نظرة الإثنى عشرية إلى الزيدية

بواسطة | محمد الخضر
2005/06/05



نظرة
الإثنى عشرية إلى الزيدية
بين حقيقة الأمس وتقية اليوم
تأليف/ محمد الخَضِر
تقديم الشيخ/ محمد بن محمد المهدي
الطبعة الأولى: 1423هـ
الناشر: مركز الإيمان الخيري للشريط الإسلامي
اليمن / إب
مقدمة لا بد منها
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آل بيته وصحابته أجمعين وبعد: فهذه مقدمة كان لا بد أن تكون بين يدي هذا البحث المهم، الذي زبره يراع الأخ/ محمد الخضر -بارك الله فيه- والتي سنسلط فيها الضوء على جملة من الأمور، التي تتعلق بموضوع يهم أبناء هذا البلد، الذي يسعى أتباع الفرقة المنحرفة -وبخاصة الرافضة- إلى غرس مفاهيم تتنافى مع المعتقدات الراسخة والمبادئ التي سار عليها أهل اليمن-سواءً كانوا زيدية أو سنية- من التمسك بالكتاب والسنة.
ذلك أن أصحاب تلك الفرق وجدوا من يتلقاهم بالترحاب من بعض الزيدية، الذين خدعوا بزيف الشعارات التي يرفعها أولئك، كحب آل البيت وغيرها من الشعارات الخادعة، وفات هؤلاء حقيقة نظرة الروافض إليهم قديماً وحديثاً، وهو ما سيتحدث عنه أخونا في رسالته هذه التي نقدم لها.
كما أنه فاتهم حقيقة الصراع بين الفرقتين وبدايته وسببه، وحقيقة نظرة أئمة الزيدية إلى الروافض، وهو ما سنسلط عليه الضوء في هذه المقدمة.
بداية الصراع بين الفريقين:
بدأ الصراع بين جناحين شيعيين، أحدهما غال والآخر معتدل في حكمه على مخالفيه وفي نظرته إلى قضية الإمامة -قياساً على الجناح الآخر المتشدد والموغل في الخرافة- لقد وقع الانشقاق ثم طال الافتراق بعد رفض الإمام زيد -رحمه الله- البراءة من الشيخين -أبي بكر وعمر رضي الله عنهما-عندما اشترط عليه الغلاة شرطاً قاسياً لكيما يجاهدوا معه جيوش هشام بن عبد الملك.([1])
لقد طلبوا منه أن يتبرأ من الشيخين وما كان لزيد ولا غيره من آل بيت النبوة أن ينسلخوا من حلف رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وصحبه وآله، فجده رسول الله، وجده علي -رضي الله عنه- وآل بيته- رضي الله عنهم- كانوا عنهما راضين ولهما موالين.
فمنذ أن رفضت تلك الفئة الحاقدة على الصحب والآل نصرة زيد، سموا الرافضة، ومنذ مرقت بعد النواصب، بدأت الأحكام تصدر منها على الأمة بالتكفير، ولم يسلم معتدلو الشيعة كالزيدية، بل لم يسلم زيد بن علي بن الحسين -رضي الله عنه- من تكفيرهم.
والكتاب الذي نقدمه يتولى نقل بعض تلك الأحكام الجائرة على الزيدية من الرافضة. فبعد أن فرغ الرافضة من تكفير الأصحاب والأمة كاملة، عادوا نهمين إلى زيد وأتباعه، فحكموا عليهم بصنوف من الأحكام القائمة على الظلم، فهم عندهم نواصب أو شبههم، ونزلوا فيهم النصوص التي ينزلونها على أهل السنة، وهي أدلة لا يجوز إنزالها على المسلمين من السنة والزيدية وغيرهم.
وأسرف الرافضة في الحكم على الزيدية ظلماً وعدواناً بصنوف من الأحكام.حتى أنكروا تشيعهم، وجرحوا رواتهم، ويكفي لجرح الراوي عند الرافضة كونه زيدياً. وحكموا عليهم بالكفر الصريح، حتى قال المجلسي: "كتب أخبارنا مشحونة بالأخبار الدالة على كفر الزيدية وأمثالهم".([2]) وكفروهم مرات؛ لقولهم بصحة الإمامة في غير الإثنى عشري، وكفروا زيداً بخروجه مطالباً بالإمام لنفسه.
وسوف يقف القارئ في هذه الرسالة- التي نقدم لها- على طامات كثيرة من الحكم على الزيدية بشتى صنوف أحكام الظلم والجور من قبل الرافضة، وقد فعلوا ذلك مع أهل السنة وأعظم منه.
وأما كلام علماء الزيدية عبر العصور في الرافضة فأكثر من أن يحصر وسوف يرى القارئ بعض هذه النقولات عن الإمام زيد والهادي والمنصور بالله ويحي بن حمزة والمهدي أحمد بن يحي المرتضى وغيرهم من أئمة آل البيت رحمهم الله.
وأرى -والله أعلم- أن المطلع على كلام الرافضة في هذا الكتاب في الإمام زيد بن علي والزيدية، والناظر في هذه المقدمة على كلام الأئمة الزيدية في الرافضة سيدرك الهوة السحيقة بين المذهبين، وسلامة مذهب الزيدية من كثير من الافتراءات التي نسبت إليه بحجة أن الزيود روافض، وسيدرك بهتان أهل الرفض على المسلمين وفضيحة أتباع ابن سبأ في دعوى أن الخلاف بينهم وبين المذاهب الإسلامية إنما هو في الفروع.
أقوال أئمة الزيدية في الفرق الرافضية:
* كلام الإمام زيد بن علي -رحمه الله- (ت122هـ) في الرافضة:
"اللهم اجعل لعنتك ولعنة آبائي وأجدادي ولعنتي على هؤلاء القوم الذين رفضوني وخرجوا من بيعتي كما رفض أهل حروراء علي بن أبي طالب -عليه السلام- حتى حاربوه".([3])
والسبب في هذا اللعن هو أنهم طلبوا منه أن يتبرأ من أبي بكر وعمر فأبى ذلك فرضوه، فقال: "أنتم الرافضة، وقال: الرافضة مرقوا علينا".([4])
* كلام القاسم بن إبراهيم (ت 246هـ):
قال -رحمه الله- في معرض رده على الرافضة بشأن الوصية والأوصياء: "… وما قالت به الرافضة من هذا فقد تعلم أن كثيراً منها لم يقصد فيه لما قصد، أو يعتقد من الشرك بالله في قوله به ما اعتقد، إلا وأن كل ما قالوا به في الله، أشرك الشرك بالله، فنعوذ بالله من الشرك في ربوبيته، والجهل بما تفرد به من وحدانيته هذا، إلا ما أتوا به من الضلال، بقولهم في الوصية، وما أعظموا على الله ورسوله في ذلك من الدعوى والفرية، التي ليس بها في العقول حجة ولا برهان، ولم ينزل بها من الله وحي ولا فرقان. وما قالت به الرافضة من الأوصياء من هذه المقالة، فهو قول فرقة كافرة من أهل الهند يقال لهم البرهمية… ".([5])
* كلام الهادي يحيى بن الحسين (ت 298هـ):
أما كلام الإمام يحيى بن الحسين – الملقب بـ(الهادي)، وناشر المذهب الهادوي الزيدي في اليمن آخر القرن الثالث – فهو كثير وطويل في الرافضة إلى حد الحكم عليهم بالكفر والمروق واتباع الشهوات وأنهم حزب الشيطان.
فقد قال في مسألة من طلق ثلاثاً معاً، ومن طلق على غير السنة: إن طلاقه يقع بلا خلاف، ثم قال: "ثم اختلفوا في معنى الطلاق وكيفيته، فقالت شرذمة مخالفة للحق في كل المعاني من الكتاب والسنة، وهي هذه الإمامية الرافضة: من طلق زوجته على غير طهر من غير جماع، أو طلق ثلاثاً معاً؛ لم يكن ذلك طلاقاً، وكانت زوجته على حالهاً".([6])
وقال: "ولا أعلم أحداً يخالف ما روي وقيل به من ذلك غير هذا الحزب حزب الشيطان، الخاسر الهالك (الرافضة) عند الله، الجائز، المحل للشهوات، المتبع للذات، المبيح للحرمات، الآمر بالفاحشات، الواصف للعبد الذليل بصفة الواحد الجليل". وبعد وصفهم بالتشبيه وإنكار التوحيد وإبطال ما أثبته الله واتباع المثل والفسق قال: "حزب الإمامية الرافضة للحق والمحقين".([7])
والهادي -رحمه الله- يَسِم الرافضة بتعطيل الجهاد، وصدق فلا جهاد عندهم حتى يظهر مهديهم.
"وقول هؤلاء الإمامية الذين عطلوا الجهاد وأظهروا المنكر في البلاد والعباد".([8])
وقال: "وقول هذا الحزب الضال، مما لا يلتفت إليه من المقال لما هم عليه من الكفر والإيغال، والقول بالكذب والفسوق والمحال، فهم على الله ورسوله في كل أمر كاذبون، ولهما في أفعالهما مخالفون، وقد جاهروهما بالعصيان، وتمردوا عليهما بالبغي والطغيان، وأظهروا المنكر والفجور، وأباحوا علانية الفواحش والشرور، وناصبوا الآمرين بالحسنات المنكرين للمنكر والشرارات الأئمة الهادين من أهل بيت الرسول المطهرين.
وهتكوا -يا لهم الويل- الحرمات، وأماطوا الصالحات، وحرضوا على إماتة الحق وإظهار البغي والفسق، وضادوا الكتاب، وجانبوا الصواب، وأباحوا الفروج، وولدوا الكذب والهروج، وفيهم ما حدثني أبي وعماي محمد والحسن عن أبيهم القاسم بن إبراهيم -صلوات الله عليهم أجمعين- عن أبيه عن جده عن إبراهيم بن الحسن عن أبيه عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب عن أبيهم علي بن أبي طالب -عليهم وعليه السلام- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يا علي: يكون في آخر الزمان قوم لهم نبز يعرفون به يقال لهم الرافضة، فإن أدركتهم فاقتلهم، قتلهم الله؛ فإنهم مشركون)".([9])
وقال في تحريم المتعة في النكاح من كتابه (الأحكام):
"وأبطل الإمامية المستحلون للمتعة ذلك كله، وردوا كتاب الله سبحانه رداً، وعاندوا الله في حكمه عناداً، وقالوا شرط الإنسان أوجب من حكم الرحمن. فأبطلوا الأنساب بين الوالد والولد، والمواريث بينهما. وقالوا: لا يتوارث الوالد والولد، فأبطلوا بذلك حكم الواحد الأحد الصمد، ثم قالوا: لا تورث زوجة من زوجها إن نزل به موت، ولا يورث زوج من زوجته إن نزل بها موت. ولا يلزمها عدة تعتدها من ماء زوجها، كما حكم الله بذلك عليها، فنقضوا الكتاب، وخالفوا في كل الأسباب، فأحلوا ما حرمه الله، وحرموا ما أحله".([10])
وقال في بيان معتقده في رسالة بعثها إلى صنعاء: "وإلى الله أبرأ من كل ثنوي رافضي غوي، ومن كل حروري ناصبي، ومن كل معتزلي غال، ومن جميع الفرق الشاذة، ونعوذ بالله من كل مقالة غالية، ولا بد من فرقة ناجية، وهذه الفرق كلها عندي حجتهم داحضة".([11])
والحق أن الهادي -رحمه الله- أقوى وأصرح في الحكم على الرافضة – من أتباعه – بالمروق.
فهم -كما يرى- مستحلون الحرمات، كافرون، مشركون، خارجون على أئمة أهل البيت، مساعدون مناصرون لأئمة الجور، معطلون للجهاد، مفسدون في البلاد.
وهنا أُذَكِّر كل أخ زيدي خدعة الروافض بأساليب تقيتهم ومكرهم أن يراجع نفسه، ويعرف حقيقة أتباع (ابن سبأ) كما عرفهم الهادي -رحمه الله.
* كلام المنصور بالله عبد الله بن حمزة (ت 614هـ):
أما العلامة عبد الله بن حمزة فهو أطول نفساً من غيره في تضييق الخناق على الرافضة، فقد رد عليهم بالمئات من الصفحات، وناقش كل أباطيلهم وترهاتهم، وفند أساطير أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي([12]) وربطهم به.
وأبطل ادعاءهم بورود النص لتعيين أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- أميراً([13])، وفند أدلتهم في دعوى عصمة الأئمة الإثنى عشر.([14])
وكتاب "المجموع المنصوري" رقم (1) وهو يربوا على (400) صفحة كله يدور حول شذوذهم وانحرافهم، ورد ذلك بعلم وعقل، فقد أبان انحرافاتهم في شتى مسائلهم، ومنها:
دعوى الإمامة وحصرها في اثني عشر إماماً([15])، ودعوى العصمة([16])، ودعوى علم الغيب للأئمة([17])، ودعوى وجود مهدي في السرداب([18])، والتقية([19])، والبداء([20])، وزندقتهم في دعوى تحريف القرآن([21])، وتحريف معاني القرآن في تفاسير بعضهم، وبيان تناقضهم([22])، وغير ذلك.
ومما قاله في الرد على قولهم بالرجعة:
"وأما ما ذهبوا إليه من الرجعة فمما لا دليل عليه، ولا يجوز لمسلم اعتقاده، ولا يجدون عليه دليلاً يوصل إلى العلم، وأما الدليل على بطلانه فلأن المعلوم من دين النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن من مات فميعاده يوم البعث ولا حياة قبله إلا ما وردت به الآثار في عذاب القبر، فحكم ذلك حكم الآخرة، فإن المعلوم ضرورة من دين النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- خلاف ما ذهب إليه القوم في هذه المسألة، فلتحق بالكفريات، ويبعد أن يكون خلافاً بين أهل الإسلام".([23])
وقال في نفي نسبة تحريف القرآن إلى آل البيت:
"فإنهم رووا عن أهل البيت -عليهم السلام- الذين ادعوا أنهم أئمة سابقون، وأهل البيت -عليهم السلام- لذلك نافون، كما قدمنا أشياء تدل على التشبيه الذي نزههم الله عنه، وأشياء تدل على أنهم فسروا كتاب الله بما لا يوافق تحقيقه اللسان العربي، ولا بمجازه، ومثل ذلك يعجز العادلين عن الله، والمحرفين لكتابه، وإلى (مثل ذلك) ذهبت الباطنية الملاحدة، وكفّرها بذلك جميع الزيدية، وكافة الأمة".([24])
ثم ذكر نماذج من التحريف لمعاني القرآن الكريم عندهم فقال:
"قد صنف التريقي تفسيراً سماه كتاب (التحريف والتنزيل)، فكل ما في القرآن من ذكر الظالمين جعله على ظالمي آل محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وكل خير جعله الولاية، وكل شر جعله أبا بكر وعمر إلا القليل. وكذلك في (نوادر الحكمة) لأبي جعفر القمي.
وما ينسب إلى رواية الجعابي يرويه بإسناده إلى أبي جعفر محمد بن علي الباقر -عليه السلام- وهذا التفسير الذي زعموا أنه يرويه المهلبي في قول الله تعالى: (فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون)، قال: نزلت في علي يوم بدر.
"ادخلوا هذه القرية" قال: يريد ولاية علي. "وإذا أخذنا ميثاقكم" قالوا أبو جعفر: هي الولاية. "ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة" قال: قد دعوناكم إلى ما دعاكم إليه الرسول، ورفعنا فوقكم العذاب لننظر طاعتكم، فإن لم يفعلوا قذفنا – يعني أمير المؤمنين – عليكم. "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً" يطيع غير علي. "قال عفريت من الجن" قال: عمر… الخ.
ثم رد عليهم وعلى تفاسيرهم التي تعني التحريف فقال:
"وهذا قليل من كثير مما هو مجود في تفاسيرهم المنسوبة إلى الأئمة -عليهم السلام-. والله تعالى ينزههم من هذه الأقوال الواهية، والترهات المتلاشية، فكيف يطعن في التفاسير المروية عن العلماء، المصححة بالأدلة، ويوجب الرجوع إلى التفاسير التي يضيفونها إلى الأئمة -عليهم السلام- ومعاذ الله أن تكون هذه أقوال أئمة الهدى ومصابيح الدجى".([25])
وعند الكلام على المهدي في عدة مواضع من كتابه أثبت خروجه في آخر الزمان من الأحاديث الواردة في السنة، وأنه سيأتي، وأنه يختلف عن مهدي الرافضة بالأوصاف، وأنه لا مكان له يعلم، كما يدعي الروافض، وهذا المسلك نفس مسلك أهل السنة في ظهور المهدي، ولكن دون تحديد زمن معين لخروجه، وهذا المهدي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، بخلاف مهدي الرافضة الذي يعيد الله له الصحابة ونساء النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ليقتلهم، والذي يهدم الكعبة، ويحكم بحكم داود -كما زعموا- وكلام المنصور بالله لا يختلف كثيراً عن كلام عامة أهل السنة في خروج المهدي آخر الزمان.([26])
* كلام الإمام يحيى بن حمزة (ت 749هـ) -رحمه الله-:
قال الإمام يحيى بن حمزة: "اعلم أن الناس مختلفون في حكم من خالف هذه النصوص الواردة على مذاهب خمسة أولها: من قال: إن قصد الرسول -صلى الله عليه وسلم- معلوم بالضرورة فالمخالف فيها يكفر، هذا رأي الإمامية والروافض".
ثم ذكر الأربعة الأقوال الأخرى، وبعضها أكثر رداءة من بعض، ثم قال: "فهذه الفرق كما ترى مختلفون في أمر الخلفاء، والذي يقضي به الشرع عندنا، ونحب أن نلقى الله تعالى عليه، ونأمر من وقف على كتابنا هذا، وهو طريق السلامة لكل منصف هو أن مخالفتهم لهذه النصوص، وإن كانت قاطعة لا توجب في حقهم كفراً ولا فسقاً ولا خروجاً عن الدين، ولا توجب قطع الموالاة، فإن إسلامهم صحيح، ويدل على صحة ما اخترناه في ذلك -وهو الذي عليه أكابر أهل البيت والمخلصين في أتباعهم وشيعتهم- مسالك".([27])
ثم ذكر مسالك تبرز اختياره لهذا المذهب الأسلم في أوساط الشيعة خلاصتها:
الأول: أن التكفير والتفسيق لا يكون إلا بدلالة قاطعة، والإجماع منعقد على ذلك، ولم يقم هنا برهان شرعي على ذلك التكفير والتفسيق.
الثاني: أننا نعلم بالقطع والضرورة صحة ديانتهم وسلامة إيمانهم واستقامته على الدين، ومحبتهم لله ورسوله وموالاتهم ونصرتهم.
الثالث: ما جاء عن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- من الثناء عليهم وتبشيرهم بالجنة.
الرابع: ما كان في ثناء أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- عليهم، وزجر من تكلم فيه، ثم إن آل البيت من الحسن والحسين وزين العابدين وزيد والباقر والصادق وغيرهم لا يحصون كانوا يثنون عليهم.([28])
ثم قال الإمام يحيى مبيناً المراد الذي لأجله ذكر ما سبق فقال:
الغرض الأول: أن يعلم أمير المؤمنين وأكابر أهل البيت السابقين منهم والمقتصدين غير قائلين في أحد من الصحابة بكفر ولا فسق، مع مخالفتهم لهذه النصوص القاطعة، وأن مخالفتهم تقطع موالاتهم ولا تبطلها.
الغرض الثاني: أن يكون الناظر على فقه من أمره، وبصيرة من دينه في الإقدام على التكفير والتفسيق من غير بصيرة، فإن الخطأ في مثل هذا عظيم والإثم فيه كبير.
