استجلاب ارتقاء الغرف -3

بواسطة | الحافظ السخاوي
2005/06/19
باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم وخليفته بأهل بيته المشرف
كل منهم بانتمائه إليه ونسبته
عن زكريا بن أبي زائدة ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( ألا إنّ عيبتي التي آوي إليها أهلُ بيتي ، وإنّ كّرِشي الأنصار . فاعفوا عن مُسيئهم واقبلوا من محسنهم )) .
أخرجه الترمذي في (( جامعه ))(1) ، وقال : إنه حسن .
وهو عند العسكري في (( الأمثال )) (1) من طريق عمرو بن قيس ، عن عطية بلفظ : (( ألا إنّ َعيبتي وكرشي أهل بيتي ، والأنصارُ ، فاقبلوا من مُحسنهم وتجاوزا عن مسيئهم )) .
وكذا أخرجه الديلمي من طريق عمرو بلفظ : (( أهل بيتي والأنصار كرشي وعيبتي… )) ، والباقي سواء .
والمعنى : أنهم جماعتي وصحابتي الذين أثقُ بهم ، وأُطلعهم على أسراري وأعتمد عليهم .
وعن أبي خثيمة زُهير بن حرب ، أنه قال: (( كرشي: باطني ، وعيبتي: ظاهري وجمالي )) انتهى .
وهذا غايةٌ في التعطف عليهم والوصية بهم .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (( وتجاوزا عن مسيئهم )) فهو نمط من قوله صلى الله عليه وسلم : (( أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ، إلا الحدود )) .
إذ أهل البيت النبوي والأنصار من أجلّ ذوي الهيئات .
وقال البخاري في تفسير { حم عسق } من التفسير في (( صحيحه )) : حدثنا محمد بن بشار – هو بُنْدار – حدثنا محمد بن جعفر – هو غُنْدَرٌ – حدثنا شعبة ، عن عبد الملك بن ميسرة قال : سمعت طاووساً يحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنه سُئل عن قوله عز وجل { إلا المودة في القربى } .
فقال سعيد بن جبير – يعني بحضرة ابن عباس رضي الله عنهم – : قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم .
فقال له ابن عباس رضي الله عنهما : عَجَلت – أي في التفسير – إن النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن بطنٌ من قريش ، إلا كان له فيهم قرابةٌ ، فقال صلى الله عليه وسلم : (( إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة )) .
وكذا رواه في بابٍ بلا ترجمة قُبيل مناقب قريش من (( المناقب )) .
قال : حدثنا مُسدّد ، حدثنا يحيى – هو القطان – ، عن شعبة ، حدثني عبد الملك ، عن طاووس ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : { إلا المودة في القربى } ، قال : فقال سعيد بن جُبير : قُربى محمد صلى الله عليه وسلم .
وقال – يعني ابن عباس رضي الله عنهما – : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطنٌ من قريش ، إلا وله فيه قرابةٌ ، فنزلت – يعني الآية المسؤول عنها – عليه صلى الله عليه وسلم فيه : (( إلا أن تصلوا قرابةٌ بيني وبينكم )) .
وأخرجه ابن حبان في النوع السادس والستين من القسم الثالث من (( صحيحه )) من طريق مُسدد به ، ولفظه : سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه الآية : { قلا لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } [ الشورى : 23 ] فقال سعيد بن جبير : قربى محمد صلى الله عليه وسلم .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : عجلتَ ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بطنٌ من قريش ، إلا كان له صلى الله عليه وسلم فيهم قرابةٌ . فقال صلى الله عليه وسلم : (( إلا أن تَصلوا ما بيني وبينكم من القرابة )) .
ورواه أبو بكر الإٍسماعيلي من طريق مُعاذ بن معاذ ، عن شعبة بلفظ : (( فقال ابن عباس رضي الله عنهما : إنه لم يكُن بطنٌ من بطون قريش ، إلا للنبي صلى الله عليه وسلم فيه قرابةٌ ، فنزلت { قل لا أسئلكم عليه أجراً } إلا أن تصلوا قرابتي منكم )) .
وكذا هو عندهُ أيضاً ، والواحدي معاً من طريق يزيد بن زُريع ، عن سعبة بلفظ : (( إلا تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة )) .
وهو عند أحمد عن القطان وغُندر وسليمان بن داود ، ثلاثتهم عن شعبة .
ورواه الترمذي في (( جامعه )) عن بندار ، ولفظه : (( سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه الآية { قل لا اسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } )) ، فقال سعيد بن جبير : قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم .
فقال ابن عباس : أعجلتَ . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بطنٌ من بطون قريش إلا كان له فيهم قرابة ، فقال صلى الله عليه وسلم : (( إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة )) ، وقال الترمذي : إنه حسنٌ صحيح . وقد رُوي من غير وجه عن ابن عباس رضي الله عنهما .
