جزاك الله –يا عائشة- خيراً، ما سررت مني كسروري منك

بواسطة | محمد ناصرالدين الألباني
2005/05/09
(4144) (جزاك الله –يا عائشة- خيراً، ما سررت مني كسروري منك).
كذب موضوع. أخرجه البيهقي في "سننه" (7/422-423)، والخطيب في "التاريخ" (13/252-253)، ومن طريقه الحافظ المزي في "التهذيب" (28/319-320) من طريق محمد بن إسماعيل البخاري، قال [حدثنا عمر ابن محمد قال:] حدثنا أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كنت قاعدة أغزل، والنبي صلى الله عليه وسلم يخصف نعله، فجعل جبينه يعرق، وجعل عرقه بتولد نوراً، فبهت، فنظر إلي رسول الله صىل الله عليه وسلم، فقال: "مالك يا عائشة؟" قلت: جعل جبينك يعرق، وجعل عرقك يتولد نرواً، ولو رآك أبو كبير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره. قال: "وما يقول أبو كبير؟" قالت: قلت: يقول:
ومبرأ من كل غبر حيضة وفساد مرضعة وداء مغيل
فإذا نظرت إلى أسرة وجهه برقت كبارق عراض المتهلل
قالت: فقام النبي صلى الله عليه وسلم وقبل بين عيني، وقال: فذكره.
ثم رواه الخطيب، وعنه المزي أيضاً من طريق أخرى عن البخاري: حدثنا عمرو ابن محمد بن جعفر به قال: بنحوه. وزاد: "قال أبو ذر (يعين محمد بن محمد بن يوسف القاضي): سألني أبو علي صالح بن محمد البغدادي عن حديث أبي عبيدة معمر بن المثنى أن أحدثه به؟ فحدثته به، فقال: لو سمعت هذا من غير أبيك عن محمد لأنكرته أشد الإنكار؛ لأني لم أعلم قط أن أبا عبيدة حدث عن هشام بن عروة شيئاً، وكلنه حسن عندي حين صار مخرجه عن محمد بن إسماعيل".
وأقول: لقد أشار المزي رحمه الله إلى تضعيف هذا الحديث باستغرابه إياه، وحق له ذلك؛ فإن شيخ البخاري عمرو بن محمد بن جعفر نكرة لا يعر، ليس له ذكر في شيء من كتب التراجم التي عندي، فمن الظاهر أن غير معروف بالرواية، وإلا؛ لذكره البخاري في "تاريخه" ثم ابن حاتم في كتابه، أو على الأقل ابن حبان في "ثقاته"؛ الذي جمع فيه من الرواة ما فات من قبله، فهو بحق مصدر فريد في معرفة الرواة المجهولين أو المستورين! فهو إذن آفة هذا الحديث.
ثم إن متن الحديث لوائح الوضع عليه ظاهر عندي؛ إذ من غير المعقول أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة أو لغيرها من البشر الذين هداهم الله به، وله المنة بعد الله عليهم: "ما سررت مني كسروري منك"!
زد على ذلك قصة تولد النور من عرقة صلى الله عليه وسلم التي لا أصل لها في شيء من أحاديث خصائصه وشمائله صلى الله عليه وسلم؛ حتى ولا في كتاب السيوطي "الخصائص الكبرى" الذي جمع فيه من الروايت ما صح وما لم يصح حتى الموضوعات!
ثم رأيت الحديث في "الحليلة" (2/45-46) من طريق البخاري أيضاً، لكنه نسب الشيخ فقال: "عمرو بن محمد الزئبقي" فجرعت إلى "أنساب السمعاني"، فوجدت عنده في هذه النسبة: "أبو الحسن أحمد بن عمرو بن أحمد البصري الزئبقي من أهل البصرة، حدث عن عبدة بن عبد الله الصفار وأبي يعلى المنقري وابنه (!). روى عنه محمد ابن علي الكاغدي وأحمد بن محمد الأسفاطي البصريان، وأبو القاسم الطبراني، وأما ابن المذكور هو محمد بن أحمد بن عمرو الزئبقي، حدث عن يحيى بن أبي طالب، روى عنه القاضي أبو عمر بن أثياقا البصري".
فهل هو أبو الحسن هذا تحرف اسمه (محمد) إلى (أحمد)؟ ذلك مما أستبعده؛ لأنه دون محمد في الطبقة. والله أعلم.

السلسلة الضعيفة

بحث سريع