قال المؤيد بالله -عليه السلام-: ولو قيل لأحد من مدعي التكفير والتفسيق في حقهما أرني أحداً من أئمتنا أنه تبرأ من الشيخين لم يمكنه ذلك أصلاً ولا وجد إليه سبيلاً، فضلاً عن القول بالكفر والفسق.
(فحصل) من هذه الروايات التي نقلناها عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعن أمير المؤمنين وأولاده السابقين التولي والمحبة للصحابة -رضي الله عنهم-، وأن أحداً من أهل البيت لم ينقل عنهم بتكفير ولا تفسيق لهم -أي الشيخين- وهذا هو الأوثق من حال الأئمة السابقين أهل الآراء الصائبة، والأذهان الثاقبة، ثم إن لهم بعد القطع بعدم التكفير والتفسيق مذهبين.
الأول: من صرح منهم بالترحم والترضية عليهم، وهذا هو الأشهر من أمير المؤمنين كما حكيناه، ومن زيد بن علي، وجعفر الصادق، والناصر للحق، والسيد المؤيد وغيرهم -وهذا هو المختار عندنا ونرتضيه لأنفسنا مذهباً، ودللنا عليه، وهو أنا ذكرنا أن إسلامهم مقطوع به لا محالة، وإيمانهم، وعروض ما عرض من مخالفة النصوص ليس فيه إلا مجرد أنه خطأ في النص، فأما أن يكون هذا الخطأ كفراً وفسقاً فلم تقم عليه دلالة ولا برهان، فإن قيل: فأنتم تقطعون بأن هذا الخطأ كبيرة، أو تقطعون بكونه صغيرة، أو توجبون التوقف فيه، قلنا: المعاصي ثلاثة أوجه منها:
ما دل عليه الشرع بكونه كبيراً، وهذه هي المعاصي التي عليها الحدود. ومنها: ما لم يرد الشرع فيه بكونه صغيراً ولا كبيراً، فما هذه حالة يقطع بكونه خطأ ولا يقطع بكونه كفراً ولا فسقاً، ثم ما هذا حاله فإنه لا يقطع الموالاة ولا يطرق خللاً في أصل الدين والإسلام، بل الموالاة واجبة مع القطع بكونه خطأ… الخ.
الثاني: وذكر بعد ذلك مذهب من توقف عن الترضي والدعاء للخلفاء، وكذا من نهى عن تكفيرهم وتفسيقهم ونسب هذا المذهب إلى الهادي.([29])
وكلام الإمام طويل ومتين ويدل على ورع وعلى تبحر في العلوم الشرعية والعقلية، وقد عرفت عنه العدالة في حكمه.
وكلامه وهو الإمام الذي قل فن من الفنون إلا وصنف فيه في الرد على الرافضة، والجارودية، وغيرهما من الفرق ينأى بالمذهب الزيدي وآل البيت من تلك الأكاذيب المنسوبة إلى آل البيت من اللعن والتكفير لخيرة الأصحاب.
ولسنا معه -رحمه الله- في قطعية النصوص على إمامة أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- وكذلك لا صراحة في النصوص في اختيار أبي بكر -رضي الله عنه- وإنما اختاره المسلمون إماماً لهم.
فالإمام ابن حمزة أعرض صفحاً عن مذهب الرافضة في الأصحاب، والجارودية وغيرهما، وأخذ بمذهب آبائه الكرام، وصاحب البيت أدرى بما فيه.
* كلام مجد الدين المؤيدي (معاصر):
قال وهو يشرح خروج الإمام زيد بن علي بن الحسين على الأمويين: "ولم يفارقه إلا هذه الفرقة الرافضة التي ورد الخبر الشريف بضلالها".([30])
وقال: "فإن الأمة أجمعت على أن الرافضة هم الفرقة الناكثة على الإمام زيد بن علي".
وقال: "واقتدت هذه الفرق بسلفها المارقة الحرورية".([31])
أما كلام مجتهدي الزيدية من القدماء والمعاصرين فطويل جداً حول الرافضة والجارودية وانحرافهما. وهناك آخرون من العلماء ردوا على الرافضة كابن الوزير، والأمير الصنعاني، والشوكاني، وغيرهم، ويكفي كتاب محمد بن إبراهيم الوزير (العواصم) ومختصره (الروض الباسم). وأما الصنعاني الأمير فكلامه مبثوث في نثره وشعره وفي رسائله؛ وهما من آل بيت النبوة. وأما الشوكاني فكلامه طويل الذيول، ولو لم يكن له إلا (إرشاد الغبي إلى مذهب آل البيت في صحب النبي) لكفى.
وكم في الزيدية عبر التاريخ من محطمين للرفض والجارودية،كيحيى بن الحسين بن القاسم في مؤلفاته، مثل الرد على الإمامية، والرد على من زعم أن القرآن ذهب بعضه، والإمام المرتضى محمد بن الهادي يحيى بن الحسين الذي ألف كتاباً سماه (الرد على الرافضة)، و(روضة المشتاق فيما بين الزيدية والإثنى عشرية من الافتراق) لأبي القاسم الحميري، و(الرد على الرافضة من أصحاب الغلو) للإمام القاسم الرسي، و(الرد على الرافضة) للإمام القاسم العياني، و(الصراط المستقيم في تمييز الصحيح من السقيم) و(الفوارق بين الزيدية والإثنى عشرية) لجعفر بن عبد السلام، و(صيانة العقيدة والنظر عن سبر صحابة سيد البشر) لأحمد السباعي.([32])
وأما المعاصرون: كأحمد سلامة، ويحيى الفسيل، وحمود الذارحي، والقاضي محمد بن إسماعيل العمراني، والقاضيين محمد وإسماعيل ولدي علي الأكوع، والدكتور عبد الوهاب الديلمي، وغيرهم، فكلامهم في متناول اليد، وهؤلاء الأصل فيهم أنهم زيود، ولكن خرجوا عن دائرة التعصب، وعرفوا خطر المذهب الإمامي الإثنى عشري، واتبعوا ما عرفوا من الدليل. وعلى هذا فالزيدية مجمعون على ذم الرفض إلا من ابتلي منهم، فهو المدافع عنه.
وأكتفي هنا بنقل جزء من كلام المقبلي -رحمه الله- يكشف فيه عن خبث الرافضة وتسامح الزيدية، وعليه فقس جميع المجتهدين من الزيدية.
قال -رحمه الله-: "رجعنا إلى ذكر الرافضة، قال الإمام الأعظم زيد بن علي: "الرافضة حربي وحرب أبي في الدنيا والآخرة، مرقت الرافضة علينا كما مرقت الخوارج على علي".
ثم رأيناهم إذا وفد إمامي على هذه الدولة المباركة في اليمن الآن هشوا إليه، وأجهشوا وعشعشوا، وانتعشوا، وقلت للخطيب – المشار إليه في خطبة هذه الأبحاث؛ لأنه الذي استقر عليه أساس ذلك المعنى فيما لغيره من المغنى- أراكم يفد على هذه الدولة المباركة الرجل من الإمامية، فكأنما وفد عليكم ملك، ومن أصولهم البراءة منكم ومن سائر الفرق الإسلامية، المنكرين للنص على أئمتهم؛ لأنهم أنكروا ما علم من الدين ضرورة بزعمهم، وأن أئمتكم من زيد بن علي إلى يومنا هذا رؤساء الضلال والكفر -صانهم الله تعالى- ويسمون من خالفهم كافراً ومنافقاً. وإذا جاءكم الرجل من أهل المذاهب الأربعة، فكأنما رأيتم شيطاناً، ومن أصولهم وأمهات المسائل عندهم ألا يكفّر أن من أهل القبلة، فأخبرني ما هذا؟ فما وجد من الجواب إلا أن قال: الإمامية لم يشتغلوا بنا ولا بأذيتنا، وهؤلاء يرمونا بالابتداع. فقلت: أيهما أعظم الرمي بالبدعة مع الشهادة لكم بالإسلام أم الرمي بالكفر واستحلال دمائكم وسبي نسائكم وأبنائكم واغتنام أموالكم؟ فألجم.
ثم قال: ولقد يسري داء الإمامية في الزيدية في هذه الأعصار حتى تظهر جماعة مذهب الإمامية وهو تكفير الصحابة ومن تولاهم -صانهم الله- وانتموا إلى بعض أولاد الدولة؛ لأنه لا اعتراض عليه، وترى ذلك هيناً عند مدعي الفضل، وما هو بهين -والله- بل تراهم من ذَكَر الصحابة عندهم بخير، وإن لم يتظاهروا بكراهيته، يلوح عليهم ذلك كما يفعله مقابلهم من سائر المذاهب في حق أهل البيت -عليهم السلام- فإن الشيطان وجدها فرصة إلى التفريق بينهم، ونقَّص فضلاء الأمة من الصحابة والقرابة، حتى قل الجمع بينهم بخالص الولاء، وهذا في الفضلاء، وأما الحمقى فيصرحون، ويجعلون النصب تولي الصحابة، كما جعل أولئك الرفض تولي أهل البيت" ا.هـ كلام المقبلي -رحمه الله- في ص(106) من (العلم الشامخ).
تعليق على كلام المقبلي:
1- يذكّر كلامه بالعداء التاريخي بين الزيدية والرافضة من أيام الإمام زيد ومن بعده من آل البيت، فقد ذكر بقول الإمام زيد في الرافضة: الرافضة حربي وحرب أبي في الدنيا والآخرة وأن الرافضة كالخوارج في المروق.
2- وضوح منهج الرافضة في الحكم على الإمام زيد وأتباعه أنهم من أئمة الكفر والضلال.
3- تعاطف بعض الزيدية مع الإمامية، ولعل هؤلاء المتعاطفين من الزيدية ممن مردوا على الجارودية والرفض، لا ممن سار على منهج زيد -رحمه الله. وقد وجد من وقع في الرفض من أدعياء الزيدية قوم لهم في العلم والأدب نصيب، كالقاضي أحمد المسوري، والحسن الهبل، والمخلافي، ويحيى بن الحسين بن المؤيد، ومحمد بن صالح السماوي الملقب بابن حريوه.
4- إن جواب الزيدية المتعاطفين مع الإمامية أن الرافضة لم يصيبوهم بأذى، وإنما الأذى من غيرهم هي تقية من الرافضة لسحب البساط من تحت المسلمين سنة وزيدية.
وهذا وللأسف هو جواب بعض الزيدية اليوم، تغافلاً أن الرافضة يكذبون تديناً، ولكن مذهبهم هو هدم المذهب الزيدي والسني، ولأن هناك من أهل السنة من يرد على الزيدية مع عدم شكه في إسلامهم.
وجواب المقبلي قديماً هو جوابنا حديثاً أن الرافضة يكفرون الزيدية وأهل السنة يحكمون لهم بالإسلام وإن انتقدوهم في مسائل.
5- أن داء الرفض إذا أصاب عبداً لا يكاد يطيق سماع الأصحاب إلا وغشي عليه.
6- وكذلك النواصب إذا ذكر لهم أهل البيت امتعصوا ودارت عليهم الدوائر.
7- ومذهب الفريقين حمق وفضاضة، فقد قنع الجهال وهم الروافض أن ولاء الأصحاب نصب، كما فهم النواصب أن ولاء آل البيت رفض، والحق هو ولاء الصحابة والقرابة -رضي الله عنهم أجمعين-
رقدة زيدية ودهاء رافضي:
وعلى الرغم مما سبق بيانه إلا أن الروافض استطاعوا اختراق الصف الزيدي على حين غفلة من أهل السنة والزيدية في اليمن واشتغال الناس بمعاشهم، وما بقي من وقت عند الصادقين منهم صرفوه في مواجهة الشيوعية والمخربين وصنوف المشككين في الشريعة، ثم تعليم الأمة أمور دينها. استغل الرافضة أسلوب الخداع عندهم "التقية" والطيب عند الآخرين فما أن نجحت ثورتهم حتى أخذوا يصدرون خرافاتهم إلى الآفاق باسم الثورة الإسلامية.
والحق أنه تأثر بها بعض أهل السنة فضلاً عن الزيدية.فقد اختلطت الأوراق في الأوساط الزيدية وعلى مستوى كثير من الأسر الهاشمية، فصار مفهوماً عند البعض أن هناك تلازماً بين حب الآل وبغض الأصحاب، وأن التشيع ليس فيه أقل من سب الأصحاب وبغض أهل السنة والمسلمين عموماً.
واستغلت هذه الغفلة سفارات الدولة المصدرة لثورتها وملحقاتها الثقافية ومراكزها الطبية في عدة دول، واستغلت المحتاجين فساعدتهم واستدعت الطلاب إلى جامعاتها وحوزاتها، ودرستهم مذهبها. واستغل أئمة الرفض في أكثر من بلد من عرب وعجم شباب الزيدية المهاجرين، فعادوا من رحلاتهم من تلك الديار كالعراق ولبنان، بل وفي أمريكا وأوروبا داعين إلى ولاية الفقيه والإثنى عشر والعصمة لهم والتقية… الخ تلك الضلالات، وهي مصطلحات غريبة عن الفكر الزيدي فضلاً عن الكفر السُّني.
لقد نجح ذلك الاختراق نجاحاً ملموساً أثره باعتراف الزيدية أنفسهم.([33]) وتجلى ذلك الاختراق في مظاهر متعددة في أوساط الزيدية، وللأسف ومنها:
1- تفشي الغلو في سب الصحابة والسلف، وقد أشار قديماً إلى هذا المقبلي في (العلم الشامخ)، وأما حالاً فهناك غلو عجيب في جرح الصحابة والسلف.
2- دعوى حصر الإمامة في الإثنى عشر، ونسف التاريخ الزيدي في الإمامة، وإلغائه تماماً.
3- إنكار قصة عبد الله بن سبأ في أوساط الزيدية، اتباعاً لمنكريها من الرافضة، ومن نحى نحوهم، مع أنها ذكرت في مصادر أهل السنة والزيدية والإمامية، وما ذلك إلا عندما شعر الرافضة بأن عبد الله بن سبأ هو قدوتهم، وبئس القدوة، فقام المتأخرون منهم ينكرون ما أثبته المتقدمون، فتأثر بعض الزيدية([34]) بذلك، فأنكروا وجود عبد الله بن سبأ اليهودي.
4- إنكار دفاع الإمام زيد عن الشيخين حتى حكم بعض الكتاب الزيود على القصة التي وردت في ذلك بالوضع.([35])
5- التمجيد الزائد لأئمة الرفض قديماً وحديثاً من آيات الكيد والمكر المدعوين بآيات الله، والثناء المستمر على الخميني الذي لا شك في تكفيره للمسلمين من السنة والزيدية كغيره من أئمة الرفض، ويكفي في ذلك الرجوع إلى كتابه (الأربعون حديثاً)، الذي ذكر فيه أن الإيمان بإمامة الإثنى عشر شرط في قبول الإيمان حيث يقول: "والأخبار في هذا الموضوع، وبهذا المضمون كثير، ويستفاد من مجموعها أن ولاية أهل البيت -عليهم السلام- شرط في قبول الأعمال عند الله، بل هو شرط في قبول الإيمان بالله والرسول الأكرم. ولا يستفاد كونها شرطاً في صحة الأعمال. كما يستفاد ذلك من الروايات المذكورة في باب عدم وجوب قضاء المخالف عبادته إذا استبصر. عن أبي عبد الله -عليه السلام- في حديث قال: "كل عمل عمله وهو في حالة نصبه وضلالته، ثم من الله عليه وعرف الولاية، فإنه يؤخر عليه إلا الزكاة فإنها يعيدها؛ لأنه وضعها في غير موضعها؛ لأنها لأهل الولاية، وأما الصلاة والحج والصيام، فليس عليه قضاء".
وفي رواية أخرى عن محمد بن حكيم قال: "كنت عند أبي عبد الله -عليه السلام- إذ دخل عليه كوفيان كانا زيديين فقالا: إنا كنا نقول بقول وإن الله منّ علينا بولايتك فهل يقبل منا شيئاً من أعمالنا فقال أما الصلاة والصوم والصدقة، فإن الله يتبعكما ذلك، ويحلق بكما، وأما الزكاة فلا؛ لأنكما أبعدتما حق امرئ مسلم وأعطيتماه غيره"([36])، والشاهد اشتراط الإيمان بالإثنى عشر في قبول العمل، والزيدية والسنة يرون صحة الإمامة في غير الإثنى عشر فما حكم أعمالهم الصالحة. وليس هذا فحسب بل الإيمان بالإثنى عشر شرط عندهم لقبول الإيمان، ويعني هذا عدم صحة الإيمان بغير الإثنى عشر، وفي خبرهم الثاني رجوع رجلين زيديين عن اعتقاد إمامة الإمام زيد -رحمه الله- هذا هو حكم الخميني في الزيدية وفي غيرهم.
والحقيقة أن نظرة أئمة الرافضة إلى الزيدية في هذا العصر لا تختلف عن نظرة غلاتهم وقدمائهم، وليس الخميني هو المنفرد بذلك من المعاصرين، بل يشاركه علماؤهم وآياتهم فها هو "المولى الحاج ميرزا عبد الرسول الأحقاقي الحائري -دام ظله العالي-" يقول في (أحكام الشريعة -المجلد الأول في العبادات- الطبعة الثانية، لجنة النشر والتوزيع، جامع الإمام الصادق -عليه السلام-، دولة الكويت ص(223): "الغسل: مسألة (1127): يجب على المسلمين سيما على من هو أولى بالميراث كفاية تغسيل المؤمن الإثنى عشري، ومن بحكمه من الأطفال والمجانين.
مسألة (1128): ليس على المسلمين تغسيل الكفار بجميع أقسامهم ومنهم الغلاة والنواصب.
مسألة (1129): المخالف وسائر الفرق الباطلة من الشيعة كالزيدية والواقفية والفطحية والكيسانية وغيرهم فهم كالكفار، لكن الأحوط وجوب غسلهم".
وها هو "الحاج ميرزا حسن الحائري الأحقاقي -دام ظله العالي-" يقول في (أحكام الشيعة- المجلد الأول- الجزء الأول والثاني في العبادات، لجنة النشر والتوزيع، جامع الإمام الصادق -عليه السلام-، دولة الكويت ص(181)) نفس الكلام السابق إلا أنه قال عن الفرق المخالفة الذي عدده صاحبه "… فالأظهر أنهم كالكفار… ".
6- انحدار الصحيفة المعبرة عنهم إلى حضيض الإسفاف في الهجوم الذي لا يشبهه إلا هجوم الرافضة على علماء المسلمين، ومصادرهم كـ (الصحيحين) وغيرهما. وهذه الصحيفة لو دعت إلى منهج الزيدية لقلنا معبرة عن المذهب، أما أن تتفق مع الرافضة ومع العلمانية ومع الصوفية بل ومع الباطنية في وقت واحد في عداء أهل السنة والجماعة فغير مفهوم لدينا.
فهل صار هذا هو المذهب الزيدي العقلاني الخارج على الظلمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟!
هل صار عند إخواننا الحكم المسبق أن يتفقوا دائماً في مواجهة إخوانهم أهل السنة، ولو كان عدوهم عدواً للإسلام والمسلمين؟!
انظر كيف تتهم المسلمين بالإرهاب مجاراة للإعلام الغربي الذي لا يفرق بين سني وشيعي، وبالتطرف كما يقول الغرب وأعدادها مليئة بذلك.