قلت : من ذلك ما أخرجه سعيد بن منصور في (( سننه )) ، وابن سعد في (( الطبقات )) من طريق الشعبي قال : أكثروا علينا في هذه الآية ،فكتبنا إلى ابن عباس رضي الله عنهما ، فكتب : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان واسط النسب في قريش ، لم يكن حيٌّ من أحياء قريش ، إلا ولدوهُ ، فقال الله عز وجل . { قل لا أسئلكم على ما أدعوكم أجراً إلا المودة ، تؤدّوني بقرابتي فيكم ، وتحفظوني في ذلك } .
ومن طريق الشعبي أيضاً ، قال : سألني رجلٌ عن هذه الآية ، فأمرتُ رجلاً فسأل ابن عباس رضي الله عنهما ، فقال : إنه لم يكن بطنٌ من قريش ، إلا وقد كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبينهم قرابةٌ ، قال الله تعالى : { قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا أن تؤدّني في قرابتي فيكم } .
ومن حديث شريك عن خُصيف ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا أسألكم عليه أجراً إلا أن تودوني في نفسي لقرابتي منكم ، وتحفظوا القرابة التي بيني وبينكم )) .
ومن حديث سالم الأفطس ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لم يكن بطنٌ من بطون قريش ، إلا قد وَلدهُ ، أو له منهم قرابةٌ (( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا أن تمنعوني وتكفّوا عني لقرابتي منكم )) .
وللطبراني من طريق معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : { قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة في جميع قريش ، فلما كذبوه ، وأبوا أن يتابعوه ،
قال: (( يا قوم إذا أبيتم أن تُبايعُوني ، فاحفظوا قرابتي فيكم . ولا يكون غَيركم من العرب أولى بحفظي ونُصرتي منكم )) .
ومنه عن الضحاك ، وعليّ بن أبي طلحة ، والعوفي ، ويوسف بن مهران ، وغيرهم . عن ابن عباس رضي الله عنهما .
وبهذا التفسير الذي جنحَ إليه ترجمان القرآن من حَمْلِه الآية على أن يُوادِدُوا النبي صلى الله عليه وسلم من أجل القرابة التي بينهم وبينه ، لا يكون الحديث مما نحن فيه ، بل الخطاب حينئذ لقريش خاصة .
ويتأيَد بأن السورة مكية ، والقربى قرابة العُصوبة والرحم ، فكأنه قال : احفظوني للقرابة ، إن لم تتبعوني للإسلام .
وكذلك قال عكرمة رحمه الله فيما أخرجه ابن سعد : قَلَّ بطنٌ من قريش ، إلا وقد كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ولادة ، فقال: (( إن لم تحفظوني فيما جئتُ به ، فاحفظوني لقرابتي )) .
وعن عكرمة رحمه الله أيضاً ، قال : كانت قريش تصلُ الأرحام في الجاهلية ، فلما دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله خالفوه ، وقاطعوه ، فأمرهم بصلة الرحم التي بينه وبينها .
وروى سعيد بن منصور في (( سننه )) من وجهين ، وابن سعد في (( الطبقات )) عن حصين – هو ابن عبد الرحمن – ، عن أبي مالك – هو الغفاري – رحمه الله قال : (( لم يكن بطنٌ من بطون قريش ، إلاولرسول الله صلى الله عليه وسلم منهم قرابةٌ ، قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : { قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } فتحفظوني لقرابتي وتودوني )) .
وروى الواحدي من طريق عبد الكريم أبي أُمية ، قال : سألت مُجاهداً عن هذه الآية فقال : يقول : قل لا أسألكم على ما أقول أجراً ، ارقبوني في الذي بيني وبينكم ولا تعجلوا إليَّ ، ودعوني والناس .
وبه قال قتادة ، والسَُدي ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم رحمهم الله ، وغيرهم .
نعم ، إنما يدخُل في هذا الباب بالنظر لتفسير سعيد بن جُبير الذي ردَّه عبيه ابن عباس رضي الله عنهما ، وكأنَّ سعيداً رحمه الله استمر على مذهبه في ذلك .
فقد روى سعيد بن منصور في ( (سُننه )) من طريق أبي العالية قال : قال سعيد بن جُبير : { إلا المودة في القربى } قال : قُربى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو كان يُفسره بالوجهين .
فقد روى ابن سعد في (( الطبقات )) من حديث سالم ، عن سعيد بن جُبير أنه قال : { إلا المودة في القربى } ، قال : (( إلا تصلوا قرابة ما بيني وبينكم )) .
وهذا مُوافقٌ لما قاله ابن عباس رضي الله عنهما ، على أنه جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً ، ما يشهد لقول سعيد الأول .
