محمود محمد شاكر

بواسطة | مشرف النافذة
2005/05/29
الاسم والمولد والنشأة:
هو أبو فهر محمود بن محمد شاكر بن أحمد بن عبد القادر، من أسرة أبي علياء من أشراف جرجا (أحد مراكز محافظة سوهاج) بصعيد مصر، وينتهي نسبه إلى الحسن بن علي –رضي الله عنهما-.
ولد في الإسكندرية ليلة الإثنين 10/8/1327هـ- 1/2/1909م.
انتقل إلى القاهرة سنة 1919م بتعيين والده وكيلاً للجامع الأزهر (1909-1913م) وكان قبل ذلك شيخاً لعلماء الإسكندرية.
حصل على شهادة البكالوريا (القسم العلمي) 1925م.
التحق بكلية الآداب –الجامعة المصرية (قسم اللغة العربية) 1926م، واستمر بها إلى السنة الثانية، حيث نشب خلاف شديد بينه وبين أستاذه طه حسين حول منهج دراسة الشعر الجاهلي، وقد بين ذلك بنفسه في مقدمة الطبعة الثانية من كتابه "المتنبي" وكان ذلك سبباً في تركه للجامعة.
سافر إلى الحجاز في عام 1347هـ وأنشأ -بناء على طلب من الملك عبد العزيز- مدرسة جدة السعودية الابتدائية، وعمل مديراً لها.
اتصل مباشرة بعلماء عصره أمثال: محب الدين الخطيب، وأحمد تيمور باشا، والشيخ محمد الخضر حسين، وأحمد زكي باشا، والشيخ إبراهيم إطفيش، ومحمد أمين الخانجي وغيرهم، كما تعرف إلى الشاعر أحمد شوقي.
راسل الأستاذ مصطفى صادق الرافعي -عملاق العربية وشيخ أدبائها- منذ سنة 1921م.
تعاطف مع الحزب الوطني القديم، فقد كانت هناك صلة بين والده والزعيم مصطفى كامل.
قرأ -مع بداية سنة 1922م- على الشيخ سيد بن علي المرصفي، صاحب "رغبة الآمل" فحضر دروسه التي كان يلقيها بعد الظهر في جامع السلطان "برقوق"، ثم قرأ عليه في بيته "الكامل للمبرد"، و"حماسة أبي تمام"، وشيئاً من "الأمالي للقالي"، وبعض أشعار الهذليين.
كتب في الكثير من الصحف والمجلات: كالمقتطف، والرسالة، والبلاغ، والفتح، والزهراء، والعصور..
قالوا عن الشيخ:
الدكتور محمود الطناحي –رئيس قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة حلوان: "إن محمود شاكر قد رزق عقل الشافعي، وعبقرية الخليل، ولسان ابن حزم، وشجاعة ابن تيمية، وبهذه الأمور الأربعة مجتمعة حصَّل من المعارف والعلوم العربية ما لم يحصله أحد من أبناء جيله، ثم خاض تلك المعارك الحامية: فحارب الدعوة إلى العامية، وحارب الدعوة إلى كتابه اللغة العربية بالحروف اللآتينية، وحارب الدعوة إلى هلهلة اللغة العربية، والعبث بها بحجة التطور اللغوي، ثم حارب من قبل ومن بعد: الخرافات والبدع والشعوذة التي ابتعدت بالمسلمين عن منهج السلف، في صحة العقيدة، وفي تجريد الإيمان من شوائب الشرك الظاهر والباطن" من مقال بمجلة الأدب الإسلامي عدد 16.
يقول الدكتور: حيدر الغدير: "كان محمود شاكر أمة وحده، فهو شيخ العربية، وعاشق العروبة، وحارث التراث، وفارس الأصالة، جمع إلى غيرة المسلم عزة العربي، وإلى شجاعة المحارب طبيعة المسامح، وإلى عقل العالم طبيعة الطفل البريء" من مقال بمجلة الأدب الإسلامي –عدد16.