إن الخرافة الصوفية، وأعظم من ذلك خرافات الروافض التي لا تحصى، وأشد من هذا وذاك مذهب الباطنية الذي لم يتردد حكام اليمن وعلماؤه الزيود في تكفير منتحليه وقتالهم -أصبحت تلك الخرافات مقبولة عند هذه الصحيفة عندما يكون هجوم الجميع على أهل السنة والجماعة، نرجوا الله أن يرد القائمين عليها إلى الصواب، وأن لا يجعل للرافضة عليهم سبيلاً.([37])
لقد حرضت هذه الصحيفة على الدعاة إلى الله كل القوى، حتى صارت مجلة (النور) الإمامية([38]) أرحم منها بأهل السنة، وفتحت صفحاتها لمنكري النسخ في القرآن ومنكري أحاديث الصحيحين، بل للمخالفين للمذهب الزيدي نفسه.
والعجب أنها تحاول الجمع بين خرافة الصوفية والإمامية وعقلانية المعتزلة والزيدية، وذلك شبه مستحيل إن لم يكن مستحيلاً.
إننا ندعو الإخوة القائمين عليها أن يرحموا أنفسهم ويتركوا هذا الشغب على الدعاة إلى الله إن كانوا كما نظن فيهم يعبرون عن مذهب الزيدية في اليمن، أو يعبرون عن الإسلام، وما هو التطرف؟! وما هي الأصولية؟! وما هو الإرهاب الذي يعنيه الغرب؟ هل هو إلا الإسلام فقط؟! ولماذا تدافع الصحيفة عن حزب الله اللبناني وهو إرهابي عند أمريكا؟!! وهل اتفقنا مع الغرب على مصطلح الإرهاب والأصولية والتطرف؟!!!
وأخيراً أذكر الأخوة في الصحيفة بقول الله تعالى: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم".
6- الخلط في مسألة الصحابة بين الرافضة والزيدية، وطمس معالم المذهب الزيدي فيهم، وهم القائلون بعدم جواز سب الأصحاب، والشيخين بدرجة خاصة.
حتى عندما سئل الشيخ حمود عباس المؤيد نائب مفتي اليمن السابق -أحمد زباره- عن حكم سب الصحابة بمن فيهم أبو بكر وعمر وأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنهم- فقال: إنه لا يعلم الحكم. مع وضوح كلام الإمام يحيى بن حمزة في (الرسالة الوازعة)([39]) وآل البيت من قبله في مدح الشيخين، وأن آل البيت لا يطعنون في الصحابة، وأنهم يعتقدون بصحة إمامة الشيخين مع تفضيل علي عليهما، وهذه مميزات الزيدية على غيرهم من الشيعة. فهل صار السيد حمود عباس المؤيد -وهو من أكبر المراجع الزيدية في اليمن- يجهل مذهب جده علي وإماميه الحسن والحسين وإمام مذهبه زيد في الشيخين وفي أمهات المؤمنين حتى يجهل تحريم الطعن فيهم.
وهذا السكوت خطوة خطيرة نحو الرفض، ولم يبق إلا خطوة اللعن والسب للحاق بالإمامية.([40])
يقظة زيدية محموده بعد طول رقاد:
وأخيراً وبعد كل ما حصل من اختراق نتج عنه مظاهر ذكرنا جانباً منها، تنبَّه عدد من العلماء والدعاة والشباب في أوساط الزيدية إلى خطورة الرفض في أوساطهم، وسرعة تأثر بعضهم بذلك فبدءوا ببيان معالم مذهبهم وإظهار مكامن الضعف في مذهب الإمامة. ولنترك أحد هؤلاء الزيدية يحدثنا عن الأمر، حيث يقول: "ولكن منذ فترة قصيرة بدأ الإمامية محاولة جادة في نشر مذهبهم بين صفوف الزيدية في اليمن، وقد نجحوا نجاحاً ملموساً أثره، ولكن محدود الانتشار".([41])
ثم بدأ يوضح حقيقة مذهب الرفض في الحكم على الزيدية، وغيرهم من المسلمين، فقال: "ثم إن غرورهم اقتصر على بعض الجهلة الذي لا يفقهون، ولعلمنا المسبق بأن الإمامية يرون بأن أئمة أهل البيت وشيعتهم من الزيدية، بل كل الأمة الإسلامية كفار… الخ".([42])
وهو بيان تأخر عن وقته، ولكن ذلك أهون من ترك البيان، واسمع إلى ما يعلم الزيدية عن الرافضة "لاسيما حينما يعلم أن الإمامية كانوا من أشد الناس على أهل البيت".([43])
استقر الاتفاق بين الإمامية على كفر وفسق الزيدية ومن معهم من آل البيت وبقية المسلمين… وجاء قول الخوئي إمام الرافضة في العراق في العقود الماضية: "وإن كانوا جميعهم في الحقيقة كافرين، وهم الذين سميناهم بمسلم الدنيا وكافر الآخرة".([44])
ويتحدث آخر فيقول -أثناء سرده لما ألف في زيد بن علي -رحمه الله-: "6/ (زيد الشهيد) تأليف عبد الرزاق الموسوي المقرحم وهو كسابقه حاول أن يجعل الإمام زيد من الشيعة الإمامية، ومن عسكر جعفر الصادق، وهذا منطق المعتدلين من الإمامية أما قدماء الإمامية وغلاتهم فقد كفروا زيداً وأتباع زيد، وكل من قال بالخروج على الظالم، واتهموا كل أئمة الزيدية وأفاضل العترة النبوية الذين خالفوهم القول بإمامة الإثنى عشر.([45])
لقد تطاول الرافضة في اليمن – على قلتهم – على علماء الزيدية قديماً وحديثاً أحياءً وأمواتاً، حتى اضطر علماء صعدة للتحذير من اثنين من الشباب وصفا بنقض العهود، وتدريس كتب مخالفة وسب العلماء. وذانك الشابان زيديان، انتحلا الرفض في أوساط الزيدية في صعدة.([46])
وحتى طعن بعض من انتحل الرفض من بني الأكوع – في حوار له مع الشيخ عبد الله صعتر- بالمفتي زبارة والدكتور المرتضى المحطوري الزيديين.
لقد بدأت اليقظة في أوساط الزيدية مؤخراً، ولها مظاهر كثيرة منها:
1- إقامة المراكز العلمية.
2- نشاط مدارس التحفيظ.
3- تدريس الفقه.
4- إقامة الدورات الصيفية.
5- إنشاء المكتبات والتسجيلات الإسلامية.
6- تأليف الكتب لتبيين موقفهم من الفرق.
7- طبع كتب أسلافهم من الزيدية.
8- الرد على الرافضة رداً صريحاً أو مبطناً، وغير ذلك من مظاهر الصحوة الزيدية.
ونأمل أن لا تخترق هذه المحاضن وتلك الأنشطة من الإمامية. فلو فعلوا لملأوا القلوب أحقاداً وحولوها إلى أنشطة للرفض، ومحاضن للغلو، ومراكز فُرقة بين المسلمين.
دعوة الإخوة الزيدية إلى الحوار:
إننا بحكم قربنا من إخواننا الزيود، وبحكم دراستنا لمؤلفات محققيهم، قد تبين لنا أن عندهم صدقاً في الحوار، وبعداً عن التقية والكذب الموجود عند الروافض، لندعوا الإخوة أتباع المذهب الزيدية إلى فتح باب الحوار مع أهل السنة، وفي ذات الوقت أدعوا أهل السنة إلى التفريق بين الزيدية والرافضة في هذا الباب، فعند الزيدية كما أسلفنا صدق في الحوار، وبعد عن التقية، والكذب الذي خدع الروافض به قطاعاً من أهل السنة فترة تزيد على خمسين عاماً بما سمي بدار التقريب في القاهرة، والتي أطلق عليها العلامة محب الدين الخطيب "دار التخريب"، والتي لم يكن من ورائها طائل سوى تقريب بعض أهل السنة نحو الرافضة، مع حصول الروافض على فتاوى من شيخ الأزهر شلتوت -غفر الله له- ومن غيره بصحة التعبد على المذهب الجعفري.
بينما الرافضة لم يتزحزحوا خطوة واحدة عن مذهبهم، وما فتئوا ينشرونه في أوساط أهل السنة، ويصدرون الكتب القاتلة بتحريف القرآن، وتكفير السلف، وتمزيق الصفوف. أما الحوار مع الزيدية فلا خطر منه مع التزام الصراحة، وحصر المسائل المطلوب حلها، خاصة والجميع لا يرى التقية في هذا الموقف.
كما أنني أدعو الجميع إلى البعد عن الغلو، والجرح بدون مبرر، وإلى تحديد المسائل التي ينبغي الحوار حولها، وإلى الابتعاد عن الحكم المسبق، وإلى أن يتعالى الجميع عن أساليب التعالي والتجهيل، وأن يسمو عن الالتفاف الحزبي المهين، وأذكرهم بأن الحوار مشروع حتى مع غير المسلمين "وجادلهم بالتي هي أحسن… "، "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن…"، فمن باب أولى بين المسلمين بعضهم مع البعض الآخر. وذلك حتى تعود الرافضة إلى جحرها بعد هتك سترها.
تنبيه!!
وهنا أذكر الطيبين من السنة والزيدية المخدوعين بحيل الرافضة الزاعمين حرصهم على جمع الكلمة ونبذة الفرقة مع نشرهم مذهبهم بين الزيود والسنة أقول: "إذا كان الإمامية صادقين مع أهل السنة أو الزيدية، فليسمحوا لكلا الفريقين بفتح مراكز لتدريس علومهما هناك في إيران".
فهل يوجد في طهران أو قم أو شيراز، أو مشهد مركز باسم الإمام زيد أو الهادي أو المنصور بالله، أو غيرهم من أئمة المذهب الزيدي، أو المذاهب السنية؟
وهل يوجد في مراكز الشيعة في غير إيران كالنجف ، وجبل عامل والهند، وغيرها مراكز للسنة، أو للزيدية لتدريس الفقه الهادوي، أو الشافعي، أو الحنبلي، أو المالكي، أو الحنفي؟ لقد أصبحت الزيدية في فارس أثراً بعد عين، وذابت الملايين من أهل السنة هناك، وألغيت مراكزهم وهدمت بعض مساجدهم، واعتقل شيوخهم بتهمة الوهابية، والله المستعان.
هذا وإني أجد من المناسب هنا الإشارة إلى بعض الفروق بين الروافض والزيدية ليتضح الأمر و"ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة".
بعض الفوارق بين الزيدية والرافضة:
بعد ذلك العرض المختصر لجانب من الصراع بين الروافض والزيدية كان لزاماً علينا أن نذكر بعض الفروق والاختلاف بينهما حتى يتبين لجماهير الزيدية الهوة السحيقة التي تفصل بين الرافضة من جهة وبقية المسلمين بما فيهم الزيدية من جهة أخرى.
وحتى لا يتم استدراج أبناء الزيدي إلى الرفض تحت الشعارات المجردة التي يرفعها الروافض وحتى يتضح للجماهير من أهل السنة أنه لا يجوز النظر إلى المذهب الزيدي لمجرد التشيع كما ينظر إلى الروافض الغلاة.
ونحن هنا لا ندعي الإحاطة بجميع الفروق، فالفوارق كثيرة جداً لكن حسبنا أن نذكر أهمها:
فمن تلك الفروق:
أولاً: القول بتحريف القرآن:
الزيدية كبقية المسلمين يقولون بأن القرآن الموجود بين أيدينا هو كتاب الله، سالم من التحريف ومن الزيادة والنقصان([47])، بينما الروافض يقولون بأنه حُرِّفَ وبُدلَ وزيد فيه وانقص منه، وأن اعتقاد التحريف من ضروريات المذهب وأنه لو تطرق الشك إلى الروايات القائلة بالتحريف لتطرق الشك بقية أخبار الشريعة.
وكتب القوم طافحة بذلك، حتى أن أحد كبارهم -وهو: (النوري الطبرسي)- ألف كتاباً أسماه (فصل الخطاب بإثبات تحريف كتاب رب الأرباب) جمع فيه أقوال أئمتهم حول هذا الموضوع، مع ذكر المصادر والأئمة والمراجع، وقد طبع الكتاب وطار كل مطار.
ثانياً: القول بكفر الصحابة:
يكفر الروافض الصحابة أجمعين كأبي بكر وعمر وعثمان وأمهات المؤمنين وغيرهم، ولا يستثنون إلا خمسة فقط، وأقوال أئمتهم في ذلك أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر([48]).
أما الزيدية فعامتهم لا يكفرون الصحابة، ويقولون بصحة إمامة الشيخين، وإن كانوا يطعنون في نفر من الصحابة كمعاوية وعمرو بن العاص وأبي موسى -رضي الله عنهم أجمعين- ويترضون عن عموم الصحابة.([49])
ثالثاً: القول بعصمة الأئمة:
الروافض يقولون بعصمة الأئمة الإثنى عشر بل ويقولون بتفضيلهم على الأنبياء والمرسلين.([50]) أما الزيدية فلا يقولون بعصمتهم، وإن كان بعضهم يقول بعصمة علي -رضي الله عنه-([51])
رابعاً: حصر الإمامة بالإثنى عشر:
حصر الروافض الإمامة في الإثنى عشر إماماً المعروفين، وقالوا بكفر من لا يؤمن بولايتهم وبكفر من ادعاها من غيرهم كائناً من كان، ولذلك اتفقوا على أن زيد بن علي -رضي الله عنهما- إن كان قد خرج داعياً لنفسه فهو كافر، وإن كان خروجه للدعوة إلى الرضا من آل محمد فليس بكافر.
ومما هو معلوم أنه -رضي الله عنه- خرج داعياً لنفسه([52])، وعلى هذا فهو كافر على مذهبهم أما الزيدية لم يحصروا الإمامة في أولئك الإثنى عشر.
وإنما أجازوها في كل علوي فاطمي من البطنين إذا توفرت فيه الشروط ودعا إلى نفسه.([53])
خامساً: رفض إمامة الشيخين -أبي بكر وعمر-:
لم يقتصر الروافض على إنكار إمامة الشيخين، بل تعدوا ذلك إلى القول بكفرهما ولعنهما وزعموا أن مهمات مهديهم إقامة الحد عليهما.([54])
أما الزيدية فمعظمهم يقولون بصحة إمامتهم مع كونهم يفضلون علياً ويقدمونه ليهما.([55])
سادساً: التقية:
اعتبر الروافض التقية واجباً من الواجبات بمنزلة الصلاة لا يجوز لأحد تركها قبل خروج مهديهم المزعوم، كما أنهم اعتبروا من لا تقية له لا دين له، واعتبروا ممارستها دين سواءً في السراء أو الضراء،وكتبهم مملوءة بذلك.([56])
والروافض في ذلك يخالفون بقية المسلمين بما في ذلك الزيدية الذين لا يعتبرون التقية إلا في الحالات الضرورية التي يسوغ فيها ارتكاب بعض المحرمات لدفع الهلاك عن النفس.([57])
سابعاً: المهدي الذي في السرداب:
بين الروافض وبقية المسلمين في قضية المهدي بون واسع وفرق شاسع، فالروافض يقولون أن المهدي هو محمد بن الحسين العسكري الإمام الثاني عشر عندهم، والذي زعموا أنه ولد عام 255هـ، ودخل السرداب في غيبة صغرى استمرت قرابة 69 عاماً، ثم دخل في غيبة كبرى من عام 329هـ، واستمرت إلى عصرنا هذا، وأنه سيخرج ومعه القرآن الكامل ليقيم الحد على الصحابة، ويقتل ذراري قتلة الحسين ويحكم بحكم داود، ويهدم البيت الحرام وغير ذلك، مع العلم أنه ثبت تاريخياً أن هذا المهدي المزعوم فرية بلا مرية،وأنه لم يولد للحسن العسكري ولد، وقد اعترف بذلك بعض مفكري الشيعة.([58])
بينما الزيدية كبقية المسلمين يقولون بخروج المهدي الذي تواترت فيه الأحاديث والأخبار وأنه سيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً في آخر الزمان وبدون تحديد لوقته، كما هو قول أهل السنة، فلا هو موجود في السرداب ومهمته تختلف عن مهمة مهدي الرافضة، فمهدي السنة والزيدية يملأ الأرض عدلاً، ومهدي الرافضة يملأها فساداً.([59])
ثامناً: مصادر الاستدلال:
تقدم قول الروافض في القرآن الكريم وطعنهم فيه بزعمهم أنه حرف وبدل ونقص بالنسبة للسنة فهم لا يأخذون بها، ولا يرجعون إليها ويطعنون في مصادرها كالبخاري ومسلم وبقية أمهات الحديث، وبالنسبة للإجماع فلا يعتبرونه حجة إلا إذا كان فيه الإمام المعصوم، فلو اجتمعت الأمة كلها بدون الإمام المعصوم لما كان لاجتماعها حجة أما الزيدية فكما سبق لا يطعنون في القرآن، ويأخذون من كتب السنة.
وإن كان لهم مصادر أخرى كـ (مسند زيد) وبعض (الآمالي)، ويقولون بإجماع الأمة، وإن كان إجماع آل البيت عند بعضهم حجة.([60])
تاسعاً: تكفير المخالف لهم من المسلمين والقول بنجاسته واستباحة ماله ودمه:
الروافض يقولون بتكفير كل من خالفهم من المسلمين وبنجاسته واستباحة ماله ودمه.([61])
أما الزيدية كغيرهم من المسلمين فلا يكفرون غيرهم، إلا بمكفر إذا توافرت الشروط وانتفت الموانع ولا يقولون باستباحة دمائهم وأموالهم، ولا يقولون بنجاسة المخالف وإن كان لبعضهم غلوا في هذا كما بينه علامة الآل محمد بن إبراهيم الوزير كما في (العواصم)، ووجد في بعضهم تأثر بأهل الاعتزال القائلين بالمنزلة بين المنزلتين في حق العصاة.
عاشراً: إباحة زواج المتعة:
انفرد الروافض من بين جميع الفرق بالقول بجوازها ومشروعيتها([62])، وخالفهم في ذلك جميع طوائف ومختلف الفرق حتى الباطنية. وممن خالفهم الزيدية وجميع المذاهب، وكلام الإمام الهادي في (الأحكام) -على الرافضة وأنهم أحلوا ما حرم الله في المتعة، ونقضوا الكتاب، وقد شنع عليهم- واضح جلي.([63])
الحادي عشر: التحالف مع أعداء المسلمين ضد المسلمين:
تاريخ الروافض مليء بمظاهرة أعداء الإسلام ضد المسلمين، ولك أن تنظر في التاريخ لتجد ذلك جلياً واضحاً في موقف الطوسي وابن العلقمي، والتحالف مع التتار ضد الخلافة العباسية، وما فعلته الدولة الصفوية من خذلان وطعن للمسلمين من الخلف أيام حروب الخلافة ا لعثمانية مع النصارى في الغرب، وحال أهل السنة في إيران تنادي بأعلى صوت على صدق ذلك، كما في الجزء الثاني من كتاب (وجاء دور المجوس)، وكذلك ذبح حركة أمل للفلسطينيين، الأمر الذي عجز عنه حكام اليهود في فلسطين ونصارى لبنان، وتحالفهم في قتال أهل السنة الأفغان مع أمريكا ودول الصليب ودول الجوار كالهند وروسيا والصين، بل وتعاونت أحزاب الرافضة -وحكومة الرافضة- ضد المسلمين السنة في أفغانستان مع كل القوى المعادية للإسلام من صليبية ويهودية وهندوسية وبوذية وما ذلك عن الأبصار بمحجوب.
أما الزيدية فلا يفعلون ذلك، ولا ينسى التاريخ الموقف المشرف من الإمام يحيى بن حميد الدين في رفضه التعاون مع الإنجليز ضد الأتراك في الحرب العالمية الأولى رغم الترغيب والترهيب.
