لمحات من حياة الإمام محمد الصنعاني

بواسطة | د.عبدالله شاكر الجنيدي
2005/06/05


من العلماء الأعلماء الذين ظهروا في اليمن في القرن الثاني عشر الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله ، وهو إما مجتهد، كان له باع طويل في العلم، وخلَّف تراثا ضخما تجاوز الثلاثمائة مؤلف ما بين كتاب كبير ورسالة صغيرة، وكان له إلى جانب الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله تعالى أثر كبير في النهضة العلمية الإصلاحية في العصر الحاضر، لهذا أحببت أن أضع بين يدي القارئ الكريم لمحات عن حياة هذا العالم نتناول سيرته الذاتية، وجهوده العلمية، وعقيدته ومذهبه، وذلك وفاءً بحق هذا العلم، ودفعًا لما يمكن أن يظن به، بسبب ظهوره في بيئة زيدية معتزلة، بل إن بعض الباحثين لا يرغب في دراسة تراث أمثال هؤلاء، مع تحررهم من التقليد والتبعية، واتباعهم للكتاب والسنة المحمدية، وقد ذكر ذلك الشوكاني رحمه الله فقال: "ولا ريب أن علماء الطوائف لا يكثرون العناية بزهل هذه الديار لاعتقادهم في الزيدية ما لا مقتضى له إلا مجرد التقليد لمن لم يطلع على الأحوال، فإن في ديار الزيدية من أئمة الكتاب والسنة عددا يجاوز الوصف، يتقيدون بالعمل بنصوص الأدلة ويعتمدون على ما صح في الأمهات الحديثية وما يلتحق بها من دوواين الإسلام المشتملة على سنة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم ولا يرفعون إلى التقليد رأسا، لا يشوبون دينهم بشيء من البدع التي لا يخلو أهل مذهب من المذاهب من شيء منها، بل هم على نمط السلف الصالح في العمل بما يدل عليه كتاب الله وما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ع اشتغالهم بالعلوم التي هي آلات علم الكتاب والسنة من نحو وصرف وبيان وأصول ولغة…"(1).
وبعد، فهذا أوان الشروع في المقصود بعون الملك المعبود.
أولا: سيرته الذاتية وتشتمل على ما يلي:


1 اسمه ونسبه وكنيته ولقبه:
هو محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد بن علي، وينتهي نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، ويكنى "بأبي إبراهيم" وإبراهيم هو أكبر أولاده، وأمه ابنة السيد هاشم بن يحيى الشامي، وقد تزوجها الصنعاني في شوال عام 1317ه(2)، ويلقب "بالمؤيد بالله"، وقد ذكر ذلك صديق خان(3) والزركلي(4)، وهو غير مشهور به بين أهل العلم كلقبه الثاني وهو: "البدر"(5) وقد اشتهر به شهرة واسعة، والبدر: هو القمر إذا امتلأ، ويشبه الرجل به إذا تم وكمل، قال ابن منظور(6): "وبدر القوم: سدهم على التشبيه بالبدر".
كما اشتهر الصنعاني أيضا "بالأمير"، وهو يطلق عليه وعلى أجداده، كما يطلق على أحفاده، ولكن إطلاقه عليه أشهر، وقد قال الشوكاني(7) بعد سياقه لنسبه: "المعروف بالأمير"، والأمير نسبة إلى الأمير الشهير: "يحيى بن حمزة بن سليمان ت636ه"(8) ولهذا يقال للصناعني: "الأمير"، ويقال أيضا: "ابن الأمير".
وقد لقَّب الشيخ عبد الحي الكناني(9) رحمه الله الصنعاني "بالمتوكل على الله" والصواب أن هذا ليس لقبًا له، وإنما لأبيه كما قال الزركلي(10) في ترجمة محمد بن إسماعيل: "… يلقب "المؤيد بالله" ابن "المتوكل على الله".
2 مولده ونشأته الأولى:



ولد محمد بن إسماعيل ليلة الجمعة نصف جمادى الآخرة عام 1099ه(11) بمدينة "كحلان"(12)، ثم انتقل مع والده إلى مدينة "صنعاء" عام 1107ه كما ذكر الشوكاني(13)، وقد ذكر المؤرخ زيارة أنه انتقل عام 1110ه(14)، ثم ذكر في ترجمة والد الصنعاني أنه انتقل عام 1108ه(15)، والذي أميل إليه في ذلك هو رأي الشوكاني رحمه الله لقرب عهده بالمترجم له، كما أنه لم يذكر إلا تاريخا واحدا، وقد ذكر المؤرخ زيارة تاريخين مختلفين كما سبق ذكره .
وقد أقام الصنعاني رحمه الله بصنعاء ومات فيها، ولم يخرج منها إلا لتلقى العلم على يد المشايخ، أو للابتعاد عن السلطة الحاكمة في صنعاد، ومكنه في نهاية الأمر استقر بها حتى وفاته.
وقد أتم الصنعاني حفظ القرآن عن ظهر قلب بعد دخوله صنعاء، ولعل الباعث لهجرة والد الصنعاني من "كحلان" إلى "صنعاء" رغبته في تلقي العلم له ولأولاده على علماء صنعاء، وقد رجح ذلك مؤلفو الكتاب "ابن الأمير وعصره"(16).
3 ورعه وزهده:


عاش الصنعاني رحمه الله حياته مكبا على العلم ونشره والدعوة إليه، ولم يطلب جاها أو سلطانا، ولما ولاه المهدي العباس أوقاف صنعاء في رمضان عام 1161ه باشر أعمال الوقف بصدق وأمانة، واتخذ بيتا صغيرا قريبا من بيته لسِجن فيه من يستحق التأديب فرارا من السجن بقصر صنعاء للتأثم عن زيادة العقوبة، ثم اعتذر عن الوقف وقال: إن ولايته للوقف عقوبة من الله على ذنب يعلمه بعينه، وأوصى بأن يتصدق من تركته بمائة قرش، ومائة قرش لفقراء بني هاشم تورعا من الوقف(17).
وقد عرض عليه المتوكل القاسم بن الحسين تولية القضاء في بندر "المخا"(18)، فامتنع، ثم عرض عليه الوزارة فامتنع، ثم القضاء العام والتصدر على الأعلام فامتنع من قبول جميع ذلك، واستقر على عادته في التدريس ونشر الإفادة(19).
وكانت العبادة هَمُّه وذكر الله شغله، وقد قال في قصيدة أرسلها إلى والده عند عزمه للحج في عام 1132ه:
ومن كان ذكر الله زاد رحيله
كفاه عن الزاد المجازى وأغناه
ومن كان بيت الله غاية همه
فطوبى له إن نال ما يتمناه(20)
وقد قال فيه صديق خان: "كان إماما في الزهد والورع. حكى بعض أولاده أنه قرأ في صلاة الصبح وهو يصلي بالناس "هل أتاك حديث الغاشية" فبكى وغشى عليه(21).
وكان دائما يذكر نفسه بلقاء ربه، فيقول في نحو سنة 1170ه وقد حمل العصا في يده:
ما حملت العصا يضعف ولكني
رأيت الرحيل مني قريبا
فحملت العصا لتذكير نفسي
أنني صرت في الأنام غريبا(22)
ثانيًا: سيرته العلمية وتشتمل على ما يلي:
1 نشأته وتحصيله العلمي:
نشأ الصناعني في بيئة علمية، فجده كان عالما فاضلا(23)، وأبوه كان من العلماء المحققين في معظم الفنون، يقول عنه حفيده إبراهيم: "حقق الفقه والفرائض ودرس ونقل ونظم واشتهر بالعلم والفضل والزهد والورع والتقوى وحسن الخلق، ولطف الطبع والتقشف الباهر ولينن الجانب، ومجانبة الدول وأربابها…"(24)، وهكذا ذكر عنه صديق خان(25)، والمؤرخ زبارة(26).
وقد تأثر الصنعاني بالجو العلمي المحيط به، فحفظ القرآن عن ظهر قلب، وبدأ بالطلب وهو صغير السن، فدرس الفقه والنحو والبيان وأصول الدين والحديث وتفوق في ذلك، حتى أعجب به مشايخه، وقد ذكر الشوكاني أنه قرأ الحديث على أكابر علماء مكة والمدينة وبرع في جميع العلوم وفاق الأقران وتفرد برئاسة العلم في صنعاء(27).
وقد أحب الصنعاني العلم والبحث وتطلع إليها فاستهان المشاق في سبيل الطلب، فقد روى عنه أنه كان يكتب "زاد المعاد" لابن القيم، وكتاب "بهجة المحافل" على ضوء القمر لعدم توفر السراج، ولمَّا وصل عالم زبيد الشيخ "عبد الخالق المزجاجي" إلى صنعاء انصرف الصنعاني إليه ليدرس على يديه صحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داود، وكان الناس يذهبون إلى البيت الحرام للحج، ولكن الصنعاني كان يذهب للحج والعلم معا(28)، كما سيتضح من رجلاته.
2 رحلاته في طلب العلم:
للرحلة في طلب العلم مكانة كبيرة بين العلماء والمحققين، وعند علماء الحديث بوجه أخص، وقد نشأت في عصر الصحابة رضوان الله عليهم فجابر بن عبد الله رضي الله عنهما يرحل من المدينة إلى الشام ليقف على حديث واحد(29).
ولقد سار على هذا النهج الأمير الصنعاني، فرحل إلى أرض الحرمين الشريفين ليؤدي نسكه ويلتقي بالعلماء والمحققين ويأخذ العلم عنهم، ولقد حج أربع مرات في كل مرة كان يلتقي بالمشايخ ويستفيد منهم ويلازمهم، وكانت رحلته الأولى في عام 1124ه كما ذكر ذلك صاحب كتاب نفحات العنبر، وقد أخذ الصنعاني في هذه الرحلة عن ابن أبي الغيث أوائل الصحيحين وغيرهما وأجازه إجازة عامة، كما أخذ عن الشيخ طاهر بن إبراهيم الكردي، ثم ذهب إلى الحج للمرة الثانية عام 1132ه، وزار المدينة النبوية واجتمع فيها بالشيخ الحافظ أبي الحسن ابن عبد الهادي السندي، وكانت بينهما مباحثة ومراسلة علمية، ولم يرجع إلا في ربيع الأول من عام 1133ه، ثم حج الحجة الثالثة عام 1134ه، واجتمع في الحجاز