تخفيف القلق

بواسطة | د.عبد الكريم بكار
2005/04/30
القلق هو حالة من التوتر الشامل والمستمر نتيجة توقع خطر فعلي أو رمزي قد يحدث ، ويصحبها خوف غامض وأعراض ( نفجسمية) .
إن القلق والانشغال الذهني ببعض الأمور التي يمكن أن تحدث ، لايعد في الأصل شيئا سيئاً حيث أن البديل عنه قد يكون ضعف الإحساس ، أو الفوضى الوجدانية ، أوعدم الشعور بالمسؤولية ، ولذا فإن قدر من القلق ضروري في توازن الشخصية ، فهو قد ينبه الإنسان إلي وجود شيء خاطىء في حياته ، والذي لن يكون من الحكمة تجاهله . كما أنه يدفع المرء إلى الشعور بعدم الارتياح تجاه التفكير في أمر ما يجعله بداية للتحفزوالعمل . وهو بعد هذا وذاك منشط قوي للخيال إذا ما وظف في العثور علي بعض الحلول أو ارتياد بعض الآفاق الجديدة .
ينشأ ( القلق ) من خلال ماتنطوى عليه سرائر الناس من توقعات وطموحات ، ومن كون المستقبل غيباً ، يمكن أن يحمل لهم مايسر ، وما يسوء … ويعد ( القلق ) من الأمراض الكثيرة الشيوع ، ويثبت بعض العلماء وجود ( مكّون جيني )يجعل قابلية الناس للقلق أمراً كثير الورود . وربما كان لخبرات الطفولة أيضاً دور مؤثر في ذلك .
أنَّ القلق من أكبر الأعداء للحالة المزجية الجيدة ، وهو يؤثر في مشاعر الإنسان وانفعالاته ، كما يؤثر في كفاءة تفكيره . ويشعر ذوو المرضي بالارتباك والفزع ، كما يشعرون بفقد السيطرة على أنفسهم ، والهزيمة أمام التحديات التي تواجههم .
أماتأثيره في كفاءة التفكير ، فيتمثل في بقاء القلق في حالة ترقب للمشكلات والكوارث ، كما أنه يؤثر في مقدرته علي التركيز ، وإعطاء الأشياء المهمة ما تستحقه من انتباه كامل ، وبذلك يصبح اتخاذ القرارات أمر اً صعبا ً ويتجاوز ثأثير القلق ذلك إلي التأثير في الوضع الجسدي، حيث إنه يقلل من مقدر الإنسان على الاسترخاء ، والنوم الجيد ، كما أنه يسبب له الصداع ، ويخفض من درجة نشاط الجسد ، بما يسببه من توتّر وإجهاد . والحصيلة النهائية لكل ذلك هي انخفاض الأداء لدى القِلق ، فهو يبالغ في العناية بأشياء لاتستحق العناية ، كما يهمل أشياء تستحق الاهتمام ، كما يدفعه إلى الاعتماد على الآخرين أكثر من اعتماده علي نفسه ، بالإضافة إلىان القِلق يؤدي واجباته ببطء وتقاعس .
كيف نخفف القلق ؟ :
كم سيكون مؤلماً حين يكتشف المرء بعد أن يقضي قسماً كبيراً من حياته أنه كان منشغلاً علىالدوام بمتاعب لم تقع ، وخائفا من أشياء وهمية ، لاوجودلها إلا في عقله . طاقات بددت ، وأوقات ضاعت ، وأشياء مهمة كان ينبغي أن ينجزها صُرف عنها … واذا فإن من الضروري للواحد منا أن يتخلص من الانشغال بالأموار غير الهامة ، والأموار غير الممكنة ، والأموار غير القابلة للحل ، ليحافظ علي لياقته النفسية ، وليستخدم جهوده وإمكاناته فيما يعود عليه بالنفع . وهذه بعض الأفكارالتى تساعد علي ذلك :
ـ حين يقع أمر سيَِّء ، أو نتوقع حدوثه ، فإنّ تيارا ًمن الهموم المكثفة ، يجتاح الواحد منا ، ويغمره بآلامه وهواجسه ، ومع مرور الوقت يتضاءل كل ذلك إلي أن يتلاشى ، وقد قالوا : (( كل شيء يكون صغيراً ثم يكبر إلا المصيبة تكون كبيرة ثم تصغر )) .
