إجماع آل البيت في الميزان

بواسطة | إدارة الموقع
2005/05/10
الحمد لله الذي ثبت أركان الدين بأئمة أهل السنة وأعلامهم، وجعل خلفاء نبيه أتباعه في الدنيا ويوم يدعى كل الناس بإمامهم، وسلك مسلك السداد، ومهد لهم طرق الهدى والرشاد. وعصمهم باتباع سنن نبيه -عليه الصلاة والسلام-، من الزيغ والضلال والشبه والأوهام.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد صاحب الشريعة الغراء، الواضحة البيضاء، وعلى آله أئمة الدين، وصحابته الهادين المهديين.
وبعد، فهذا بحمد الله بحث في "إجماع أهل البيت وحجيته في الميزان".
وقبل الشروع في الموضوع لا بد من الإشارة إلى بعض الأمور:
أولاً: الإجماع: لغة: العزم والاتفاق.
واصطلاحاً: اتفاق مهتدي هذه الأمة بعد النبي –صلى الله عليه وسلم- على حكم شرعي. "الأصول من علم الأصول" ابن عثيمين.
ثانياً: تحديد من هم آل البيت؟
اتفقت كلمة المسلمين على أن الحسن والحسين وذريتهما من آل البيت، إما استقلالاً كما ذهب إليه البعض، وإما بدخولهم فيما هو أعم دخولاً أولياً أولويا.
وهنا لا بد من ذكر حديث زيد بن أرقم –رضي الله عنه- الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه: ".. فقال حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته. ولكن أهل بيته من حُرم الصدقة بعده. قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. قال: كل هؤلاء حُرِم الصدقة؟ قال: نعم" مسلم برقم (2408)، كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل علي بن أبي طالب –رضي الله عنه-.
يقول الإمام الصنعاني –رحمه الله- في رسالته: "مسائل علمية" "فنقول: لا ريب أن أهل البيت هم ذرية الحسنين" ثم ذكر كلاماً طويلاً حول انتشارهم في جميع الأقطار والأمصار، ثم قال: "… ومنهم من بقي على مذهب الزيدية وهم الأقلون، والأكثرون فيهم صارت كل طائفة من الطوائف منهم في أي قطر من أقطار الدنيا، فإنهم في مذاهبهم الدينية على رأي من هم بينهم إلا القليل، فإن الإدريسية في المغرب مالكية المذهب، وكل من هو في ديار الروم وغيرها والهند حنفية وحنابلة، وهؤلاء آل با علوي جميعهم شافعية وهم أمة كثيرة. فهؤلاء الذين ذكرناهم وأضعافهم من أهل البيت بلا ريب شرعاً وعقلاً وعرفا، لأن أهل البيت اسم اتفق علماء الأمة أجمعون بأن أولاد الحسنين أهل البيت، إما بالاستقلال، كما هو القول الخامس –أشار إليه ص(8)، أو بدخولهم فيما هو أعم كالأقوال الأربعة-أشار إليها أيضاً في نفس الرسالة- دخولاً أولياً أولويا.
ودخول أمير المؤمنين في ذريته –صلى الله عليه وسلم- تغليباً على تفسير الآل بالأزواج والذرية، ولا ريب في هذا ولا شك.
وإذا تقرر ما سردناه فالقائل لمن يرفع يديه مثلاً في تكبيرة الإحرام: خالفت أهل البيت، يقول له الذي يرفعهما: بل أنت بعدم رفعهما خالفت أهل البيت، بل خالفت الأكثر منهم، والأوسع علماً، والأجل قدراً، والأعظم قطرا.