بالشيخ العلامة الأشبولي، والشيخ عبد الرحمن بن أسلم وغيرهما، وقرأ على الشيخ العلامة محمد بن أحمد الأسدي شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد، وشرع في تأليف حاشيته عليه المسماة: "العدة على شرح العمدة" وقرأ في علم التجويد على الشيخ المقرئ الحسن بن حسين شاجور، وأخذ عن الشيخ سالم بن عبد الله البصري في مسند الإمام أحمد بن حنبل، وفي صحيح مسلم وإحياء علوم الدين، ثم رجع إلى صنعاء وأحيا السنن واستمر على التدريس والفتيا والتأليف أما الحجة الرابعة والأخيرة فكانت في عام 1139ه، وفيها اجتمع ببعض العلماء المحققين، وأقام مدة في الطائف بعد الحج، ثم رجع عن طريق الحجاز، ولما وصل إلى مدينة "صعدة"(30) بلغه أن أمر الخلافه قد استقر للإمام الناصر "محمد بن إسحاق"، فاجتمع به في "شبام"(31)، ومنها عزم إلى "شهارة"(32) في ذي القعدة عام 1140ه، ولازم التدريس والإفادة والفتيا بها، وبقى فيها حتى صفر من عام 1148ه، ثم رجع إلي صنعاء وعكف فيها على التدريس والتأليف، ولم يذهب إلى مكان آخر خارج القطر اليماني إلا هذه الأماكن المذكورة في رحلاته الأربع.
وقد رحل إلى مدينة "كحلان"، وهي المدينة التي ولد فيها ليتلقى العلم على يد الشيخ: صلاح بن الحسين الكحلاني، وكان ذلك في عام 1128ه تقريبا وقرأ عليه هناك في شرح الأزهار(33).
التوفيق:
3 شيوخه وتلاميذه:
أولا: شيوخه: أخذ الصنعاني عن جملة من علماء بلده وخاصة فيما يتعلق بعلم البيان واللغة والفقه والأصول وغير ذلك، وقد ذكر الشوكاني أربعة من شيوخه فقط، ولعل هولاء أشهر مشايخه في بلده، ولكن كما سبق القول خرج محمد بن إسماعيل إلى مكة والمدينة والتقى بعلماء هذه الديار وأخذ على أيديهم علم الحديث، ولقد كان تلقي العلم وخاصة علم الحديث من البواعث على السفر إلى أرض الحرمين مع تأدية فريضة الحج، ولقد صرح الصنعاني بذلك فقال:
"ولما ألقى الله وله الحمد الولوع بهذا الشأن أي دراسة الحديث ومعرفته وكان علماء الحديث لا جود لهم بهذه الأوطان، وكان مشائخنا رحمهم الله وأنزلهم غرف الجنان الذين أخذنا عنهم علوم الآلات من نحو وتصريف وميزان، وأصول فقه ومعان وبيان، ليس لهم إلى هذا الشأن نزوع، وإنما يدرسون فيما تجرد عن الأدلة من الفروع، ووقفت على قول بعض أئمة الحديث شعرا:
إن علم الحديث علم رجال
تركوا الابتداع للاتباع
إلى أن قال: ثم من الله وله الحمد بالبقاء في مكة والاجتماع بأئمة من علماء الحرمين ومصر، وإملاء كثير من الصحيحين وغيرهما، وأخذ الإجازة من عدة علماء والحمد لله"، وبهذا القول يتبين لنا نوعية المادة العلمية التي حصَّلها الصنعاني، ولاشك أنها أثَّرت في تكوينه العلمي الذي فاق به غيره، ولم يذكر لنا الصنعاني مشايخه هؤلاء، ولكن بالتتبع والبحث وقفت على كثير منهم، وسأذكرهم هنا، مع ذكر ترجمة موجزة عن كل علم مع ذكر العلوم التي أخذها الصنعاني عنهم.
1 والده إسماعيل بن صلاح الأمير ت1146ه بصنعاء، كان آية في الذكاء، وحقق الفقه والفرائض ودرس واشتهر بالعلم، وأخذ عنه ابنه الفقه والنحو البيان.
2 الشيخ المقرئ الحسن بن حسين شاجور، قرأ عليه الصنعاني في علم التجويد أثناء تأديته للحج في المرة الثالثة.
3 زيد بن محمد الحسن ت1123ه. قال عن الشوكاني: "المحقق الكبير شيخ مشايخ صنعاء في عصره في العلوم الآلية بأسرها.
4 سالم بن عبد الله بن سالم البصري ت1134ه. أحد علماء الحرمين في عصره. أخذ عنه في مسند أحمد وصحيح مسلم وإحياء علوم الدين.
5 صلاح بن الحسين الأخفشي ت1142ه. قال عنه الشوكاني: "العالم المحقق الزاهد المشهور المتقشف… برع في النحو الصرف والمعاني والبيان وأصول الفقه" أخذ عنه في شرح الأزهار.
6 أبو طاهر إبراهيم بن حسن الكردي المدني. أخذ عنه في حجته الأولى.
7 عبد الله بن علي الوزير ت1147ه. برع في العلوم الآلية والتفسير.
8 عبد الرحمن بن أسلم. أحد علماء الحرمين التقى به الصنعاني أثناء تأدية الحج للمرة الثالثة.