يقول الدكتور: عبد القدوس أبو صالح في نفس العدد من المجلة: "لم تكن ذاكرة الشيخ الفريدة، واطلاعه الواسع الشامل، هما اللذان أوصلا الشيخ محمود محمد شاكر إلى أن يكون شيخ العربية دون منازع؛ وإن أعانا على بلوغه تلك المنزلة العالية، ولكن الذي بوأه مكانته طول معايشته للتراث، وطول تأمله فيه، حتى خالط لحمه ودمه، وحتى ألقى إليه مقاليده وأسراره، فكان كما شهدتُ وشهد الكثيرون أفرس الناس ببيت الشعر، وكان صاحب أسلوب كالبنيان المرصوص، وكان أن ندب نفسه ليكون سادنا للغة القرآن، وحامياً لتراث الأمة، ونذيراً لها من هجمة التغريب الشرسة".
ولتكن شهادة الكاتب القبطي وديع فلسطين –عضو مجمع اللغة العربية بدمشق وعمّان- خاتمة الأقوال: "أرشح محمود محمد شاكر للجائزة التقديرية، لأن هذا العالم الفذ قد وقف كل عمره على الحفاظ على تراث الضاد، وكأنه ديدبان شاكي السلاح يذب عن حياض الضاد كل متجهم (لعلها: متهجم)، أو متحرش، أو متطاول، وأتصور بعين الخيال أن محمود شاكر يقيم في قلعة حصينة في داخل أسوارها كل مقدسات الضاد، وهو الحارس اليقظ الذي يحمل تبعة مزدوجة؛ هي الدفاع المتصل عن التراث الذي هو به منوط، والتنبيش الدائم في هذا التراث لاستخراج مفاخره وإعلانها في كتاب محقق، أو مقال مكتوب، أو محاضرة ملقاة، أو حديث مرتجل…" من رسالة أدبية بتاريخ 30/1/1976م إلى د/ حسن علي محمد.
ويقول في موضع آخر من الرسالة: "إن المرء لتعروه الدهشة إذ يرى هذه القمة المسماة محمود محمد شاكر خافية عن عيون مجتمعه، إلا فيما يسيء، وقليلة على محمود شاكر عضوية المجامع، بل قليلة عليه جائزة التقدير، ولكن لسان الحق الذي تنطق به العدول من الخلف، في إلحاح إلى إنصاف هذا العالم الأستاذ الذي يجلس في محضره أكابر الباحثين وكأنهم من تلاميذه النجباء، ويطمع كل منهم أن يحسب في عداد حوارييه".
مجموعة من آرائه وأفكاره:
- كان يرى أن الغزو الصليبي لديار الإسلام إنما هدفه الأصيل هو تدمير اليقظة الإسلامية التي بدأت في القرنين الحادي عشر، والثاني عشر الهجري.
- أن رواد هذه اليقظة -كما يرى الشيخ- هم:
عبد القاهر البغدادي ت: 1093هـ- 1683م.
الجبرتي الكبير ت: 1118هـ – 1774م.
محمد بن عبد الوهاب (شيخ الإسلام) ت: 1206هـ – 1792م.
المرتضى الزبيدي صاحب "تاج العروس" ت: 1205هـ – 1790م.
الشوكاني (محمد بن علي) ت: 1250هـ – 1384م.
وقد سماهم الشيخ محمود شاكر: صناديد النهضة، واليقظة الإسلامية، وقد تحدث عنهم في كتابه "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا".
- كان يرى أن هذه الأمة المسلمة خاضت معاركها مع الأمم، والشعوب، والعقائد، والأديان، والثقافات، والحضارات، وانتصرت، وسادت، وعمرت الأرض، بهذا الدين العظيم، وهذه العلوم التي هي شارحة له، ومستنبطة من النظر فيه، ودائرة حوله.
- كان يعتقد اعتقاداً جازماً أن الثقافة العربية الإسلامية هي أصل الوجود العربي الإسلامي، وهي أصل قوته، وسر نهضته، وهي الرابط الجامع لوحدته، والقوة الحية المتحركة في ضميره.
- من المحال أن تجد الأمة سبيلاً إلى النهوض، إلا بأن تنهض علومها، التي هي عقلها، وقلبها، وذات نفسها، وأن النهضة تبدأ من نقطة واحدة، وهي نهضة العلوم التي تمثل الثقافة العربية الإسلامية المتكاملة، وأن أي محاولة تتجاوز هذه النقطة، هي محاولة باطلة.
أشهر أعماله الأدبية:
- تعد قصيدته "القوس العذراء" والبالغ أبياتها مائتين وتسعين بيتاً، من أبرز أعماله، وقد استوحى أبياتها من قصيدة الشماخ بن ضرار الذبياني، الصحابي الجيل، وهو ممن شهد القادسية، وتوفي سنة 22هـ في معركة "موقان".