ولا يخفى أنه ليس أحد القائلين بأصدق وأحق ولا أولى من الآخر، بل القائل للرافع يديه: خالفت أهل البيت، إن أراد جميعهم فهو كاذب قطعاًن وإن أراد بعضهم فليس الحق منحصراً في بعض أهل البيت. وهب أنه منحصر في بعضهم فأين الدليل على تعيين هذا البعض؟ فإن قلت: إنما يريد القائل: خالفت أهل البيت، أي الزيدية، قلت: نعم، لكن هذه الإرادة باطلة لغةً وشرعاً وعقلاً وعرفا، فمسمى أهل البيت على ما قررناه هم أولاد الحسنين على أقل ما قيل، والزيدية بعض منهم، ولا يصح عقلاً ولا شرعاً ولا لغة قصر هذا التسمي على بعض أفراده إلا بدليل، وليس إليه من سبيل، وما هو إلا نظير أن يقول القائل ليس المراد بقوله تعالى: "يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم" الآية. الأعراف: 26، "يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان" الآية. [الأعراف:27] إلا أهل ذمار، أو بني خليل من همدان، فإنه لا يقول بهذا من له أدنى مُسكة من عقل ومعرفة بالشريعة واللغة" ثم قال: "وهنا انتهت المقدمة، وإنما توسعنا فيها بعض توسيع لأنا رأينا أهل ديارنا –يعني اليمن- لا يعدون أهل البيت إلا الزيدية ولا يعرفون غيرهم، وإن خالف عالم رجلا من أهل البيت الذين في "شرح الأزهار" قالوا: خالف أهل البيت، وهذا جهل عجيب بالمسمى بأهل البيت، فإن من ترك رفع يديه عند تكبيرة الإحرام قد خالف أهل البيت جميعاً ووافق "الهادي" فقط، فإنه لم يخالف من أهل البيت في عدم القول بالرفع غيره كما هو معروف، والجاهلون يرون من يرفع يديه، فيقولون: خالف أهل البيت". "مسائل عليمة" للإمام الصنعاني ص( 9-14) ط. مكتبة الإرشاد –صنعاء.
يقول الحسين بن أمير المؤمنين المنصور بالله القاسم بن محمد –رضوان الله عليهم- "والمراد بالعترة الذين قولهم حجة: علي وفاطمة والحسنان في عصرهما، ومن كان منتسباً إلى الحسنين في كل عصر". "هداية العقول إلى غاية السول من علم الأصول" له، (1/492).
وقال الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى المرتضى في كتابه: "منهاج الوصول إلى معيار العقول في علم الأصول" ص(619): "واعلم أنه لا خلاف هنا أن المراد بأهل البيت -عليهم السلام- علي وفاطمة والحسنان ومن حدث من ذريتهما".
ثالثاً: القائلون بحجية إجماع أهل البيت:
1- قال الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى في "منهاج الوصول" ص(619): "مسألة: قالت الزيدية كافة، وأبو عبد الله البصري من المعتزلة، (وإجماع أهل البيت) عليهم السلام (حجة). وقال الأكثر من الأئمة، (لا) حجة فيه".
2- قال الحسين بن أمير المؤمنين المنصور بالله القاسم بن محمد في "هداية العقول" ص(492): "… (والنوع الثاني من نوعي الإجماع هو الاتفاق من العترة كذلك) أي كالنوع الأول فهو اتفاق المجتهدين من عترة الرسول –صلى الله عليه وسلم- بعده في عصر على أمر". ويعني بالأول إجماع الأمة.
- أما الشيعة الروافض، فلندع الحديث لهم، لنرى ما المراد بالإجماع عندهم، وما قيمته يقول رضا الصدر: "أما الإجماع عندنا –معاشر الإمامية- فليس بحجة مستقلة تجاه السنة!!! بل يعد حاكياً لها". "الاجتهاد والتقليد" ص(17).
ويقول أحد علمائهم: "إن الإجماع بما هو إجماع لا قيمة علمية له عند الإمامية ما لم يكشف عن قول المعصوم.. فإذا كشف على نحو القطع عن قوله، فالحجة في الحقيقة هو المنكشف لا الكاشف، فيدخل حينئذ في السنة ولا يكون دليلاً مستقلاً في مقابلها". "أصول الفقه للمظفر" (3/92).