9 عبد الرحمن بن أبي الغيث خطيب المسجد النبوي أخذ عنه أوائل الصحيحين وغيرهما وأجازه إجازة عامة.
10 عبد الخالق بن زيد المزجاجي ت1152ه بصعناء وقد تقدم ذكره.
11 علي بن محمد العني ت1139ه. كان شاعرا بليغا وقاضيا مشهورا، أخذ العلم عن جماعة من أعيان عصره، وقد أخذ الصنعاني عنه في النحو والمنطق والفقه.
12 أبو الحسن الحافظ محمد بن عبد الهادي السندي ت1138ه أحد علماء المدينة المنورة في عصره، وقد التقى به في حجته الثانية، وقد وصفه الصنعاني بأنه شيخ علامة، وحامل لواء السنة في البقاع المقدسة.
13 محمد بن أحمد الأسدي. شيخ علامة، التقى به الصنعاني في حجته الثالثة عام 1134ه، وقرأ عليه شرح عمدة الأحكام، وشرع في تأليف حاشيته المسماة "العدة في شرح العمدة".
14 هاشم بن يحىى الشامي ت1158ه أحد العلماء المشاهير الأدباء برع في جميع العلوم وفاق الأقران، ودرَّس للطلبة وانتفع به أهل صنعاء، وقد أخذ الصنعاني عنه علم الجدل.
ثانيًا: تلاميذه: لقد كان للصنعاني نشاط بارز وأثر ملموس في نشر العلم وتدريسه وخاصة في صنعاء، ويصف المؤرخ زبارة نشاط الصنعاني في نشر العلم بين أبناء عصره ومدى تأثيره فيهم فيقول: "واستمر البدر الأمير على نشر العلم والسنة والدعاء إلى العمل بها حتى انتشرت كتب الحديث واشتغل الناس بها وتنافسوا فيها…".
وقد ذكر الشوكاني بعضا من تلاميذه ووصفهم بأنهم نبلاء وعلماء مجتهدون وهم كما يلي:
1 شيخ الشوكاني العلامة عبد القادر الناصر ت1199ه. قال عنه الشوكاني: "شيخنا الإمام المحدث الحافظ المسند المجتهد المطلق".
2 القاضي العلامة أحمد بن محمد قاطن ت1199ه كان له شغف في العلم وعرفان تام بفنون الاجتهاد، وكانت له عناية كاملة بعلم السنة ويد طولي في حفظها، وهو عامل باجتهاد نفسه لا يقلد أحدا، وقال عنه زبارة: "أخذ عن السيد الحافظ محمد بن إسماعيل الأمير، وحضر دروسه العامة في علم الحديث".
3 القاضي العلامة أحمد بن صالح بن أبي الرجال ت1092ه قال عنه الشوكاني: "برع في كثير من المعارف…، وهو من العلماء المشاركين في فنون عدة، وله أبحاث ورسائل وقفت عليها وهي نفيسة ممتعة، ونظمه ونثره في رتبة متوسطة".
4 العلامة الحسن بن إسحاق المهدي ت1160ه. فاق في غالب العلوم وصنف التصانيف منها "منظومة الهدي النبوي"، وهي نظم لكتاب الهدي النبوي لابن القيم، ثم شرحها شرحا نفيسا، وله أشعار فائقة منها قصيدة مدح فيها شيخه العلامة محمد بن إسماعيل الأمير، وقد قرأ على الصنعاني في البحر الزخار وضوء النهار وغيرهما.
5 العلامة محمد بن إسحاق المحدي ت1167ه كان من أئمة العلم المجمع على جلالتهم ونبالتهم وإحاطتهم بعلوم الاجتهاد.
قلت: ومن تلاميذه أيضا أبناؤه الثلاثة. قال زبارة: "كان يقول بعض الأكابر خلف السيد محمد بن إسماعيل الأمير ثلاثة أولاد وتقسموا فضائله" وهم كما يلي:
6 إبراهيم بن محمد بن إسماعيل ت1213ه. قال عنه الشوكاني: "كان من أعيان العلماء وأكابر الفضلاء"، ووصفه زبارة بقوله: "براعة والده وفصاحته وقوة استنباطه للأحكام من الأدلة الشرعية".
7 عبد الله بن محمد بن إسماعيل ت1142ه. قال عنه الشوكاني: "برع في النحو والصرف والمعاني والبيان والأصول والحديث والتفسير، وهو أحد علماء العصر المفيدين العاملين بالأدلة الراغبين عن التقليد".
8 القاسم بن محمد بن إسماعيل ت1246ه. قال عنه الشوكاني: "ابن العلامة الكبير البدر… برع في علوم الاجتهاد وعمل بالأدلة.
وللصنعاني تلاميذ غير هؤلاء كانوا يقصدونه من خارج صنعاء للاستفادة والطلب، ومنهم العلامة أحمد بن صالح الرومي الذي قدم من قسطنطينية لما بلغته أخبار البدر، وعرض على الصنعاني مشكلات عرضت له في مسائل، وكذلك وصل إليه السيد لطف الرومي وقرأ عليه في البخاري.
والحمد لله رب العالمين
المصادر والمراجع:
البدر الطالع نشر العرف
توضيح الأفكار شرح تنقيح الأنظار
الأنفاس الرحمانية



