حوار مع النسابة أحمد ضياءالعنقاوي

بواسطة | مشرف النافذة
2005/06/06




بين يدي الحوار
***
الشريف أحمد ضياء بن محمد قللي الهاشمي الحسني النموي العنقاوي ، نسابة معاصر ، و محقق بارع ، ولد في مدينة قنا بصعيد مصر يوم الاثنين 12 شعبان 1375 ، تخرج من كلية الآثار ( القسم الاسلامي ) سنة 1400 هـ ، و تولى نظارة وقف الأشراف بني حسن العنقاوية في قنا سنة 1403 ، و له مساهمات عديدة تتعلق بنقابة الأشراف وأنساب آل البيت في مصر وغيرها ، كما أن له عدد من المشاركات والمؤلفات العلمية منها كتاب " معجم أشراف الحجاز " ، و له تحقيقات علمية و دراسات جادة ، مثل تحقيق مخطوطة ( حُسْن القِرَى في ذكر أودية أم القرى ) لجار الله ابن فهد ، و ذيَّلَ عليه ، و له توثيق لكثير من شجرات الأنساب الحديثة ، وله مقالات صحفية متنوعة ، وغير ذلك من الأعمال .
و حيث أن الموقع يبحث عن إثراء ما يتعلق بآل البيت بشكل عام ، فإنه يطيب له في هذه المناسبة أن يستضيف الأستاذ الشريف النسابة أحمد ضياء العنقاوي الحسني ، و يجري معه هذا الحوار الماتع …

***
س1 : لماذا اعتنى الناس عامة وخاصة بأنساب آل البيت ؟
ج : منذ صدر الإسلام اعتنى المسلمون بأنساب آل البيت، حيث حرصت الشريعة بالعناية بالأنساب،فقد كان حفظ نسب النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطيبين الطاهرين ، فرض كفاية لما يتعلق به من أحكام شرعيه، ولذا وجب ضبطه وتوثيقه وحفظه. واخرج لنا الإمام احمد والترمذي عن رسول صلى الله عليه وسلم ( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر) .
وقد كانت غيرة الأمة الإسلامية عبر العصور ، على هذا النسب النبوي الشريف ، وضبطه ، كي لا ينتسب إليه صلى الله عليه وسلم وآله أحد إلا بحق ، و درج السلف الصالح رضي الله عنهم على هذا لتوقيرهم وتعظيمهم والاعتراف بحقوقهم الشرعية .
و على ذلك حفظت انساب أهل البيت النبوي مع طول السنين ، وقيض الله لهم من يقوم بضبطها وحفظها في سائر الأرض ، حيث تجري دماء النبوة في عروقهم وأصلابهم المتعاقبة أينما حلوا ، و مهما طالت بهم الأزمان وتعاقبت الأجيال ، حتى يرث الله الأرض ومن عليها .
***
س2:ما هي أبرز الكتب الخادمة في نسب آل البيت ؟
الإجابة عن هذا السؤال قد تكون في مجلد .
و يمكن هنا التحدث عن أمثلة لأبرز الكتب التي خدمت أنساب آل البيت عبر القرون ، حيث بدأت تصلنا أهم المدونات النسبية الخاصة بآل البيت بدءاً من القرن الثالث الهجري ، فمثلاً نجد :
في القرن الثالث الهجري كتاب : (المعقبين من ولد الإمام علي أمير المؤمنين ) ليحيى العقيقي بن الحسن بن جعفر الحجة ( 277 ) هـ .
و في القرن الرابع الهجري كتاب ( سر السلسلة العلوية)لأبي نصر البخاري (ت357) هـ . وفي القرن الخامس الهجري :كتاب )تهذيب الأنساب ونهاية الأعقاب ) لشيخ الشرف العبيدلي (ت435) هـ ، وكتاب :( المجدي في الأنساب) للعمري .
و في القرن السادس الهجري نجد كتاب:( لباب الأنساب والألقاب والأعقاب)لابن فندق البيهقي(ت565) هـ .
و في القرن السابع الهجري كتاب : (الشجرة المباركة في أنساب الطالبية)للفخر الرازي ( ت 606 ) هـ ، وكتاب (الفخري في انساب الطالبين) للأزورقاني المروزي (ت 614) هـ .
و في القرن الثامن الهجري كتاب :(الأصيلي في أنساب الطالبيين ) لابن الطقطقي (ت709) هـ .وفي القرن التاسع الهجري ازدادت حركت الكتابة في أنساب آل البيت ، و برع العديد من النسابين في هذا الشأن . و من تلكم الجهود :
كتاب) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب)لابن عنبة ( ت 828 ) هـ ، و له أيضاً ( بحر الأنساب)، و كتاب ( الأنساب المشجرة ) للحسن الحسيني (كان حياً سنة 887 ) هـ .
و في القرن العاشر كتاب :(تحفة الطالب في من نسب إلى أبي عبد الله و أبي طالب ) للسمرقندي ( ت994) هـ .
و في القرن الحادي عشر كتاب: ( بحر الأنساب المسمى بالمشجر الكشاف لأصول السادة الأشراف) للنجفي .
و في القرن الثاني عشر كتاب: ( روضة الألباب وتحفة الأحباب ونخبة الأحساب لمعرفة الأنساب) لأبي علامة (ت 1114) هـ .
أما في القرن الثالث عشر الهجري ، و ما تلاه حتى العهد الحاضر ، فقد ازداد انتشار الأشراف، و كثر عددهم في الآفاق ، فأصبح البحث في شمولية أنساب آل البيت ، و تتبعهم أمرٌ ، ليس بالميسور على النسابة الفرد ، و لذا لا نجد كتباً ودراسات نسبية شاملة جادة ومحققة ، شملت أنساب آل البيت بشكل عام ، و حصر شامل ، إلا بعض الكتب المتناثرة الخاصة ببعض الفروع .
***
س3: ما هي بصمات كلية الآثار والعمل الحكومي في وزارة الإعلام عليك في تحقيق الأنساب وتدقيقها؟
في الحقيقة لم يكن بخلدي حين درست في كلية الآثار ، أو حتى بعد تخرجي وعملي لفترة يسيرة مفتشاً للآثار ، لم يدر في ذهني العمل في مجال الأنساب وتحقيقها ، و لكن نظراً لطبيعة دراستي للتاريخ الإسلامي بصفة عامة ، و إضافة إلى الدراسات الأخرى للمخطوطات والوثائق و الآثار الإسلامية والعملات والنقود والنصوص الإنشائية القديمة من قراءات أثرية وفي شواهد القبور وغيرها ، كل ذلك قد أكسبني خبرة في التعامل مع قضايا البحث و التوثيق ، والتنقيب ، و التدقيق فيما يتعلق بقضايا الأنساب بشكل عام ، إذ يعد علم الأنساب من مصادر التاريخ وروافده …
كما أكسبني العمل الإعلامي : التعامل مع قطاعات مختلفة من الناس ، وهم متباينون في مستوياتهم الفكرية و الاجتماعية والدينية وغيرها ، مما مكنني من التعامل مع كافة الشرائح البشرية في عالم الأنساب .