- ومن عجائبهم –التي لا تنتهي- أنهم يدعون الإجماع في أمر لا قائل به على الإطلاق، يقول شيخهم النوري الطبرسي في "فصل الخطاب" (34): "ربما يدعي الشيخ والسيد إجماع الإمامية على أمر وإن لم يظهر له قائل".
وليس هذا بغريب على قوم قالوا بإمامة الإمام ولو كان عمره ثلاث سنين، "أصول الكافي" (1/321)، و"الإرشاد للمفيد" (298)، و"أعلام الورى" للطبرسي (331) وفي الأخيرين: "ولو كان أبن أقل من ثلاث سنين"، و"بحار الأنوار" (25/102-103).
- يقول الدكتور علي السالوس في كتابه "أثر الإمامة في الفقه الجعفري وأصوله" (264): "وما دام الإمام عندهم يعتبر معصوماً، وقوله سنة، فما جدوى الإجماع إذن؟ وما الفرق بينه وبين السنة؟".
- يقول الدكتور ناصر القفاري في "أصول مذهب الشيعة" (469): "فهم لا يقولون بالإجماع على الحقيقة، ومع ذلك يجعلونه من أصول أدلتهم، ويتناقضون في دعواه وتطبيقه أيما تناقض، والتناقض في القول دليل بطلانه".
رابعاً: أدلة القائلين بحجية إجماع أهل البيت –رضي الله عنهم-:
استدلوا على ذلك بالكتاب، والسنة، والمعقول:
* أدلة الكتاب: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" [الأحزاب:33]. ويقول تعالى: "قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى" [الشورى: 23].
* وأما أدلتهم من السنة فيمكن حصرها في حديث الثقلين، وسيأتي الكلام عليه.
* واستدلوا بالمعقول فقالوا: إن أهل البيت اختصوا بالشرف والنسب، وأنهم أهل بيت الرسالة، ومعدن النبوة، والوقوف على أسباب التنزيل، ومعرفة التأويل، والعلم بأفعال الرسول وأقواله لكثرة مخالطتهم له، وأنهم معصومون عن الأخطاء لأمانتهم، فكانت أقوالهم وأفعالهم حجة على غيرهم.
خامساً: الرد على ما استدلوا به، وتوهموه حججاً وبراهيناً على صحة ما ذهبوا إليه.
- أما استدلالهم بالآية الكريم "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" [الأحزاب: 33].
فالرد كالآتي:
1- روى ابن جرير الطبري –رحمه الله- في تفسير هذه الآية عن عكرمة أنه كان ينادي في السوق "إن قوله تعالى "إنما يريد الله ليذهب…" الآية نزلت في نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو الملاحظ من الآية وسابقها ولاحقها، وقد يورد الشيعة هنا شبهة يظنونها حجة، وهي قولهم: إن الضمير في الآية ضمير جمع المذكر، وأزواج النبي –صلى الله عليه وسلم- يناسبهن ضمير جمع المؤنث "عنكن".
فيقال لهم: إن العرب تستعمل صيغ التذكير في المؤنث التي يلاحظونها بلفظ التذكير إذا أرادوا التعبير عنها بتلك الملاحظة. وقد جاء هذا الاستعمال في القرآن: "أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد" [هو: 73]، وقوله تعالى "فقال لأهله امكثوا" [طه:10].
وأما احتجاج الشيعة بأن أم سلمة قالت يا رسول الله –أشركني فيهم، قال: "أنت على خير وأنت على مكانك"؛ فهو دليل صريح على أن نزولها كان في حق الأزواج فقط؛ فدعاؤه لها تحصيل حاصل.
