلام عليهم قال تعالى وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين الصافات 108 و 110 .
و منها : جعل أهل هذا البيت فرقانا بين الناس فالسعداء أتباعهم ومحبوهم ومن تولاهم والأشقياء من ابغضهم واعرض عنهم وعاداهم فالجنة لهم ولأتباعهم والنار لأعدائهم ومخالفيهم .
ومنها : انه سبحانه جعل ذكرهم مقرونا بذكره فيقال إبراهيم خليل الله ورسوله ونبيه ، و محمد رسول الله وخليله ونبيه ، و موسى كليم الله ورسوله ، قال تعالى لنبيه يذكره بنعمته عليه :" ورفعنا لك ذكرك " { الانشراح : 4 } . قال ابن عباس رضي الله عنهما : إذا ذكرت معي ، فيقال لا اله إلا الله محمد رسول الله في كلمة الإسلام وفي الآذان وفي الخطب وفي التشهدات وغير ذلك .
و منها : أنه سبحانه جعل خلاص خلقه من شقاء الدنيا والآخرة على أيدي أهل هذا البيت فلهم على الناس من النعم ما لا يمكن إحصاؤها ولا جزاؤها ولهم المنن الجسام في رقاب الأولين والآخرين من أهل السعادة والأيادي العظام عندهم التي يجازيهم عليها الله عز وجل .
و منها : أن كل ضر ونفع وعمل صالح وطاعة لله تعالى حصلت في العالم فلهم من الأجر مثل أجور عامليها فسبحان من يختص بفضله من يشاء من عباده .
و منها : أن الله سبحانه وتعالى سد جميع الطرق بينه وبين العالمين وأغلق دونهم الأبواب فلم يفتح أحد قط إلا من طريقهم وبابهم . وقال الجنيد رحمه الله يقول الله عز وجل لرسوله وعزتي وجلالي لو أتوني من كل طريق أو استفتحوا من كل باب لما فتحت لهم حتى يدخلوا خلفك .
و منها : أنه سبحانه خصهم من العلم بما لم يخص به أهل بيت سواهم من العالمين فلم يطرق العالم أهل بيت اعلم بالله وأسمائه وصفاته وأحكامه وأفعاله وثوابه وعقابه وشرعه ومواقع رضاه وغضبه وملائكته ومخلوقاته منهم فسبحان من جمع لهم علم الأولين والآخرين .
ومنها : انه سبحانه خصهم من توحيده ومحبته وقربه والاختصاص به بما لم يختص به أهل بيت سواهم .
و منها انه سبحانه مكن لهم في الأرض واستخلفهم فيها وأطاع أهل الأرض لهم ما لم يحصل لغيرهم .
و منها : انه سبحانه أيدهم ونصرهم وأظفرهم بأعدائه وأعدائهم بما لم يؤيد غيرهم .
و منها : انه سبحانه محا بهم من آثار أهل الضلال والشرك ومن الآثار التي يبغضها ويمقتها ما لم يمحه بسواهم .
ومنها : أنه سبحانه غرس لهم من المحبة والإجلال والتعظيم في قلوب العالمين ما لم يغرسه لغيرهم .
و منها : انه سبحانه جعل آثارهم في الأرض سببا لبقاء العالم وحفظه فلا يزال العالم باقيا ما بقيت آثارهم فإذا ذهب آثارهم من الأرض فذاك أوان خراب العالم قال الله تعالى جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد المائدة 97 قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها لو ترك الناس كلهم الحج لوقعت السماء على الأرض . وقال : لو ترك الناس كلهم الحج لما أنظروا ، واخبر النبي أن في آخر الزمان يرفع الله بيته من الأرض وكلامه من المصاحف وصدور الرجال فلا يبقى له في الأرض بيت يحج ولا كلام يتلى فحينئذ يقرب خراب العالم وهكذا الناس اليوم إنما قيامهم بقيام آثار نبيهم وشرائعه بينهم وقيام أمورهم حصول مصالحهم واندفاع أنواع البلاء والشر عنهم بحسب ظهورها بينهم وقيامها وهلاكهم وعنتهم وحلول البلاء والشر بهم عند تعطلها والإعراض عنها والتحاكم إلى غيرها واتخاذ سواها ومن تأمل تسليط الله سبحانه على من سلطه على البلاد والعباد من الأعداء علم أن ذلك بسبب تعطيلهم لدين نبيهم وسننه وشرائعه فسلط الله عليهم من اهلكهم وانتقم منهم حتى أن البلاد التي لآثار الرسول وسننه وشرائعه فيها ظهور دفع عنها بحسب ظهور ذلك بينهم .
و هذه الخصائص وأضعاف أضعافها من آثار رحمة الله وبركاته على أهل هذا البيت فلهذا امرنا رسول الله أن نطلب له من الله تعالى أن بارك عليه وعلى آله كما بارك على هذا البيت المعظم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
و من بركات أهل هذا البيت انه سبحانه اظهر على أيديهم من بركات الدنيا والآخرة ما لم يظهره على يدي أهل بيت غيرهم .
و من بركاتهم وخصائصهم أن الله سبحانه أعطاهم من خصائصهم ما لم يعط غيرهم فمنهم من اتخذه خليلا ، ومنهم الذبيح ، ومنهم من كلمه تكليما وقربه نجيا ، ومنهم من آتاه شطر الحسن وجعله من أكرم الناس عليه ، و منهم من آتاه ملكا لم يؤته احد غيره ، ومنهم من رفعه مكانا عليا .
ولما ذكر سبحانه وتعالى هذا البيت وذريته اخبر أن كلهم فضله على العالمين .
ومن خصائصهم وبركاتهم على أهل الأرض أن الله سبحانه رفع العذاب العام عن أهل الأرض بهم وببعثتهم وكانت عادته سبحانه في أمم الأنبياء قبلهم أنهم إذا كذبوا أنبياءهم ورسلهم أهلكهم بعذاب يعمهم كما فعل بقوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط فلما انزل الله سبحانه وتعالى التوراة والإنجيل والقرآن رفع بها العذاب العام عن أهل الأرض وأمر بجهاد من كذبهم وخالفهم فكان ذلك نصرة لهم بأيديهم وشفاء لصدورهم واتخاذ الشهداء منهم وإهلاك عدوهم بأيديهم لتحصيل محابه سبحانه على أيديهم وحق بأهل بيت هذا بعض فضائلهم أن لا تزال الألسن رطبة بالصلاة عليهم والسلام والثناء والتعظيم والقلوب ممتلئة من تعظيمهم ومحبتهم وإجلالهم وان يعرف المصلي عليهم انه لو انفق أنفاسه كلها في الصلاة عليهم ما وفى القليل من حقهم فجزاهم الله عن بريته أفضل الجزاء وزادهم في الملأ الأعلى تعظيما وتشريفا وتكريما وصلى عليهم صلاة دائمة لا انقطاع لها وسلم تسليما " انتهى كلام ابن القيم رحمه الله تعالى .
و قد نقل طائفة منها ابن أبي العز الحنفي في شرح " الطحاوية " .

المصدر : جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام ، لابن القيم ، ج: 1 ص: 309

بحث سريع