الحسن بن خالد الحازمي

بواسطة | شاكر بن ناصر الشريف
2005/04/17

مقدمــة:

طالما راودتني فكرة الكتابة عن الوزير الحسن بن خالد الحازمي وذلك إثر قراءات عابرة في تاريخ المخلاف السليماني، وشد انتباهي تلك المواهب المتعددة في ذلك الرجل الفذ ، ولكن المشاغل التي لا تنقضي تحول بين الإنسان وبين ما يريد تحقيقه، خاصة إن لم يوجد تفرغ تام وهم ضاغط. ثم وجدت فسحة من الوقت مع تجدد الهمة للكتابة عن هذا الرجل عندما بدأت أقرأ عن القيادة و صفات القائد والسلطة ومستمداتها. فاستخرت الله واستعنت به كتابة هذه النبذة عن ذلك القائد الفذ.
قبل أن ينتقل بنا المقام إلى سيرة هذا القائد، لابد من وقفة تحليلية لشخصيته.
لقد تميز هذا القائد بمواصفات شخصية، وعناصر ذاتية وهبية كان لها الأثر في إضفاء الهالة عليه. فقد تميز بالشجاعة، والفروسية، ومضاء العزيمة، وفصاحة اللسان، وجمال المنطق والبيان، ذلك إلى جانب الرأي السديد، و الهمة العالية مما كان له الأثر في جذب الناس إليه وهذا ما يطلق عليه الكريزما في العصر الحديث.
ولم تكن المواصفات المميزة التي يتمتع بها هي كل عناصر القوة فيه فقد كان يستمد قوته وتأثيره كذلك من تأثير مكانة أسرته ونسبه فهذه الأسرة كانت لها مكانة وموضع من العلم والقيادة والريادة في تلك البلاد. فهو سليل مجد شامخ وعز باذخ. لقد جمع إلى السلطة التقليدية وسلطة الشخصية الآسرة سلطة ثالثة مستمدة من موقعه ومكانته العظيمة عند أمير المخلاف السليماني في ذلك العصر الشريف حمود أبو مسمار فقد كان وزيره ، وعضده ، ومشيره ، وخازن ، أسراره ، وسفيره كل هذه الأمور أضافت بعداً ثالثاً إلى أبعاد شخصيته السابقة وانطلق هذا الوزير الشريف وامتد تأثيره خارج نطاقه الإقليمي إلى أقاليم أخرى من بلاد المسلمين. وقد أشار العلامة البهلكي في كتاب نفخ العود في سيرة الشريف حمود إلى إعجاب علماء الدعوة السلفية بعلمه وفصاحته وقوة جنانه عندما زار الدرعية أكثر من مرة سفيراً لأميره الشريف حمود. وينبغي الإشارة هنا إلى أن بلاد المسلمين تزخر بالنماذج الفذة الآسرة التي تعدت نطاق الإقليمية ومع ذلك تتميز أمتنا في هذا العصر بالعقوق لأبنائها الذين قدموا الكثير في سبيل رفعة هذه الأمة. بينما تمتد الأعناق وتشير الأصابع إلى أناس لا ينتسبون إلى التأثير والقيادة والريادة بأدنى سبب وأقرب نسب.
وما أحسن قول الشاعر فيه:
فتى عـلامة الدنـيا جميعـاً
وفارسها إذا انحسـر اللثـام
فكم لـك في الوقائع من قضايا
تنتجهـا إذا اشـتد الزحـام
ومن نقط حـروف مهمـلات
بخطـي فيشكلهـا الحسـام
مـن النفـر الذين لهم عهود
مـن المختار تحمله الزمـام
أما قال الرسول ألا احفظوني
فحينئـذ لحاسـده الرغــام


نسبـه:

