المشعشعيون: السلالة العربية الاهوازية التليدة

بواسطة | يوسف عزيزي
2005/04/23


ظهر في الأسواق حاليا كتاب باللغة الفارسية يحمل عنوان (المشعشعيين: ماهيتهم الفكرية والاجتماعية وتطورهم التاريخي) لمؤلفه محمد علي رنجبر وهو أستاذ باحدي الجامعات الإيرانية. وقد نال الكتاب جائزة وزارة الثقافة والإرشاد الإيرانية باعتباره أفضل دراسة ثقافية قدمت للوزارة عام 2001. السلالة المشعشعية هي السلالة العربية الاهوازية التليدة التي أسسها محمد بن فلاح الموسوي المشعشعي في القرن التاسع الهجري (الرابع عشر الميلادي) حيث اختارت مدينة الحويزة عاصمة لها وحكمت علي رقعة كبيرة شملت جنوب وغرب ايران وجنوب شرق العراق وشمال شبه الجزيرة العربية وانشأت امارة عربية حافظت علي استقلالها لاكثر من 70 عاما. وتقع مدينة الحويزة حاليا في جنوب غرب ايران بالقرب من الحدود العراقية وهي تابعة لمحافظة الاهواز الايرانية.
ويطل علينا الكتاب بعد ان صدرت بضعة كتب هامة حول المشعشعيين خلال الحقب الست الماضية وهي كتابي (500 عاما من تاريخ خوزستان ــ الاهواز) و(المشعشعيون) للمؤرخ الايراني احمد الكسروي باللغة الفارسية وكتابي الباحث العراقي جاسم حسن الشبر: (تاريخ المشعشعين وتراجم اعمالهم) و(مؤسس الدولة المشعشعية واعقابه في عربستان وخارجها) باللغة العربية.
كما وتوجد هناك بعض البحوث التاريخية حول الدولة المشعشعية والتي انجزها مستشرقون غربيون لم يترجم كثيراً منها الي العربية أو الفارسية.
ويتألف الكتاب من مقدمة و3 اقسام: القسم الاول بعنوان (دراسة عامة للحركات الفكرية والسياسية) ويعني بذلك المؤلف، الحركات الدينية والسياسية المعاصرة للحركة المشعشعية كـ: السربدارية والحروفية والنوربخشية والصفوية وأهل الحق ، و التي ظهرت جميعها في القرن الثامن والتاسع الهجري في ايران أي عندما كانت البلاد تعاني من التفكك والتشرذم في اعقاب هجوم المغول الرهيب علي بلاد فارس.
وعنوان القسم الثاني (عصر الحركة المشعشعية وحكومتها المستقلة ) والقسم الثالث هو(عهد تبعية المشعشعين) للحكومة الايرانية.
فان الحركات التي عاصرت انبثاق المشعشعين، كالصفوية والنوربخشية واهل الحق والسربدارية والحروفية، كانت حركات شيعية تتسم بالغلو تجاه الامام الاول للشيعة علي بن ابي طالب وتنهل في قسم من ادبياتها من الفكر الفارسي القديم كالمانوية وما شابه ذلك.
وقد وصلت الحركة الصفوية والمشعشعية الى السلطة من بين تلك الحركات الفكرية والسياسية والمذهبية التي عارضت المذهب السني السائد انذاك في العالم الاسلامي. وفيما انحصرت المملكة المشعشعية في رقعة جغرافية محددة ذكرناها آنفا، اتسعت رقعة الامبراطورية الصفوية، ايران وبعض الدول الاسلامية المجاورة.