ثاني عشر: من المرجحات عند الروافض مخالفة أهل السنة:
بمعنى أنه إذا كان لديهم قولان في مسألة فالراجع عندهم القول الذي يخالف القول المعمول به عند أهل السنة.([64])
أما الزيدية فلا يقولون بذلك، بل يرجعون إلى طرق الترجيح المعروفة عند الأصوليين.
ثالث عشر: ومن الفروق قول الرافضة بالمسح على الرجلين([65])
وكما أشرنا أننا لم نستوعب جميع الفروق فهي كثيرة، ومن ذلك على سبيل الإجمال: القول بالبداء، حيث يقول به الرفض وينكره الزيدية، وكذلك ما يفعله الروافض من سجود لقبر الحسين، وضرب الرؤوس بالسيوف والسلاسل، حيث ينكر جميع ذلك الزيدية، ومن ذلك نظرية الانتظار للمهدي الذي في السرداب، ثم نظرية ولاية الفقيه وتعطيل الجهاد، وترك الخروج على الظالم حتى يخرج القائم الذي دخل السرداب مما لا يقول به الزيدية.
ومما نريد أن نشير إليه هو أننا بذكر الفوارق بين الروافض والزيدية لا نعني أن الزيدية موافقون لأهل السنة في كل شيء.. لا، بل الذي نعنيه هو أن على أتباع المذهب الزيدي التنبه إلى الخطر الرافضي، وخطر مبادئه ومعتقداته، وأنه يجب عليهم عدم الارتماء في أحضانهم تحت الشعارات الجوفاء، كالدفاع عن المذهب، وحب آل البيت، الذي هو بالنسبة للروافض شعار وستار لا غير يرومون من وراء رفعه جر الزيدية نحو الرفض.
ونعني أيضاً أن المسافة بين الزيدية وأهل السنة أقرب من المسافة بين الزيدية والروافض.
وإن كان الخلاف حاصلاً أيضاً بين أهل السنة والزيدية في أمور أهمها أن جمهور الزيدية معتزلة في معتقداتها([66])، وأنهم يقولون بتقديم علي على الشيخين، وأن معظمهم يطعنون في بعض الصحابة (كمعاوية، وعمرو بن العاص، وأبي موسى وغيرهم… )، وغير ذلك.
ومع ذلك كله فنحن نرى أنهم ظلموا بنسبتهم إلى الرفض وعدم التفريق بينهم وبين الروافض، وأنهم ظلموا أنفسهم وظلمهم بعض علمائهم المعاصرين بعدم البيان –رغم الحاجة إليه- بالتبرؤ من الروافض ومعتقداتهم، وإنما فعلوا العكس من ذلك حيث تبنى بعضهم كثيراً من أطروحات الروافض في صحفهم وبعض كتاباتهم.
والرد على الرافضة وبيان حقيقة المذهب الزيدي له فوائد منها:
1- براءة المذهب الزيدي مما لصق به من التشويه بجعله كالباطنية أو الرافضة عند البعض جهلاً منهم.
2- قفل الباب على الرافضة الذين يتخطفون عوام الزيدية لظنهم الاتفاق بين المذهبين.
3- اتضاح المعالم للسواد الأعظم من الأمة –وهم أهل السنة- وتبيُّن حقيقة المذهب، وأنه بريء من مذهب أهل الرفض.
4- المشاركة في رد الباطل المتفق عليه بين أهل السنة والزيدية، وغيرها من الفوائد.
ومما يحسن إيراده هنا:
أن نذكر نبذة مختصرة عن مكانة آل البيت عند أهل المنهج الوسط –أهل السنة والجماعة·- وذلك كما قرره أئمتهم، وذلك قطعاً لطرق المزايدين الذين يدعون حب آل البيت وهم أكثر من جر الويلات عليهم وجلب المتاعب لهم فنقول:
* معنى الآل في اللغة: أصلها من أول، والأول: الرجوع، آل الرجل: أهل. والتزمت العرب إضافته فلا يستعمل مفرداً إلا نادراً، والتزموا إضافته إلى الظاهر فلا يضاف إلى مضمر إلا نادراً.
* وإذا قيل آل فلان فهل يدخل فيهم فلان أم لا، قال ابن القيم إن أفرد دخل فيه المضاف إليه كقوله تعالى: "أدخلوا آل فرعون أشد العذاب"، وأما إن ذكر الرجل ثم ذكر آله لم يدخل فيهم ففرق بين المجرد والمقرون.
* اختلف في آل النبي –صلى الله عليه وسلم- على عدة أقوال، واحتوى كل قول على أقوال، والصحيح منها: أنهم الذين حرمت عليهم الصدقة، ثم أزواجه وذريته من بعده.
* هل أزواجه – صلى الله عليه وسلم- من آله، فيه خلاف، والصحيح أنهن من آله بدلالة القرآن والسنة.
خصائص أهل البيت ومناقبهم:
أولاً: خصائصهم:
1) تحريم أكل الصدقة عليهم، فقد ورد في مسلم من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-: "إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد".
2) إعطاؤهم خمس خمس الغنيمة وخمس الفيء، قال تعالى: "واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى… ".
قال ابن عاشور: "وذلك إكراماً من الله لآل بيته؛ لأن الله حرم عليهم الصدقات، فلا جرم أنه أغناهم من مال الله".
3) أنهم لا يرثون النبي – صلى الله عليه وآله وسلم- فقد جاء في الصحيحين أن فاطمة –رضي الله عنها- أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها، فقال لها: إن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "لا نورث، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا المال –يعني مال الله".
4) فضل النسب وطهارة الحسب:
وذلك بمقتضى اختيار الله لهم، كما قال رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم".
ثانياً: مناقبهم:
أ) المناقب العامة:
1) تخصيصهم بالصلاة عليهم كما في الصلاة.
2) وصية الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم- كما في قوله: "أذكركم الله في أهل بيتي".
ب) مناقب وفضائل خاصة ببعض أهل البيت:
جاء في فضائل علي –رضي الله عنه- وفي فضائل أمهات المؤمنين –رضي الله عنهن- وفي فضل فاطمة والحمزة والحسن والحسين والعباس وجعفر –رضي الله عن الجميع- ومن ذلك على سبيل المثال:
أولاً: ما ورد في فضل أمير المؤمنين علي –رضي الله عنه-:
روى البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد أن رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- قال يوم خيبر: "لأعطين الراية غداً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، قال فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- كلهم يرجوا أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينه، قال: فأرسلوا إليه فأتى فأعطاه الراية. فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم".
ثانياً: فاطمة -رضي الله عنها-:
روى البخاري في باب مناقب فاطمة –رضي الله عنها-: عن النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "فاطمة سيدة نساء أهل الجنة".
ثالثاً: الحسن والحسين –رضي الله عنهما-:
روى الترمذي بسنده إلى البراء بن عازب –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- أبصر حسناً وحسيناً فقال: "اللهم إني أحبهما فأحبهما".
وروى أحمد بإسناده إلى أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-: "الحسن والحسين سيداً شباب أهل الجنة".
رابعاً: علي بن الحسين –رحمه الله تعالى:
قال عنه يحيى بن سعيد: "هو أفضل هاشمي رأيته في المدينة"([67]).
وقال الزهري: "لم أر هاشمياً أفضل من علي بن الحسين"([68]).
وقال محمد بن سعد: "كان ثقة مأموناً كثير الحديث عالياً رفيعاً ورعاً"([69]).
خامساً: محمد بن علي (الباقر) –رحمه الله-:
قال ابن سعد: "كان كثير العلم والحديث"([70]).
وقال الصفدي: "هو أحد من جمع بين العلم والفقه والديانة".([71])
وقد اتفق الحفاظ على الاحتجاج به كما نص على ذلك الذهبي.([72])
سادساً: زيد بن علي بن الحسين –رحمه الله-:
قال عنه الذهبي: "وكان ذا علم وجلالة وصلاح… ".([73])
سابعاً: جعفر بن محمد (الصادق) –رحمه الله تعالى-:
قال عنه أبو حنيفة: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد.([74])
وقال أبو حاتم: ثقة لا يسأل عن مثله.([75])
وقال الذهبي: جعفر بن محمد الصادق سيد العلويين في زمانه وأحد أئمة الحجاز لم يلحق الصحابة.([76])
ثامناً: موسى بن جعفر (الكاظم) –رحمه الله-:
قال فيه أبو حاتم الرازي: "ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمين".([77])
وقال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية: "وموسى بن جعفر مشهود له بالعبادة والنسك".([78])
وقال الذهبي: كان من أجود الحكماء ومن العباد الأتقياء.([79])
تاسعاً: علي بن موسى (الرضا) –رحمه الله-:
قال عنه الذهبي: "كان من العلم والسؤدد بمكانه".
عاشراً: محمد بن علي (الجواد) –رحمه الله-:
كان يعد من أعيان بني هاشم، وهو معروف بالسخاء والسؤدد.([80])
وقال البغدادي: "وقالوا (أي أهل السنة) بموالاة جميع أزواج رسول الله – صلى الله عليه آله وسلم- وأكفروا من أكفرهن أو أكفر بعضهن. وقالوا بموالاة الحسن والحسين والمشهورين من أسباط رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- كالحسن بن الحسن، وعبد الله بن الحسن، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي بن الحسين المعروف بالباقر، وجعفر بن محمد المعروف بالصادق، وموسى بن جعفر، وعلى بن موسى الرضا، وكذلك سائر أولاد علي من صلبه، كالعباس، وعمر، ومحمد بن الحنفية، وسائر من درج على سنن آبائه الطاهرين".([81])
وغير ذلك مما لا تتسع هذه الإشارة إلى سرده، ويمكن الرجوع إليه في كتب السنة كالبخاري ومسلم وبقية كتب الحديث وكتب التفسير والتاريخ وغيرها من مؤلفات أئمة أهل السنة والجماعة.
وعليه فيمكن القول إن أهل السنة والجماعة يحبون آل البيت ويجلونهم ويرون أن المؤمن منهم له حقان: حق الإيمان، وحق القرابة من رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- ويتبرؤون من طريق الروافض – الذين يغلون فيهم- ومن طريق النواصب –الذين يؤذونهم- ويحفظون فيهم وصية نبيهم ويعظمون قدر زوجات النبي – صلى الله عليه وآله وسلم-.
وفي نهاية هذه المقدمة أحب أن أنبه على أمرين اثنين:
الأمر الأول: ستقابل هذه الرسالة من قبل البعض بأن في نشرها نشراً للفرقة والطائفية والمذهبية، وهؤلاء القائلون بهذه المقالة ضربان من الناس:
الضرب الأول: العلمانيون المتخمون في التهام أفكار الغرب والمقصرون في فهم الإسلام، والواجب على هؤلاء أن يقبلوا على أنفسهم، ويصلحوا وضعهم، ويصححوا تصوراتهم ونظرتهم إلى الإسلام والمسلمين قبل أن يتندروا بذكر اختلاف المذاهب والجماعات.
والضرب الثاني: الموغلون في الرفض والداعون إليه بشتى الوسائل ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً إلا في الحالات الداعية إلى التقية.
وهذا الضرب يقال له: إنك أنت الذي كنت من أعظم الأسباب في نشر الخلاف وطبع الكتب لبيان الصواب.
فها أنتم أولاء تقتحمون حصون أهل السنة والزيدية على حين غرة، وطيب نفوس وسلامة صدور منهم، وتحلون محلهم، وأنتم الناشرون لكتب الرفض والباطنية، فانصحوا أنفسكم قبل نصح المدافعين عن بنيانهم، ثم كيف تنتقدون الرد وأنتم سبب الفرقة والردود.
الأمر الثاني: قد يتوهم بعض القراء أن كاتب المقدمة استخدم أسلوب استعطاف للزيدية وهوَّن من الخلاف بين الزيدية وأهل السنة في مقابل الرافضة.
ولهؤلاء أقولا: إنني معروف لدى الجميع أنني من أهل السنة، وأرجو الله القبول، ولست في واد أراوغ فيه زيدياً أو سنياً، ولست بحاجة إلى شهادة أو تزكية حتى أقول ما أعتقده من هذا أو ذاك.
وإنني أمقت أشد المقت أسلوب التقية والمراوغة الحزبية، وأنحي باللائمة على الغلاة في رفض الحوار، سواءً من الزيدية أو ممن يرفضون الحوار معهم بحجة أن بيننا وبينهم خلافات.
والحق أن تصدر الغلاة هنا وهناك سوف يغلق باب التفاهم ويضع بين المسلمين ألف حجاب. إن خلافنا مع المعتزلة خلاف حاصل لا مجال لإنكاره، ولكن أن نلتقي معهم ونجاهد معهم الكفار لا غبار عليه، بينما لا نأمن الحوار مع الروافض لوجود التقية والكذب والخداع، ولا نأمن معهم القتال للكفار إذ عودونا الطعن من الخلف عبر التاريخ من لدن ظهورهم إلى يومنا هذا.
وعلماء الجرح والتعديل عندما تكلموا في الرواة والشهود لم يجعلوا أسباب الجرح متساوية بل متفاوتة، فهناك مجروح ببدعة مكفرة، وهناك بدعة مفسقة، وهناك داع إلى البدع، وهناك مبتدع ليس بداع، وهناك مبتدع ينتحل الكذب كالرافضة والخطابية، وهناك من يروي ليقوي بدعته فله حكم خاص به. وبالرجوع إلى (الميزان ولسانه)، و(تهذيب التهذيب)، و(سير أعلام النبلاء)، و(توضيح الأفكار)، وشروح (ألفية العراقي) في المصطلح في باب الجرح والتعديل، و(تدريب الراوي)، و(شرح مقدمة ابن الصلاح)، و(الكامل) لابن عدي، و(الجرح والتعديل) لابن أبي حاتم، وغيرها مما كتب قديماً وحديثاً حول الجرح والتعديل –بالرجوع إلى تلك المصادر يهون على المعترض ما طرحت، ويدرك مسلك أهل الحديث، والأثر في التعامل مع فرق الأمة، وأن هناك تفصيلاً في التعامل مع المخالف وإعطاء كل ذي حق حقه، فما الذي يدعو إلى التزلف للزيدية أو يدعو إلى ترك الحوار معهم. وعلى كل حال هذه نظرتي ومبلغ إطلاعي على كتبهم، واحترامي لعلمائهم وأئمتهم، وهو القدر الذي يجب شرعاً لكل مسلم على أخيه، وإن خالفه في مسائل، وما أنا بحاجة إلى إخفاء سلفيتي وسنيتي، ولكن أرجو من الله أن يرزقني العمل بما عمل به السلف الصالح، وأن آخذ الحق من أهله وأرد الخطأ على ذويه. وكما سبق أن أسلفنا: البون واسع جداً بين أتباع الإمام زيد والإثنى عشرية، والدول الزيدية التي قامت منذ وصول الهادي إلى اليمن تـ (298هـ) إلى نهاية حكم الأئمة عام 1382هـ دول قامت بالإسلام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومدت يدها للمسلمين هنا وهناك للتعاون معهم، ولم تعرقل الفتوحات الإسلامية، وكان من الشروط المطلوب توفرها فيمن يتولى الحكم فيها شروط عظيمة من العلم حتى مرتبة الاجتهاد مع الشجاعة والعدل، وإن وقع آحادهم في الظلم. هذه الدول تختلف عن الدول الرافضية، والدولة الصفوية مثال لذلك، حيث أجبرت الناس على تبني الرفض، وحاربت الدولة العثمانية وأخرت الفتوحات الإسلامية. ودول الرافضة ووزراؤهم في الخلافة العباسية وأحزابهم وفصائلهم كانوا وراء إسقاط الخلافة، وأحزاب الرفض وفصائله في تحالف مع أعداء الله، وما حرب أمريكا للعراق وأفغانستان وموقف الروافض على مستويات أحزابهم ومعارضيهم وأنصارهم في التحالف عنا ببعيد. فالزيدية – إلا من انتحل الرفض – في منأى عن هؤلاء وأمثالهم. أفلا يسوغ بعد ذلك الحوار معهم والأخذ والرد؟! إن هذا لشيء عجاب. نعم قد أشرت إلى أن جمهور علماء وأئمة الزيدية اختاروا الاعتزال، وعطلوا الصفات، وغلبت عليهم العقلانية، وهذا مردود؛ لأنه مخالف لمنهج السلف، وقد أشرت على وجود خلاف بيننا، ولم أنكر ذلك أبداً، وإنما يحمد للزيدية مزايا متعددة في مذهبهم، وهل الروافد السلفية في اليمن في العصور المتأخرة إلا من الزيدية بعد التحرر من ربقة التقليد.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه
والآن نترك القارئ مع هذا الكتاب الممتع الذي جمع أقوال الرافضة في الزيدية
محمد بن محمد المهدي
اليمن – إب

{mospagebreak}



بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد يسر الله – عز وجل- لي فرصة التعرف على بعض الأخوة الطيبين من الطائفة الزيدية، ودارت بيننا بعض النقاشات الثنائية، ويسر الله – عز وجل- لي كذلك فرصة الالتقاء بأحد مشايخ أهل السنة الأفاضل في اليمن، ودار بيني وبينه حوار حول الساحة الإسلامية اليمنية، تطرق فيه الشيخ إلى الشيعة الإمامية، ومحاولتها إقحام نفسها في الساحة الإسلامية باليمن، واغترار بعض الشباب الزيدي بهم؛ لرفهم شعار حب أهل البيت ونصرتهم، وكيف أن الخلاف بين أهل السنة والزيدية هنالك قد توسعت دائرته بسبب الإمامية بعدما كان خلافاً في جوانب بسيطة([82]) لا تضر كزيادة الأذان "حي على خير العمل" فعاد اليوم إلى الصدام والندية، فعجبت لذلك أشد العجب، ذلك لعلمي بنظرة الإمامية الإثنى عشرية لمخالفيهم من الشيعة، وتكفيرهم للزيدية على وجه الخصوص، فكيف غاب ذلك عن علماء الزيدية وعامتهم؟!
فكان أن شرعت في كتابة هذه الوريقات: بياناً للحق، ونصره له، ونصيحة للأخوة الزيدية في الحذر من الغلو ومما يحاك في الخفاء، سائلاً الله –عز وجل- أن يجمع شمل هذه الأمة على كتابه وسنة نبيه وأن يرد كيد الكائدين.
الفقير إلى رحمة ربه الغني
محمد الخضر

ما ورد في كتب الرافضة من ذم الزيدية وتشبيههم بالنواصب
قد وردت روايات كثيرة في الطعن في الزيدية وتشبيههم بالنواصب، الأمر الذي يؤكد أنّ ما يدّعيه الإمامية اليوم من أخوّة الزيدية لهم وقربهم منهم ونجاتهم معهم في سفينة النجاة (أهل البيت) ليس إلا ادعاء محضاً، شأنه شأن ادعاء الإمامية لأخوة أهل السنة لهم، فهاهي النصوص تكشف تقية أخرى للإمامية فبينما هم يدعون صفاء النية والحب فإن نصوصهم أظهرت فيها أظهرت فيها العداء والطعن!
وما سأذكره هاهنا ثابت في أوثق كتب الإمامية (الكافي) وفي أقدم كتب رجال الحديث عندهم (رجال الكشي) وغيرها، وحرصي على المراجع القديمة في إثبات الفكرة مبني على أساسين اثنين:
أولهما: أنّ هذه الكتب هي الأصول التي قام عليها المذهب الإمامي الإثنى عشري، والمتأخرون من الإمامية مهما كان اعتدالهم (زعموا) فتقديسهم لهذه الأصول وتعبدهم بمضمونها مما لا يخفى.
