تعليم اللغة الأجنبية للأطفال

بواسطة | محمد الناصر
2005/05/23
إن إتقان اللغة الأجنبية لا يتم إلا على حساب اللغة الأم لغة العرب ، ومع اللغة تدخل المُثُل التي يريدها الأعداء ، فضلاً عن الإتقان الضائع على حساب لغة القرآن .
ولا يقول عاقل أو مخلص : بتعليم اللغة الأجنبية للأطفال ونترك تعليمهم الفصحى لتشيع العامية وينتشر اللحن بين الناشئة .
( والوقت المناسب لدراسة اللغة الأجنبية يكون عادة في سن المراهقة أو قبلها بقليل ، و ذلك عندما يبدأ الناشئ يهتم بالعالم الخارجي ، وبالأقوام الذين يعيشون خارج وطنه ممن لهم به صلة في تاريخ أمته القديم أو الحديث … ففرنسا وإنجلترا ومعظم دول أوربا لا تعلّم في المرحلة الأولى إلا لغة الطفل القومية ) [1] .
( وقد أدرك الإنكليز وأمثالهم أن التربية الإسلامية أكبر خطر على الاستعمار، ولكنهم لم يجابهوها بالعنف والإكراه ، وإنما عمدوا إلى إفسادها من الداخل باسم الإصلاح والتحديث . ومن النقط الأساسية التي أصبحت تحدد إطار التربية في البلاد المختلفة .. فرض لغة المستعمر ، واستعمال كل الوسائل التي تؤدي إلى ضياع لغة البلاد الأصلية .. ) . [2]
وقد فطن ابن خلدون إلى مضار الجمع بين لغتين أو علمين فيقول : ( ومن المذاهب الجميلة والطرق الواجبة في التعليم : أن لا يخلط على المتعلم علمان معاً ، فإنه حينئذ قلَّ أن يظفر بواحد منها لما فيه من تقسيم البال وانصرافه عن كل واحد منهما إلى تفهم الآخر ، فيستغلقان معاً ويستصعبان ، ويعود منهما بالخيبة ) [3] .
والذي نلمسه بوضوح أن الإنكليز وكل الدول المستعمرة يحاولون أن يجعلوا لغتهم لغة التعليم أينما حلُّوا ، وقد أورد الدكتور محمد أمين المصري – رحمه الله – من كلام أبي الحسن الندوي قوله : ( وإن الاهتمام الزائد باللغات الأجنبية ، وإعطاءها أكثر من حقها – يجعلها تنمو على حساب اللغة العربية . وإن تدريس عدة لغات في وقت ما قد أصبح موضع بحث عند خبراء التعليم خصوصاً في المراحل الابتدائية والمتوسطة ) . [4]
فما بالك – أيها القارئ الكريم – بَمن هم دون تلك المراحل ؟ ممن لم يتقنوا النطق الجيد بلغتهم بعد ، ثم يُطلب منهم معرفة لغة أقوام آخرين ؟ ! .
ومن الغرائب أن بدعة حديثة أصبحت تغزو المدارس الخاصة في ديار المسلمين ، إذ يخصص لمادة اللغة الإنجليزية مثلاً أربع حصص في الأسبوع وأين ؟ وفي أي مستوى ؟ في رياض الأطفال،وسن التمهيدي ، أي قبل السنة الأولى من المرحلة الابتدائية .
وصار يعتبر ذلك معياراً لجودة هذه المدارس ، بسبب إقبال الأهالي ورغبتهم ثم المتاجرة بهذه الرغبات .
إن تعلم لغة أخرى لضرورة ملحة ، أو أمر طارئ – لا غبار عليه ؛ فزيد بن ثابت – رضي الله عنه – كان في الحادية عشرة من عمره ، لما قدم رسول الله – صلي الله عليه وسلم – المدينة المنورة ، وكان يكتب العربية ويروي عن نفسه فيقول : ( أُتِيَ بي إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – مقدمه المدينة ، فقالوا : يا رسول الله ، هذا غلام من بني النجار ، وقد قرأ مما أُنزل عليك سبع عشرة سورة ، فقرأت على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأعجبه ذلك ، وقال: يا زيد تعلّم لي كتاب يهود ؛ فإني – والله – لا آمنهم على كتابي . قال : فتعلَّمته فما مضى لي نصف شهر حتى حذقته ) [5]
نلاحظ هنا : أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – طلب من زيد أن يتعلم لغة اليهود بعد أن حذق اللغة العربية كتابة ، وحفظ من القرآن الكريم ما حفظ .
أما أن يعلم أطفال المسلمين لغة أجنبية – وهم لا يتقنون لغتهم نطقاً أو كتابة - فهذا لا يقوله عاقل أو منصف . ونستفيد من هذا الحديث أيضاً أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يختار في تربيته الشخص المناسب للمكان المناسب ،فعلينا ألا نبدد الطاقة الحية ، والكفاءة الممتازة ، ونفوّت بذلك مصلحة من مصالح المسلمين .
وهاهو واقع المسلمين يشهد بأن الطاقات تهدر ، وفي أبناء هذه الأمة العباقرة والممتازون ، لأمر أو لآخر ، مما لا يُرضي الله ، ولا ينسجم مع مصلحة المسلمين .
وكثيراً ما نضع الشخص غير المؤهل لمنصب لا يصلح له ، ولسان الحال يقول : ( ليس بالإمكان أحسن مما كان ) .
ونحن لا نتحدث هنا عن أبناء المسلمين في ديار غيرهم ، فهؤلاء يعانون من الضغوط عليهم – هم وأهلوهم – الكثير ، والحاجة هنالك ماسة لوجود مؤسسات تربوية تصون لغة الجيل الثاني وعقيدته ، وقد اضطر هؤلاء غالباً أن يعيشوا في تلك الديار مكرهين ، أعانهم الله وسدد خطاهم نحو الخير .
وأخيراً نختم هذه الفقرة بقول ابن تيمية – رحمه الله – : ( وأما مخاطبة أهل اصطلاح باصطلاحهم ولغتهم فليس بمكروه ، إذا اُحتِيج إلى ذلك وكانت المعاني صحيحة .. وإنما كرهه الأئمة إذا لم يُحْتَجْ إليه ) . [6]


(1) أسس التربية وعلم النفس : أحمد يوسف ، ص36 .
(2) انظر بحثاً قُدم لندوة ( أسس التربية الإسلامية ) بمكة المكرمة للدكتور محمد خير عرقوسي .
(3) مقدمة ابن خلدون : ص1032 .
(4) المسؤولية : ص130 .
(5) رواه أبو داود والترمذي وأحمد والطبراني ، وصححه الحاكم ، وعلقه البخاري في صحيحه ، وانظر أعلام النبلاء2/429 .
(6) الفتاوى : 3/306 .

بحث سريع