ولهذا الملحظ –أي أن الآية نزلت في الأزواج رضي الله عنهن- دعا النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الأربعة، ولو كانت الآية فيهم ابتداءً فما الحاجة إلى هذا الدعاء؟ وما سبق لا يمنع دخول الآل في الآية تبعاً، لأن "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب" لا سيما مع دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم- لهؤلاء الأربعة -رضي الله عنهم-.
قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية: "نص في دخول أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في أهل البيت ها هنا، لأنهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولا واحداً وحده على قول، أو مع غيره على الصحيح".
فهل يقول الشيعة بحجية إجماع أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- أو بحجيته مع هؤلاء الأربعة رضي الله عن الجميع.؟
ثم في الآية إبطالٌ لعصمة الأئمة عند الروافض؛ إذ كيف يقال في حق من هو طاهر معصوم: "إني أريد أن أطهره"؟!
وإن كانت الآية حجة لهم –كما يزعمون- فإن غيرهم يحتج بقوله تعالى: "ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون" [المائدة:6]، وبقوله تعالى: "ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان" [الأنفال:11]. لاسيما مع قوله: "وليتم نعمته عليكم"، فإنه أدعى لقوة الاحتجاج.
2- لا نسلم -كما يقول الإمام الشوكاني- بأن الرجس في الآية هو الخطأ، فإن الرجس يطلق على القذر والعذاب والشرك.. بل قال بعضهم ليس في اللغة: أن الرجس هو الخطأ.
3- أن الآية لو كانت تشير أو تدل على عصمة هؤلاء الأربعة –أصحاب الكساء- لجاءت مثلاً: إن الله أذهب عنكم الرجس وطهركم تطهيراً.
4- أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- لم ينكر على أحد ممن خالفه فيما ذهب إليه من الأحكام، ولم يقل: إن الحجة فيما أقول، مع كثرة مخالفيه.
5- أن نفي الرجس في الآية: المقصود منه نفي التهمة والريبة عن أزواج خاتم النبيين وحبيب رب العالمين، قال الله مبيناً فضل هؤلاء الطاهرات المطهرات: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم" [الأحزاب:6].
- وأما واستدلالهم بالآية الكريمة: "قل ما أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى" [الشورى: 23].
فالجواب عليه بالآتي:
1- أن المودة والمحبة لقرابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- شيء والاجتهاد والاستنباط شيء آخر.
2- أن أهل التفسير اختلفوا في المقصود من الآية اختلافاً بيناً، لاسيما والسورة مكية، ولم يكن هناك الحسنان –رضي الله عنهما- ولا تزوج علي رضي الله عنه بفاطمة -رضي الله عنها-.
3- قال بعض المفسرين: إن ما ذهب إليه بعضهم من أن المقصود من الآية "إلا أن تودوني في قرابتي" ليس مناسباً لشأن النبوة، بل هو من شيمة طالب الدنيا بأن يفعل شيئاً ويسأل على ذلك ثمرة لأولاده وأقاربه، ولو كان للأنبياء مثل هذه الأغراض لم يبق فرق بينهم وبين أهل الدنيا ويكون ذلك موجباً لتهمتهم.
ولعل الحكمة في أن "الأنبياء لا يورثون، بل ما تركوه صدقة" من هذا الباب العظيم وهو "دفع التهمة والريبة عن الأنبياء" عليهم السلام.
ولا يلبس عليك الروافض بالآية الكريمة "وورث سليمان داوود" [النمل:16]، فإن معناها الذي لا محيد عنه: أنه ورثه في الملك والنبوة، وليس المراد وراثة المال، إذ لو كان كذلك لم يُخَص سليمان وحده من بين سائر أولاد داود عليه السلام كما أفاده الحافظ ابن كثير –رحمه الله-.
4- أن المعنى الذي ذهب إليه الروافض وغيرهم في تفسير الآية، منافٍ لقوله تعالى "قل ما سألتكم من أجر فهو لكم، إن أجري إلا على الله" سبأ:47، وقوله تعالى "أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون" [الطور:40]، وغيرها من الآيات.