الثاني: أنّ علماء هذا العصر لا يقارنون بالقدماء، فلا يُقارن أحد من المعاصرين بالطوسي (شيخ الطائفة) أو بالمفيد أو بالمجلسي (شيخ الإسلام عندهم) ولا بالعلامة الحلّي، والأخذ بأقوال العلماء المعتبرين في المذهب إلى جانب الروايات المسطّرة في عمدة كتب المذهب وأصوله أولى وأجدى وأصدق من كلام المعاصرين الذين أحوجتهم التقية والمصلحة إلى النطق بما ليس في قلوبهم.
الثالث: أنّ الإمامية الإثنى عشرية يدينون الله بالتقية حتى صارت التقية شعاراً لمذهبهم وفي تقاربهم مع المذاهب التي كانوا ولا زالوا يلعنون علماءها وحفّاظها وأئمتها ويرمونهم إما بالنصّب والعداء لأهل البيت أو بالزيغ والضلال والكفر، في تقاربهم مع تلك المذاهب تقية ظاهرة، ومصلحة التقارب من الزيدية في هذا الزمن واستمالة الشباب منهم إلى الإمامية وإلى مذهبهم هي وراء هذه التقية، ولذا فإنّ الاعتماد على قول علمائهم في هذا الزمن مع وجود التقية ضرب من السفه لا يخفى على أصحاب العقول.
وإليك أيها القارئ بعضاً من تلك الروايات التي من شأنها أن تزيل الغبش وتجلّي الحقيقة:
روى الكليني في (الكافي) عن عبد الله بن المغيرة قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: إنّ لي جارين أحدهما ناصب والآخر زيدي ولا بد من معاشرتهما فمن أعاشر، فقال: هما سيّان، من كذّب بآية من كتاب الله فقد نبذ الإسلام من وراء ظهره وهو المكذّب بجميع القرآن والأنبياء والمرسلين، وقال: ثم قال: إنّ هذا نصب لك وهذا الزيدي نصب لنا.([83])
وعن أبي شبل قال: دخلت أنا وسليمان بن خالد على أبي عبد الله عليه السلام فقال له سليمان بن خالد: إنّ الزيدية قوم قد عرفوا وجرّبوا وشهرهم الناس وما في الأرض محمّدي أحب إليهم منك فإن رأيت أن تدنيهم وتقر بهم منك فافعل، فقال: يا سليمان بن خالد إن كان هؤلاء السفهاء يريدون أن يصدونا عن علمنا إلى جهلهم فلا مرحباً ولا أهلاً وإن كانوا يسمعون قولنا وينتظرون أمرنا فلا بأس.([84])
عن عمر بن يزيد قال سألته عن الصدقة على النصاب وعلى الزيدية قال: لا تصدق عليهم بشيء ولا تسقهم من الماء إن استطعت وقال: الزيدية هم النصاب.([85])
وروى الكشي عنه أنه قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصدقة على الناصب وعلى الزيدية، فقال: لا تصدّق عليهم بشيء ولا تسقهم من الماء إن استطعت، وقال لي: الزيدية هم النصّاب.([86])
وروى الكشي أيضاً عن محمد بن الحسن أنه قال: حدثني أبو علي الفارسي قال: حكى منصور عن الصادق علي بن محمد بن الرضا عليه السلام أنّ الزيدية والواقفية والنصّاب بمنزلة عنده سواء.([87])
وعنه أيضاً قال: حدثني أبو علي عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عمن حدثه قال: سألت محمد بن علي الرضا -عليه السلام- عن هذه الآية "وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة" قال: نزلت في النصّاب والزيدية والواقفة من النصّاب.([88])
وعن عمر بن يزيد قال: دخلت على أبي عبد الله -عليه السلام- فحدّثني ملياً في فضائل الشيعة ثم قال: إنّ من الشيعة بعدنا من هم شر من النصّاب، قلت: جُعلت فداك، أليس ينتحلون حبكم ويتولونكم ويتبرءون من عدوكم؟ قال: نعم، قال: قلت: جعلت فداك بيّن لنا نعرفهم فلسنا منهم؟ قال: كلا يا عمر، ما أنت منهم، إنما هم قوم يُفتنون بزيد ويُفتنون بموسى.([89])
وعن أبي علي قال: حكى منصور عن الصادق محمد بن علي الرضا عليه السلام أنّ الزيدية والواقفية والنصاب عنده بمنزلة واحدة.([90])
ويتحفنا المجلسي بتسمية لطيفة يطلقها الإثنى عشرية على مخالفيهم من الزيدية والواقفة فيقول تعليقاً على إحدى روايات هذا الباب: "كانوا –يعني الأئمة أو شيعتهم– يسمونهم وأضرابهم من فرق الشيعة سوى الفرقة المحقة (الكلاب الممطورة) لسراية خبثهم إلى من يقرب منهم".([91])
أقول: انظر رحمك الله إلى إطلاقهم تسمية "الكلاب الممطورة" على الفرق الشيعية المخالفة لهم لمجرد المخالفة، وانظر إلى الروايات الكثيرة في ذم الزيدية وتشبيههم بالنواصب ثم تلمّس تقية اليوم كيف أظهرت الإثنى عشرية بغير صورتها الحقيقية.
وصدق الله عز وجل إذ يقول: "وما تخفي صدورهم أكبر، قد بيّنا لكم الآيات إن كنتم تعقلون"، وهذه رسالتنا للعقلاء فقط؛ ليفيقوا من سباتهم العميق، ويعوا ما يراد لهم بالباطن.
ما ورد من قولهم: إن الزيدية ليست مذهباً شيعياً
يقول السيد محمد الموسوي الشيرازي الملقب بـ(سلطان الواعظين): "إني لم أذكر في الليلة الماضية أنّ الشيعة على مذاهب، وإنما الشيعة مذهب واحد، وهم المطيعون لله وللرسول محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- والأئمة الإثنى عشر (ع).
ولكن ظهرت مذاهب كثيرة بدواع دنيوية وسياسية زعمت أنها من الشيعة، وتبعهم كثير من الجهّال فاعتقدوا بأباطيلهم وكفرياتهم وحسبهم الجاهلون الغافلون بأنهم من الشيعة، ونشروا كتباً على هذا الأساس الباطل من غير تحقيق وتدقيق.
وأما المذاهب التي انتسبت إلى الشيعة عن جهل أو عمد لأغراض سياسية ودنيوية، فهي أربعة مذاهب أولية، وقد اضمحل منها مذهبان وبقي مذهبان، تشعبت منهما مذاهب أخرى.
والمذاهب الأربعة هي: الزيدية، الكيسانية، القداحية، الغلاة".([92])
وهذا تصريح مهم وخطير من أحد كبار علماء الشيعة، يؤكد فيه هذا العالم الإمامي أنّ الشيعة الإمامية لا تعترف بالزيدية كمذهب شيعي بل تعدّهم مع الغلاة في خندق واحد! بل تشكك حتى في نشأة الزيدية والقصد من وجودها!
وهذا التصريح الواضح البيّن من عالم كبير من علماء الشيعة ليس رأياً يتبناه هو شخصياً كما بيّنا من خلال روايات الإثنى عشرية وكما سنبين من خلال استعراضنا لرأي عالمين كبيرين من علماء الجرح والتعديل عندهم، بل هو رأي الطائفة واعتقادها، لكن حينما صارت المصلحة في التقرّب إلى الزيدية والتزلف لها والاستفادة من صفاء نية الزيدية تجاه هذا التقارب، وجدنا أبواب الحوزات العلمية في قم وشيراز وغيرها مفتوحة لاستقبال الجيل الجديد من الشيعة الإثنى عشرية عن طريق استقطاب شباب الطائفة الزيدية ودعم المراكز والأحزاب الزيدية لكسب القلوب وكسر الحاجز العقائدي بحيث صارت تلك المراكز معبراً سهلاً لهؤلاء الشباب إلى عقيدة الإثنى عشرية من حيث لا يدرون.
حتى صار من السهل أن تقتنى كتب الإثنى عشرية في اليمن بما في تلك الكتب من غلو فاحش وتكفير لصحب رسول الله وطعن في تراث الأمة!
ولو كانت نية التقارب حقيقية لسمحت الإثنى عشرية للزيدية بإقامة مراكز لها في إيران لتعريف الشعب الإيراني بعقائد الزيدية لكننا لا نجد التقارب المزعوم إلا في بلادنا وعلى حساب عقيدتنا.
كيف ينظر كبار علماء الجرح والتعديل عندهم إلى الزيدية
أولاًً: (رجال الكشي)
يعتبر كتاب (اختيار معرفة الرجال) المعروف في الأوساط العلمية باسم (رجال الكشي) من أقدم وأهم كتب الرجال عند الإثنى عشرية، فالكشي كما يقول عنه النجاشي "كان ثقة، عيناً، صحب العياشي، وأخذ عنه وتخرج عليه وداره كانت مرتعاً للشيعة وأهل العلم".
ولأنّ الكشي قد سلك في كتابه الرجالي مسلك القدماء في ذكر الروايات المسندة، كانت نظرة الإثنى عشرية فيه إلى الفرق المخالفة لها أوضح ما يكون.
وقد نقلت تحت عنوان (ما ورد في كتب الإمامية في ذم الزيدية وتشبيههم بالنواصب) بعض تلك الروايات حتى يقف القارئ على النظرة بجميع أبعادها، ولذا لا حاجة للإعادة، وإنما قد عُلم من خلال استعراض الروايات السابقة نظرة الكشي إلى الزيدية.
ثانياً: (رجال ابن داود الحلي)
يعتبر ابن داود الحلي والعلامة الحلي (ابن المطهر) تلميذي السيد أحمد بن موسى بن طاووس واضع علم الجرح والتعديل عند الإثنى عشرية([93])، ولذا فإنّ إدراكهما لأسس الجرح والتعديل عند الطائفة ونظرتها إلى الرجال والطوائف المخالفة للإثنى عشرية لابد أن يكون كبيراً ومعبّراً عن طائفتهم وهذا هو الواقع.
ولعلي أشير قبل الشروع في ذكر الرجال ورأي ابن داود الحلي فيهم إلى انتقاد وجّهه بعض علماء الشيعة لكتاب ابن داود الحلي على وجه الخصوص.
فقد عاب عليه علماء الشيعة عدم ضبطه للأحرف المختصرة التي يضيفها على أسماء الرواة كإشارة إلى من ترجم لهم، فتراه يقول -مثلاً-: (جش) إشارة إلى رجال النجاشي والذي ينبغي (كش) أي (رجال الكشي).
لكن محقق الكتاب علامة الإثنى عشرية (السيد محمد صادق آل بحر العلوم) استدرك على الاتهامات الموجهة إلى رجال ابن داود قائلاً:"والذي يترجح في النظر أنّ تبديل رمز (جش) برمز (كش) وكذا بعض التغييرات جاء من اختلاف النسخ، فإنّ ابن داود حين تأليفه للكتاب كانت عنده المصادر التي ينقل عنها في كتابه وقد نقل في أكثر التراجم عن الكتابين المذكورين نقلاً صحيحاً ومن المستبعد أن يغفل عن النقل الصحيح ويغير رمز (جش) إلى رمز (كش) وكذا بعض التغييرات، والحق أنّ نسبة الخبط وعدم الضبط إليه كلية إجحاف بحقه، ولا ننكر أنّ فيه بعض الخبط منه، ونحن رجعنا إلى المصادر التي ينقل عنها صاحب الكتاب وأبدلنا رمز (كش) برمز (جش) في بعض الموارد التي جاء فيها الاشتباه، كما أنا حققنا الكتاب تحقيقاً دقيقاً وصححناه بالرجوع إلى المصادر الصحيحة التي بأيدينا، وعلقنا عليه بعض التعليقات المهمة، فجاءت هذه النسخة غاية في الصحة وتمتاز عن النسخة المطبوعة بمطبعة (دانشكاه طهران سنة 1383هـ)، والتي جاء فيها تحريفات وتصحيفات كثيرة".([94])
قلت: الغرض من إيراد هذا الكلام قطع الطريق على من يريد تبرير الطعن الصريح في الزيدية بحجة أنّ في الكتاب أغلاط العزو قد تم تصحيحها بدقة بإشراف عالم كبير من علماء الإثنى عشرية والنقل إنما هو من هذه النسخة المعدّلة.
ولنبدأ بعون الله بأول زيدي يمر بنا في كتاب ابن داود الحلي
(39- أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن زياد ابن عبد الله بن عجلان يُعرف بابن عقدة، زيدي جارودي، روى جميع كتب أصحابنا وصنف لهم، وكان حفظة يقول: أحفظ مائة وعشرين ألف حديث بأسانيدها وأذاكر بثلاث مائة ألف حديث >ست<، أمره في الجلالة أشهر من أن يُذكر >جش<: هذا رجل جليل القدر في أصحاب الحديث إلا أنه كان زيدياً جارودياً >حتى< مات سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة.([95])
مع هذا الثناء على الرجل وعلى خدمته للشيعة الإمامية وروايته لكتبهم وتصنيفه لهم إلا أنّ هذا كله لم يرفعه في أعينهم لا لشيء إلا لكونه زيدياً جارودياً لا إمامياً إثنى عشرياً، ولذلك عدّه ابن داود الحلي في قسم المجروحين والمجهولين؛ جزاء ما قدمه لهم وما صنف لهم من مصنفات، هكذا بكل بساطة.
وعلى هذا النسق رأينا رواة الزيدية يُصنّفون في قسم المجروحين في كتاب ابن داود الحلي، لا لاشتهار أحدهم بالكذب أو فقدان العدالة بل لكونهم زيدية، ولعل الأسماء الآتية تؤكد هذا الأمر بالفعل.
(159- حفص بن سالم، قال ابن عقدة: "إنه خرج مع زيد بن علي وما ظهر من الصادق -عليه السلام- تصويبه لذلك".([96])
عدّه ابن داود الحلي من المجروحين لعدم تصويب الإمام الصادق لخروجه مع الإمام زيد بن علي!
(213 – (سعيد بن منصور) زيدي.
(214- (سعيد بن معتوق) >كش< مذموم زيدي.([97])
(240- صباح بن بشير بن يحيى المقري أبو محمد قر، ق >غص< زيدي.([98])
(308- عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر الزيدي البقال الكوفي الهمداني لم [جخ] كان زيدياً يُكنى أبا القاسم، سمع منه التلعكبري سنة ست وعشرين وثلاثمائة.([99])
(376- عمر بن موسى الوجيهي بالياء المثناة تحت بعد الجيم، كذا ضبط الشيخ رحمه الله الفهرست بخطه لم >ست< زيدي.([100])
(448- (محمد بن سالم بياع القصب) زيدي.([101])
(540- (هارون بن سعد العجلي) >كش< زيدي.([102])
عدّهم ابن داود الحلي من المجروحين، ولم يذكر فيهم سبباً للتضعيف أو اشتهاراً بالكذب أو غيرها من التهم سوى كونهم من الزيدية!
ومعنى هذا أن يصير الثقة والصادق في حديثه مجروحاً، وفي زنزانة واحدة مع الغلاة والمجهولين، تهمته عند الإثنى عشرية هي زيديته، وكفى بها تهمة.
(248- (عامر بن كثير السراج) سين [جخ] كان من دعاته عليه السلام >جش< زيدي كوفي ثقة.([103])
(252- عبادة بن زيادة الأسدي >جش< زيدي كوفي ثقة.([104])
(549- يحيى بن سالم الفراء >جش< كوفي زيدي ثقة.([105])
كل هؤلاء ثقات عند ابن داود الحلي لكنه مع علمه بمكانتهم وصدقهم أودعهم في قسم المجروحين في كتابه.
والأمر يشتد وضوحاً حينما نرى ابن داود الحلي يعدّ عالمين من علماء الزيدية من المجروحين، حيث أودعهما في قسم المجروحين من كتابه، والسبب لا يحتاج إلى مزيد بيان!
352) (علي بن عمر السناني لم [جخ] العسكري) عالم زيدي.([106])
(382- (عيسى بن عمر السناني) لم [جخ] عالم زيدي، ذكر بعض أصحابنا في تصنيفه أنه الشيباني والذي نقلته ضبط الشيخ بخطه.([107])
وهذا هبة الله أحمد الكاتب يعتبره ابن داود الحلي في عداد المجروحين لسماعه من عالم زيدي واعتباره الإمام زيد بن علي إماماً ثالث عشر!
(543- هبة الله أحمد بن محمد الكاتب أبو النصر يُعرف بابن برنيه -كان يُذكر أنّ أمه كلثوم بنت أبي جعفر محمد بن عثمان العمري- سمع حديثاً كثيراً، وكان يتعاطى الكلام ويحضر مجلس ابن الشبيه العلوي الزيدي المذهب فعمل له كتاباً وذكر أنّ الأئمة ثلاثة عشر مع زيد بن علي، واحتج بحديث في كتاب سليم بن قيس الهلالي أنّ الأئمة اثنا عشر من ولد أمير المؤمنين -عليه السلام- >جش<، أقول: وبهذه العقيدة ألحقته بالضعفاء وسيأتي معهم.([108])
وعلى هذا المنوال قام ابن داود الحلي بإضافة سبعة وعشرين اسماً في قسم الضعفاء تحت عنوان (في ذكر جماعة من الزيدية نسقاً)، وضعهم جنباً إلى جنب مع الغلاة والواقفة والكيسانية والمجهولين والضعفاء والوضّاعين والملعونين على ألسنة أهل البيت ومن دعا عليهم الإمام!
لكن ابن داود الحلي قد يرضى على الزيدية ويعدّ آحادهم من القسم الأول (الثقات) لكن متى؟ حينما ينتقل الزيدي من مذهبه إلى المذهب الإمامي الإثنى عشري!
وإليك الدليل:
(31- إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال، ومنهم من يقول: بن هليل بفتح الحاء وكسر اللام، والحق الأول، بن عاصم الثقفي، أصله كوفي يكنى أبا إسحاق لم [جخ] كان زيدياً ثم رجع وصنّف كتاباً في المناقب والمثالب فاستعظمه الكوفيون، فقال: أي البلاد أبعد من الشيعة؟ فقالوا: أصفهان فحلف لا يرويه إلا بها.([109])
وهذا ما يفسر محاولات الإثنى عشرية التقارب أو التعاون مع الزيدية، فالهدف معلوم!
ثالثاً: رجال ابن المطهر الحلي المعروف بالعلامة الحلي
نبدأ برأي ابن المطهر الحلي في (زياد بن المنذر أبي الجارود) الذي تُنسب إليه الجارودية من الزيدية.
فقد ذكره الحلي في (قسم الضعفاء) من كتابه قائلاً:
(1- (زياد بن المنذر أبو الجارود الهمداني) بالدال المهملة الخارقي بالخاء المعجمة بعدها ألف وراء مهملة وقاف وقيل الحُرقي بالحاء المضمومة المهملة والراء والقاف، الكوفي الأعمى التابعي، زيدي المذهب وإليه تُنسب الجارودية من الزيدية، كان من أصحاب أبي جعفر -عليه السلام-، روى عن الصادق -عليه السلام- وتغيّر لما خرج زيد، وروى عن زيد، وقال ابن الغضايري: حديثه في حديث أصحابنا أكثر منه في الزيدية وأصحابنا يكرهون ما رواه محمد بن سنان عنه ويعتمدون ما رواه محمد بن بكر الأرجني. وقال: الكشي زياد ابن المنذر أبو الجارود الأعمى السرحوب بالسين المهملة المضمومة والراء والحاء المهملة والباء المنقطة تحتها نقطة واحدة بعد الواو مذموم ولا شبهة في ذمه وسُمي سرحوباً باسم شيطان أعمى يسكن البحر.([110])
ثم يستوقفنا الحلي مرة أخرى أمام ترجمة لأحد أبرز علماء الزيدية في الجرح والتعديل فيقول:
(13- (أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن بن زياد بن عبد الله بن زياد بن عجلان بن سعيد بن قيس السبيعي الهمداني الكوفي المعروف بابن عقدة) يُكنى أبو العباس، جليل القدر، عظيم المنزلة، وكان زيدياً جارودياً وعلى ذلك مات!.([111])
وهنا مربط الفرس، (وكان زيدياً جارودياً وعلى ذلك مات!) ولذلك تم نسيان جلالة قدره عندهم فصار في قسم الضعفاء والمتروكين عند ابن المطهر الحلي!