و أحب أن أشير في هذا المقام إلى أن محبتي لقومي من آل البيت كافة ، كانت باعثاً كبيراً لنفسي للخوض في عالم الأنساب ، حيث مكنني ذلك من تقديم ما يمكن به فائدتهم ، وكان لكثرة قراءتي للمخطوطات ، و للعديد من المصادر المتعلقة بالأنساب ، و صبري … إضافة إلى اطلاعي على كثير من الوثائق والحجج والمشجرات القديمة والحديثة وكثرة اختلاطي بالرواة والنسابين بمصر والحجاز وغيرها من البلدان والاستفادة منهم ، مع الدخول في قضايا الأنساب المختلفة دون العجل في ابداء الرأي ، أكسبني ذلك عبر السنين شيئاً من العلم في بحر الأنساب ، و الذي آمل أن أقوم بتسجيل ما حملت منه أو بعضاً منه لإكمال رسالتي فيه ، ثم الانصراف إلى شأن يغنيني في آخرتي…
***
س 4 : باعتبارك من أبرز المحققين الثقات لأنساب الأشراف اليوم ما هي أبرز العقبات التي كانت تواجهك عند تحقيق وتدقيق الأنساب ؟
دعني أقول : كثيراً ما يواجه العاملين في مجال الأنساب العديد من العقبات ، ومع كل استشكال نسبي يمكن مواجهة عقبات مختلفة ، فليست جميع العقبات في مستوى واحد بل تختلف باختلاف الأحوال والأشخاص و الظروف وطبيعة القضية النسبية المطروحة للبحث ..
من ذلك كثرة المصادر النسبية في المكتبات الإسلامية و تعارض بعضها مع بعض ، فهناك بعض المصادر قد ذاع صيتها و نقل عنها العديد من النسابين و الباحثين ، قديماً و حديثاً ، و هي في الحقيقة تحمل بعضها أنساباً و أخباراً ، بعضها مكذوب ، و بعضها ضعيفٌ بَيِّنُ الوضع و السقط ، بفعل النساخ أو المؤلف ذاته ، مع تعذر العثور على نسخ أخرى لمقابلتها ، و قد طبعت بعض تلك المصادر دون تحقيق جيد لها للأسف ، و هي تحتاج إلى إعادة تحقيق وتدقيق !
كثيراً ما يأتيني أناس بقضايا نسبية ، استشعر أن أصحابها صادقون في بحثهم عن الحقيقة ، لكن لا أنا و لا أي باحث منصف متجرد للحق يستطيع أن يقدم لهم ما يعينهم على إثبات ذلك النسب الذي يبحثون عنه ، وذلك لعدم توفر المصادر المتعلقة بهم ، كما أنهم يفقدون ما يعينهم على إثبات أنسابهم ، و هذا كثير اليوم ، و نحن لا ننكر أنه قد توجد مصادر محفوظة و مشجرات قديمة و وثائق هنا وهناك ، لكن لا يتيسر الاطلاع عليها لعدد من الأسباب .
ولعل من القضايا النسبة القديمة ، والتي سيكون لها شأنٌ في المستقبل ، و هي تواجهنا بإلحاح اليوم : دخول بعض أفراد أو جماعات من الأشراف في أحلاف مع بعض القبائل المحيطة بهم ، ففي الحجاز مثلاً نجد نسبة في قبائل حرب وجهينة ومطير وغيرها ، دعوى لأفراد منهم : أنهم ينتمون إلى الأشراف ، و رغم وجود تواتر بين تلك القبائل يؤكد ذلك ، إلا أن مثل هذه القضايا تحتاج إلى تثبت و إلى مزيد من البحث و التروي قبل التعجل في إبداء الرأي على ظاهر ما يملكون من وثائق و بينات .
و أيضاً من الأمور التي نواجهها اليوم : طريقة حساب الأجيال ، فقد اختلف فيها المتقدمون وكثر فيها اجتهاد المتأخرون ، و قد افتقر معظم النسابين المعاصرين إلى معرفة الأسلوب الصحيح لحساب الأجيال ؛ وقد تضاربت بعض المصادر في أعمدة نسب بعض قبائل الأشراف ، مع وجود أكثر من مشجرة لبعضهم بأعمدة فيها اختلاف ، و تمسك أصحابها كل بما ورث ، مع عدم وجود مصدر أقوى للأخذ به ، كما لم تذكر المصادر القديمة ما يعين على تصحيح تلك الأعمدة … في هذه الحالة : قد نلجأ إلى حساب الفترة الزمنية لتعاقب الأجيال ، و نسعى لمعرفة متوسط الفترة ، وذلك ليقربنا إلى معرفة أصح الأعمدة ، و لكن يجب أن نعلم أن هذا لا يحسم مسألة صحة العمود ، و بالتالي لا نستطيع الجزم فيما بين أيدينا من مسائل شائكة .. هناك متسرعون ومتخرصون في هذا الباب و هذا شأنهم لا شأننا وليتقوا الله فيما يعرض عليهم، فأمانتنا العلمية التي نقوم بها في خدمة أنساب آل البيت تأبى علينا ذلك …
و أيضاً من القضايا التي تحتاج إلى بحث وتحري – وهي من جملة العقبات – : كثرة وجود أنساب القطع في العديد من المصادر النسبية ، وعدم تمكننا من إجابات حول مصير تلك الذريات ، مما يجعل الباب مفتوحاً على مصراعيه للجادين و العابثين .
و من العقبات التي نواجهها : حرص بعض الأشراف الزائد عن الحد ، في التمسك بعدم إقرار بعض فروعهم التي نزحت عنهم ، احتياطاً للأمر في الظاهر و قد تكون هناك مقاصد خفية من ذلك التشدد في النفي لتلك الفروع ، كخشية بعض أصحاب المصالح المالية من مطالبتهم بحقوق قديمة ، أو أوقاف ، أو حصص في أراضي و أموال ، و هذا مقامٌ تسكب عنده العبرات .
و مما يزيد الطين بلة ، أنك تجد بعض العاملين في الأنساب يحرصون على حذف بعض أسماء وردت في المشجرات القديمة لكونه لم يسمع بهم أو لأن أخبارهم منقطعة ، و ذلك بحجة ( قطع الطريق على الأدعياء ) ، و كأنهم لا يعلمون أنهم بذلك يقيمون الحجة في الطعن لمن قد يكون من أبناء عمومتهم و أقرب الناس إليهم .. ، و قد دخلت بعض أفراد من الأشراف في البادية و الحاضرة، كما أرتحل كثير منهم في البلدان المختلفة منذ القدم مع عدم احتفاظهم بموروث عند ارتحالهم ، ولذا يصعب التثبت من أمرهم .
و من القضايا المهمة في النسب الشريف : أنه ينبغي ملاحظة أن هناك بعض الأشخاص أو الفروع التي ليس لها حظ في النسب الشريف ، وقد غرهم في ذلك تشابه أسرهم وقبائلهم بألقاب بعض قبائل الأشراف قديماً وحديثاً فادعوا النسب الشريف.
و لعل من المواضيع المهمة التي ربما رفعت كثيراً من العقبات في باب الأنساب : موضوع البصمة الوراثية . و قد سألني أحد العلماء الباحثين في هذا المجال في الغرب : هل يمكن العمل بموضوع البصمة الوراثية في أنسابنا ؟ و هل نقر نحن المهتمين بالأنساب بنتائج هذا ؟
تلك معضلة نسبية تحتاج دراسة لمعرفة كيفية الاستفادة منها في هذا المجال في تحقيق وتدقيق الأنساب . و قد أصبح علم الأنساب له ارتباط بميدان الطب بعد ظهور الأمراض الوراثية . و عليه ، فإن التعاون بين الطبيب والنسَّاب ضرورة يفرضها الواقع العلمي القادم.
***
س5:في العصر الحديث اتجهت عدد من منتديات الإنترنت إلى الخوض في انساب الأشراف، وقد فتحت منتديات وأغلقت…في رأيكم كيف يمكن الافادة من هذه المنتديات ؟
في الحقيقة إنني غير متابع – للأسف – للانترنت ، رغم فوائده ، وكثيراً ما أحضر لي بعض الإخوان بعض قضايا الأنساب الني نوقشت في تلك المنتديات . و رغم وجود إثراء علمي وفكري في بعض تلك القضايا إلا أنني ألاحظ – أحياناً – محاولات بعض الإخوان في طرح اسمي في بعض تلك القضايا ، ومطالبتي بطرح آرائي فيها .