ينتسب هذا العالم الفذ إلى حازم الأصغر بن علي بن عيسى. ويرجع هذا الأخير إلى يحيى صاحب الديلم بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب. وكان دعا إلى نفسه في عهد الخليفة هارون الرشيد في بلاد الديلم واجتمع عليه خلق واستدرجه الخليفة هارون الرشيد إلى أن مات في حبسه في قصة معروفة (ابن عنبة ، 251).
وقد ساق العلامة الحسن بن أحمد عاكش في الديباج الخسرواني نسبه وقال نقلته من خطه "حسن بن خالد بن عز الدين بن محسن بن عز الدين بن محمد بن موسى بن مقدام بن حواس بن مقدام بن علي بن الهمام بن محمد بن حسن بن حازم بن علي بن عيسى بن حازم بن حمزة بن محمد بن علي بن أحمد بن قاسم بن داود بن إبراهيم بن محمد بن يحيى بن عبد الله الكامل بن الحسن السبط رضي الله عنه بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه".
ويمكن الرجوع في أنساب الأشراف الحوازم وغيرهم من أشراف المخلاف إلى الكتب التي عنيت بأنساب أشراف المخلاف السليماني. مثل الديباج الآنف الذكر. والجواهر اللطاف للعلامة النعمي ومشجرة أبو علامة وكذلك الكتب التي عنيت بأنساب آل أبي طالب على وجه العموم مثل عمدة الطالب لابن عنبه والأصيلي لابن الطقطقي وبحر الأنساب لابن عميد الدين.
استشهد العلامة الحسن بن أحمد الضمدي الملقب بعاكش بالبيت الآتي بعد أن ساق نسب الشريف الحسن بن خالد الحازمي:
نسب تحسب العلا بحلاه قلدتها نجومها الجوزاء
أما قبيلة الحوازمة فمساكنهم بطن وادي صبيا ووادي بيش وضمد من أعمال المخلاف السليماني (الشافعي ، 503).
قال العقيلي "عشيرة الحوازمة الهاشميين من بيت علم وسيادة أنجب عدداً من العلماء وتولى غير واحد منهم وظيفة القضاء وغيرها من الوظائف بها (العقيلي ، 86).
قال الدكتور أبو داهش (الواقع يؤكده ويدل عليه) (أبو داهش ، 14).

مولده ونشأته:

ولد العلامة الحسن بن خالد الحازمي سنة ثمان وثمانين ومائة وألف كما ضبط تاريخ ولادته تلميذه الإمام الحسن بن أحمد عاكش في ترجمته في كتاب حـدائق الزهر في ذكر الأشيـاخ أعيان الدهر. وكانت ولادته بهجرة أحمد (عاكش ، 61).
ونشأ العلامة الحازمي على الطاعة وحب العلم إذ عرف بذلك. وهذا ما أثر في حياته العلمية والعملية وميزها فقد انصرف إلى طلب العلم وعني به اعتناءً بالغاً واجتهد وحصل واعتمـد على نفسـه وكون بجهوده الذاتية ثقافته العلمية (أبو داهش ، 17) (عاكش ، 61).

طلبه للعلم وشيوخه:

جد العلامة الحسن بن خالد في طلب العلم منذ نعومة أظفاره ، إذ قرأ القرآن وتعلم مبادئ الكتابة. ثم التحق بحلقة شيخه العلامة عبد الله بن أحمد الضمدي عالم الخلاف السليماني ومفتيه آنئذ ولازمه ملازمة طويلة وبه تخرج في جميع الفنون (أبو داهش ، 21).
قال العلامة الحسن بن أحمد عاكش "ولا شيخ له غيره إلا أشياخ قليلون بالإجازات (عاكش ، 21).
وتبحر في علم النحـو والصرف والأصول وصـار المرجع في دقائقها التي حيرت العقـول واشتغل بعلوم القرآن وبلغ فيها الغاية وصـرف همته إلى علم الحديث فبـرز على حفاظـه ولـه بصر بمعرفة الرجال وعلل الحديث (عاكش ، 61).
ولم يرحل العلامة الخالدي إلى خارج المخلاف السليماني في طلب العلم كما هو واضح من سيرته.