وقصيدة الشماخ –رضي الله عنه- عن "القوس" أبياتها: ثلاثة وعشرون بيتاً.
- وقد تناول الأدباء الكبار وتلاميذ الشيخ الأديب محمود شاكر، هذه القصيدة –القوس العذراء- بدراسة نصها، وسبر غوره، والغوص إلى أعماقه، ونذكر منهم:
د. إحسان عباس.
د. محمد مصطفى هدارة.
د. محمد محمد أبو موسى.
د. زكي نجيب محمود.
د. سعد أبو الرضا.
د. عبده زايد.
يقول الدكتور: إحسان عباس: "لا ريب عندي في أن الشعر الحديث قد ضل كثيراً حين لم يهتد إلى "القوس العذراء"، وأن الناقد الحديث كان يعشو إلى أضواء خادعة، حين انقاد وراء التأثر بشعر أجنبي، ورموز غريبة، ولم يتسطع أن يكتشف أدواته في التراث كما فعلت القوس العذراء" من مقال له بمجلة الأدب الإسلامي –عدد16.
ويقول عنها الدكتور: زكي نجيب محمود في نفس العدد من مجلة الأدب الإسلامي: "درة ساطعة هذه بين سائر الدرر، و(آية هذه من الفن محكمة) بين آيات الفن المحكمات، وقعت عليها وأنا أدور بالبصر العجلان في سوق الكتب الحديثة الصدور، فكنت –حين وقع عليها البصر- كمن كان ينبش في أديم الأرض بين المدر والحصى، ثم لاحت له بغتة –لتخطف منه البصر ببريقها- لؤلؤة، هو كتاب -القوس العذراء- من ست وسبعين صفحة صغيرة، رقمت أسطرها صفحة صفحة، كما ترقم حبات الجوهر الحر يضعها الخازن في صندوق الذخائر، لكي لاتفلت منها عن الرائي جوهرة، ولو قد كانت لي الكلمة عند طبع الكتاب، لأمرت بترقيم محتواه لفظة لفظة؛ لأن كل لفظة من كل سطر لؤلؤة".
معارك الشيخ محمود محمد شاكر الأدبية:
لقد خاض معركتين ضخمتين كانتا من أبرز معالم حياته الأدبية والفكرية ويمكننا القول بأنه تفرع عنهما معارك فرعية وثانوية كثيرة، وكانت هاتان المعركتان بسبب شاعرين كبيرين من شعراء العربية هما: "المتنبي"، "المعري".
وقد خاض الأولى مع أستاذه "طه حسين"، والثانية مع الكاتب النصراني "لويس عوض"، وكانت الأخيرة أوسع مجالاً، حيث دخلها عدد من الأطراف بالنيابة عن الطرف الأصيل.
وسبب هاتين المعركتين؛ النشأة الجادة التي تميز بها محمود شاكر بحيث لا يسكت على السطو على أعمال الآخرين، أو التطاول عليهم.
والأمر الآخر: موقفه المبدئي من الحضارة الغربية وموقفها من الحضارة الإسلامية، فهو يراها –الحضارة الغربية- تسعى بكل ما أوتيت من أسباب ومكر وسطوة وإغراء وإغواء، إلى القضاء على هوية الأمة المسلمة، ومسخ حضارتها، ومواريثها، وإلحاقها بحضارة الغرب، حضارة الخراب والدمار.
وكانت نتيجة هاتين المعركتين البارزتين في حياة الشيخ، في صالح الطرف المهيض الجناح –طرف الشيخ- "فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" (الرعد:17)
بين محمود شاكر وطه حسين، معركة طويلة:
كانت بداية هذه المعركة وهو –محمود شاكر- في السابعة عشرة من عمره سنة 1926م، حيث كان في السنة الأولى –كلية الآداب- قسم اللغة العربية.
وقد صدم وهو يستمع إلى أستاذه "طه حسين" وهو يتحدث عن الشعر الجاهلي، حيث رأى أن كلام الأستاذ هو اجترار لكلام المستشرق الإيطالي "مرجليوث" وأن مرجليوث "ليس عنده من أدوات النظر في العربية، وإدراك أسرارها، ما يجعل لرأية قيمة، وهذا أمر يرجع إلى الطبيعة، فليس اللسان لسانه، وليس الأدب أدبه، وليس التاريخ تاريخه، هذا فضلاً عن فساد طويته، ومقصوده من دراسته، وهذا الفساد يفسد منهجه، ولا يريد هو من وراء هذه الدراسة إلا تشويه وإفساد ومسخ الفكر العربي وتاريخه، وكان "مرجليوث" مغالياً في هذا الإفساد، ومغاليا في حقده على العرب، والمسلمين، وهو يهودي يقطر حقداً".
