أبو تمام وعروبة اليوم

بواسطة | عبد الله البردوني
2005/05/13



مـا أصدق السيف! إن لم ينضه الكذب*** وأكـذب السيف إن لم يصدق الغضب

بـيض الـصفائح أهـدى حين تحملها*** أيـد إذا غـلبت يـعلو بـها الـغلب

وأقـبح الـنصر… نصر الأقوياء بلا فهم..*** سوى فهم كم باعوا… وكم كسبوا

أدهـى مـن الـجهل علم يطمئن إلى*** أنـصاف ناس طغوا بالعلم واغتصبوا

قـالوا: هـم الـبشر الأرقى وما أكلوا *** شـيئاً.. كـما أكلوا الإنسان أوشربوا

مـاذا جـرى… يـا أبا تمام تسألني؟*** عفواً سأروي.. ولا تسأل.. وما السبب

يـدمي الـسؤال حـياءً حـين نـسأله ***كـيف احتفت بالعدى (حيفا) أو النقب)

مـن ذا يـلبي؟ أمـا إصـرار معتصم؟*** كلا وأخزى من (الأفشين) مـا صلبوا

الـيوم عـادت عـلوج (الروم) فاتحة*** ومـوطنُ الـعَرَبِ الـمسلوب والسلب

مـاذا فـعلنا؟ غـضبنا كـالرجال ولم*** نـصدُق.. وقـد صدق التنجيم والكتب

فـأطفأت شـهب (الـميراج) أنـجمنا ***وشـمسنا… وتـحدى نـارها الحطب

وقـاتـلت دونـنا الأبـواق صـامدة*** أمـا الـرجال فـماتوا… ثَمّ أوهربوا

حـكامنا إن تـصدوا لـلحمى اقتحموا ***وإن تـصدى لـه الـمستعمر انسحبوا

هـم يـفرشون لـجيش الغزو أعينهم*** ويـدعـون وثـوبـاً قـبل أن يـثبوا

الـحاكمون و»واشـنطن« حـكومتهم*** والـلامعون.. ومـا شـعّوا ولا غربوا

الـقـاتلون نـبوغ الـشعب تـرضيةً*** لـلـمعتدين ومــا أجـدتهم الـقُرَب

لـهم شموخ (المثنى) ظـاهراً ولهم هـوىً *** إلـى »بـابك الخرمي« ينتسب

مـاذا تـرى يـا (أبا تمام) هل كذبت*** أحـسابنا؟ أو تـناسى عـرقه الذهب؟

عـروبة الـيوم أخـرى لا يـنم على*** وجـودها اسـم ولا لـون.ولا لـقب

تـسـعون ألـفاً (لـعمورية) اتـقدوا ***ولـلـمنجم قـالـوا: إنـنـا الـشهب

قـبل: انتظار قطاف الكرم ما انتظروا*** نـضج الـعناقيد لـكن قـبلها التهبوا

والـيوم تـسعون مـليوناً ومـا*** بلغوا نـضجاً وقـد عصر الزيتون والعنب

تـنسى الـرؤوس العوالي نار نخوتها*** إذا امـتـطاها إلـى أسـياده الـذئب

(حـبيب) وافـيت من صنعاء يحملني *** نـسر وخـلف ضلوعي يلهث العرب

مـاذا أحـدث عـن صـنعاء يا أبتي؟ *** مـليحة عـاشقاها: الـسل والـجرب

مـاتت بصندوق »وضـاح«بلا ثمن*** ولـم يمت في حشاها العشق والطرب

كـانت تـراقب صبح البعث فانبعثت*** فـي الـحلم ثـم ارتمت تغفو وترتقب

لـكنها رغـم بـخل الغيث ما برحت ***حبلى وفي بطنها »قحطان« أو »كرب«

وفـي أسـى مـقلتيها يـغتلي »يمن***« ثـان كـحلم الـصبا… ينأى ويقترب

»حـبيب« تسأل عن حالي وكيف أنا؟*** شـبابة فـي شـفاه الـريح تـنتحب

كـانت بـلادك (رحلاً)، ظهر (ناجية)*** أمـا بـلادي فـلا ظـهر ولا غـبب

أرعـيت كـل جـديب لـحم راحـلة ***كـانت رعـته ومـاء الروض ينسكب

ورحـت مـن سـفر مضن إلى سفر*** أضـنى لأن طـريق الـراحة التعب

لـكن أنـا راحـل فـي غـير ما سفر*** رحلي دمي… وطريقي الجمر والحطب

إذا امـتـطيت ركـاباً لـلنوى فـأنا *** فـي داخـلي… أمتطي ناري واغترب

قـبري ومـأساة مـيلادي عـلى كتفي*** وحـولي الـعدم الـمنفوخ والـصخب

»حـبيب« هـذا صـداك اليوم أنشده *** لـكن لـماذا تـرى وجـهي وتكتئب؟

مـاذا؟ أتعجب من شيبي على صغري؟ *** إنـي ولـدت عجوزاً.. كيف تعتجب؟

والـيوم أذوي وطـيش الـفن يعزفني *** والأربـعـون عـلى خـدّي تـلتهب

كـذا إذا ابـيض إيـناع الـحياة *** على وجـه الأديـب أضـاء الفكر والأدب

وأنـت مـن شبت قبل الأربعين على*** نـار (الـحماسة) تـجلوها وتـنتخب

وتـجتدي كـل لـص مـترف هـبة *** وأنـت تـعطيه شـعراً فـوق ما يهب

شـرّقت غـرّبت من (والٍ) إلى (ملك) *** يـحثك الـفقر… أو يـقتادك الـطلب

طوفت حتى وصلت (الموصل) انطفأت *** فـيك الأمـاني ولـم يـشبع لها أرب

لـكـن مـوت الـمجيد الـفذ يـبدأه *** ولادة مـن صـباها تـرضع الـحقب

»حـبيب« مـازال فـي عينيك أسئلة *** تـبدو… وتـنسى حـكاياها فـتنتقب

ومـاتـزال بـحـلقي ألـف مـبكيةٍ *** مـن رهبة البوح تستحيي وتضطرب

يـكـفيك أن عـدانـا أهـدروا دمـنا *** ونـحن مـن دمـنا نـحسو ونـحتلب

سـحائب الـغزو تـشوينا وتـحجبنا *** يـوماً سـتحبل مـن إرعادنا السحب؟

ألا تـرى يـا »أبـا تـمام« بـارقنا *** (إن الـسماء تـرجى حـين تحتجب)
(إن الـسماء تـرجى حـين تحتجب)

بحث سريع