وقد يتضح أن ذلك كان ينطوي علىكثير من الخير . وفي الحديث الشريف (( إنما الصبر عند الصدمة الأولى)) فأول المصيبة ، هوالذي يحتاج إلى استجماع قوى المقاومة . والمهم أن نشتت الوقع النفسي لما وقع ، أو لما يتوقع أن يقع ، قبل أن تشتته حوادث الأيام والليالي ، وذلك من خلال تجاوزة الحاضر ، والاستبشار بما هو آت . وبإمكان الواحد منا أن يسأل نفسه : ماذا ستكون أهمية هذا الذي يشغلني بعد عام أوبعد خمسة أعوام ؟ لاشك أنها ستكون ضئيلة جداً حين يرسب طالب في مستوى من المستويات ، أويتوقع الرسوب ، فإنه يعيش أهوال كارثة حقيقية ، حيث إن تخرجه سيتأخر سنة عن موعده المأمول . ولو أن أحد الخرجين سأل نفسه بعد عشرين سنة من التخرج : ما الأموار التي كانت ستتغير في حياتي لو أنني تخرجت عام 1420 بدل من عام 1421 ـ لوجد أن لاشي يستحق الذكر .
ـ حين نقلق من حدوث أمر ما ، فلنسأل أنفسنا : هل هذا الأمر المتوقع حدوثه يستحق كل هذا الانزعاج ، وكل هذه الحسابات ؟ إن أهم مواردنا الوقت والطاقة المختزنة ،ومن السهل أن نهدر هذين الموردين العظيمين في أمور تافهة ، أوحين نعطي أموراً كبيرة أكثرمما تستحق من الاهتمام والانشغال . علينا أن نتذكر دائما حين نقلق لأمرما أن هناك الكثير من المهمات التي تنتظرنا ، وسيكون من غير الحكمة الانصراف عنها .
ـ إخراج ما يقلق إلى منطقة الوعي ، أمر في غاية الأهمية ، إذ إن أخطر مافي القلق هو الغموض والإبهام . ولذا فإن من المهم أن نحدد بدقة ما يقلقنا ، ونحدد موقفنا منه من خلال مجموعة من الأسئلة :
السؤال الأول: ما الذي يقلقني ؟
السؤال الثاني : هل هناك مابوسعي أن أفعله حياله ؟
إذا كان الجواب (لا) فتوقف عن الانشغال به ، واعمل إلهاء نفسك بشيء نافع . وإذاكان الجواب ( نعم) فاعمل على أن تخرج من حالة التي أنت فيها بما تستطيع عمله ، واكتب قائمة بذلك .
السؤال الثالث : هل هناك أي شيء أستطيع أن أقوم به على الفور ؟
إذاكان الجواب( لا) فاشتغل بالتخطيط لما تستطيع أن تقوم به ، وحدد وقتاً لذلك .
وإذاكان الجواب ( نعم) فابدأبه لتجد المقلقات تتساقط من حولك . وقد قالوا : (( عقل الكسلان بيت الشيطان )) . فالمقلقات تسيطر علي الفارغين الذين لايجدون ما يشتغلون به ، ولذا فإن ملء الوقت وشغل بالأشياء المفيدة، هو صمام الأمام الذي يحول دون تمادي القلق في إزعاجه .
ـ إذا ما حاصرتنا الهموم ، ولم نجد منها مفراً ، فالحكمة آنذاك ألانتجاهلها وندافعها إلى مالا نهاية ، وإنما أن نعطيها جزءاً من وقتنا للتفكير فيها ، كأن نخصص لها ساعة يومياً ، وحين تأتي المقلقات في غير تلك الساعة ، فينبغي أن نعمل على تأجيلها . وحين يحين وقت الانشغال بها ، فلنحاول أن نصور كل مصدر قلق على أنه مشكلة منفردة ، تستدعي حلاً معيناً . وبذلك نكون قد ضربنا سوراً حول القلق ، فلا يطرق في كل الأوقات ، كما نكون قد حولناه من هواجس مزعجة إلى شيء محدد ، يمكن التعامل معه .
كل ذلك يحتاج من الواحد منا ألاَّ يعطي الدنيا ومشكلاتها أكثر مماتستحق وأن يعمر قلبه بذكر الله ـ تعالىـ ويثق بعونه ولطفه ، كما يحتاج إلى إرادة صلبة حتى يقاوم هذا المرض .

بحث سريع