5- أنهم بنوا استدلالهم بهذه الآية الكريمة السابقة على مقدمتين وهما: أن أهل البيت واجبو المحبة، وأن كل واجب المحبة واجب الإطاعة والاتباع، وخرجوا من ذلك بأن "أهل البيت واجبو الاتباع" فهل يطردون هذه القاعدة في كل من ثبتت الأدلة في محبتهم "أم أن باءهم تجر وباء غيرهم لا تجر"!!.
- رد استدلالهم بالأحاديث على حجية إجماع أهل البيت –رضي الله عنهم-:
يقول الإمام الشوكاني في "إرشاد الفحول": "واستدلوا بالآية: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) [الأحزاب:33] … وبأحاديث كثيرة حداً تشتمل على مزيد شرفهم وعظيم فضلهم، ولا دلالة فيها على حجية قولهم، وقد أبعد من استدل بها على ذلك.." ص(309).
ومن الأحاديث التي استدلوا بها حديث "إني تارك فيكم الثقلين.." رواه الترمذي وغيره، والرد على احتجاجهم به على حجية إجماع العترة بأن يقال:
1- أن هذا خبر آحاد، وخبر الآحاد ليس حجة عندهم.
2- لو سلمنا بأنه حجة عندهم فنقول: إن المراد بالعترة "السنة" كما جاء ذلك في الرواية الأخرى "كتاب الله وسنتي" وإنما خص العترة بالذكر في روايتهم لعلمهم بأقواله وأفعاله، فالتعبير بها يكون مجازاً عن السنة.
3- للمخالف أن يستدل بالحديث البالغ حد الشهرة والتواتر المعنوي وهو "اقتدوا بالذين من بعدي: أبي بكر وعمر". "صحيح سنن الترمذي" (3/200). وكذا حديث: "واهتدوا بهدى عمار، وتمسكوا بعهد ابن مسعود". "سنن الترمذي" (3805).
4- إن العترة داخلون في أهل السنة، وقد مر بك قول الإمام الصنعاني: "فإن الإدريسية في المغرب مالكية المذهب، وكل من هو في ديار الروم وغيرها والهند حنفية وحنابلة، وهؤلاء آل با علوي جميعهم شافعية وهم أمة كثير". فالزيدية جزء من العترة، وليسوا جميع العترة، والعبرة في الحديث –إن سلمنا بما ذهبوا إليه- بإجماع العترة لا الزيدية وحدهم.
5- أن كتب الروافض مليئة بتكفير الزيدية، يقول محمد باقر المجلسي في بحار الأنوار!! (37/34): "كتب أخبارنا مشحونة بالأخبار الدالة على كفر الزيدية وأمثالهم" ومن أراد التوسع فعليه بالرسالة الماتعة: "نظرة الإمامية الإثني عشرية إلى الزيدية بين حقيقة الأمس وتقية اليوم" تأليف محمد الخضر، ومعه "التقديم الوافي" للشيخ محمد المهدي.
أما الزيدية وموقفهم من الروافض فنكتفي بهذا النص عن زيد بن علي –رضي الله عنه- (ت122هـ): "اللهم اجعل لعنتك ولعنة آبائي وأجدادي ولعنتي على هؤلاء القوم الذين رفضوني وخرجوا من بيعتي كما رفض أهل حروراء علي بن أبي طالب عليه السلام حتى حاربوه". "رسائل العدل والتوحيد" (3/76) نقلاً عن "التحف شرح الزلف".
والشاهد مما سبق: كيف يمكن تحديد أهل البيت في الأزمان المتأخرة وهم فرق شتى، وطرائق متعددة، يكفر بعضها بعضا، ويلعن بعضها بعضا؟!
- رد استدلالهم بما سموه "المعقول":
1- أن الشرف والنسب.. الخ، لا دخل له ولا أثر في الاجتهاد والاستنباط، وإنما المعول عليه أهلية النظر والاستدلال.