إنَّ وقتي ضيق , و بعض تلك القضايا لا جدوى من الخوض فيها ، أضف إلى ذلك : تجاوزات من جهال الكتَاب، وخاصة أصحاب الأسماء المستعارة في تحويل تلك الأطروحات والاختلافات في الرأي إلى قذف و سباب و تصفية حسابات ، و هم أبعد الناس عن أدب الحوار والخلاف .
لما أسلفت ، تراني محجماً عن المتابعة والمشاركة في تلك المنتديات ، مع استفادتي مما يثار في بعض المواضيع ..
و أرى أنه حتى تكون هذه المنتديات ذات فائدة ، فيمكن أن تقتصر على أصحاب مؤلفات الأنساب ، و من لهم مشاركات سابقة و دراية جيدة و قراءات في هذا الفن .. ، كما يمكن عمل برنامج لطرح أسئلة عشوائية ، فمن تمكن من الإجابة يسمح له بالمشاركة على أن لا تكون باسم مستعار ، حتى على الأقل من مدير المنتدى ، ثم يفتح باب للمنتدى للمشاركات العامة حول تلك القضايا لمن أراد المشاركة ، و يمكن لمسئول المنتدى ، ينتقي و ينتخب ما يصلح للطرح الخاص… وهذا ليس تحجيراً على الرأي ولكن ضوابط حتى تتبين مصداقية المشاركين.
***
س 6: قراءة الوثائق والمشجرات من جنس قراءة المخطوطات مع هذا نجد كثيرا من الخائضين في النسب يقدمون على قضايا شائكة دون أدنى خلفيه في هذا الباب ؟ ما تعليقكم على هذا الأمر؟
إن الشروط التي ينبغي توفرها في المشتغلين بالأنساب ، لا تختلف عن الشروط المطلوبة في سائر العلوم – في نظري – ، و ذلك لما يقتضيه علم النسب من الأمور المهمة ؛ و يجب عدم الخوض في غمار القضايا الشائكة إلا بعد دراسة مستفيضة حول تلك القضايا النسبية .
إن الأصل في ذلك هو التروي والحيطة ، و هذا هو الواجب . و قد احترز كثيرٌ من علماء الأمة في مثل هذه القضايا ، و ذكر لنا ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة :( توقف كثير من قضاة العدل عن الدخول في الأنساب ثبوتاً أو انتفاءً لاسيما نسب أهل البيت الطاهر المطهر، .. ) ؛ ثم قال : .. و عجبتُ من قوم يبادرون إلى إثباته بأدنى قرينة و حجة مموهة ! يُسألون عنها يوم لا ينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم )
و من هنا نحذر العاملين في مجال الأنساب – في الاثبات والنفي بدون تحقيق – لما فيه من الاثم الكبير بنفس القدر ، وإني أنصح بالتوقف في مثل هذه القضايا ، إلا إذا كان الحق لا يقبل الشك أو الافتراضية في النفي والاثبات على السواء .
***
س7: هل أنت راض عن الجهود المبذولة في عالم تحقيق الأنساب عند الأشراف والسادة ؟
عندي تحفظ على جزء من السؤال ، و هو الفصل بين الأشراف و السادة !
الحقيقة التاريخية التي أقرها كبار المحدثين ، و فحول المفسرين واللغويين، و أعلام المؤرخين المتقدمين ، اتفاقهم على أنه لا فرق بين اللقبين لتساوي السيادة و الشرف لذرية الحسن والحسين معاً ، و يمكن الرجوع في ذلك إلى : السيوطي في " الحاوي في الفتاوى " ، ابن حجر في " نزهة الالباب " ، البهوتي في " كشاف القناع " ، و السخاوي في " استجلاب الغرف " ، ابن رسول في " طرفة الاصحاب " ، و القلقشندي في " صبح الاعشى " وغيرهم …
أما ما ذهب إليه بعض المؤرخين والباحثين بالحجاز و خاصة أهل القرن الثالث عشر ، و ما تلاه في تفسير إطلاق لقب " (الشريف) على ذرية الحسن السبط لتوليهم شرافة مكة _ أي : إمارتها _ ، و لقب ( السيد ) على ذرية الحسين السبط ، فتلك مغالطة تاريخية ، و قد انتشر هذا الرأي عند العامة وبعض الكتاب ببلاد الحرمين و يمكن الرجوع لمعرفة عدم الفرق بين اللقبين في ذلك إلى : النعمي في ( الجواهر اللطاف ) ، و جعفر لبني في ( الحديث شجون ) ، و الدهلوي في ( تحفة الاحباب ) ، و عبدالله غازي في ( إفادة الأنام ) ، و أيوب صبري في ( مرآة الحرمين ) ، و النبهاني في ( الشرف المؤبد ) ، .. و من سار على نهجهم من المعاصرين…
وعوداً إلى السؤال الأصلي ، وهو حول مدى رضانا عن الجهود المبذولة اليوم في عالم تحقيق الأنساب ؛ فأقول :
إن الكمال لله وحده ، و لابد لكل عمل بشري أن يعتريه النقص و الخطأ والنسيان ، وبطبيعة الحال ، فإن جهود تحقيق الانساب على مدار القرون الاسلامية قديماً وحديثاً ، يوفقُ الله من يقومُ بتحقيقها وتدقيقها وتوثيقها وتصحيح ما يعتري بعضها من أخطاء ، و من سقط أو إضافة و غير ذلك ، .. كما يظل آخرون ، يزيغون ويزيفون ، جاهلون وقاصدون ، و الفيصلُ هنا : " عمل النسابة ذاته "
فمثلاً : بالحجاز في العهد الحاضر ليس كتاب : ( قبائل الطائف و أشراف الحجاز ) للشريف محمد بن منصور آل زيد ، ككتاب ( الدرر السنية في الأنساب الحسنية و الحسينية ) للبرادعي .
وفي العراق ليس كتاب ( عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ) لابن عنبة ، ككتاب( صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطميين الأطهار ) للرفاعي .
و بالجملة : فإن العالم الاسلامي يضج في العهد الحاضر بكثرة النسابين ، و كثرة الباحثين في الأنساب ، و نحن في انتظار ما تفرزه الايام ، و أما في الحجاز في العهد الحاضر ؛ فأشهد أني معايش و معاصرٌ لصحوة جادة أمينة شملت غالب أشرافها في تسجيل أنسابهم .
***
س8 : لماذا يتوقف الكثيرون عند حد كتابة الشجرة ؟ ألا يوجد دور للنسابة إلا جمع الأسماء وتطريزها وكتابتها وتلوينها ؟
منذ القدم هناك كثيرون ممن يقومون بعمل مشجرة لهم أو لأقوامهم بدافع الغيرة أو الحرص أو الحفظ لأنسابهم وقبيلتهم ، وقد انتشرت في الآونة الأخيرة ببلاد الحرمين ممن قاموا بعمل مشجرات لفروعهم أو قبائلهم ، و ذلك آخر مأمولهم ،فمن قام بعمل مشجرة لقومه ، ثم توقف عند هذا الحد فهو بهذا العمل يشكر ، و قد أكمل حلقة من حلقات بحر الأنساب ، و ساهم في سد باب ، بجمع و تحقيق هذا الفرع من الشجرة الأم ، و على ذلك ، فهو يعد مرجعاً لفرعه وقبيلته في هذا لدى المهتمين و الباحثين .
إلا أنه نظراً لما كسبه من خبرات ومعلومات من خلال عمله في المشجرات ؛ فيمكنه بمزيد من البحث والاطلاع الخوض في عمل دراسة نسبية وتاريخية لقبيلته ، و أحسب أن بعض الاخوان يسعى جاداً في ذلك ، بل يمكن تطوير هذا العمل ليشمل فروع أخرى لدراسات أشمل … والله الموفق .