ثقافته ومذهبه الفقهي:

اعتمد العلامة الحازمي على التزود بالعلم والتبحر على جهود ذاتية واطلاع دؤوب ومذاكرة ومناظرة مع علماء عصره وذلك بعد تخرجه بعلامة عصره الضمدي.
وانصرف بقية حياته إلى الاشتغال بعلوم الكتاب والسنة ، ناضل عنهما بلسانه ، وسنانه ، وحرم التقليد ، ومنع قراءة كتب الفروع التي ألهت في رأيه عن علم الكتاب والسنة (عاكش ، 65) وكانت ثقافته الدينية واللغوية عميقة واصطبغ بسلفية واضحة أصلية (أبو داهش ، 21).
قال صاحب الحدائق:
وله جوابات مسائل عديدة ومراجعات بينه وبين علماء زمنه مفيدة ، وله اختيارات في فرعيات المسائل ، وكثيراً ما يجنح إلى ظاهر الدليل وعندما حصل التعصب والتحزب من بعض المشتغلين بعلم الفروع والتمسك بكلام المفرعين المبنى على التخريجات والمناسبات من غير نظر إلى دليل ، منع قراءة الفروع في كل مذهب وقال: لا قراءة إلا في علم الحديث وحرج على من اشتغل بغير ذلك (عاكش ، 63).

الحالة السياسية في عصره (الإطار الزمني):

في المخلاف نشأ العلامة الحازمي في خضم صراعات بين بيوتات الإمارة المتنازعة فبعد أن توطد الحكم نوعاً ما لأسرة الأشراف آل خيرات والذين يرجعون إلى الشريف خيرات بن شبير بن بشير بن أبي نمي الثاني والذي هاجر إلى المخلاف السليماني من مكة أواخر القرن الحادي عشر مفارقاً لأبناء عمومته حكام الحجاز.
تولى الأشراف آل خيرات الحكم في المخلاف بعد صراعات مع أسر سابقة كان لها نفوذ مثل الأشراف الخواجيون ، والقطبيون ، وبعض القبائل مثل قبائل درب بني شعبة وذلك عام 1141هـ بقيادة الشريف أحمد بن محمد آل خيرات. وبعد وفاته تولى الإمارة ابنه الشريف محمد بن أحمد آل خيرات.
ما أن توطدت الإمارة للشريف محمد بن أحمد آل خيرات بعد صراعات طويلة حتى عاجلته المنية وذلك في العام 1185م وذلك قبل ميلاد مترجمنا بثلاث سنوات. ليدب الخلاف بين أبناءه فقد أوصى الشريف محمد بن أحمد قبل وفاته بالإمارة إلى ابنه الثاني حيدر لما لمسه فيه من الكفاءة دون ابنه الأكبر أحمد مما أدى إلى انقسامات واختلافات ونزاعات اصطلت بلظاها منطقة المخلاف خصوصاً حين يستعين بعض الفرقاء على بعض بمرتزقة قبائل يام الذين ما أن يستولوا على منطقة أو مدينة حتى يعيثوا فيها فساداً (الصميلي ، 24).
عايش العلامة الحازمي في نعومة أظافره الاضطرابات، والخلافات المستمرة التي انعكست على أوضاع الناس المعيشية فقد عاصر في عام 1192هـ الوقعة التي حصلت بين أهالي مدينة أبي عريش ومرتزقة يام والتي أسفرت عن خسائر فادحة لأهل المدينة ووقوع مقتلة عظيمة وبعد انتهاء المعركة توجه جنود المرتزقة إلى مسقط رأس الحازمي، بلدة ضمد، وغيرها لفرض الغرامات واستحصال النكالات.
في ذلك المحيط الغارق في لجة الفتن والمهتز بزلازل الأحداث ولد وترعرع بطلنا الحسن بن خالد الحازمي (العقيلي ، 88).