(1) البدر الطالع (2-83).
(2) نشر العرف لنبلاء اليمن بعد الألف للمؤرخ زبارة (3-31)، والإعلام للزركشي (1-263).
(3) أبجد العلوم (3-191). (4) الإعلام (6-263).
(5) نشر العرف (3-29)، والروض النضير لإبراهيم بن محمد بن إسماعيل (ص332).
(6) لسان العرب (4-49). (7) البدر الطالع (2-133).
(8) نشر العرف (3-29). (9) فهرس الفهارس (1-513).
(10) الإعلام (6-263). (11) البدر الطالع (2-133)، ونشر العرف (1-29).
(12) كحلان من أشهر مخاليف اليمن وبينها وبين صنعاء أربعة وعشرون فرسخًا، معجم البلدان لياقوت (4-439).
(13) البدر الطالع (2-133). (14) نشر العرف (3-30).
(15) ملحق البدر الطالع (2-60).
(16) كتاب ابن الأمير وعصره لقاسم غالب ورفقاه (ص127، 128).
(17) نشر العرف (3-41)، والقرش ريال فرنسي في ذلك الوقت كما أفاد بذلك الدكتور ربيع بن هادي.
(8!) المخا: مدينة بساحل البحر الأحمر جنوب زبيد وشمال مضيق باب المندب.
(19) نشر العرق (1-31)، وابن الأمير وعصره (ص165).
(20) ديوان الأمير الصنعاني (ص434). (21) أبجلد للعلوم (3-191).
(22) ديوان الصنعاني (ص60)، ونشر العرف (3-66). (23) نشر العرف (1-382).
(24) الروض النضير، مخطوط (ص353). (25) أبجد العلوم (3-191).
(26) نشر العرف (1-362، 363). (27) البدر الطالع (2-133).
(28) نشر العرف (3-30)، وابن الأمير وعصره (ص138).
(29) انظر القصة كاملة في مسند أحمد (3-495)، والأدب المفرد للبخاري حديث رقم (970) (ص337)، وذكره البخاري تعليقًا في موضعين- كتاب العلم- باب (15)، وكتاب التوحيد، باب (32).
(30) بلدة في شمالي صنعاء على مسافة ستون فرسخًا. معجم البلدان (3-406).
(31) شبام: جبل عظيم فيه شجر وعيون وهو صعب المرتقى، وبينه وبين صنعاء يوم وليلة. المرجع السابق (3-318).
(32) وهي حصن من حصون صنعاء باليمن. السابق (3-374).
(33) نشر العرف (3-50).