و يبقى السؤال مفتوحاً : ماذا بعد المشجرة ؟ و هو سؤالٌ جميل من السائل !
***
س9:قد تخطىء بعض الأسر على نفسها أو يخطىء الآخرون عليها فيكتب عمود نسبها بشكل غير صحيح ، ثم ينتشر ذلك بين الناس … في هذه الحالة كيف يمكن المراجعة والتصحيح ؟
إنَّ مزية الشرف هو الإنتماء إلى آل البيت عن طريق زواج السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه ثم من نسلهم في الحسن والحسين وتعاقب ذريتهما .
أما ما يحدث أحيانا من أخطاء في كتابة عمود بعض الأنساب من بعض أهل النسب ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بتلك الاعمدة النسبية ، فهذا واقع ، و يقع كثيراً في كلام المؤرخين وبعض النسابين المشهورين في بعض أعمدة النسب الشهيرة الثابتة الصحيحة !
و العبرة هنا بقول ثقات النسابين المعاصرين لهم والمحققين من النسابين والمؤرخين ؛ فإن كانت تلك الأسر شريفة ثابتة صحيحة الانتماء ، و قد حدث إلتباس في عمودهم ؛ فذلك خطأ يمكن الرجوع إليه للحق عن طريق من لهم معرفة و دراية حقيقية بالأنساب ، و ذلك بعد التحقيق و الضبط و التوثيق .
و نحذر هنا من يدخلهم جهلهم في غير آبائهم لما في ذلك من الوعيد ، و أما إذا كانت تلك الأسر مدعية نسباً ليس لها حظ منه ، و هي تعلم ؛ فليتقوا الله ، و ليعودوا إلى أصولهم ، و رُشدهم و إلا سيقعون في وعيد شديد حذَّرَ منه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله : ( من ادعى قوماً ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار ) . حديث صحيح . أخرجه البخاري.
***
{mospagebreak}
س10: ماذا أعطى آل البيت لمصر وماذا أعطت لهم مصر؟
آل البيت في مصر بذرة صالحة طاهرة روتها أرض مصر فأظلتهم ، لقد عرفت مصر منذ العصر الإسلامي المبكر بمحبتها وتوقيرها لآل البيت ، فكانت الملجأ والمستقر للعديد منهم ، فعلى إثر مقتل الإمام الحسين السبط (ت 61) ،و واقعة زيد بن علي بن الحسين السبط (ت122)، و مقتل محمد النفس الزكية بن عبدالله بن الحسن بن الحسن السبط (ت 145)، و واقعة فخ الشهيرة بمكة (169) وغيرها … ،
أقام العديد من آل البيت بمصر في القرون الأولى وما بعدها في غاية الإجلال و التوقير بحكم مركزهم الروحي و الديني ، فكان لهم الاثر الكبير في الحياه المصرية والمصريين، وقد كان للاشراف الحسنية و الحسينية قيادة بعض الحركات والدعوات الاصلاحية المختلفة على مدار العصور ، إما طلباً للحق أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر، ولم تستطع محاولات خصومهم التقليل من مكانتهم بقدر ما رفعت من شأنهم مما دفع خصومهم مكرهين إلى التعامل معهم بإحترام وتقدير كبير ، و قد عزم أمير مصر أحمد بن طولون في القرن الرابع الهجري أن يجعل بمصر الشريف يحيى بن القاسم الشبيه بن محمد الدبياج بن جعفرالصادق خليفة له على حكم مصر ، كذا ذكر لنا ابن زولاق في " قضاء مصر " ، و قاضي مصر الكندي في " الولاة والقضاة " و المسبحي في " أخبار مصر " .
كما أفاضوا في ذكر كثير ممن دخل مصر و بينوا أدوارهم في تلك الفترة ، و في عهد والي مصر كافور الأخشيدي ذكر لنا الذهبي في سير أعلام النبلاء ، و ابن خلكان في ( وفيات الاعيان) " الشريف عبدالله بن احمد بن الحسن بن ابراهيم بن طبا طبا الحسني بمصر ، و أنه يصلح للخلافة " ، و كانت له جلالة عجيبة ، و توفي سنة (348) ، كما ذكر لنا ابن حجر العسقلاني في ( إنباء الغمر) " الشريف حسن بن محمد حسن الإ دريسي السرساني الذي سعى للخلافة بمصر ، وتوفي بها سنة 809 " . فائدة : السرساني: نسبة إلى سرسنا من توابع محافظة الفيوم حالياً .
و قد شغل الاشراف بمصر على مدار التاريخ أهم المناصب الدينية و السياسية والإدارية في الدولة المصرية ، وذلك بعد أن كثر عددهم حيث تعددت هجراتهم إليها بفروعهم المختلفة من بلدان متعددة ، وكان ذلك ناتجاً من ظروف متباينة من جيل لآخر ومن قبيلة لأخرى .
و تزخر كتب التاريخ و التراجم بمصر عل مر العصور بتراجمهم وسيرهم ؛ فنجد مثلا : المقريزي في كتابه المقفى الكبير ، ترجم للعشرات منهم.
و قد أوقفت كثير من الأوقاف على الأشراف من أمراء مصر و أعيانها ، و هذا من أدلة محبة أهل مصر للأشراف ؛ فمثلاً في العهد الفاطمي : أوقفت عليهم " بركة الحبش" و"ناحية بلقيس"و"كوم الهوى" . و في العهد الايوبي : أوقفت عليهم "قنا" و " تفهنة " و"جفصة" . و في العهد المملوكي حيث كثرت الأشراف بمصر أوقفت عليهم أيضاً " منية الأشراف ، و " القرين " ، و " العمرية " ، و " أبو هدرى " ، و " شباس الملح " ، و غيرها من القرى والمناطق .
و في العهد المملوكي استحدثت لهم العلامة الخضراء لتميزهم وتوقيرهم بين العامة في لباسهم ، وخاصة بعد أن زاد عدد الأشراف بمصر . و في ذلك يقول الشاعر :
جعلت لابناء الرسول علامة إن العلامة شأن من لم يشهر
نور النبوة في كربم وجوههم يغني الشريف عن الطراز الأخضر
و عندما دخل العثمانيون مصر لم يتعرضوا لأوقاف الأشراف بموجب فرمان السلطان سليم الأول العثماني ، لتوقيرهم ومحبتهم بل منحوهم مزيداً من الأوقاف والرواتب والامتيازات .
كما استمر العمل بمصر في لبس العلامة الخضراء على العمائم وذلك بعد صدور أمر من نقيب الأشراف بمصر حتى عهد قريب …
هكذا بلغ تقدير واحترام الاشراف في الوجدان المصري ، و قد ظلوا يحتفظون بتلك المكانة على مر العصور حتى العصر الحاضر.
وقبل أن أخرج من هذا الموضوع ، أودُ : أن أسجل هنا ، أن في مصر في العهد الحاضر كثير من آل البيت قد سكنوها قديماً وحديثاً ، و قد قدَّرَهم البعض بالملايين رجماً بالغيب ، و مع كثرتهم بها بات البحث الشامل في أمرهم في غاية الصعوبة لكثرة هجراتهم بها منذ القدم وتفرقهم في بلدانها و انتشار ذرياتهم ، لذلك بعد أن انتهيتُ من تدوين أنساب قومي ببلاد الحرمين ، عكفتُ جاداً منذ سنة 1424هـ/2003م في عمل دراسة علمية نسبية في تتبع أخبار الأشراف في مصر و أفرادهم في مؤلف سميته "الأصول فيمن دخل مصر من مشاهير ذرية فاطمة البتول منذ أوائل القرون"، وقد أستعنت في موضوع هذا البحث على ثقات المصادر النسبية والتاريخية القديمة المعول عليها في أنساب الطالبيين ، بدءاً من أوائل القرن الثاني الهجري حيث كان فيه أول تواجد للأشراف بمصر، حتى القرن الثاني عشر الهجري . يسَّرَ اللهُ إتمامه .