ويقول:
(21- (أحمد بن رشيد بن خيثم العامري الهلالي)، قال ابن الغضايري: إنه زيدي يُدخل حديثه في حديث أصحابنا، ضعيف فاسد.([112])
لا أدري أين هي الأخوة التي يزعمها هؤلاء وهم يعدّون الزيدي ضعيفاً وفاسداً لإدخاله أحاديث الزيدية([113]) في أحاديث الإمامية الإثنى عشرية؟!
وإذا كانت الزيدية الجارودية قد نالت نصيب الأسد من الطعن في مؤسسها ورواتها رغم قربها من الإمامية وخدمتها لها فإنّ الطعن ينال باقي أقسام الزيدية وإليك الشاهد:
(1- (ثابت الحداد أبو المقدام) زيدي بتري.([114])
(3 – (سعيد بن منصور) زيدي.([115])
(3- (غالب بن عثمان الهمداني الشاعر)، كان زيدياً روى عن أبي عبد الله (ع).([116])
(36- (محمد بن سالم بياع القصب) زيدي.([117])
(2- (هارون بن سعد) زيدي.([118])
(5- (عمر بن موسى الوجيهي) زيدي.([119])
(1- (عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر الزيدي البقال)، كان زيدياً يُكنى أبا القاسم، سمع من التلعكبري سنة ست وعشرين وثلثمائة.([120])
(10- (أبو الفرج الأصفهاني) زيدي المذهب.([121])
كلهم ضعاف!
حتى من اعترف الحلي بوثاقته لم يكن حاله بأفضل من حال أبناء طائفته!
(18- (عبادة بن زياد الأسدي) كوفي ثقة زيدي.([122])
(7- (يحيى بن سالم الفراكوفي) زيدي ثقة.([123])
لك أن تتخيل … ثقات في قسم الضعفاء!
لكن الحلي كصاحبه ابن داود، قد يرضى عن الزيدية لكن متى؟ حينما يمنّ الله على الزيدي بالتوبة -في نظره- وينتقل إلى الإمامية الإثنى عشرية!
وإليك الشاهد:
(10- (إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال بن عاصم بن سعد بن مسعود أو إسحاق الثقفي) أصله كوفي وانتقل إلى أصفهان وأقام بها، وكان زيدياً أولاً، ثم انتقل إلى القول بالإمامة وصنّف فيها وفي غيرها، ذكرنا كتبه في كتابنا الكبير، ومات سنة ثلاث وثمانين ومائتين.([124])
(2- (سليمان بن خالد بن دهقان بن نافلة مولى عفيف أبو الربيع الأقطع)، خرج مع زيد فقطعت إصبعه، لم يخرج من أصحاب أبي جعفر -عليه السلام- غيره، ثقة صاحب قرآن.
وقال البرقي: سليمان بن خالد البجلي الأقطع، كوفي، خرج مع زيد بن علي فأفلت.
وفي كتاب سعد: أنه خرج مع زيد فأفلت، فمنّ الله عليه وتاب ورجع بعد ذلك، وكان فقيهاً وجهاً، روى عن الصادق والباقر عليهما السلام، وكان الذي قطع يده يوسف ابن عمر بنفسه، مات في حياة أبي عبد الله -عليه السلام-، ورويت في معناه أحاديث، ذكرناها في الكتاب الكبير.([125])
وقد يكفي لوثاقة رجل عندهم هزيمته لزيدي!
(4- (يزيد أبو خالد القماط)، قال حمدويه واسم أبي خالد القماط يزيد مولى بني عجل بن لجيم كوفي ثقة، روى عن أبي عبد الله -عليه السلام-، ناظر زيدياً فظهر عليه فأعجب الصادق -عليه السلام-.([126])
رابعاً: تنقيح المقال في علم الرجال للمامقاني
لم تختلف الطعونات في هذا الكتاب كثيراً عن باقي كتب الجرح والتعديل عندهم لكن عبارات المامقاني كانت بحد ذاتها كافية لبيان موقف علماء الجرح والتعديل من الزيدية دون أدنى تعقيد أو لف ودوران.
يقول المامقاني: "لا شبهة في كون الزيدية فسقة بحكم الصادق والجواد والهادي -عليهم السلام- نصاباً أو بمنزلتهم".([127])
ويقول في مقدمة كتابه: "خامساً: أنّ جملة من أهل هذا العلم –أي علم الرجال– الذي قد بنوا على أقوالهم في الجرح والتعديل كانوا فاسدي العقيدة وإن لم يكونوا فساقاً بالجوارح مثل ابن عقدة فإنه كان زيدياً جارودياً على ما نصوا عليه، ومثل علي بن الحسن ابن فضال فإنه كان فطحياً فاسد المذهب وكثيراً ما يعتمدون على أقوالهم في أحوال الرجال، والحال أنّ لازم فساد المذهب عدم الاعتماد عليهم في البدء إذ لا فسق أعظم من فساد المذهب".([128])
وهكذا تتجلى رؤى علماء الجرح والتعديل عندهم في الزيدية والمخالفين بصورة عامة.
تكفير شيخ الإسلام عندهم للزيدية!
يقول المجلسي الملقب بشيخ الإسلام عند الإثنى عشرية ما نصه: "كتب أخبارنا مشحونة بالأخبار الدالة على كفر الزيدية وأمثالهم من الفطحية والواقفة وغيرهم من الفرق المضلّة المبتدعة، وسيأتي الرد عليهم في أبواب أحوال الأئمة وعصمتهم وسائر صفاتهم كافية في الرد عليهم وإبطال مذاهبهم السخيفة الضعيفة، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم".([129])
من ادعى الإمامة من غير الأئمة الإثنى عشر فهو كافر!
وردت في (الكافي) وفي غيره من كتب الإثنى عشرية عدة روايات في تكفير من ادعى الإمامة لنفسه حتى ولو كان علوياً فاطمياً من نسل علي وفاطمة وممن نادى بحب أهل البيت ودعا إلى الانتصار لهم!
عن أبي جعفر -عليه السلام- قال: قلت له: قول الله عز وجل : "ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة"([130])؟ قال: من قال: إني إمام وليس بإمام، قال: قلت: وإن كان علوياً؟ قال: وإن كان علوياً، قلت: وإن كان من ولد علي بن أبي طالب -عليه السلام-؟ قال: وإن كان.([131])
عن أبي عبد الله -عليه السلام- قال: من ادعى الإمامة وليس بأهلها فهو كافر.
وعن الحسين بن المختار قال: قلت لأبي عبد الله -عليه السلام-: جعلت فداك "ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله"؟ قال: كل من زعم أنه إمام وليس بإمام، قلت: وإن كان فاطمياً علوياً؟ قال: وإن كان فاطمياً علوياً.
وعن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله -عليه السلام- قال: سمعته يقول: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم: من ادعى إمامة من الله ليست له، ومن جحد إماماً من الله، ومن زعم أنّ لهما في الإسلام نصيباً.
وعن الوليد بن صبيح قال: سمعت أبا عبد الله يقول: إنّ هذا الأمر لا يدّعيه غير صاحبه إلا بتر الله عمره.
وعن أبي عبد الله -عليه السلام- قال: من أشرك مع إمام إمامته من عند الله من ليست إمامته من الله كان مشركاً بالله.
وعن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله -عليه السلام-: رجل قال لي: اعرف الآخر من الأئمة ولا يضرك إن لا تعرف الأول، قال: فقال: لعن الله هذا، فإني أُبغضه ولا أعرفه، وهل عرف الآخر إلا بالأول.
وعن ابن مسكان قال: سألت الشيخ عن الأئمة عليهم السلام قال: من أنكر واحداً من الأحياء فقد أنكر الأموات.
الإمام زيد بن علي – كيف ينظرون إليه؟
يقول المجلسي في كتابه (مرآة العقول) (2/277): "واعلم أنّ الأخبار في حال زيد مختلفة، ففي بعضها ما يدل على أنه ادعى الإمامة فيكون كافراً، وفي كثير منها أنه كان يدعو إلى الرضا من آل محمد، وأنه كان غرضه دفع هؤلاء الكفرة ورد الحق إلى أهله، وربما قال: أنه كان مأذوناً عن الصادق -عليه السلام- باطناً وإن كان ينهاه بحسب الظاهر تقية، وفيه بعد، وقيل: كان جهاده لدفع شرهم عنه وعن أهل البيت عليهم السلام كجهاد المرابطين في زمن الغيبة لدفع الكفرة أو كمجاهدة المرء عدّوه على سبيل الدفع عن نفسه وحرمه وماله، وإجماله في القول لئلا تختلف عنه العامة وتضرر منه الخاصة، ولعل حمله على أحد هذه الوجوه أولى، فإنّ الأصل فيهم كونهم مشكورين مغفورين، وقد وردت الأخبار في النهي عن التعرض لأمثالهم بالذم وأنهم يوفقون عند الموت للرجوع إلى الحق، والاعتقاد بإمام العصر"!
أقول: انظر إلى كلام المجلسي الذي بدأه باختلاف النظرة إلى الإمام زيد وفقاً للروايات الشيعية التي يجعل القسم الأول منها زيداً كافراً خارجاً عن ملة الإسلام والسبب ادعاءه الإمامة وليس هو بأهل لها!
لكن ماذا لو مات الإمام زيد بن علي على غير الاعتقاد بإمامة أحد من معاصريه؟!
الإجابة عند الإثنى عشرية هي: "نار جهنم وبئس المصير"!
يقول شيخ محدّثيهم (علي بن بابويه القمي الملقب بالصدوق) في رسالته (الاعتقادات) ما نصه: "اعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -عليه السلام- أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء، واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحداً من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء وأنكر نبوة محمد -صلى الله عليه وآله"([132])
ويقول يوسف البحراني في موسوعته (الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة): "ليت شعري أي فرق بين من كفر بالله -سبحانه وتعالى- ورسوله وبين من كفر بالأئمة -عليهم السلام- مع ثبوت كون الإمامة من أصول الدين"([133])
ويقول المجلسي في موسوعته الحديثية (بحار الأنوار) (23/390): "اعلم أنّ إطلاق لفظ الشرك والكفر على من لم يعتقد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من ولده عليهم السلام وفضل عليهم غيرهم يدل أنهم مخلّدون في النار".
وبهذا تتجلى نظرتهم لمن لم يؤمن بإمامة الإثنى عشر!
على أي حال، هذا التاريخ ينقض هذه الفكرة من أساسها وكذا الزيدية الذين بنوا نظريتهم على إمامته وهم أعرف به وبعقيدته من الإثنى عشرية بل وحتى روايات الإثنى عشرية هي كذلك صرّحت بأنّ الإمام زيد كان يعدّ نفسه للخروج على السلطة في وقت لم يكن يؤمن فيه بإمام مفروض الطاعة!
ورد في (الكافي) بسند صححه المجلسي عن أبان قال: "أخبرني الأحول أنّ زيد بن علي ابن الحسين عليهما السلام بعث إليه وهو مستخف قال: فأتيته فقال لي: يا أبا جعفر، ما تقول إن طرقك طارق منا أتخرج معه؟ قال: فقلت له: إن كان أباك أو أخاك خرجت معه، قال: فقال لي: فأنا أريد أن أخرج أجاهد هؤلاء القوم فاخرج معي، قال: قلت: لا، ما أفعل جعلت فداك.
قال: فقال لي: أترغب بنفسك عني؟ قال: قلت له: إنما هي نفس واحدة، فإن كان لله في الأرض حجة فالمتخلّف عنك ناج والخارج معك هالك، وإن لا تكن لله حجة في الأرض فالمتخلّف عنك والخارج معك سواء.
قال: فقال لي: يا أبا جعفر، كنت أجلس مع أبي علي الخوان فيلقمني البضعة السمينة ويبرّد لي اللقمة الحارّة حتى تبرد، شفقة عليّ، ولم يشفق عليّ من حرّ النار، إذاً أخبرك بالدين ولم يخبرني به؟ فقلت له: جعلت فداك من شفقته عليك من حرّ النار لم يخبرك، خاف عليك أن لا تقبله فتدخل النار، وأخبرني أنا، فإن قبلت نجوت، وإن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار، ثم قلت له: جعلت فداك أنتم أفضل أم الأنبياء؟ قال: بل الأنبياء، قلت: يقول يعقوب ليوسف: يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً، لم يخبرهم حتى كانوا لا يكيدونه ولكن كتمهم ذلك فكذا أبوك كتمك لأنه خاف عليك، قال: فقال: أما والله لئن قلت ذلك لقد حدّثني صاحبك بالمدينة أني أُقتل وأُصلب بالكناسة وأنّ عنده لصحيفة فيها قتلي وصلبي.
فحججت فحدّثت أبا عبد الله -عليه السلام- بمقالة زيد وما قلت له، فقال لي: أخذته من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه ولم تترك له مسلكاً يسلكه".([134])
بهذه الرواية ومثيلاتها في كتب الإثنى عشرية وكتب مخالفيهم تظهر حقيقة ثورة الإمام زيد، وأنه ما كان يدعو بدعوى الإثنى عشرية ولا ينادي بالإمامة التي ينادون بها وإنما كان يحارب الظلم الذي يعيشه مجتمعه ويطالب بالعدل المسلوب، وكان في خروجه وفي دعوته ما يشير إلى أنه كان مستحقاً للإمامة عند شيعته ومحبيه.
ويظهر كذلك من هذه الرواية ومثيلاتها بطلان دعوى الإثنى عشرية، وكون أقرب الافتراضات إلى الاعتبار هو تبني الإمام زيد لفكرة الدعوة إلى إمامة كل من قام بالسيف، ولعله من تناقض دعوى الإثنى عشرية كونها ترى من الأمور اللازمة للإمام أن يكون أشجع الناس([135]) في حين يجعلون من قام بالسيف وجابه الباطل ضالاً أو مخطئاً ومن قعد إماماً معصوماً!
ولذا فإنّ محاولة الإثنى عشرية إدخال موضوع إمامة الرضا والصادق رحمهما الله في ثورة الإمام زيد ما هو إلا محاولة يائسة من الإمامية للوصول إلى أمرين اثنين:
الأول: إقناع الزيدية وباقي المخالفين كأهل السنة بأنّ نظرية الإمامية التي تنادي بها الإثنى عشرية هي نظرية أهل البيت دون منازع، وأنّ الزيدية على وجه الخصوص خالفت قول واعتقاد إمامها زيد وحادت عن الطريق، ومن شذ عن أهل البيت شذ في النار ولذلك حكى المجلسي وغيره تكفير الإمامية للزيدية!
ولعلنا هنا نشير إلى قول علامة الإثنى عشرية ومحدّثهم يوسف البحراني (صاحب الحدائق الناضرة): "وأما الزيدية القائلون بإمامته –أي الإمام زيد – فهم عند الأئمة عليهم السلام في عداد النصاب بلا شك ولا ارتياب كما صرحت به أخبارهم –أي الأئمة – المنقولة في كتاب الكشي وغيره".([136])
الثاني: محاولة إبعاد الإمام زيد عن سهام الطعن قدر المستطاع، لأنّ مدعي الإمامة كافر ولو كان علوياً فاطمياً، فكيف بالإمام زيد الذي خرج بالسيف وادعى الإمامة لنفسه وآمن بها شيعته (الزيدية) من بعده!
على أنّ الإمام زيد رحمه الله تعالى لم يسلم من الطعن المبطّن، صحيح أنّ هناك روايات كثيرة في الثناء عليه عند الإمامية الإثنى عشرية، وأقول هذا من باب الأمانة العلمية في النقل إلا أنّ هناك روايات أخرى كذلك في الطعن المبطن أو قل الصريح في الإمام زيد منها ما يلي:
الإمام زيد بن علي لا يسير بكتاب الله!
عن سليمان بن خالد قال: "قال لي أبو عبد الله -عليه السلام-: رحم الله عمي زيداً، ما قدر أن يسير بكتاب الله ساعة من نهار، ثم قال: يا سليمان بن خالد ما كان عدوكم عندكم؟ قلنا: كفار، قال: إنّ الله عز وجل يقول :"حتى إذا أثخنتموهم فشدّوا الوثاق فإما منّاً بعد وإمّا فداء"([137]) فجعل المنّ بعد الإثخان، أسرتم قوماً ثم خليّتم سبيلهم قبل الإثخان، فمننتم قبل الإثخان، وإنما جعل الله المنّ بعد الإثخان حتى خرجوا عليكم من وجه آخر فقاتلوكم".([138])
الإمام زيد بن علي يشرب النبيذ!
لم تكتف الإثنى عشرية بموقفها السلبي تجاه الإمام زيد ونصرته في ثورته بل ولا الشك فيه هل ادعى الإمامة فيكون كافراً أم أنه وُفق إلى الإيمان بإيمان زمانه قبل الموت بل وجدنا روايات تريد النيل من عدالته ومن استحقاقه للإمامة!
روى المجلسي في (بحار الأنوار) نقلاً عن الكشي في (رجاله) عن حنان بن سدير قال: "كنت جالساً عند الحسن بن الحسين، فجاء سعيد بن منصور وكان من رؤساء الزيدية فقال: ما ترى في النبيذ؟ فإنّ زيداً كان يشربه عندنا، قال: ما أُصدّق على زيد أنه شرب مسكراً، قال: بلى قد يشربه، قال: فإن كان فعل، فإنّ زيداً ليس بنبي ولا وصي نبي إنما هو رجل من آل محمد يخطئ ويُصيب".([139])
الطعن في مؤسسي وعلماء الحركات الزيدية القديمة
الواقع الزيدي اليوم يختلف عنه بالأمس، بالأمس كانت الزيدية هي الأصل و الإثنى عشرية فكراً غالٍ طارئ. ولذا رأينا الساحة الشيعية آنذاك تعج بالاتجاهات الزيدية المختلفة (السليمانية والعجلية والبترية وغيرها).
وحديثنا عن تلك الاتجاهات الفكرية لن يكون عن ظروف نشأتها أو مناقشة أطروحاتها بل عن نظرة الإثنى عشرية إلى تلك الاتجاهات، هل كانت تساندها وتدعو لها بظهر الغيب أم كانت تكيل لها اللعنات، وكان الحقد والضغينة يحفان تلك العلاقة؟
أولاً: الطعن في كثير النّوّاء مؤسس البترية من الزيدية وفي أصحابه!
تحدث النوبختي في كتابه (فرق الشيعة) بإجمال عن فرق الشيعة الإمامية منها، وغير الإمامية، وتطرق في معرض حديثه عن فرق الزيدية إلى فرقة (البترية) المنتسبة إلى كثير النّوّاء فقال: "وفرقة منهم يسمون البترية: وهم أصحاب كثير النواء، والحسن بن صالح بن حي، وسالم بن أبي حفصة، والحكم بن عتيبة، وسلمة بن كهيل، وأبي المقدام ثبت الحداد، وهم الذين دعوا الناس إلى ولاية علي -عليه السلام- ثم خلطوها بولاية أبي بكر وعمر، وهم عند العامة أفضل هذه (الفرق)؛ وذلك لأنهم يفضلون علياً، ويثبتون إمامة أبي بكر، وينتقصون عثمان وطلحة والزبير، ويرون الخروج مع كل ولد علي -عليه السلام- ويذهبون في ذلك إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويثبتون لمن خرج من ولد علي الإمامة عند خروجه، ولا يقصدون في الإمامة قصد رجل بعينه حتى يخرج، وكل ولد علي عندهم على السواء من أي بطن كان".([140])
لكن هذه الفرقة رغم ولائها لأهل البيت وحبها لهم ومشايعتهم، إلا أنّ مؤسسها لم يسلم من جرح الإثنى عشرية والطعن فيه بل وفي أخلاقيات أمه كما سيأتي تحت عنوان (كثير النّوّاء عندهم ابن زنا).