{mospagebreak}




بعد أن استعرضنا طرفًا من حياة العلامة الشيخ- محمد بن إسماعيل الصنعاني وذكرنا نشأته وشيوخه وتلاميذه، نعرض لأهم لمحة من لمحات حياة هذا الإمام العَلَم وهي عقيدته ومذهبه، لنرى كيف كان الإمام رحمه الله على أصول عقيدة أهل السنة والجماعة ومنهجهم في التلقي والاستدلال.
ثالثًا: عقيدته ومذهبه:


أولاً: عقيدته:
قبل أن أحكم على عقيدة الصنعاني أرى لزامًا عليَّ أن أبين موقفه من مسائل العقيدة وهل اتبع فيها عقيدة السلف، أم عقيدة المخالفين، وما رأيه في الفرق المختلفة المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة.

1- موقفه من توحيد الربوبية والألوهية:

لا شك أن كل مهتم بعقيدة السلف يعرف كتاب "تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد"، وهو كتاب جدير بأن يحتل مكانة عظيمة بين الكتب التي عالجت وفرقت بين مفهوم توحيد الربوبية والألوهية، ويعتبر الصنعاني بهذا الكتاب الذي تحدث فيه عن معنى "لا إله إلا الله" من أبرز من حمل لواء الدعوة إلى إخلاص التوحيد لله ونبذ البدع والضلالات والشرك والخرافات في القرن الثاني عشر، ثم تبعه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في نفس القرن ليجهر ويجاهد ويدافع عن هذا الأمر العظيم(1).
ولما سمع الصنعاني بظهور الشيخ محمد عبد الوهاب، وعرف أنه يدعو إلى الدين الحق والرجوع إليه أرسل بقصيدته الدالية المشهورة في عام 1163ه التي مدحه فيها وعبر عن سروره وفرحه بظهور هذه الدعوة المباركة في الوقت الذي كان يظن أنه هو وحده على هذه العقيدة، ولما قال فيها:
لقد سرني ما جاءني من طريقة
وكنت أظن هذه الطريقة لي وحدي(2)
وهذا يبين لدعاة التوحيد والسنة وغيرهم أن السائرين على منهج السلف تلتقي أفكارهم وتتوحد جهودهم وإن تباعدت ديارهم واختلفت أوطانهم، لاجتماعهم وأخذهم من منبع واحد هو القرآن والسنة(3).

2- موقفه من علم الكلام والمتكلمين:

لقد حارب الصنعاني علم الكلام وبين فساد منهج المتكلمين في أكثر من موطن، وقد قال عنهم في كتابه "إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة": "فإذا نظرت مبادئ كلامهم في علم الكلام وكتب الحكمة في الزمان والمكان، رأيت محارات يظلم منها القلب الحي، ولا يقف منها على شيء، ولكنهم خَفوا عند رؤية كلام الفلاسفة وجعلوه عنوانا لأصول الدين"(4).
وكان يمتاز بتقديم النقل على العقل واتباع النصوص في مسائل العقائد وغيرها. يقول في ذلك رحمه الله: "اعلم أن المختار عندي والذي أذهب إليه وأدين به في هذه الأبحاث ونحوها، هو ما درج عليه سلف الأمة ولزموه من اتباع السنة والبعد عن الابتداع والخوض فيها إلا لردها على لزوم مناهج الأنبياء، وكيف ترد الأقوى إلى الأضعف"(5).

3- مخالفته للمعتزلة والأشاعرة ورميهم بالابتداع:

أعلن الصنعاني مخالفته للمعتزلة والأشاعرة، وإن تأثر بالمعتزلة في خلق أفعال العباد إلا أنه انتقد المعتزلة كثيرًا، وكذلك الأشاعرة ووصفهم بالابتداع، ومن أقواله في ذلك: "إنما قدمت هذا لئلا يظن الناظر أني أذهب إلى قول فريق من الفريقين المعتزلة والأشاعرة، فإن الكل قد ابتدعوا في هذا الفن الذي خاضوا فيه"(6).
4- موقفه من الأسماء والصفات وما يتعلق بالأمور الغيبية:
ينطلق الصنعاني في هذا الباب من منطلق سليم يتفق مع منهج السلف، ومما قال في ذلك: "قد علم من الدين ضرورة أن لله أوصافًا كلها كمال، قال جل جلاله: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه ، فالإيمان بها واجب على جميع العباد والنكير متعين على من جحدها، أو ادعى أن فيها اسم ذم لله تعالى، ومنها ما ثبت في الأحاديث، فمن عرف صحة الحديث المفيد لذلك وجب عليه الإيمان به"(7).
كما نقل كلام ابن القيم في شرحه لمنازل السائرين، وأبطل تأويل الصفات من ستة أوجه(8). وقال في كتابه: "جمع الشتيت شرح أبيات التثبيت" وهو بصدد الحديث عن سؤال الملكين وما يتعلق بأمور الآخرة "… فيجب قبول ما أخبر به من أمور الدارين وتلقيه بالتصديق وحمله على اللغة العربية من غير تحريف، فإن فهمت المقالة فيا حبذا، وإن لم تفهم فلا تقل نؤوله بكذا ولا بكذا، بل تكل فهمه إلى قائله، وتتهم فهمك القاصر، وتسأل الله أن يعلمك ما لم تعلم فهو على كل شيء قدير، وما أحسن ما قاله ابن القيم رحمه الله: "ينبغي أن يفهم عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مراده من غير غلو ولا تقصير، فلا يحمل كلامه ما لا يحتمل، ولا يقصر به عن مراده، وما قصد به من الهدى والبيان، وقد حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال والعدول عن الصواب ما لا يعلمه إلا الله"(9).
ومع هذا فقد وقع من الصنعاني في بعض المواطن ما ينتقد عليه، فقد نقل كلام المقبلي بصوابه وخطئه وسكت عنه، كما لم يحقق موقف ابن تيمية في مسألة الجهة- غفر الله لنا وله-.

5- حبه لجميع أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم :

قد يظن البعض أن الصنعاني لنشأته في بيئة زيدية يذهب إلى بعض أقوال الروافض، وقد ذهب إلى ذلك الدكتور خليل إبراهيم ملا خاطر حينما نسب الصنعاني إلى التشيع، ووضع قوله إلى جانب قول الروافض، وهذا تحامل شديد على هذا الإمام العالم وهو برئ منه، وقد رد الدكتور أحمد العليمي(10) على الدكتور المذكور في ذلك. ولقد عاش الصنعاني محاربًا في بلده ووطنه لمخالفته لما هم عليه من التشيع والرفض حتى أنهم رَمَوه بالنصب(11). وهو من آل البيت، ويسجل لنا ديوان الصنعاني رسالة أرسلها إلى أحد تلامذته وهو العلامة أحمد بن محمد قاطن، في شأن الرجل الذي دخل صنعاء، وكان من العجم، فسب الصحابة ونال منهم، وحزن الصنعاني لذلك وكتب رسالة إلى تلميذه المذكور ومما جاء فيها: "فاقرة في الدين، قاصمة لظهور المتقين، ومصيبة في الإسلام لم يطمع في وقوعها إبليس اللعين، ومكيدة في الإسلام أسست بآراء جماعة من الأفدام"(13). وهي ظهور الرفض وسب العشرة المشهود لهم بالجنة على لسان الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطاهرين حاشا عليا أمير المؤمنين، ويستمر الصنعاني في رسالته فيذكر أنه حصل للعجمي هذا قبولٌ عند الخليفة المنصور، وأمره أن يملي نهج البلاغة وشرحه لابن أبي الحديد على الكرسي في الجامع الكبير إلى أن قال: "ومازال كل ليلة يسرد من هذا حتى ذكر أنه حرف القرآن بعض الصحابة، فسب الصحابة العامة من الناس، ولعنوا أعيان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وحاصله أنه لم يبق مذهب من مذاهب العجم إلا دسه"(14).

6- ثناؤه على أئمة أهل السنة والجماعة:

من المعلوم أن من أمارة أهل البدع الوقيعة في أهل السنة وتنقيصهم ورميهم بما ليس فيهم حقدًا وبغضًا، وهذا شأن المبتدعة في كل زمان ومكان(15). وما قاله الكوثري عن أعلام السلف ليس منا ببعيد(16). أما أهل الحق والهدى فيعرفون لسلف هذه الأمة والسائرين على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم فضلهم ومكانتهم، ومن هنا نجد الصنعاني يثني كثيرًا على ابن تيمية وابن القيم، فوصف ابن تيمية بالعلامة شيخ الإسلام، وبتبحره في العلوم وسعة اطلاعه على أقوال السلف والخلف(17).
وقال عن ابن القيم: "إنه الذي أتى بنفيسي العلم في كل ما يبدي"، ولما سمع بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فرح كثيرًا بظهوره، وما ذلك إلا أنه لأنه يحب عقيدة السلف ويجاهد لنشرها ويرغب أن يعم خيرها البلاد والعباد، وقد سبق أن أشرت إلى ذلك.
وكما كان يثني على السلف كان يحذر ويذم أهل البدع والضلال. يقول الأستاذ قاسم غالب ورفقاه عن الأمير: "ولم يكتف ابن الأمير بدارسة الكتب التي تخدم مذهبه ولكنه كان لا يقع على كتاب ينحرف فيه صاحبه عن القصد، حتى يلفت النظر إلى انحرافه، ويدعو مدرسته إلى الاحتراس منه، قرأ كتاب "الإنسان الكامل" للجيلي فأرسل وراءه قصيدة يقول فيها:
هذا كتاب كله جهل
وخلاف ما جاءت به الرسل
قد ضل أقوام برؤيته
فغدوا وليس لدينهم ظل(18)
وبعد: فها هي الأصول والقواعد التي كان عليها الصنعاني ودعا إليها وسار عليها من خلال ما سطره هو في كتبه، فأين نضع الرجل بعد ذلك؟ لا يمكن أن يكون إلا من أهل السنة والجماعة الذين كانوا على عقيدة السلف وساروا عليها، وجاهدوا وحوربوا من أجل التمسك بها في عصر لا يعرف إلا الجهل والخرافة.
وقد يقول قائل: للصنعاني بعض المخالفات للسلف كما سبقت الإشارة إلى ذلك في الصفات وكمسألة خلق أفعال العباد.
أقول: الصنعاني حاول جاهدًا تحرير هذه المسألة، ولكنه لم يتمكن وهو وسط هذا الجو الخانق من معرفة الحق فيها، ومع هذا فهو رجح ما ترجح عنده دون متابعة لفرقة معينة أو مذهب معين، وقد سبق بيان عدم متابعته للمعتزلة والأشاعرة، وأحيانًا تقوم بالعالم شبهات لا يتمكن من التخلص منها، لعدم الموجه الصادق أثناء الطلب، ولعدم توفر كتب السلف والعاملين بها كما في بيئة الصنعاني.
ثانيًا: مذهبه:
مذهب الصنعاني يلتقي مع عقيدته، فليس له مذهب إلا ما جاء في الكتاب والسنة، لذلك تجده يدعو إلى الاجتهاد ونبذ التقليد، ويؤلف كتابًا خاصًا في ذلك ليعالج قضية الاجتهاد والتقليد، ولقد فند في كتابه حجج المانعين للاجتهاد مبينًا أن التعصب للمذهب هو الذي دفعهم إلى ذلك، وعاد إلى تعظيم السنن والانقياد لها وترك الاعتراض عليها، ومن أقواله في ذلك: "وقد منع أئمة الدين معارضة سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم بأقوال غيره من الأئمة المجتهدين"(18).
ونقل عن الشيخ محمد حياة السندي قوله: "فمن تعصب لواحد معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم ويرى أن قوله هو الصواب الذي يجب اتباعه دون الأئمة الآخرين فهو ضال جاهل، بل قد يكون كافرًا يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، فإنه متى اعتقد أنه يجب على الناس اتباع واحد معين من هؤلاء الأئمة رضي الله عنهم دون الآخرين، فقد جعله بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك كفر"(19).
ومن هذا المبدأ انطلق الصنعاني رحمه الله في علومه ومؤلفاته يأخذ ما يؤيده الدليل ويترك ما سواه، ويناقش ويرجح ويجمع ما أمكن بين الأدلة كعالم مجتهد له مكانته ومنزلته، وإن كتابه سبل السلام لخير شاهد على ما أقول وهو معروف ومتداول بين طلبة العلم.
تظهر مكانة الصنعاني في سلوكه لهذا المنهج لمن نظر وتتبع حالة المجتمع الإسلامي وما وصل إليه من خرافة وتقليد في زمنه، فإذا ظهر رجل في وسط هذا المجتمع بهذا الفكر النير، وهذه الدعوة التي ترد كل شيء إلى الكتاب والسنة في الأصول والفروع، كان هذا دليلاً على صحة مذهبه ودعوته، وقد ذكر أبياتًا من الشعر تبين منهجه فقال:
لا يسأل الملكان من حل الثرى
إلا عن المختار من عدنان
لا عن مذهب أحمد أو مالك
والشافعي ومذهب النعمان
كلا ولا زيد ولا عمرو فدع
كلا وتابع واضح البرهان
هذا ووال المسلمين جميعهم
وقل الجميع لأجله إخواني
واستغفر الله العظيم لكلهم
فبذا أتاك الأمر في القرآن(20)

بحث سريع