***
س11: هل تحدثنا عن شيء من تاريخ نقابة الأشراف بمصر ؟
إن تاريخ نقابة الاشراف بمصر يحتاج إلى دراسة موسعة . و نظراً لطبيعة الحوار ، فإنني أختصر و أقول :
إن نقابة الأشراف كانت موضوعة لصيانة ذوي الأنساب الشريفة عن ولاية من لا يكافئهم في النسب ، و لايساويهم في الشرف … " ، كذا ذكر لنا الماوردي في الأحكام السلطانية .
وأعتقد من خلال المصادر القديمة المتاحة أن أول من تولى نقابة الأشراف بمصر هو الشريف علي بن الحسن بن ابراهيم بن اسماعيل طباطبا الحسني بعد سنة (280هـ) ، ثم خلفه إسماعيل بن القاسم الرسي ، ثم ابنه أبو عبد الرحمن محمد الشعراني بن اسماعيل بن القاسم الرسي الحسني المتوفى( 315هـ).
و قد حرص النقباء والقضاة بمصر على حفظ أنساب الاشراف بها ، فقد ذكر لنا مؤرخ مصر المسبحي سنة (414 )هـ أنه :" ضرب بالقاهرة رجلٌ ادعى الشرف ، و طِيْفَ به على جمل " .
كما ضرب قاضي القضاة بمصر أيضاً أحد المدعين النسب ، و طِيْفَ به في القاهرة ، منادياً عليه:( هذا جزاء من يريد أن يدخل في النسب الشريف بغير حق ) . كذا ذكره البقاعي في أطهار العصر .
و استمر دور النقابة بمصر فكان أمر تعيين النقيب بها يصدر من السلطان كما كان يصدر النقيب العام تفويضاً بتعيين نقباء فرعيين ( وكلاء ) في الأقاليم المصرية المختلفة.
و قد أفاض في ذلك العديد من المؤرخين ، منهم : القلقشندي في صبح الأعشى .
و كانت مهام النقيب والنقابة بها ، أن تأخذ الأشراف بما يوازي شرف انتسابهم ، لتكون حشمتهم في النفوس موفورة و أن يمنعهم النقيب من التشطط على العامة لشرفهم الذي اكتسبوه ، بالاضافة لحل مشاكلهم وتظلماتهم ، ومنعهم من ارتكاب المحارم ، وأن ينزههم عن المكاسب الدنيئة وغيرها، و استمرت النقابة بمصر شامخة في أداء دورها على مدار تاريخها والقيام بمسؤلياتها في حفظ أنساب الأشراف بها وتسجيلها و توثيقها و تدقيقها.
و قد استغل بعض النقباء المتأخرين مكانتهم ، و قلَّتْ أمانتهم ، و هم آحاد قلائل ، سرعان ما قام الأشراف بطردهم ، و تعيين من يخلفهم وتصحيح مفاسدهم ، و التاريخ خير شاهد على ذلك ، و قد خاض الكثيرون قديماً و حديثاً حول ذلك .
***
س12 : تحدثت في بعض مقالاتك الصحفية عن فوضى وقعت في الأنساب بمصر بعد تعطل النقابة … ما هي معالم هذه الفوضى ؟ و ما هي أبرز آثارها ؟ هل كانت هناك جمعيات مزيفة ، ومرتزقة ، و أصحاب داعوى باطلة ، يتاجرون بالنسب الشريف ؟
بموت السيد محمد علي الببلاوي الحسني سنة 1953م ، عطلت نقابة الأشراف ولم يصدر قرار بتعيين نقيب خلفاً للسابق ، و أصبحت نقابة الأشراف شاغرة لحين تعيين نقيب جديد ، في هذه الفترة ، ادعى البعض كونه نقيباً للأشراف بمصر ، وقام بإصدار شهادات مزيفة ، بل قام بتعيين وكلاء في بعض الأقاليم المصرية ، ثم قاموا بإعطاء شهادات نسب مطبوعة و مختومة وموقعة لطالب النسب مقابل رسوم مالية ، وهدايا عينية ، وكذلك قامت جمعيات باسم الأشراف ، فكثرت الأنساب المزيفة ، وكادت أن تعم البلوى …
على إثر تلك الفوضى بمصر ، قمتُ بكتابة عدة مقالات في الصحافة المصرية وغيرها ، و أُجريت معي عدة مقابلات حول ذلك … وكنت فيها أطالب بعودة نقابة الأشراف بمصر.
و في سنة 1986م /1406 ، هبَّ كثيرٌ من أشراف مصر ومحبيهم ، و عقدنا عدة لقاءات و اجتماعات بالقاهرة ، و في العديد من المحافظات ، حيث طالبنا الجهات المعنية بالدولة بأهمية عودة نقابة الأشراف بمصر ، وعلى إثر ذلك شكلنا أول لجنة رسمية مؤقتة من 16 عضو من كبار أشراف مصر سنة 1409/1989م ، كنت أحد أعضائها ، وكان فيها أيضاً النقيب محمود كامل يس ، … و في سنة 1411 /1991م صدر قرارٌ جمهوري بتعيينه نقيباً لأشراف مصر .
و لعلَّ من أبرز آثار تلك الفوضى التي وقعت في أنساب الأشراف بمصر بعد تعطل النقابة ، هو دخول بعض الأفراد و البيوتات لكيان الأشراف الطاهر ، حيث كان بعض هؤلاء الأفراد من جملة المطالبين بعودة النقابة في مصر ، ولهم دعوى في النسب الشريف منذ القدم ، ولم يمتلك البينة الشرعية لصحة اتصال نسبه بل كانوا ضمن عناصر الفوضى و من أهم أقطابها ، و استطاعوا إقحام أنفسهم ضمن المطالبين بعودة النقابة ، و بعودتها كان بعضهم ضمن كيان النقابة.
و قد تباحثت في ذلك مع النقيب محمود كامل يس حتى عام 1412 إلا أن القدر لم يمهله حيث توفي سنة 1414 …
ثم حدثت بعد ذلك بعض التجاوزات والتساهلات في إثبات بعض الأنساب ، وصدرت بذلك قرارت نسب وكرنيهات … ، و لكن لايصح ذلك إلا لمن صحَّ نسبه … !!
يجب أن يعلم الجميع أن الشرف لا تمنحه النقابات ، و ( الكرنيهات ) لا تُثْبِتُ الأدعياء ، و إنما ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
و ليتذكر المتساهلون في إثبات النسب الشريف ، و المدعون للنسب دون ورع ، و لا وازع ديني الوعيد الشديد الذي ورد في العديد من الأحاديث النبوية ، منها :
* حديث أخرجه الإمام البخاري ومسلم و أحمد : ( ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ، و من ادعى قوماً ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار )
* و منها حديث : (… و من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين ) . أخرجه مسلم و أحمد والترمذي.
و قد فهم السلف عظيم جرم من ادعى النسب ، و ها هم بعض الخلف الذين ادعو النسب قد تناسوا أو جهلوا ذلك الوعيد الشديد … ، و لا حول ولا قوة الابالله .