روى الكشي في رجاله عن أبي بصير قال: "سمعت أبا جعفر -عليه السلام- يقول: إنّ الحكم بن عتيبة، وسلمة، وكثير النّوّاء، وأبا المقدام، والتمار – يعني سالماً – أضلوا كثيراً ممن ضل من هؤلاء، وإنهم ممن قال الله عز وجل: " ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين".([141])
وعن أبي بكر الحضرمي قال:" قال أبو عبد الله -عليه السلام-: اللهم إني أبرأ إليك من كثير النّوّاء ، أبرأ في الدنيا والآخرة".
وعن أبي بصير قال: "كنت جالساً عند أبي عبد الله – عليه السلام- إذ جاءت أم خالد التي كان قطعها يوسف([142]) تستأذن عليه. قال: فقال أبو عبد الله -عليه السلام- أيسرك أن تشهد كلامها؟ قال: فقلت نعم جعلت فداك. فقال: أما الآن فادن، قال: فأجلسني على عقبة الطنفسة ثم دخلت فتكلمت فإذا هي امرأة بليغة، فسألته عن فلان وفلان فقال لها: توليهما. فقالت: فأقول لربي إذا لقيته أنك أمرتني بولايتهما. قال: نعم، قالت: فإنّ هذا الذي معك على الطنفسة يأمرني بالبراءة منهما وكثير النّوّاء يأمرني بولايتهما فأيهما أحب إليك، قال: هذا – والله – وأصحابه أحب إليّ من كثير النّوّاء وأصحابه، إنّ هذا يخاصم فيقول: من لا يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، ومن لا يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون، ومن لا يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون. فلما خرجت قال: إني خشيت أن تذهب فتخبر كثير النّوّاء فتشهرني بالكوفة، اللهم إني إليك من كثير النّوّاء بريء في الدنيا والآخرة".
وروى المجلسي عن جابر قال: "كنا عند الباقر نحواً من خمسين رجلاً، إذ دخل عليه كثير النّوّاء وكان من المغيرية فسلّم وجلس، ثم قال: إنّ المغيرة بن عمران عندنا بالكوفة يزعم أنّ معك ملكاً يعرّفك الكافر من المؤمن، وشيعتك من أعدائك، قال: ما حرفتك؟ قال: أبيع الحنطة، قال: كذبت، قال: وربما أبيع الشعير، قال: ليس كما قلت: بل تبيع النّوّاء ، قال: من أخبرك بهذا؟ قال: الملك الذي يعرّفني شيعتي من عدوي، لست تموت إلا تائهاً.
قال جابر الجعفي: فلما انصرفنا إلى الكوفة ذهبت في جماعة نأل فدللنا على عجوز، فقالت: مات تائهاً منذ ثلاثة أيام.([143])
البراءة … إنزال الآيات التي تتحدث عن المنافقين، أو في الكفار في كثير النّوّاء وأصحابه رميه بالكذب تارة وأشنع التهم…
كثير النواء عندهم ابن زنا!
وروى المجلسي عن حنان بن سدير قال: "كنت عند أبي عبد الله -عليه السلام- وأنا وجماعة من أصحابنا فذكر كثير النواء قال: وبلغه عنه أنه ذكره بشيء، فقال لنا أبو عبد الله: أما إنكم إن سألتم عنه وجدتموه، إنه لغيّه، فلما قدمنا الكوفة سألت عن منزله فدللت عليه، فأتينا منزله فإذا دار كبيرة فسألنا عنه فقالوا: في ذلك البيت عجوزة كبيرة قد أتى عليها سنون كثيرة فسلّمنا عليها وقلنا لها: نسألك عن كثير النواء ؟ قالت: وما حاجتكم إلى أن تسألوا عنه؟ قلت: لحاجة إليه، قالت لنا: ولد في ذلك البيت، ولدته أمه سادس ستة من الزنا.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: هذا كثير النواء الذي ينسب إليه البترية من الزيدية إليه؛ لأنه كان أبتر اليد.
قال محمد بن إدريس –ره- يحسن أن يقال ههنا كان مقطوع اليد.([144])
وفي رواية أخرى عند المجلسي عن سدير أنّ كثير النواء دخل على أبي جعفر -عليه السلام- وقال: زعم المغيرة بن سعيد أنّ معك ملكاً يُعرّفك المؤمن من الكافر، في كلام طويل، فلما خرج قال -عليه السلام-: ما هو إلا خبيث الولادة، وسمع هذا الكلام جماعة من أهل الكوفة، قالوا: ذهبنا حتى نسأل عن كثير فله خبر سوء، فمضينا إلى الحيّ الذي هو فيهم، فدللنا إلى عجوز صالحة فقلنا لها: نسألك عن أبي إسماعيل، قالت: كثير؟، فقلنا: نعم، قالت: تريدون أن تزوّجوه؟ قلنا: نعم، قالت: لا تفعلوا، فإني والله قد وضعته في ذلك البيت رابع أربعة من الزنا، وأشارت إلى بيت من بيوت الدار.([145])
وما أسهل كلمة (ابن زنا) عند الإثنى عشرية فقد وصفوا بها صحابة وعلماء أفاضل من ذلك وصفهم عمر بن الخطاب صاحب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بأنه ابن زنا!
ووصفهم الإمام الشافعي بأنه ابن زنا وبعض علماء المسلمين بأنهم لوطيون، ومن يقرأ كتباً كالأنوار النعمانية، وزهر الربيع كلاهما لنعمة الله الجزائري، وكذا الكشكول ليوسف البحراني، يدرك هذه الحقيقة.
ثانياً: الطعن في الفرقة العجلية من الزيدية ولعن أفرادها!
ذكر النوبختي في كتابه (فرق الشيعة) من الفرق الزيدية القديمة فرقة (العجلية) وعدّها من الفرق الزيدية الضعيفة حيث يقول:"فأما الضعفاء منهم – أي من الزيدية –فسمّوا العجلية: وهم أصحاب هارون بن سعيد العجلي".([146])
لكن هذه الفرقة الزيدية الضعيفة لم يشفع لها ضعفها في إيقاف الطعونات واللعنات الموجهة لها دون سبب!
روى المجلسي نقلاً عن كتاب بصائر الدرجات عن سليمان بن خالد قال: "بينا أنا مع أبي عبد الله -عليه السلام- في ثقيفة إذ استأذن عليه أناس يأتوننا يزعمون أنّ فيكم أهل البيت إمام مفترض الطاعة، فقال: ما أعرف ذلك في أهل بيتي.
فقالوا: يا أبا عبد الله، يزعمون أنك أنت هو، قال: ما قلت لهم ذلك، قالوا: يا أبا عبد الله إنهم أصحاب تشمير، وأصحاب خلوة، وأصحاب ورع، وهم يزعمون أنك أنت هو، قال: هم أعلم وما قالوا، قال: فلما رأوا أنهم قد أغضبوه قاموا فخرجوا، فقال: يا سليمان من هؤلاء؟، قال: أناس من العجلية، قال: عليهم لعنة الله، قلت: يزعمون أنّ سيف رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وقع عند عبد الله بن الحسن، قال: لا والله ما رآه عبد الله بن الحسن ولا أبوه الذي ولده بواحدة من عينيه إلا أن يكون رآه عند الحسين بن علي -عليه السلام- فإن كانوا صادقين فاسألوهم عما في ميسرته وعما في ميمنته، فإنّ في ميسرة سيف رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وفي ميمنته علامة…([147])
العجلية اتخذوا العجل من دون الله
روى الكشي عن داود بن فرقد قال: "قال أبو عبد الله -عليه السلام-: عرضت لي إلى ربي تعالى حاجة فهجرت فيها إلى المسجد وكذلك كنت أفعل إذا عرضت لي الحاجة – فبينا أنا أصلي في الروضة إذا رجل على رأسي فقلت: ممن الرجل؟ قال: من أهل الكوفة، قال: فقلت: ممن الرجل؟ فقال: من أسلم، قال: قلت: ممن الرجل؟ قال: من الزيدية، قلت: يا أخا أسلم من تعرف منهم؟ قال: أعرف خيرهم وسيدهم وأفضلهم هارون بن سعد، قال: قلت: يا أخا أسلم ،رأس العجلية، أما سمعت الله عز وجل يقول: " إنّ الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا" ([148]) وإنما الزيدي حقاً محمد بن سالم بياع القصب.([149])
ثالثاً: الطعن في مؤسس الجارودية (أبو الجارود) وفي أصحابه!
وقد سبق الإشارة إلى هذا الطعن تحت عنوان (كيف ينظر كبار علماء الجرح والتعديل عندهم إلى الزيدية) حيث أطلقوا على (أبي الجارود) اسم (سرحوب)([150]) إشارة إلى شيطان أعمى يسكن البحر!
بالإضافة إلى ما نقله التستري في (قاموس الرجال 4/521) نقلاً عن (فهرست ابن النديم) قائلاً: "وقال ابن النديم: لعنه الصادق -عليه السلام- وقال: إنه أعمى القلب، أعمى البصر، وقال محمد بن سنان:لم يمت أبو الجارود حتى شرب المسكر وتولى الكافرين"!
انظر كيف تعاملوا مع رجل سار على نهجهم في الطعن في الشيخين وفي الغلو في أهل البيت وخدم مذهبهم… أما أصحابه فقد نال كل واحد منهم نصيبه من التضعيف والجرح في كتب الرجال كما أشرنا.
التقيّة عند الإمامية ومتى تُستخدم([151])
التقية هي إظهار خلاف ما في الباطن، وهي رخصة رخصّ الله لعباده استخدامها في حالة الاضطرار فقط؛ ولذلك استثناها الله سبحانه وتعالى من مبدأ موالاة الكفار، فقال سبحانه: " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويُحذركم الله نفسه وإلى الله المصير " ([152])
فنهى الله سبحانه وتعالى عن موالاة الكفار، وتوعد على ذلك أبلغ الوعيد فقال: "ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء " أي ومن يرتكب نهي الله في هذا فقد برىء من الله، ثم قال سبحانه: " إلا أن تتقوا منهم تقاة " أي: إلا من خاف في بعض البلدان والأوقات من شرهم فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته.([153])
وأجمع أهل العلم على أنّ التقية رخصة في حال الضرورة لا في جميع الأحوال، قال ابن المنذر: "أجمعوا على أن من أُكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل فكفر وقلبه مطمئن بالإيمان أنه لا يُحكم عليه بالكفر".([154])
ولكن مع ذلك قالوا إنّ من اختار العزيمة في هذا المقام فهو أفضل، قال ابن بطال: "وأجمعوا على أنّ من أُكره على الكفر واختار القتل أنه أعظم أجراً عند الله".([155])
ولكن التقية عند الإمامية خلاف ذلك، فهي عندهم ليست رخصة بل هي ركن من أركان دينهم كالصلاة أو أعظم، قال ابن بابويه القمي: "اعتقادنا في التقية أنها واجبة من تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة".([156])
قال الصادق: "لو قلت أنّ تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقاً"([157]). بل نسبوا إلى النبي – صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "تارك التقية كتارك الصلاة"([158]) ثم زادوا في درجة التقية فجعلوها "تسعة أعشار الدين".
ثم لم يكفهم ذلك فجعلوها هي الدين كله ولا دين لمن لا تقية له، جاء في (الكافي) وغيره أنّ الإمام جعفر بن محمد قال: "إنّ تسعة أعشار الدين في التقية ولا دين لمن لا تقية له".([159])
وعدّوا ترك التقية ذنباً لا يُغفر على حد الشرك بالله، قالت أخبارهم: "يغفر الله للمؤمن كل ذنب، يظهر منه في الدنيا والآخرة، ما خلا ذنبين: ترك التقية وتضييع حقوق الإخوان".([160])
والتقية في دين الإسلام دين الجهاد والدعوة، لا تمثل نهجاً عاماً في سلوك المسلم، ولا سمة من سمات المجتمع الإسلامي، بل هي غالباً حالة فردية مؤقتة، مقرونة بالاضطرار، مرتبطة بالعجز عن الهجرة، وتزول بزوال حالة الإكراه.
ولكنها في المذهب الإمامي الإثنى عشري تعد طبيعة ذاتية في بنية المذهب، يقول الإمام الصادق – كما ينسبون له -: "إنكم على دين من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذله الله" ([161]) وقال: "… أبى الله – عز وجل – لنا ولكم في دينه إلا التقية".([162])
والتقية عندهم حالة مستمرة، وسلوك جماعي دائم، قال ابن بابويه في كتابه (الاعتقادات): "والتقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم، فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله تعالى وعن دين الإمامية وخالف الله ورسوله والأئمة".([163])
وروت كتب الشيعة عن علي بن موسى الرضا –عليه السلام– قوله: "لا إيمان لمن لا تقية له، وإنّ أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية([164]) … فقيل له: يا بن رسول الله: إلى متى؟ قال: إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم خروج قائمنا فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا".([165])
ويقول جعفر النجفي في كتابه (كشف الغطاء): "التقية إذا وجبت فمتى أتى بالعبادة على خلافها بطلت، وقد ورد فيها الحث العظيم، وأنها من دين آل محمد وأنّ من لا تقية له لا إيمان له".([166])
بل إنّ التقية تجرى حتى وإن لم يوجد ما يبررها، فأخبارهم تحث الشيعي على استعمال التقية مع من يأمن جانبه حتى تصبح له سجية وطبيعة فيمكنه التعامل بها حينئذ مع من يحذره ويخافه بدون تكلف ولا تصنع، فقد روت كتبهم: "عليكم بالتقية فإنه ليس منا من لم يجعلها شعاره ودثاره مع من يأمنه، لتكون سجيته مع من يحذره".([167])
قلت: من كانت هذه حاله، يتقلب ويتلون كيفما يشاء، كيف يؤمن جانبه؟ وكيف يُعرف صدقه من كذبه؟!. إنما العتب على من يصدّق هؤلاء ويظن فيهم الخير، ويظن فيهم متابعة أهل البيت!. فأين هؤلاء من دين وأخلاق رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأهل بيته؟!
احذوا قَسَم الإثنى عشرية فإنه قد يكون تقية أيضاً!
ذكر الأستاذ عبد الله الموصلي في كتابه (حقيقة الشيعة) نقلاً عن بعض كتب الإثنى عشرية المعتمدة بعض أقوال كبار علماء ومراجع الإمامية الإثنى عشرية في جواز التقية مع المخالف حتى في القسم بالله العظيم!
يقول الموصلي: "وحتى اليمين المغلّظة دخلت فيها التقية عند الإثنى عشرية، روى شيخ فقهائهم ومجتهديهم مرتضى الأنصاري في رسالة (التقية) صـ(73)، وأستاذ فقهائهم آيتهم العظمى أبو القاسم الخوئي في (التنقيح شرح العروة الوثقى) (4/278-307) وصححها عن جعفر الصادق أنه قال: "ما صنعتم من شيء أو حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم منه في سعة".
فبناء على هذه الرواية الصحيحة عندهم لا يتورع الإثنى عشري الملتزم عن القسم المغلظ وهو كاذب، فيخدع السني والزيدي بهذا اليمين؛ لأنّ التقية واسعة كما يروي شيخ فقهائهم مرتضى الأنصاري في (رسالة التقية) صـ72 عن الإمام المعصوم أنه قال: "… فإنّ التقية واسعة وليس شيء من التقية إلا وصاحبها مأجور عليها -إن شاء الله".
وهم لا يرون إعطاء من خالفهم من الحقوق المالية كالخمس والزكاة وغيرها إلا بدافع المصلحة، فعندما سئل آيتهم العظمى الخوئي عن إعطاء المخالف من الحقوق المالية ونحوها من الخمس والزكاة والكفارات وزكاة الفطر أجاب بقوله: "لا يجوز، وقد يجوز إعطاؤه إذا اقتضت المصلحة". جاء ذلك عنه في كتاب (مسائل وردود 64 من الجزء الأول المطبوع في مطبعة مهر بقم في إيران ونشرته دار الهادي عام 1412هـ).
فخير الإثنى عشرية من زكاة وغيرها لهم لا نصيب منه لمن خالفهم إلا للمصلحة كاستغلال حاجة بعض المعسرين وتحويلهم إلى مذهب الإمامية الإثنى عشرية.([168])




([1]) "المنية والأمل" للإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى صـ(100-103)، تحقيق: الدكتور محمد جواد مشكور – طبعة دار الندى.
([2]) "بحار الأنوار" (37/34).
([3]) "رسائل العدل والتوحيد (3/76) نقلاً عن "التحف شرح الزلف".
([4]) "سير أعلام النبلاء" (5/389).
([5]) نقل بنصه وبحروفه من "الرد على الرافضة – رسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي" تحقيق ودراسة: إمام حنفي عبد الله صـ(94)، دار الآفاق العربية – الطبعة الأولى 1420هـ – 2000م.
([6]) "الأحكام في الحلال والحرام" للهادي (1/444).
([7]) المصدر السابق (1/454).
([8]) المصدر السابق (1/454).
([9]) المصدر السابق (1/445-455).
([10]) المصدر السابق (1/354).
([11]) "تعليقات على الإمامة عند الإثنى عشرية" صـ(100) لعبد الله بن محمد بن إسماعيل، وهذه الرسالة أرسلها الهادي -رحمه الله- إلى أهل صنعاء. وانظر كلام المرتضى في "شرح المنية والأمل" عن الرافضة صـ(100-102).
([12]) "العقد الثمين" صـ(46-47).
([13]) المصدر السابق صـ (48-54).
([14]) المصدر السابق صـ (147-156).
([15]) المصدر السابق صـ (112-118)، تحقيق: الأستاذ عبد السلام الوجيه.
([16]) المصدر السابق صـ (147-156).
([17]) المصدر السابق صـ (161-167).
([18]) المصدر السابق صـ (194-119).
([19]) المصدر السابق صـ (305-307).
([20]) المصدر السابق صـ (184-194).
([21]) المصدر السابق صـ (158-168)، ومن صـ (311-319).
([22]) المصدر السابق (394-300 و 334 و 333 و 345)، وقد ذكر تناقضاتهم في مسائل متعددة تتعلق بالإمامة وما يدور حولها، وأظهرهم بعقول سخيفة.
([23]) المصدر السابق صـ (180).
([24]) المصدر السابق صـ (311).
([25]) في المصدر السابق صـ (119-194).
([26]) المرجع السابق صـ (194-225).
([27]) "الرسالة الوازعة للمعتدين عن سب صحابة سيد المرسلين" بشرح الشيخ مقبل الوادي -رحمه الله- صـ (90-103)، والمراد بالنصوص التي يريدها المؤلف الأدلة الشرعية المحددة الإمام علياً -رضي الله عنه- أميراً للمؤمنين كما يرى الشيعة.
([28]) المصدر السابق صـ (103-184).
([29]) المصدر السابق صـ (186). وهناك في رسالة الهادي إلى أهل صنعاء قطعة نثرية يقول فيها: "ولا أنتقص أحداً من الصحابة الصادقين والتابعين بإحسان، المؤمنات منهم والمؤمنين، أتولى جميع من هاجر، ومن آوى منهم ونصر، فمن سب مؤمناً عندي استحلالً فقد كفر، ومن سبه استحراماً فقد ضل عندي وفسق" ..الخ سجعه. وانظر "تعليقات على الإمامة عند الإثنى عشرية" عبد الله محمد إسماعيل ص(100)، "فهو يوالي المهاجرين والأنصار الذي ماتوا على الإيمان" كما في بقية كلامه.