5 قرون من الحكم المشعشعي
ويصنف المؤلف عهد المشعشعين الي فترتين متمايزتين هما: فترة الاستقلال والتي استمرت نحو 70 عاما (منذ ظهور محمد بن فلاح في عام 840 ق وحتي سقوط المشعشعيين علي يد الشاه اسماعيل الصفوي عام 914 ق ). والفترة التي يصفها المؤلف بـ (واليكري) أي حكم الولاة (914ــ 1135ق) حيث أصبحت عربستان ــ التي كانت تحكمها السلالة المشعشعية ــ منذ ذلك الحين امارة تابعة للحكم الصفوي وهي في هذه الحالة ، كما يقول الكاتب محمد علي رنجبر، تخلت عن استقلالها واكتفت بنوع من الاستقلال الداخلي.
وقد استمر وجود المشعشعيين في الحويزة حتي اوائل الحكم البهلوي اي حتي اواسط العشرينات من القرن الميلادي المنصرم.
وقد بلغ الحكم المشعشعي باكمله ــ من استقلال واستقلال ذاتي ــ اكثر من 3 قرون حيث اعقبتهم في الحكم علي الاهواز سلالتي بني كعب والبوكاسب. ويعد المؤلف، المشعشعيين حركة اجتماعية منبثقة عن الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية السائدة وخاصة في منطقتي جنوب العراق والاهواز.
ويؤكد الكاتب محمد علي رنجبر ــ وهو فارسي الاصلــ في دراسته عن المشعشعيين يؤكد علي حركتهم الاجتماعية والسياسية اولا وعلي معتقداتهم وطبيعتهم الطائفية ثانيا.
ويدرس المؤلف الخلفية الاجتماعية والسياسية والنسيج العشائري والمعتقدات الشيعية في جنوب العراق ومنطقة الاهواز التي مهدت لظهور الحركة المشعشعية.
كما يشرح افكار مؤسس الحركة الامير محمد بن فلاح المشعشعي حيث يري فيها محورين اساسيين هما: (المهدوية) و(الالوهية).
ويسهب المؤلف في قراءته للحركات الصوفية والمذهبية الشيعية وخاصة المهدوية التي ظهرت في القرنين الثامن والتاسع الميلادي ويشرح البيئة الفكرية والفقهية في مدينة الحلة التي نشأ فيها محمد بن فلاح حيث تأثر باستاذين له هما احمد بن فهد الحلي وحافظ رجب البُرسي.
ويعرفنا الكاتب علي نص من اهم نصوص الحركة المشعشعية اي (كلام المهدي) لمؤلفه محمد بن فلاح وهو الذي سبق وان اشار اليه احمد الكسروي في كتابه عن المشعشعين.
ويعتبر هذا النص في عهده بيانا عقائديا وفكريا وسياسيا لعب دورا مهما في تحريض الجماهير المسحوقة للالتحاق بالحركة المشعشعية وهو يماثل من بعض جهاته ونبرته ودفعه للجماهير الي ساحات الكفاح يماثل بيانات عقائدية كالكتاب الاحمر للزعيم الصيني الراحل مائو تسه تونج. لكن الحركة المشعشعية وكجميع الحركات الاجتماعية والسياسية التي ظهرت في عهود قبل الرأسمالية، كانت حركة دينية بشرت جماهير العشائر والفلاحين والطبقات المضطهدة التي كانت تعاني من بطش الاقطاعيين والحكومات الظالمة، بشرتهم بالعدالة، غير انها وبعد جيل او جيلين تحولت الي سلالة حاكمة اقطاعية كسائر السلالات الأخري في عهد الاقطاع.
ويركز محمد علي رنجبر علي الاعتدال العقائدي لدي المؤسس محمد بن فلاح حيث اكتفي بتعريف نفسه نائبا للامام المهدي وذلك قياسا بنجله علي بن محمد بن فلاح الذي حكم لمدة 5 سنوات وادعي بالمهدوية والاولوهية وقام بتدمر اضرحة الائمة في النجف وكربلاء. ويبدو ان السيد علي بن محمد بن فلاح اصبح حاكما عندما انعزل ابيه عن السلطة حيث عاد اليها عقب وفاة السيد علي.
ويجمع المؤرخون كافة ان الحركة المشعشعية تحولت من الغلو إلى الاعتدال ( يعني : المذهب الرافضي الاثني عشري ) في عهد السلطان محسن بن محمد بن فلاح المشعشعي وعملت لترويج المذهب الشيعي الاثني عشري. وقد استمرت السلالة المشعشعية في سلطتها علي مملكة عربستان ــ كما كانوا يصفونها انذاك ــ وتعاقب علي حكمها عدة امراء منهم وجوه بارزة تاريخيا كالمولي مبارك بن مطلب والسيد علي خان بن خلف والسيد علي بن سيد عبد الله.
ويعتقد المؤرخون ان الاهواز كانت البوابة الرئيسية التي دخل منها المذهب الشيعي من جنوب العراق الي بلاد فارس حيث بذل المشعشعيون، جهودا كبيرة لترويج هذا المذهب وقام الصفويون ــ وهم شيعة من اتراك آذربيجان ــ بتكميل المهمة في القرن العاشر الهجري. فلم تكن قبل ذلك في ايران الا مدينتين ذات أغلبية شيعية هما قم وكاشان غير ان الوضع قد تغير بعد ان اعتنق الايرانيون بمعظمهم المذهب الشيعي الاثني عشري في العهد الصفوي.



المصدر: جريدة (الزمان) — العدد 1629 — التاريخ 2003 – 10 -7

بحث سريع