***
س13:عندما دخل نابليون لمصر أزال نقيب الاشراف عمر مكرم !لماذا؟هل كانت له ادوار تتجاوز وضعه كنقيب للسادة الاشراف ؟ وهل كانت أدوار النقيب تتعدى قضية النسب بحيث أنه يقف في وجه طاغية النصارى بونابرت ؟
دخل الفرنسيون مصر بقيادة نابليون بونابرت سنة 1213 هـ ، و تصدى لهم الأهالي ، و منهم الأشراف بمصر ، و قد دارت معارك بينهم في صعيد مصر ، و خاصة بـ( قنا ) بقيادة الشريف حسن ، و انضم إليهم الأهالي و القبائل بالإضافة لمن حضر من عرب الحجاز و أشرافها وخاصة أشراف ينبع بقيادة الشيخ محمد المغربي الهاشمي ، وقد تحدث عن تلك المعارك العديد من المؤرخين ، منهم : الجبرتي ، و لطف الله بن جحاف ، و الرافعي ، و غيرهم .
و بطبيعة الحال ، كان موقف نقيب الأشراف السيد عمر مكرم الإدريسي الأسيوطي ، موقفاً عدائياً من الحملة الفرنسية ، مما جعل نابليون بونابرت يعزله من منصبه ويصادر أملاكه ، و قد عرف بعد ذلك مدى قوة ومكانة نقيب الاشراف لدى المصريين حيث يذكر لنا التاريخ دور السيد عمر مكرم في تعيين حاكم مصر محمد علي باشا ، و لما اعترض عليه بعد ذلك لجوره على الأهالي نفاه إلى دمياط سنة 1809م ، مما جعل بعض الكتاب يذكرون أنه كان يمكن لنقيب الأشراف بمصر في ذلك العهد أن يحكم مصر.
***
س14: بعد أن سحبت من عمر مكرم النقابة ، وأعطيت لرجل تركي أفَّاق كان ألعوبة في يد الفرنسيين ! هل هذا يدل على وجود أي رجل يمكن أن يشغل هذه الوظيفة في تلك الفترة ؟
لقد ذكر لنا الجبرتي في تاريخه المعاصر لتلك الفترة :" أنه في سنة 1216 حضر يوسف أفندي الذي كان يعظ بالتركية بالقاهرة ، و بيده مرسوم بولايته على نقابة الأشراف ، و لكن تجمعت أعيان الأشراف ، و قالوا : لا يكون هذا حاكماً ، و لا نقيباً علينا أبداً ؛ فأهمل أمره" !
و ذكر لنا الماوردي في الأحكام السلطانية من يشغل وظيفة نقيب الأشراف حيث قال: " إن ولاية النقابة تصح من إحدى ثلاث جهات :
_إما من جهة الخليفة المستولى على كل الامور .
_وإما ممن فوض الخليفة إليه تدبير الأمور كوزير التفويض وأمير الإقليم.
_ وإما من نقيب عام الولاية استخلف نقيبا خاص بالولاية "
و باستقراء تاريخ النقابة و النقباء بمصر ، وجدنا أنه من النادر جداً أن يتولى النقابة بها رجلٌ غير شريف النسب !
***
س15 : وماذا تقولون في بيت البكري ؟!
في أواخر القرن الحادي العشر الهجري تقريباً ، غلب على نقابة الأشرف بمصر " بيت البكري "، حيث تولى العديد منهم نقابة الأشراف بها …، لكونهم أولاد بطون ، و لعل أول من تولاها منهم محمد أفندي البكري الصديق المتوفى 1196.
وتجدر الاشارة هنا إلى أن استقراء تاريخ نقابة الاشراف بمصر على مر عهودها لم يتم فيه رصد انتساب الشرف عن طريق الام ، " أولاد البطون " إلا في سجلات خاصة بهم لاستحقاقهم في بعض أوقاف الأشراف بمصر ، و التي أدخلت فيها أولاد الظهور ، و أولاد البطون.
إلا أنه منذ تولي نقابة الاشراف " بيت البكري " ، فقد أدخلوا أبناء البطون في سجلات أنساب الأشراف بالنقابة بالقاهرة ، لكون البكرية قد حازوا الشرف كما يذكر عن طريق أحد أمهاتهم من الأشرف الحسنية ، ثم نجد بعد ذلك الجبرتي في تاريخه ذكر في تراجم بعض المصريين شرفهم عن طريق الأم ، و خاصة القاطنين منهم بالقاهرة ، إلا أنه لم يكن معمولاً بذلك في صعيد مصر، ففي محافظة قنا لا نجد من يدعي الشرف من طريق الأمهات ، و خاصة أن الأشراف الحسنية العنقاوية ، و الحسينية الجمامزة بقنا وهم أكبر تجمعات الأشراف بمصر يتزاوجون فيما بينهم ، بل لا يزوجون من حولهم من قبائل الأشراف الأخرى ، لكونهم يزوجون بناتهم لغير الأشراف .
و هذه المسألة قد تكلم فيها الفقهاء ، و نرى عدم جواز الانتساب من طريق الأم .
***
س16 :طريقة عمل النقابة قديماً بموجب الامر العالي الصادر في 12 يونيه 1895 م . ما هي أبرز بنوده ؟
هو الأمر الصادر من القصر الملكي برأس التين بالإسكندرية بشأن اللوائح الداخلية والخارجية التي تنظم نقابة الأشراف وعملها، و من أهم بنودها :
1) – كيفية صدور قرار تعيين نقيب عام الأشراف بمصر و صلاحيته .
2) – كيفية تحقيق النسب ، و منها :
1. شهادة بشهود يثبتون فيه صحة الانتساب ، مع الاستماع من قبل وكيل النيابة العامة في السر والعلانية.
2. تقديم أوراق أو صكوك أو مشجرات انتساب قديمة تفيد صحة النسب .
3. تصديق الوكلاء على صحة النسب سواء النقباء العمومين أو الفرعيين .
3) – كيفية عمل النقابات الفرعية في كل إقليم بمصر ، و يزود كل نقابة فرعية بدفتر صادر ، ودفتر وارد ، و دفتر ثالث لقيد من يثبت نسبه من الأشراف المقيمين بدائرته .
4) – دفاتر النقابة العمومية ومحتوياتها ، و منها :
· دفاتر لتسجيل عموم انساب السادة الاشراف في مصر .
· دفتر آخر لوكلائها في الاقاليم .
· دفاتر لتدوين أسماء السادة المستحقين لاوقاف الاشراف (وهي خاصة باولاد الظهور و أولاود البطون).
على سبيل المثال: دفتر قيد السادة الأشراف المستجدة والساقطة بنقابة السادة الأشراف لسنة 1897 افرنكية و 1898 افرنكية. طوله 40سم x 26سم عرض ، مختوم في كل صفحة بختم أزرق اللون مكوب فيه (نقابة السادة الأشراف المصرية) وهو من الورق الاصفر القديم . و فيه أسماء أشراف مصر من وجه بحري ، ووجه قبلي، وأشراف القاهرة، و أشراف شوام، وأشراف مغاربة، وأشراف أروام، وغيرهم.
و يكتب نسب كل شخص أو جماعة التي تصرف مستحقاتهم، وتوضح فيها إذا ما كانوا حسنية أو حسينية، مع توضيح عنوان مناطق سكناهم بمصر، كما يكتب أمام كل شخص انه تحرر له ( سركي ) ، كما يذكر حالهُ : إنْ كان متوفياً أو غائباً .
و يلاحظ في صفحة 24، و 25 من هذا الدفتر المكون من 73 ورقة مهزلة نسبية وهي في الصفحة 24 ، حيث ورد فيها : " عائلة السيد إبراهيم الجزولي بن السيدة منتهى بنت السيدة منتهى بنت السيدة آسية بنت السيدة خديجة بنت السيدة فاطمة بنت السيد محمد جوبجي باش أختيار طائفة جماليات الحسيني " !
وفي صفحة 25 نجد: " السيدة فتح بنت المرحوم السيد محرم بن السيد علي بن السيدة حفيظة بنت السيد حسين افندي باش جاويش باب النقابة الشريفة " .