([30]) "التحف" صـ (68).
([31]) المصدر السابق.
([32]) ذكرها وغيرها الأستاذ عبد السلام الوجيه في تراجم أصحابها في كتابه "أعلام المؤلفين الزيدية".
([33]) "تعليقات على الإمامة عند الإثنى عشرية" صـ (2).
([34]) وانظر على سبيل المثال تعليق الأستاذ عبد السلام الوجيه على "العقد الثمين" صـ (46-47) فقد أنكر قصة ابن سبأ جرياً وراء الرافضة ومن لف لفهم، مع أن المهدي -رحمه الله- ذكر أن سبب تسمية الرافضة بهذا الاسم؛ لكونهم رفضوا نصرة زيد، أو لتركهم نصرة النفس الزكية. وانظر "المنية والأمل" صـ (24). وقصة عبد الله بن سبأ مذكورة في كتب أئمة الزيدية التي حققها عبد السلام الوجيه نفسه، وهي كذلك في عشرات المصادر الشيعية، (ذكر السيد حسين الموسوي في كتابه "لله ثم للتاريخ" صـ (10-12) عشرين مرجعاً شيعياً تؤكد وجود عبد الله بن سبأ منها: "معرفة الرجال" للكشي صـ (70-71)، و"فرق الشيعة" للنوبختي صـ(32-44)، و"تنقيح المقال" للماقاني (2/…-184)، و"المقالات والفرق" للقمي صـ (20)، و"من لا يحضره الفقيه" للصدوق (1/229)، و"شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد (5/5)، و"الأنوار النعمانية" (2/334 وغيرها). وكذلك في عشرات المراجع السنية. وقد ذكر المهدي كذلك دفاع زيد -رضي الله عنه- عن الشيخين -رضي الله عنهما-، وتسميته للرافضة بهذا الاسم في "شرح المنية والأمل" صـ (100-101).
([35]) الأستاذ عبد السلام الوجيه في تحقيقه لـ "العقد الثمين" صـ (112).
([36]) "الأربعون حديثاً" صـ (632-633)، الإمام الخميني قدس سّره، تعريف: محمد الغروين –سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدمشق.
([37]) المراد بالصحيفة هي صحيفة "الأمة" وانظر بعض الأعداد (148 ، 68 ، 153 ، 154 ، 138 ، 158 ، 132 ، 124 … الخ).
([38]) وهي مجلة شهرية تصدرها مؤسسة الخوئي في لندن، والقائمون عليها إمامية عراقيون.
([39]) "الرسالة الوازعة" صـ (90-100).
([40]) وهذه الفتوى نشرتها صحيفة "الثقافية" في عدد (15)، وقد رد عليها العميد/ محمد الأكوع، في نفس العدد في 19 رجب 1420هـ.
([41]) "تعليقات على الإمامة عند الإثنى عشرية" صـ (2). عبد الله محمد إسماعيل.
([42]) المصدر السابق صـ (6).
([43]) المصدر السابق صـ (6).
([44]) "النصب والنواصب"، نقلاً عن "تعليقات على الإمامة عند الإثنى عشرية" صـ (8-9).
([45]) الأستاذ عبد السلام والوجيه "أعلام المؤلفين الزيدية" صـ (443)، مؤسسة الإمام زيد.
([46]) البيان أصدره ما يزيد على عشرة من علماء الزيدية في صعدة، ووافق عليه وأيده كل من بدر الدين الحوثي، ومجد الدين المؤيدي، لدينا نسخة منه، والشابان معروفان.
([47]) انظر كلام عبد الله بن حمزة –رحمه الله- في "العقد الثمين" صـ (158-161-311-119).
([48]) ومن ذلك ما جاء في "مرآة العقول" للمجلسي (28/488)، وما جاء في "تفسير العياشي" (2/83)، والمجلسي في "بحار الأنوار" (8/308) و (27/58)، و (23/306)، و(26/213)، و"الأنوار النعمانية" (2/244)، منشورات الأعلمي – بيروت، لنعمة الله الجزائري (1/53)، وغير ذلك الكثير الكثير.
([49]) "الرسالة الوازعة" للإمام يحيى بن حمزة صـ (90 ، 103 ، 186) وغيرها.
([50]) وانظر ذلك إن شئت "الشيعة في عقائدهم وأحكامهم" لشيخهم السيد أمير محمد الكاظمي صـ (73)، و"الحكومة الإسلامية" صـ (52)، منشروات المكتبة الإسلامية الكبرى- للخميني، و"الأنوار النعمانية" للجزائري (1/20-21)، وكذلك "الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم" (1/20)- طبعة المطبعة الحيدرية، نشر المكتبة المرتضوية للبياضي، و (1/105 ، 101 ، 241 ، 107) من المرجع المذكور، و"عقائد الإمامية" صـ (91) – دار الصفوة لمحمد رضا المظفر، و"الحكومة الإسلامية" للخميني صـ (91)، و"أصل الشيعة وأصولها" لمحمد الحسين آل كاشف الغطا صـ (59)، وكذلك "عقائد الإثنى عشرية" للصدوق (2/157) – طبعة الأعلمي، وغير ذلك.
([51]) "العقد الثمين" (147-158).
([52]) رسالة "الاعتقادات" للصدوق صـ (103) – مركز نشر الكتب – إيران 1370، "بحار الأنوار" للمجلسي (27/61-62)، و(23/390)، و"الحدائق الناظرة" في أحكام العترة الطاهرة ليوسف البحراني (18/153) – دار الأضواء –بيروت، و"منهاج النجاة" للفيض الكاشاني صـ (48) – طبع الدار الإسلامية –بيروت 1987م، و"جواهر الكلام" لمحمد حسن النجفي (6/262) – دار إحياء التراث العربي – بيروت، و"مرآة العقول" للمجلسي (2/277).
([53]) "العقد الثمين" صـ (65-70).
([54]) ولك أن تنظر في "المهدي من المهد إلى الظهور" صـ (541) للسيد محمد كاظم القزويني – مؤسسة الإمام الحسين – لندن، والرجعة صـ (186-187)، و"حياة الناس" صـ (50) لعلامتهم أحمد زين الدين الإحسائي، و"الرجعة" للميرزا محمد مؤمن الإسترابادي صـ (118) – دار الاعتصام – قم –إيران، وغيرها…
([55]) "الرسالة الوازعة" صـ (90) وما بعدها.
([56]) ويكفيك أن تنظر "رسالة الاعتقادات" للصدوق صـ (104) – ط مركز نشر الكتاب – إيران 1370، و"الكافي" للكليني – باب التقية (2/217)، و"وسائل الشيعة" للحر العاملي (11/466)، و"الرسائل" للخميني (2/175).
([57]) كما ذكره المنصور بالله في "العقد الثمين" (305-307).
([58]) وانظر إن شئت "الغيبة" لشيخهم النعماني صـ (381)، و"الأنوار النعمانية" (2/63)، و"مرآة الأنوار" صـ (36) – دار التفسير – قم، و"تاريخ ما بعد الظهور" صـ (728-810) – الطبعة الثانية – دار التعارف – بيروت – لمحمد بن محمد صادق الصدر، و صـ (115) من نفس المصدر، و"الخلاص في ظل القائم المهدي" صـ (391) – الطبعة السابعة 1991م – دار الكتاب اللبناني –بيروت، "المهدي من المهد إلى الظهور" صـ (334).
([59]) راجع كلام المنصور الممتع في "العقد" (194-222).
([60]) والإجماع عند الزيدية كما في "متن الكافل" اتفاق المجتهدين العدول في أمة محمد –صلى الله عليه وسلم- على أمر ما، وذكر الخلاف في إجماعات الشيخين والخلفاء الأربعة وأهل البيت، كما في صـ(13-14)، تحقيق الدكتور المرتضى المحطوري، والمتن لمحمد بهران المتوفى عام 957هـ، وانظر "مغني ذوي العقول" صـ(24) للطبري، و"مرقاة الوصول" للإمام القاسم بن محمد (13-17).
([61]) وانظر في ذلك: "مستمسك العروة الوثقى" لآيتهم العظمى محسن الحكيم (1/392-393)، الطبعة الرابعة، مطبعة الآداب، النجف 1392، و"مرآة العقول" للمجلسي (2/272)، و"علل الشرائع" للصدوق صـ (601)، طبعة النجف، و"تحرير الوسيلة" (1/352)، و"تهذيب الأحكام" لأبي جعفر الطوسي (4/122)، و"الوافي" للفيض الكاشاني (6/43) – دار الكتب الإسلامية طهران وغيرها.
([62]) يكفي أن تنظر في هذا "أصل الشيعة وأصولها" صـ (100) لكاشف الغطاء، "وسائل الشيعة على تحصيل مسائل الشريعة" كتاب النكاح، (باب 4) (14/446-447)، و"مستدرك الوسائل" للنووي، باب عدم تحريم التمتع بالزانية وإن أصرت، وغير ذلك كثير.
([63]) "الأحكام" (1/353-354).
([64]) وانظر في ذلك "وسائل الشيعة" للحر العاملي (18/34)، "الرسائل" للخميني (2/83).
([65]) فالرافضة يقولون بالمسح على الرجلين، ويمنعون المسح على الخفين، والزيدية بخلاف ذلك، انظر "الأحكام" (1/78-80)، وتوجد عشرات المسائل الفقهية خالف فيها الرافضة الحق عند الزيدية والسنة، ومن ذلك جواز إتيان المرأة في دبرها، فالرافضة يبيح كثير منهم إتيان النساء في أدبارهن.
([66]) وانظر مذهبهم في المنزلة بين المنزلتين في كتاب "عدالة الرواة والشهود" صـ (153، 154) للدكتور المرتضى بن زيد المحطوري، وأصول المعتزلة الخمسة هي جزء من منهج الزيدية تاريخياً، وانظر ثناء المهدي –رحمه الله- في "شرح المنية والأمل" صـ(128-210) عليهم واحتفائه بهم، وكذلك في "المنية" صـ (29-35).
· أهل السنة والجماعة هم أهل النهج الوسط بين فرق الأمة كلها فهم في الأسماء والصفات وسط بين المجسمة والمعطلة، وهم في القدر وسط بين الجبرية والقدرية وهم في الصحابة والقرابة وسط بين الروافض والخوارج والنواصب. وهكذا في كل الأبواب.
([67]) "الحلية" (3/138).
([68]) "الحلية" (3/141)، و"تهذيب التهذيب" (7/305).
([69]) "الطبقات الكبرى" (5/222).
([70]) "الطبقات الكبرى" (5/324).
([71]) "الوافي بالوفيات" (4/102).
([72]) "سير أعلام النبلاء" (4/413).
([73]) "السير" (5/389).
([74]) "تذكرة الحفاظ" (1/166).
([75]) "الجرح والتعديل" (2/487).
([76]) "مختصر العلو" (148).
([77]) "الجرح والتعديل" (4/193).
([78]) "منهاج السنة" (4/57).
([79]) "ميزان الاعتدال" (4/202).
([80]) "منهاج السنة" (4/68).
([81]) "الفرق بين الفرق" (360).
([82]) سبقت الإشارة في المقدمة إلى بعض جوانب الخلاف بين أهل السنة والزيدية فليراجع. (الناشر).
([83]) "الكافي" (8/235)، حديث رقم (314).
([84]) "الكافي" (8/159)، حديث رقم (158).
([85]) "التهذيب" (4/53).
([86]) "رجال الكشي" صـ (198).
([87]) "رجال الكشي" صـ (198).
([88]) "رجال الكشي" صـ (198). و"بحار الأنوار" (48/267).
([89])"بحار الأنوار" (48/266).
([90]) "بحار الأنوار" (48/267).
([91]) المصدر نفسه.
([92]) "ليالي بيشاور" صـ (129-130).
([93]) هناك خلاف معروف حول واضع علم الجرح والتعديل عن الإثنى عشرية هل هو ابن طاووس أم تلميذه ابن المطهر الحلي، لكنه خلاف لا يعني الكثير إذ أنّ كلامنا يتناول ابن داود الحلي وابن المطهر الحلي وكلاهما قد تأثر ببعض.
([94]) ترجمة المؤلف – "رجال ابن داود الحلي" صـ (18).
([95]) "رجال ابن داود" (القسم الثاني: المجروحين والمجهولين – باب الهمزة) صـ (229).
([96]) المصدر نفسه (القسم الثاني: المجروحين والمجهولين – باب الحاء المهملة) صـ (242).
([97]) المصدر نفسه (القسم الثاني: المجروحين والمجهولين – باب السين المهملة) صـ (248 ).
([98]) المصدر نفسه (القسم الثاني: المجروحين والمجهولين – باب الصاد المهملة) صـ (250).
([99]) المصدر نفسه (القسم الثاني: المجروحين والمجهولين – باب العين المهملة) صـ (257).
([100]) المصدر نفسه (القسم الثاني: المجروحين والمجهولين – باب العين المهملة) صـ (264).
([101]) المصدر نفسه (القسم الثاني: المجروحين والمجهولين – باب الميم) صـ (272).
([102]) المصدر نفسه (القسم الثاني: المجروحين والمجهولين – باب الهاء) صـ (283).
([103]) المصدر نفسه (القسم الثاني: المجروحين والمجهولين – باب العين المهملة) صـ (251).
([104]) المصدر نفسه (القسم الثاني: المجروحين والمجهولين – باب العين المهملة) صـ (252).
([105]) المصدر نفسه (القسم الثاني: المجروحين والمجهولين – باب الياء) صـ (284).
([106]) المصدر نفسه (القسم الثاني: المجروحين والمجهولين – باب العين المهملة) صـ (262).
([107]) المصدر نفسه (القسم الثاني: المجروحين والمجهولين – باب العين المهملة) صـ (265).
([108]) المصدر نفسه (القسم الأول – باب الهاء) صـ (200).
([109]) المصدر نفسه (القسم الأول – باب الهمزة) صـ (33).
([110]) "رجال الحلي" صـ (223) (القسم الثاني: الضعفاء، الباب الثاني: زياد).
([111]) "رجال الحلي" صـ (203) (القسم الثاني: الضعفاء، باب أحمد).
([112]) "رجال الحلي" صـ (205) (القسم الثاني: الضعفاء، باب أحمد).
([113]) التي يُفترض أن ينظر إليها الإمامية على أنها أحاديث شيعة أهل البيت!
([114]) "رجال الحلي" صـ (209) (القسم الثاني: الضعفاء، فصل الثاء).
([115]) "رجال الحلي" صـ (226) (القسم الثاني: الضعفاء، باب سعيد).
([116]) "رجال الحلي" صـ (246) (القسم الثاني: الضعفاء، باب الغين).
([117])"رجال الحلي" صـ (254) (القسم الثاني: الضعفاء، باب محمد).
([118]) "رجال الحلي" صـ (263) (القسم الثاني: الضعفاء، باب هارون).
([119]) "رجال الحلي" صـ (240) (القسم الثاني: الضعفاء، باب عمر).
([120]) "رجال الحلي" صـ (240) (القسم الثاني: الضعفاء، باب عبد العزيز).
([121]) "رجال الحلي" صـ (267) (القسم الثاني: الضعفاء، باب في الكنى).
([122]) "رجال الحلي" صـ (245) (القسم الثاني: الضعفاء، باب في الآحاد).
([123]) "رجال الحلي" صـ (265) (القسم الثاني: الضعفاء، باب يحيى).
([124]) "رجال الحلي" صـ (5) (القسم الأول: الثقات، باب إبراهيم).
([125]) "رجال الحلي" صـ (77) (القسم الأول: الثقات، باب سليمان).
([126]) "رجال الحلي" صـ (183) (القسم الأول: الثقات، باب يزيد).
([127]) "تنقيح المقال" (1/469).
([128]) المصدر نفسه (1/176).
([129]) "بحار الأنوار" 37/34).
([130]) [سورة الزمر: آية 40].
([131]) هذا الحديث والأحاديث التي تليه من باب (من ادعى الإمامة وليس لها بأهل ومن جحد الأئمة أو بعضهم ومن أثبت الإمامة لمن ليس لها بأهل) في كتاب "الكافي" للكليني.
([132]) "الاعتقادات" صـ (103).
([133]) "الحدائق الناضرة" (18/153).
([134]) "مرآة العقول" (2/279-280)، والحديث الحديث الخامس في باب الاضطرار إلى الحجة من كتاب "الكافي" للكليني.
([135]) انظر الروايات في ذلك في "الكافي" وغيره.
([136]) "الكشكول" (3/307).
([137]) [سورة محمد: آية 4].
([138]) "بحار الأنوار" (46/196) نقلاً عن "رجال الكشي" صـ (220).
([139]) "بحار الأنوار" (46/194) نقلاً عن "رجال الكشي" صـ (151).
([140]) "فرق الشيعة" صـ (71).
([141]) هذه الرواية والتي بعدها من كتاب "رجال الكشي" صـ (208).
([142]) يريد به يوسف بن عمر والد الحجاج الثقفي، وكان قد قطع يد أم خالد كما تذكر بعض الروايات الشيعية
([143]) "بحار الأنوار" (46/250).
([144]) "بحار الأنوار" (47/346).
([145]) "بحار الأنوار" (47/118).
([146]) "فرق الشيعة" صـ (71).
([147]) "بحار الأنوار" (26/205).
([148]) [سورة الأعراف: آية 152].
([149]) "رجال الكشي" صـ (200).
([150]) انظر "رجال الكشي" و "تنقيح المقال وقاموس الرجال" للتستري وغيرها من الكتب
([151]) نقلاً من كتاب "أصول مذهب الشيعة الإثنى عشرية" للشيخ ناصر الغفاري مع شيء من التصرف والإضافة.
(([152] [سورة آل عمران: آية 28].
([153]) "تفسير ابن كثير" (1/371)، وراجع في هذا المعنى كتب التفسير عند آيتي آل عمران، آية (28)، والنحل آية (106) .
([154]) "فتح الباري" (12/314).
([155]) "فتح الباري" (12/317).
([156]) "الاعتقادات" صـ(114).
(157) "السرائر" لابن إدريس صـ (479)، "جامع الأخبار" صـ(110)، "وسائل الشيعة" للحر العاملي (7/94)، "بحار الأنوار" (75/412، 414).
([158]) "جامع الأخبار" صـ (110)، "بحار الأنوار" (75/412).
([159]) "الكافي" (الأصول) (2/217)، "المحاسن" للبرقي صـ (259)، و"وسائل الشيعة" (11/460)، "بحار الأنوار" (75/423).
([160]) "وسائل الشيعة" (11/474) و"تفسير الحسن العسكري" صـ (130) و"بحار الأنوار" (75/415).
([161]) "الكافي" (الأصول) (1/222).
([162]) "الكافي" (2/218).
([163]) الاعتقادات" صـ (114-115).
([164]) وكأنهم يفسرون قول الله -عز وجل-:" إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم" } ]الحجرات/13[.
([165]) "إكمال الدين" لابن بابويه القمي (355)، و"إعلام الورى" للطبرسي صـ (408)، و"وسائل الشيعة" (11/465،466)، وانظر في هذا المعنى "جامع الأخبار" صـ (110)، و"بحار الأنوار" (75/395).
([166]) "كشف الغطاء" صـ (61).
([167]) "أمالي الطوسي" (1/199)، و"وسائل الشيعة" (11/466)، و"بحار الأنوار" (75/395).
([168]) "حقيقة الشيعة" صـ (124) بتصرف.



بحث سريع