تلامذته وحلقته العلمية:

كان للعلامة الحازمي مجلس ودرس حافل يحضره طلبة العلم قد انتشر صيته وقصده الطلاب وحضر مجلسه العلماء النحارير:
قال العلامة الحسن بن أحمد عاكش: "كنت أحضر دروسه وإنا قبل سن التكليف" ويقول أيضاً: وكان له مجلس للعلم يملي فيه دروساً على الطلبة وقد قرأ عليه هو نفسه شطراً من "ملحة الإعراب" وقطعة من بلوغ المرام وكان باراً بالعلماء والأدباء يجزل لهم الصلات ويكرم وفادة الوافد منهم. وممن كان يحضر مجالس تدريسه فلا يتخلف عنها العلامة الأديب يحيى بن محمد القطبي ولم يقعده عن الحضور إلا عارض ، ومما قال في العلامة الحازمي:
أيا ولداً صـرت لـي والـداً ولا عجـب أن يشيـخ الوليد
لعلم الصغيـر وجهل الكبيـر فينحـط هـذا وهـذا يشيـد
وإني يـا ذا العـلا والكمـال ويا من هـو المستقيم الرشيد
أحب حضـوري في مجـلس به الـدرس عليّ بـه أستفيد
وتسمـع أذنـي عبـاراتـكم عسى أن يعيهـن ذهني البليد
فقل كيف قصرت في ذا المرام تركت وغصنك ربـط يميد
فأصبحت قد عوج العود منك فها هو على الغمز قاس شديد
إذا رمـت بالغمـز تقويـمه كسـرت وأن تتركنـه يعود
وممن أخذ عنه عبد الله بن سرور اليامي من علماء عسير وفي نجد أفاد طلبة العلم من العلامة الحازمي إبان وفادته إلى بلادهم، وبخاصة في الدرعية، وللشيخ سليمان بن عبد الله بن محمـد بن عبد الوهاب إجازة من العلامة الحازمي برواية دواوين الإسـلام الستة وهذا يشـير إلى منزلته العلمية وكثـرة تلاميذه (أبو داهش ، 27).

دوره في نشر العلم والدعوة السلفية:

قال العلامة عاكش " وقد عمرت في زمان المترجم له المدارس وانتعش من المعارف كل دارس وقرر العلماء الواردين إليه من البلاد الشاسعات جرايات وأمرهم بنشر العلوم في كل الأوقات فصارت جهاتنا منهل وارد وبغية قاصداً.
وكان له أثر في نشر علوم السنن وإعلاء منابر السنن والدعوة إلى نهج طريق السلف الصالح ونبذ التقليد لا يحابي في ذلك أحداً.
"فأقبل الناس على تعليم علم الحديث وأنسوا به غابة الأنس وصارت سنة في هذه الجهات … ، وترك أكثر الناس التقليد المذموم" (عاكش ، 64).
وكان حريصاً على نشر السنن وقمع البدع وإحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وسيرته في ذلك أشبه شيء بسيرة السلف رحمهم الله (الشعفي، 107).
وكان العلامة الحازمي قد عارض الدعوة السلفية للشيخ محمد بن عبد الوهاب في أول أمره ، ولكنه سرعان ما انقاد لها ونصرها بسيفه وسنانه وحكمه وبيانه ، وشغل نفسه بالدفاع عن هذه الدعوة ويظهر ذلك ملياً في نتاجه الأدبي وبخاصة في رسائله الديوانية وما جرى فيها من المناظرات مع علماء نجد وغيرهم إلى جانب مؤلفاته ورسائله الأخرى التي ظهرت فيه مواقفه المؤيدة للدعوة جلية واضحة ملتزماً بالنهج السلفي بعلم وبصيرة العالم الناقد المعتدل. ولهذا يعد الحازمي من المؤيدين للدعـوة المدافعين عنها الناشرين لمضمون أهدافها ومعانيها وهو العودة إلى الكتاب والسنة ومحاربة البدع ومظاهر الشرك (أبو داهش ، 49).
ولما كان الناس عواماً وبهم غفلة عن تعلم التكاليف الشرعية نصب لهذا الشأن العلامة الشريف الحسن بن بشير بن مبارك وألف له رسالة مشتملة على معرفة التوحيد ومعرفة ما يتعين على كل مكلف من الصلاة والصيام والزكاة والحج وبيان ما يجوز وما لا يجوز من العبادات.
فقام الشريف المذكور بهذا الأمر خير قيام وكان في معيته جماعة من أهل العلم يعلمون الجاهل ويرشدون السائل ويوقظون الغافل ومشى الشريف الحسن على جميع ممالك الشريف حمود ونشر فيها لواء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. عمرت في القرى المساجد، وحافظ الناس على الجمعة والجماعة في كل مكان من جميع الجهات وأنس الناس بمعرفة معالم الدين … وأزيلت الأعراف المخالفة للشرع وكان التذكير لعامة الناس في كل أسبوع (البهلكي ، 448).
{mospagebreak}