ففي مثل هذه الحالات : لا يقبل لهم نسب على تلك الوجهة ، و إن دخلوا في بعض أوقاف الأشراف ، فذلك حسب شروط الوقف ، فهم مستحقين في أوقاف الأشراف من جهة البطون ، و نسب الأشراف من أبناء الظهور .
و أسجلُ ههنا ملاحظة مهمة ، و هي : أن معظم هذه الدفاتر مفقود ، و قد اطلعت سابقاً على هذه السجلات القديمة المتبقية ، و لم أجدها تحتوي إلا على عدد قليل من أسماء الأسر من أولاد الظهور ، و البطون ، و خاصة المقيمين بالقاهرة .
***
س 17 :الشريف مصطفى شملول الجمازي الحسيني رئيس لجنة تحقيق الانساب بنقابة الاشراف بمصر له كتاب " عروبة مصر من قبائلها"، وقد التقيتَ به مراراً في قنا والقاهرة ..ماذا تعرف عن الرجل ؟ حدثنا عنه ؟
هو رجلٌ فاضل ، طيبُ القلب ، محبٌ لكل من هو شريف ، و يسعى لخدمتهم من خلال الأنساب ، سعى خلال وجوده بالنقابة لإصلاح ما يمكن إصلاحه بين طالبي النسب ، و جيوش المدعين بين أهل النفوذ و المدلسين ، ذكر لي أنه سيواصل العمل بالنقابة خشية أن ترك ذلك قد يحدث مفسدة كبرى . و يعدُ من أفضل العاملين بأنساب الأشراف الجمامزة الحسينية ، وله إلمام جيد بالاشراف بني حسن العنقاوية وتفرعاتهم في العهد الحاضر .
و قد رأيت ورقة موقعة منه مع سائر أعضاء لجنة تحقيق الأنساب بالنقابة ، اطلعني عليها النقيب الحالي بمكتبه بالقاهرة في لقائي الوحيد به ، بتراجعهم عن الاعتراف بكتاب "صلة الارحام " لأحمد وفقي ، و أن ما فيه لا يمثل النقابة وأنهم يستنكرون ما صدر منه .
و أما وثائق تقرير النسب للأدعياء التي صادق عليه الشريف شملول ، فلا أستبعد أن يكون الرجل قد غُرر به ، و ذلك لطيبته وكبر سنه ، و قد مات رحمه الله تعالى سنة 1424 .
***
س18:حسين محمد الرفاعي صاحب "بحر الانساب المحيط"قام بنسخ كتاب ابن عميد الدين النجفي بحواش وتعليقات مرتضى الزبيدي وقام بالدعوة لرابطة الاشراف العالمية ..وقد قام بإثبات عدد من البيوت الغير مشهورة النسب في خاتمة كتابه ..ما هو منهج الرجل في إثبات الانساب ؟ وهل يعتمد على كتابة واعتباره حجة ؟
لم يقدم لنا الرفاعي في كتابه ما اعتمد عليه في إثبات كثير من أنساب تلك البيوتات ، ولم يوضح منهجه في إثبات هذه الأنساب ، و على ذلك ، فأنا متحفظ في الرواية والنقل مما أورده في كتابه إلا تلك البيوتات الثابتة النسب التي أوردها ، و هو مثل عبد الله بن صديق صاحب كتاب "الأسر القرشية أعيان مكة المحمية" في التساهل .
***
س19: يعج المغرب بالأشراف ! ما هي مراتب الشرف هناك ؟ و ما هي مراحل تحقيقه ؟ و كيف كانت نتائج زيارتكم للمغرب حيث التقيتم بعدد من الاشراف هناك كالدكتور جعفربن عجيبة رئيس رابطة نقباء الاشراف بالمغرب ، والمدير العام لمجلة "الدوحة"المهتمة بقضايا الاشراف والانساب ؟ . و قد أجري معكم حوار موضوعه:"اشراف المغرب في المصادر المشرقية والمغربية".. من واقع معرفتكم وبحثكم : كيف ترون أنساب الأشراف هناك ؟
بالنسبة لمراتب الشرف بالمغرب ، فقد ذكر لنا المؤرخ المغربي ابن السكاك المكناسي (ت807) صاحب كتاب "نصح ملوك الاسلام بالتعريف بما يجب عليهم من حقوق آل البيت الكرام "وهو مخطوط بالخزانة العامة بالرباط ، حيث ذكر:( .. ، اعلم أن الشرف عندنا بالمغرب على مراتب أربع :
1. المرتبة المقطوعة بها ، و التي إذا رأيت واحداً منهم ، فلا يتخلل شك ؛ ( ثم ضرب على ذلك أمثلة من الأشراف الحسنية والحسينية بالمغرب )
2. المرتبة الثانية : مشاهير الشرف غير أنهم ليسوا في القطع ( ثم ضرب في ذلك مثلاً ببيتين )
3. المرتبة الثالثة : قوم واردون من بلاد نائية . هولاء مصدقون على أنسابهم ، فيجب علينا أيضاً إكرامهم وتعظيمهم . ( ثم شرح كيفية التعامل معهم في النسب والتقدير …)
4. المرتبة الرابعة : غلب على نسبهم الطعن لعدم شرفهم وضعف نسبهم
ثم شرح كيفية اقرار النسب ، والتوقف عن الطعن بدون دليل ، ثم ذكر أهمية تحقيق الأنساب وإخراج من ليسوا من الأشراف ، ثم شرح كيفية ثبوت النسب النبوي ، و ما تقيد به العلماء والنقباء على رسوم المنتسبين …
كما قسم لنا النسابة المغربي الحوات (ت1123) في كتابه :"السر الظاهر فيمن أحرز بفاس الشرف الباهر " طبقات أهل النسب ، حيث قال :" إنَّ أهل النسب فيه طبقات ، وبعضها فوق بعض درجات ، و أول المشاهير الذين عُدَّ شرفُهم من قبيل التواتر ، ثم أهل الرسوم التي لا يتوجه إلى أهلها طعن ولا يتطرق التمسك بها احتمال ، ثم أهل الرسوم التي توجه الطعن إليها ، ثم أهل الظهائر التي ربما يكون بها غمز في الظاهر ، ثم أهل الدعاوى المجردة ، ثم أهل الدعاوى الكاذبة.." . و لزكريا التطواني كلام مطول حول ذلك في مخطوطته ( التعريف ) .
و من هنا أهيب بالباحثين والنسابين الحيطة والحذر في النقل من بعض كتب و مخطوطات الأنساب المغربية ؛ حتى لا يقعوا في بعض المصادر الموضوعة ، ولهذا نظائر في العديد من البلدان الاسلامية .
فمثلاً : وردت في المصادر النسبية المغربية عدد من المخطوطات منسوبة للإمام السيوطي ، و هي من جملة المؤلفات النسبية المشكوك في صحتها ، بل نجزم هنا بأنها ليست للإمام السيوطي المصري .
كما نجد مخطوط " التحقيق في أهل النسب الوثيق " لأحمد العشماوي الذي كان حياً سنة ( 1142 ) ، و قد ورد هذا المخطوط بعدة أسماء ، و نسخه توجد اليوم في عدد من الأماكن ، منها ( نسخة بالخزنة العامة 1351 D ) ، و أخرى بـ( رقم 2/د ) ، و ثالثة بـ( رقم 3887 ) و قد تلاعب النساخون في كل نسخة ، فأضافوا أنساب ، و حذفوا أخرى في كل نسخة ، و في الجملة ، فإنَّ مثل هذا الكتاب من الكتب المشكوك في مصداقيتها.
وقد أثرتُ هذا في الحوار الذي أجراه معي الدكتور بن عجيبة، وغيرها من القضايا النسبية! ولا أدري هل نشر أم لا ؟ حيث أنني لم أطلع عليه.