2- كثرة مخالطتهم للرسول -صلى الله عليه وسلم- فهو مما يشاركهم فيه غيره كزوجاته وبقية الصحابة –رضي الله عنهم-. ثم إن النبي –صلى الله عليه وسلم- قبض وعمر الحسن (8 سنوات)، وعمر الحسين (7 سنوات)؛ لأن الحسن ولد في (2هـ)، والحسين ولد (3هـ)؛ "فاعتبروا يا أولي الأبصار" [الحشر:2].
3- العصمة:فلم تثبت بدليل مقبول، ولأن العصمة تلازم الوحي، ولا وحي على غير نبي.
-ولهم شبه أخرى تكفي حكايتها في بيان بطلانها وتهافتها وسقوطها.
شبه تهافت كالزجاج تخالها حججاً وكل كاسر مكسور
وسيأتي مزيد بيان من أقوال أهل العلم المنكرين لحجية إجماع أهل البيت –وهو الحق الذي لا محيد عنه- إذ أن أهل البيت –رضي الله عنهم- جزء من الأمة والعبرة بإجماع الأمة لا بإجماع جزء منهم.
سادساً: القائلون بأن إجماع أهل البيت –رضي الله عنهم- ليس حجة مع مخالفة غيرهم لهم:
1- الإمام محمد بن علي الشوكاني: "إرشاد الفحول" ص(903): "وذهب الجمهور أيضاً إلى أن إجماع العترة وحدها ليس بحجة، وقالت الزيدية والإمامية هو حجة، واستدلوا بالآية: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً" [الأحزاب:33] … وبأحاديث كثيرة جداً تشتمل على مزيد شرفهم وعظيم فضلهم، ولا دلالة فيها على حجية قولهم، وقد أبعد من استدل بها على ذلك".
2- شمس الدين محمد بن مفلح المقدسي في "أصول الفقه" (410) "إجماع أهل المدينة ليس بحجة خلافاً لمالك"، ثم عطف عليه ص(416): "ولا إجماع أهل البيت". وقال في ص(425): "ونمنع أن الخطأ من الرجس –أي الذي أراد الله أن يطهرهم منه-، ومن الواضح من سياق الآية أنه أراد دفع التهمة –أي عنهم- وبعض أصحابنا قال: مفرد –أي الرجس- حلَّى باللام ولا يستغرق. ولم يحتج أهل البيت -رضوان الله عليهم بذلك-، ولا ذكروه، ولا أنكروا على مخالفهم حتى علي رضي الله عنه زمن ولايته، ولو كان ذلك حجة، كان تركه خطأ ولوجب ذكره، ومعلوم: لو ذكر لنقل وقبله منه أصحابه وغيرهم كما في غيره".
3- قال أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي في "التبصرة في أصول الفقه" ص(346): "اتفاق أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بحجة، وقالت الرافضة: هو حجة. لنا قوله تعالى: (ويتبع غير سبيل المؤمنين) [النساء:115]، فعلق الوعيد على ترك سبيل المؤمنين، فدل على أنه لا يتعلق ذلك بترك سبيل بعضهم".
4- قال سراح الدين محمود بن أبي بكر الأرموي (ت682هـ) في "التحصيل من المصحول" ص(70)): "إجماع العترة ليس بحجة، خلافاً للزيدية والإمامية. لنا: أن علياً –رضي الله عنه- خالف الصحابة كثيراً، ولم يقل لأحد: إن قولي حجة".
5- قال العلامة الحسن بن أحمد بن محمد الكيلاني الشافعي (ت889) في (التحقيقات في شرح الورقات) (423) "ولا ينعقد الإجماع بأهل البيت وحدهم، مع مخالفة غيرهم لهم".
6- قال الإمام عبد الوهاب السبكي في "جمع الجوامع" مع شرحه لأبي زرعة الرازي (2/585) "وأن إجماع كل من: أهل المدينة، وأهل البيت، والخلفاء الأربعة، والشيخين وأهل الحرمين، وأهل المصرين: الكوفة والبصرة، غير حجة".