أعماله وأدواره السياسة:

لقد كان العلامة الحسن بن خالد الحازمي مع علمه وفضله له مثل وتطلع وطموحات إلى معالي الأمور ورغبة في القيادة ، ويتصف بصفات الفروسية والشجاعة وتطلع إلى القيادة (العقيلي ، 89).
وقد كانت الاوضاع السياسية في عصره وهو في ريعان الشباب تهب عليها رياح التغيير داخلياً وخارجياً.
ففي الداخل كان الأمير حمود بن محمد الخيراتي يحاول التغلب على ابن أخيه علي بن حيدر وإزاحته عن مركز الإمارة والمنطقة منقسمة سياسياً وقد تغلب الشريف حمود على ابن أخيه وتولى مركز الإمارة وقد كان وقتها صيت الحسن بن خالد الحازمي قد طار في الأفق لما عرف عنه من القيام التام بأوامر الله تعالى في الإقدام والإحجام فاتصل به الشريف حمود واختصه لمجالسته وتقدم عنده فكان لا يصدر ولا يورد إلى عن مشورته خاصة بعد أن اختبره في المهام الجسام. لقد كان الشريف حمود مع شجاعته وحزمه يحتاج إلى مثل شخصية العلامة الحازمي في علمه وصلابته وشجاعته وبعد نظره.
كانت الدعوة السلفية تواصل انتشارها في مناطق المخلاف بعد أن كسبت إلى جانبها انصاراً من أهل تلك المناطق. وكان أبرز من أثرت فيهم الدعوة الشريف أحمد بن حسن الفلقي وعرار بن شار الشعبي من قبائل بني شعبة الذين سافروا إلى الدرعية وتلقوا العلم هناك ثم توجهوا بتكليف من الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود إلى المخلاف لنشر الدعوة السلفية هناك وإيصال رسالة من الإمام عبد العزيز إلى حكام المخلاف واستمر الدعاة في الدعوة بين قبائل المخلاف واستمالوا إليهما بعض القبائل وأخذت رياح التغيير تهب بقوة على بلاد المخلاف.
وخلال هذه الظروف والمتغيرات السياسية العتيقة برز دور العلامة الحازمي وكان له أعمق الأثر في صناعة الأحداث وتوجييها (الصميلي ، 28).
من أعماله في دولة الشريف حمود وبعدها:
1- كان وزيراً للشريف حمود المدبر لمملكته. يقول العلامة عبد الرحمن بن أحمد البهلكي "لأن الحسن هو عماد الدولة ، ولسان الصولة ، والمعمول برأيه في كل ما عرض والمتبع قوله في الجوهر والعرض إذ هو عيبة الشريف وكرشه ، ووزير ملكه الذي يستظل تحت عرشه. (البهلكي ، 273).
2- كان القائد البارز في دولته يقود الجيوش لإخماد الفتن وفتح الفتوح ونشر الدعوة. وقد اشترك في كثير من المعارك وشهد ما ينيف عن عشرين وقعة حالفه النصر في جميعها. ويقول الحسن بن أحمد عاكش "وهو مع ذلك مؤيد بالنصر والظفر إلى أن قتل شهيداً" (عاكش ، 62).
3- كانت له كثير من السفارات والبعوث خاصة للشريف حمود من أجل الصلح أو لتحقيق مصالح وطنه فقد وفد على إمام اليمن عام 1217هـ ووفد على الدرعية في عامي 1218 و1220هـ.
4- توليه الإمارة في عسير سنة 1234هـ وبقى أميراً على عسير ما يقارب من ثمانية أشهر بعد أن بايعه العسيريون على الجهاد والسمع والطاعة وقد سار في الناس بالعدل والتقوى (تاريخ عسير ،193).