و تبياناً لذلك ، أقول : دخلت بعض الأقوام في الشرف ، حتى نجد المؤرخ المغربي ابن زيدان في ( المنزع اللطيف) يذكر لنا مقولة:" كاد المغرب أن يكون شريفاً " ، من كثرة من ادَّعى الشرف ، و ذكر لنا المؤرخ المغربي بن زيدان في ( العز والصولة ) أيضاً : " … ، أنه لما بويع المولى اسماعيل (1082) ، وجد أمر الأشراف مختلاً ، و كادت الرعايا أن تصير كلها أشرافاً !! فلما رأى ذلك صار كل من يأتيه من الأشراف يخرجه من الرعية ، و يدفعه للودايا أو قواد رؤوسهم أو لعبيد الدار " .
و يعتبر حاكم المغرب المولى إسماعيل ، هو الذي صان الأنساب من الدخيل ، و أثبتها بقواعدها في دفتره المشهور المبني على دفتر أبي العباس المنصور ، الذي يعتبر الآن مفقوداً ، و قد بحثت عنه كثيراً ، و سألت عنه الأستاذ محمد المنوني العلامة بالمغرب حيث التقيت به بالرباط سنة (1419) ، فذكر لي :" إن ديوان أبي العباس المنصور (يسمع ولايرى) ، فقد ضاع " .
أما ديوان محمد بن عبد الرحمن ، ففيه زيادة وإضافات غير صحيحة ، وهو يحتاج إلى تحقيق . أما ديوان الأشراف لمولانا إسماعيل ، فقد وجدت ورقة بخط الزياني ، قال فيها :"هذه الورقة في الأنساب من ديوان مولانا إسماعيل " ، إلا أن الشبيهي في كتابه اعتمد على ديوان الأشراف في عهد مولانا إسماعيل هذا ، وننصح في التعامل مع مثل هذه المخطوطات المغربية الصحيحة.
***
س20:نسمع بقانون أبى نمي الثاني ..هل تتكرمون على الموقع بإعطاء تعريف عنه وعن مانشره السباعي في تاريخ مكة عنه ؟ و ما الفرق بين الوثيقة المحررة سنة 1148 وما نشره السباعي ؟
قانون أبى نمي هو القانون الذي كانت تسير عليه الأشراف في تعاملها مع بعضهم البعض و مع غيرهم . و قد اتبعته الأشراف منذ مئات السنين مما أكسب هذا القانون صفة العمل الساري الملزم فيما بينهم و بين غيرهم بالاضافة إلى احتوائه على أعرافهم القديمة ، و التي في جملتها أعراف صحيحة مقبولة لا تخالف الشرع لتحقيق المقاصد وجلب المصلحة و رد المفسدة !!
و قد كانوا يميلون فيه إلى طرق الصلح في فض المنازعات ، و ذلك من خلال تنظيم العقوبات التي غالبها كانت في تغريم المخطىء من الخيل والابل و العبيد و أقصاها الطرد خارج حدود حكم بلاد الشريف !
و قد عرض لنا السباعي في كتابه صورة نسخة من القانون مؤرخة سنة 1237هـ في عهد حكم أمير مكة الشريف يحيى بن سرور , و هي منقولة من وثيقة مؤرخة في ربيع الآخر سنة 1148هـ من عهد الشريف سعيد ؛ و قد طرحوا فيها بعض الالزامات السابقة ، وإلزامات جديدة لمن لم يمتثل لهذا العرف ، فكان الواضعون لأحرفه سنة 1148 كلٌ من " الأشراف آل أبي نمي بن بركات ، و ذوي أحمد بن هزاع ، و ذوي عنقا ، و ذوي راجح ، و ذوي شرف بن محمد" .
و في قانون سنة 1237هـ استبعد منهم ذوي أحمد بن هزاع ، وذوي شرف بن محمد .
و قد ذكر لنا دحلان في جداوله المرضية : أن واضع هذا القانون ، هو الشريف محمد أبى نمي الثاني ( ت 992 ) ، و تبعه على ذلك عبد الله غازي في ( إفادة الانام ) ، و محمد نصيف في ( ماضي الحجاز ) ، و الذي أضاف إليه بنوداً من مرويات العوام دون أن يطلع عليه ، و تبعه في ذلك متحاملاً الدكتور فائق الصوَّاف في كتابه ( العلاقات بين الدولة العثمانية و إقليم الحجاز ) .
لكن ذكر لنا الدكتور سليمان المالكي في كتابه ( بلاد الحجاز ) : أن واضع الوثيقة : هو الشريف محمد أبي نمي الأول المتوفى سنة 701 ، و تسمى بقانون أبي نمي ، و لم يعرض نصوصه ، و قد أبلغني منذ سنين عديدة شفاهةً بأنه توجد لديه نسخة مصورة منه !
و أصل وثيقة القانون التي حررت سنة1148 ، قد قمنا بدراستها ، و تحقيقها ، والحمد لله .
***
س21:علاقة أشراف الحجاز كبيرة بالسادة باعلوي … ما هي أبرز ملامح هذه العلاقة ؟
إن العلاقة بين أشراف الحجاز والسادة باعلوي قديمة ، فالسادة الأشراف آل باعلوي أصلهم أشراف حجازيون حيث إنهم ينتمون إلى جدهم علي العريضي بن جعفر الصادق بن محمد البافر بن علي زين العبادين بن الحسين السبط . نسبة إلى قرية العريض قرب المدينة المنورة ؛ و نزح جدهم أحمد المهاجر بن عيسى النقيب بن محمد بن علي العريضي ، و استقر عقبه بحضرموت ، ةمنها انتشروا في العديد من البلدان الإسلامية ثم عادت بعض ذريته بعد القرن التاسع الهجري وسكنت الحجاز ، و لعل من أبرز الملامح على علاقتهم بأشراف الحجاز تلك النقابات بمكة والمدينة المسند لهم والتي كانت تدير شؤونهم النسبية والمالية في عهد أمراء الحجاز من الأشراف.
***
س22 : لكم كتاب:" معجم أشراف الحجاز " هل تعطوننا عنه لمحة تعريفية ؟ ومتى سيخرج للأضواء ؟
بدأ الشروع في هذا العمل قبل نزولي إلى أرض الحرمين سنة 1410 ، و استمر العمل حتى عهد قريب ، و عندما أحسست بإكتمال الثلاثة أجزاء الأولى ، دفعته إلى المطابع ، و هي الأجزاء الخاصة بذرية الحسن السبط بن علي ابن أبي طالب ، أما الجزء الرابع والخامس ، فهما قيد الاعداد ، و هما في الأشراف الحسينية ، و ما بقي من الأشراف الحسنية .
و قد اشتملوا على قبائل الأشراف في بلاد الحرمين وما تفرع عنهم بمصر واليمن وغيرها من البلدان ، و فيه قبائلهم وفروعهم مع ذكر مساكنهم ومشاهيرهم قديماً وحديثاً مع إضافة مشجراتهم حتى العهد الحاضر ، و أودعت فيها بعض الوثائق والحجج الهامة ، علاوة على صور بعض مشاهيرهم و أهم معالمهم التاريخية والأثرية ، و قد رتبته وفق الحروف الهجائية ، و قد تنشر كلمتي هذه ، و يكون بين يديكم ، إن شاء الله …
***
انتهى الحوار
***
في ختام هذا اللقاء والحوار الماتع مع سعادة الأستاذ الشريف أحمد ضياء العنقاوي النموي ، لا يسع الموقع ممثلاً في إدارته و زواره ومحبيه إلا أن يتقدموا بوافر الشكر الجزيل للشريف النسابة أحمد ضياء العنقاوي الحسني ، على ما أتحفنا به من إرشادات و إجابات في أنساب آل البيت ، جعلها الله في موازين حسناته و أثابه الله ونفع به الاسلام والمسلمين ، اللهم آمين .
***

بحث سريع