وقال الشارح –أبو زرعة- في نفس الصفحة "علم من العموم في قوله: "مجتهدي الأمة" انتفاء الإجماع في كل من هذه المسائل الست".
7- عبد القادر بدران في "نزهة الخاطر" (366): "ولا ينعقد الإجماع بأهل البيت وحدهم خلافاً للشيعة".
8- الإمام المرداوي الحنبلي في "التجبير شرح التحرير" ص(4/1595): "ولا قول أهل البيت عند الأربعة وغيرهم، أعني أنه ليس بإجماع، وهذا هو الصحيح الذي عليه الأئمة الأربعة للأدلة السابقة في ذلك وغيره، وقال القاضي في "المعتمد" وبعض العلماء والشيعة: إنه إجماع، واختاره الشيخ تقي الدين". قلت: هذا فيما إذا أجمعت الأمة كلها دخل فيها إجماع العترة قطعاً، والله أعلم.
9- الآمدي في "الإحكام في أصول الأحكام" (352): "لا يكفي في انعقاد الإجماع اتفاق أهل البيت مع مخالفة غيرهم لهم، خلافاً للشيعة".
10- قال الشيخ محمد بن محمد أحمد الكاكي في "جامع الأسرار شرح المنار للنسفي" ص(398-939): "والصحيح عندنا: أن أهلية الإجماع تثبت بصفة العدالة والاجتهاد لما ذكر أن الحجج التي تدل على حجية الإجماع لا تخص بزمان ولا بمكان، ولا بقوم، بل تدل على اشتراط العدالة والاجتهاد كما ذكرنا".
11- قال ابن الحاجب في "المختصر" ص(169): "لا ينعقد الإجماع بأهل البيت وحدهم، خلافاً للشيعة، ولا بالأئمة الأربعة عند الأكثرين خلافاً لأحمد، ولا بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما –عند الأكثرين".
12- الإمام بدر الدين الزركشي في "سلاسل الذهب" ص(349): "إجماع أهل البيت ليس بحجة خلافاً للشيعة، وأصل الخلاف مبنى على ثبوت العصمة لهم أم لا؟".
13- الشيخ محمد الخضري في "أصول الفقه" (279): "وأما اتفاق أهل البيت فإن الشيعة تعده إجماعاً قطعياً لا يجوز خلافه، وقد استدلوا بقوله تعالى "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" الأحزاب:33، والخطأ رجس فلا يجوز عليهم، وهذا الدليل منظور فيه من جهتين…" وحاصلهما هو: أن الآية في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وثانيهما: أن المقصود بنفي الرجس: نفسي ما ينقص من قدر بيت النبوة من الريبة والمعاصي.
14- القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني قال في جواب سؤال وجه إليه بهذا الشأن: "اشتروا الكتاب الصغير (مسائل علمية) للسيد محمد الأمير في مكتبة الإرشاد تعرفوا: أن إجماع أهل البيت غير ممكن" والفتوى موجودة بخط الشيخ.
- هذا ما أمكن الوقوف عليه من أقوال أهل العلم، ومنها يتبين بما لا يدع مجالاً للشك أن إجماع أهل البيت غير ثابت، وأنه غير ممكن، وأنه ليس بحجة؛ لأنهم جزء من الأمة، والمعتبر والحجة إنما هو إجماع الأمة؛ لقوله تعالى: "ويتبع غير سبيل المؤمنين" [النساء:115].
ولتوثيق الأقوال السابقة عن العلماء فهذه المراجع، والطبعة والناشر -مهما أمكن ذلك-:


مراجع البحث:
1- القرآن الكريم وتفسيره.
2- كتب السنة المطهرة.
3- "مختصر التحفة الإثنى عشرية" شاه ولي الله الدهلوي. طبع ونشر: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء..