كتبه ومؤلفاته:

لقد كان لوجود البيئة العلمية المميزة وانتشار الدعوة السلفية أثر في نشاط حركة التأليف وقد أسهم العلامة الحازمي في هذا الميدان مع ما له من مشاغل تنوء بحملها الجبال.
يقول عنه العلامة الحسن بن أحمد عاكش وله مؤلفات نافعة بالمعارف يانعة ومن مؤلفاته:
1- شرح على منظومة عمدة الأحكام للإمام السيد عبد الله بن محمد الأمير رحمه الله (عاكش ، 62).
2- شرح على منظومة الشيخ العلامة محمد بن سعيد بن مسفر "عالم المدينة" (عاكش ، 62).
3- رسالة في حكم البسملة والأسرار بها (عاكش ، 62).
4- قوت القلوب بمنفعة توحيد علام الغيوب (عاكش ، 62).
5- جوابات مسائل عديدة ومراجعات بينه وبين علماء زمنه (عاكش ، 62) ، (أبو داهش).
6- رسالة في وجوب هدم المشاهد والأضرحة والقباب (العقيلي ، 100).
7- مكاتبات أدبية وأشعار (العقيلي ، 100).
8- رسالة ذم التقليد (الحازمي ، 18).
9- تعليقات على الفتح مثبته بالنسخة المخطوطة التي تعود إلى مكتبته (الحازمي ، 18).

مكتبته:

كان له رحمه الله مكتبة عامرة بنفائس الكتب فلقد وصف عاكش صاحبها يقوله "وكان يحرص على الاكتساب لكتب الحديث وتوابعها مع اختلاف أنواعها ويبالغ في أثمانها حتى جلبت إليه من كل وجهة ولم يجمع عند أحد منها مثلى اجتمع عنده فيما أعلم. وقال في موضع آخر" تحوي كل نفيسة من الكتب العلمية. (أبو داهش ، 28). نقلاً عن عقود الدرر لعاكش.

أدبــه:

كان للشريف الحازمي مساهمات شعرية تنم عن ذائقة أدبية وسهولة وسلاسة في الأسلوب وإن أثرت فيه الطريقة العلمية إذ هو عالم شاعر. ومن قصائده قصيدة في مدح الشريف حمود منها:
هل الروض معمـور باسـنى المطالب
وهل زرت سـلعاً في بدور صـواحب
وهل آض روح الحي من بعد ما ذوى
فأصبـح مجـاجاً سليـم المعـاطب
وهل بت ترقى في المعارج مصعـداً
إلى نحـو بدر التـم محمي الجوانـب
وقصيدة مشهورة في رثاء أقاربه من الحجاج الذين أدركهم الموت وهم عائـدون بعـد إتـمام الحــج
هـذه الـدار غـفلـة وغـرور دار بلوى بكـل كرب تضـرك
يا فؤادي لا تخدعنـك الأمـاني فالأمـاني إلى البـلايا تجـرك
واعتبـر ناظـراً لكـل خليـل سـار منها وكـان ممن سيرك
فلقـد بـت فاقــداً لكــرام من أخ في الـورى به شد أزرك
وهي طويلة أوردها العلامة زبارة في نيل الوطر.
إلى جانب شعره في الميدان السياسي المتمثل في قصيدته اللامية في نصرة الدعوة السلفية. أما نثره ، فغالباً من النثر المرسل الذي تغلب عليه الناحية العلمية ويتسـم بالوضوح مع كثـرة الاستشهاد بالآيات والأحاديث والوقائع الدينية (العقيلي ، 101).
وتميز رسائله بوضوح الهدف، وأسلوب الحجاج والإقناع، وقوة الإرادة مع استخدام بعض المحسنات البديعية مثل السجع، والطباق، والمقابلة.