وقد رد مقالته هذه التي سطا عليها الدكتور طه حسين سطواً عرياناً، بعض المستشرقين ومنهم الأستاذ "ليال" الذي حقق كتاباً من أوسع الكتب وأفضلها، وهو "المفضليات"، وكتب مقدمة جيدة عن الشعر الجاهلي، "وقد يبس الثرى بينه وبين أستاذه طه حسين إلى غير رجعة"، وانحاز لكل واحد منهما فريق من الأدباء والشعراء والكتاب.
الشيخ محمود شاكر وقضية من أخطر القضايا المعاصرة:
يقول الشيخ معقباً على أثرين ذكرهما الإمام الطبري في تفسيره برقم (12025)، (12026)، وكلاهما عن أبي مجلز (لاحق بن حميد الشيباني السدوسي) تابعي ثقة، وقد سأله قوم من الإباضية –وهم جماعة من الخوارج الحرورية- أصحاب عبد الله بن إباض التميمي، يقولون بمقالة الخوارج، وتكفير على بن أبي طالب –رضي الله عنه- سألوه عن الآيات (45-47) من سورة المائدة "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون…. هم الظالمون… هم…. الفاسقون…" .
فأجابهم أبو مجلز –رحمه الله بما يراه من الحق.
يقول الشيخ محمود محمد شاكر بعد أن بين وجه الحق في الأثرين: "وإذن فلم يكن سؤالهم –أي الأباضية لأبي مجلز- عما احتج به مبتدعة، زماننا من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل الإسلام، ولا في إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام بالاحتكام إلى حكم غير حكم الله في كتابه، وعلى لسان نبيه –صلى الله عليه وآله وسلم-، فهذا الفعل إعراض عن حكم الله ورغبة عن دينه، وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكمه –سبحانه وتعالى- وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة –على اختلافهم- في تكفير القائل به، والداعي إليه"
مؤلفاته:
- المتنبي. طبع عدة طبعات.
- أباطيل وأسمار. وهو مجموعة مقالات نشرت في مجلة الرسالة الجديدة تعليقاً على ما نشره لويس عوض (حامل لواء التغريب) في ما كتبه في جريدة الأهرام بعنوان: "على هامش الغفران".
- برنامج طبقات فحول الشعراء. مطبعة المدني بالقاهرة.
- نمط صعب ونمط مخيف. دار المدني.
- قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن الإسلام. دار المدني.
- رسالة في الطريق إلى ثقافتنا.
تحقيقاته:
- فضل العطاء على العسر/ لأبي هلال العسكري.
- إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأموال والحفدة والمتاع/ تقي الدين المقريزي.
- المكافأة وحسن العقبى/ أحمد بن يوسف الكاتب.
- طبقات فحول الشعراء/ محمد بن سلام الجمحي.
- تفسير الطبري.
- جمهرة نسب قريش وأخبارها/ الزبير بن بكار.
- تهذيب الآثار/ الطبري.
- دلائل الإعجاز/ عبد القاهر الجرجاني.
- أسرار البلاغة/ عبد القاهر الجرجاني.
وفاته:
توفي مساء يوم الخميس 3-ربيع الآخر 1418هـ- 7 أغسطس 1997م.
ولمن أراد التوسع في معرفة الشيخ، واستكمال الصورة عنه، وعن أدبه وعطائه، وحسن بلائه، فليرجع إلى:
- دراسات عربية وإسلامية، وهو كتاب أصدره تلامذته بمناسبة بلوغه السبعين من عمره.
- أبو فهر محمود محمد شاكر، بين الدرس الأدبي والتحقيق/ محمود إبراهيم الرضواني.
- محمود محمد شاكر.. الرجل والمنهج/ عمر حسن القيام.
- محمود محمد شاكر.. قضية قلم: الأديبة عايدة الشريف.
- مجلة السنة- عدد (69)- السنة (1418هـ).
- مجلة الأدب الإسلامي –العدد 16، وهو عدد خاص بالحديث عن الشيخ –رحمه الله.

بحث سريع