4- "شرح مختصر الروضة" الطوفي. ط (1) – مؤسسة الرسالة. تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي.
5- "التحقيقات في شرح الورقات" الحسين بن أحمد الكيلاني. ط (1) – دار النفائس. تحقيق ودراسة: د. الشريف سعد بن عبد الله بن حسين.
6- "التحصيل من المحصول" الأرموي. ط (1) – مؤسسة الرسالة. دراسة وتحقيق: الدكتور عبد الحميد علي أبو زنيد.
7- "التبصرة في أصول الفقه" أبو إسحاق الفيروزآبادي. طبعة دار الفكر – دمشق. شرح وتحقيق: د. محمد حسن هيتو.
8- "شرح المنهاج للبيضاوي" شمس الدين محمود الأصفهاني. ط مكتبة الرشد.
9- "بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب" شمس الدين محمود الأصفهاني. ط (1) – دار المدني.
10- "أصول الفقه الإسلامي" د. وهبة الزحيلي. ط (1) – دار الفكر.
11- "البحر المحيط في أصول الفقه" بدر الدين الزركشي. ط (1) – دار الصفوة- الغردقة. قام بتحريره: عمر سليمان الأشقر.
12- "سلاسل الذهب" الزركشي. ط (1) – مكتبة ابن تيمية – القاهرة. تحقيق ودراسة محمد المختار بن محمد الأمين الشنقيطي.
13- "نزهة الخاطر العاطر شرح روضة الناظر" عبد القادر بداران. طبعة مكتبة المعارف- الرياض.
14- "رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب" عبد الوهاب السبكي. ط (1) – عالم الكتب – بيروت. تحقيق: ودراسة علي محمد عوض ، عادل أحمد عبد الموجود.
15- "الآيات البينات" أحمد العبادي. ط (1) – دار الكتب العلمية – بيروت.
16- "أصول الفقه" محمد الخضري بك. ط (6) – المكتبة التجارية الكبرى – مصر.
17- "البلبل في أصول الفقه" الطوفي. ط (1) – عالم الكتب – بيروت.
18- "الإحكام في أصول الأحكام" الآمدي. طبعة دار الكتب العملية – بيروت.
19- "جامع الأسرار في شرح المنار" للنسفي محمد بن أحمد الكاكي. ط (1) – مكتبة نزار مصطفى الباز. تحقيق: فضل الرحمن الأفغاني.
20- "أصول الفقه" ابن مفلح المقدسي. ط (1) – مكتبة العبيكان. تحقيق: د. فهد بن محمد السلطان.
21- "الإبهاج في شرح المنهاج" السبكي. ط (1) – المكتبة العلمية – مكة المكرمة. تحقيق: د. شعبان محمد إ سماعيل.
22- "أصول مذهب الشيعة" د. ناصر القفاري. ط (3) – دار الرضا – الجيزة.
23- "الإحكام في أصول الأحكام" ابن حزم.
24- "التجبير شرح التحرير في أصول الفقه" المرداوي. دراسة وتحقيق: د. أحمد بن محمد السراج.
25- "أثر الإمامة في الفقه الجعفري وأصوله" د. علي أحمد السالوس. ط (2) – دار وهدان للطباعة والنشر – الفجالة.
26- "إرشاد الفحول" الشوكاني. ط (1) – دار ابن كثير – دمشق. تحقيق: محمد صبحي حسن حلاق.
27- "الغيث الهامع شرح جمع الجوامع" ولي الدين أبو زرعة العراقي. اعتنى به: أبو عاصم حسن بن عباس قط.
28- "هداية العقول إلى غاية السول في علم الأصول" الحسين بن أمير المؤمنين المنصور بالله القاسم بن محمد. ط (2) – المكتبة الإسلامية.
29- "منهاج الوصول إلى معيار العقول في علم الأصول" أحمد بن يحيى المرتضى. ط (1) – دار الحكمة اليمانية.

بحث سريع