من رسائله إلى الإمام عبد الله بن سعود:

وصدرت ونحن مستعينون الله ومستنصروه ومثورون لجهاد أعداء الله ونسأل الله الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد ونسأله أن ينصر دينه وكتابه ، وما النصر إلا من عند الله ، وقد بلغنا استيلاء هذه الطائفة الكفرية على الوشم والقصيم وسدير ودخولهم ضرما واضطراب العارض وهذه ثمرات الذنوب نسأله الله عز وجل أن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا.
والعبد المسلم لا يستوحش في طريق الهدى لقلة سلاكه والاعتصام بالله والتمسك بحبل الله هو راس النجاة ولا ينبغي للمسلم أن يفتقر إلى غير ربه يسأل الله الهداية إلى الصراط المستقيم. (أبو داهش ، 98).

صفاته:

اتصف العلامة الحازمي بصفات قلما تجتمع في رجل واحد فقد جمع مجد السيف ومجد القلم ، واتصف بصفات الشجاعة والفروسية وصدق العزيمة ومضاء الرأي استشراف الأحداث والإخلاص والولاء لمبادئه وعقيدته لآخر رمق.
فقد استشهد رحمه الله مدافعاً عن مبادئه التي عاش من أجلها. قال عنه العلامة عاكش: "كان آية في الذكاء باهرة ومعجزة لكل حسود قاهرة".
وكان من الشجعان الأبطال ، إذا دعيت في الهيجاء نزال وقال:
وله ذكر في كتب السير يعرفه المتطلع وناهيك أن تفاصيل وقائعه ومناقبه، تستغرق العد.
وكان على درجة رفيعة من الفصاحة والبيان وإذا تكلم أتى بالعجب العجاب مع ذلاقة لسان وبراعة بيان.
وكان إلى النهاية في الكرم والبذل ، فوفد عليه أدباء زمانه لذلك من كل جهة وقيلت فيه من القصائد البليغات جملاً مستكثرة (عاكش ، 69).

وفاته:

بعد وفات الشريف حمود بن محمد الخيراتي إثر رجوعه من معركة شهيرة انتصر فيها على قوات محمد علي بقيادة سنان باشا والتي هزمت هزيمة منكرة وقتل قائدها وبعد المعركة وبعد أن عاد الشريف إلى مخيمه ، أصابه مرض ألزمه الفراش مدة من الزمن إلى أن توفي عام 1233هـ وعمره ثلاثة وستون سنة وكان دفنه في قرية الملاحة.
بعد وفات الشريف حمود وتولي ابنه الشريف أحمد بن حمود فقد العلامة سنداً قوياً ودبت الخلافات بينه وبين الأمير أحمد بن حمود كادت أن تؤدي إلى امتشاق الحسام وأخيراً بايع الحازمي للأمير أحمد بن حمود وعمل على إرساء دعائم دولته. ولكن محمد علي باشا وبعد أن ورده خبر موت الشريف حمود الذي مزق جيشه ومبايعة أهل قطره لابنه خاف أن يستفحل أمره فوجه بجيش كثيف إلى المخلاف السليماني بقيادة خليل باشا الذي هاجم معقل الدولة في أبي عريش بينما كان الوزير حسن بن خالد يهيئ لمواجهة في جبال عسير. وفوجئ جيش الوزير بحركة جيش محمد علي فتحرك من عسير لمواجهته ولكن ما أن وصل حتى كان الجيش التركي قد استولى على أبي عريش واستسلم له الأمير أحمد بن حمود الخيراتي وأخذ في التردد في أن يدخل مع تلك القوات في حرب أو يحجم وفي تلك اللحظة عرض عليه من كان في جيشه من رؤساء عسير البيعة بالإمارة وطلبوا منه الرجوع إلى عسير فانتهز الفرصة ورجع من فوره. وهناك بايعه العسيريون على السمع والطاعة والجهاد في سبيل الله كما أخذ في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى العمل بالكتاب والسنة حتى توفاه الله شهيداً في معركة حربية وقعت بين العسيريين والأتراك في المحل المعروف بالرهوة بالقرب من جبل شكر بعد أن هزم القوة المعادية ولكنه وبعد المعركة وهو على فرسه أصابه طلق ناري من فلول الجيش المنهزم فأردته قتيلاً. تقبله الله في الشهداء ورحمه رحمة واسعة وبمقتله انحل نظام الجماعة في عسير وتفرقت كلمتهم وكان مقتله ليلة الخميس في الثالث والعشرين من شهر شعبان عام 1234هـ. رفع الله درجته أعلى في منازل الجنان قدره (النعمي ، 193).
الخاتمــة:
كانت تلك خطى عجلى مشيناها ونحن نتفيأ ظلال سيرة ذلك الرجل الفذ الذي جمع بين مجد السيف ومجد القلم. وإن تكن بنا حاجة إلى شيء فهو أن تُفرد تلك السيرة في مؤلف مستقل وتعالج جميع جوانبها وتتبع خطاها وينقل أثرها وتأثيرها للأجيال الصاعدة.
كانت تلك سيرة رجل ساهم في صنع الأحداث وتوجيهها وأسهم في نضال أهل الجزيرة ضد الغزاة المتآمرين حتى لقي ربه.
نسأل الله سبحانه أن يتقبله في الشهداء ويغفر له ويرحمه.

مراجع البحث:

1- النعمي: هاشم بن سعيد ، تاريخ عسير في الماضي والحاضر ، طبعة دارة الملك عبد العزيز ، 1419هـ
2- عاكش: الحسن بن أحمد الضمدي ، حدائق الزهر في ذكر الأشياخ أعيان الدهر ، تحقيق د. إسماعيل البشري ، 1413هـ.
3- العقيلي: محمد بن أحمد العقيلي ، أضواء على الأدب والأدباء في منطقة جازان ، منشورات نادي مكة الأدبية.
4- أبو داهش: عبد الله بن محمد بن حسين ، من رسائل الوزير الحسن بن خالد الحازمي ، 1407هـ.
5- الصميلي: علي بن حسين بن علي ، العلاقة بين أمراء أبي عريش وأمراء عسير في القرن الثالث عشر الهجري ، 1419هـ.
6- العقيلي: محمد بن أحمد ، تاريخ المخلاف السليماني ، مطابع الوليد ، ط3 ، 1410هـ.
7- الشعفي: أحمد بن محمد بن أحمد ، لآلئ الدرر في تراجم رجال القرن الثالث عشر ، مطابع دار البلاد ، ط1 ، 1412هـ.
8- البهكلي: عبد الرحمن بن أحمد ، نفح العود في سيرة دولة الشريف حمود ، مطابع جازان ، ط2 ، 1406هـ.
9- عاكش: الحسن بن أحمد ، تكملة نفح العود ، مطابع جازان ، ط2 ، 1406هـ.
10- الحازمي: علي بن محمد أبو زيد ، تعليقه على قوت القلوب للوزير الحازمي.
11- ابن عنبة: جمال الدين أحمد بن علي الحسني ، عمدة الطلب في إنساب آل أبي طالب ، مكتبة المعارف ، 1400هـ.
12- المشجرة: المعروفة بمشجرة أبو علامة ، مخطوط.
13- الشافعي:زين رشيد علي الشافعي ، الروض الزاهر ، العبيكان ، ط1 ، 1420هـ.

بحث سريع