فأخرج الطبراني في (( معجمه الكبير )) ، وابن أبي حاتم في (( تفسير )) ، والحاكم في (( مناقب الشافعي )) والواحدي في (( الوسيط )) ، وآخرون منهم : أحمد في (( المناقب )) كلهم من رواية حسين الأشقر ، عن قيس بن الربيع ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما .
قال : لما نزلت هذه الآية : { قلا لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } . قالوا : يا رسول الله ! من قرابتُك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ . قال : (( عليٌّ وفاطمة وابناهما )) .
إلاّ أنّ الأشقر شيعيٌ ساقط ، ولم تبلغ مرتبته أن يكون حديثُه مُعارضاً لما تقدم ، بل ذاك أولى منه وأقوى .
ونحوه أورده الطبري وابن أبي حاتم في (( تفسيرهما )) من حيث يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قالت الأنصار : فعلننا وفعلنا ، فكأنهم فخروا . فقال ابن عباس ، أو العباس – شك راويه – رضي الله عنهما : لنا الفَضْل عليكم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاهم في مجالسهم .
فقال : (( يا معشر الأنصار ّ ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي )) ؟ قالوا : بلى يا رسول الله .
قال : (( ألم تكونوا ضُلاَّلاً فهداكم الله بي )) ؟
قالوا : بلى يا رسول الله .
قال : (( أفلا تجيبوني )) ؟ قالوا : ما نقول يا رسول الله ؟
قال : (( ألا تقولن : ألم يخرجك قومك فآويناك ؟ ، أوَلم يُكذّبوك فصّدَقناك ؟ ، أوَلم يخذلوك فنصرناك ؟ )) .
قال : فما زال يقول حتى جثوا على الرُّكب ، وقالوا : أموالنا وما في أيدينا ، لله ورسوله .
قال : فنزلت { قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } .
وإنما كانت هذه القصة شاهدة لما قبلها ، لكون سبب النزول قول الأنصار رضي الله عنهم : أموالنا وما في أيدينا لله ولرسوله ، ومع ما سبق في أولها من التفاضل بينهم وبين بعض أهل البيت .
لكن هي وإن كان في (( الصحيحين )) في قسم غنائم حُنين نحو سياقها ، فليس هُناك نزول الآية التي هي محلُّ الاستشهاد منه ، والطريق بذلك ضعيف مع وجود شاهده باختصار . لكن من رواية الكلبي ونحوه من الضعفاء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (( لمَّا قَدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، كانت تَنُوبه نوائبُ وليس في يديه شيءٌ ، فجمع له الأنصار مالاً )) .
فقالوا : يا رسول الله ، إنك ابن أُختنا وقد هدانا الله بك ، وتنُوبك نوائبٌ وحقوق ، وليس معك سعةٌ . فجمعنا لك من أموالنا ما تستعين به عليه فنزلت .
ويتأكد ضعفُهما ، بكون الآية كما أسلفتُ مكية ، ولم تنزل في الأنصار ، وما وقع في الرواية الثانية على ضعفها ، من كون النبي صلى الله عليه وسلم ابن أُخْت الأنصار ، وما قد صَرحت به الرواية الصحيحه.
فإنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة مهاجراً وتنازعه القوم رضي الله عنهم أيُّهم ينزل عليه ، قال صلى الله عليه وسلم : (( إنِّي لَنُزُل الليلة على بني النجار – أخوال عبد المطلب – ، أكرمُهُم بذلك )) .
قيل ذلك وهو بمكةَ لمَّا جاءتْه الأنصار رضي الله عنهم ليبايعوه ، حضر معهم عمه العباس رضي الله عنه المبايعة ، وعظّم الذي بين الأنصار ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليكون ذلك داعياً إلى الوفاء بالشرط . وذكر حينئذ أنّ أُم عبد المطلب سلمى بن زيد بن عدي بن الندار ، انتهى.
وسلمى هذه ، كانت لا تنكح الرجال لشرفها في قومها ، حتى شرطوا لها أن أمرها بيدها ، إذا كرهت رجُلاً فارقتهُ . وهي من بني عدي بن النجار جزماً ، لكن ظاهر الرواية المتقدمة ، أن زيداً هو ابن عدي ، وقد وقع في غيرها بإثبات لبيد بن خِداش بن عامر بن غَنْم بينهما ، ولا تنافي بينهما .
نعم ، وقع في روايةٍ أُخرى : أن سلمى هي ابنة زيد بن عمرو بن أسد بن حرَام بن جُندَب بن عدي بن النجار ، والأول أثبت .
ولا شك في شرف الأنصار رضي الله عنهم بذلك ، مع ما لهم من الشرف العظيم ، والفخر الجسيم الذي لسنا بصدد إيراده هُنا .
ومنه : ما رواه الطبراني في (( الكبير )) بسند حسن عن أنس رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقال : (( ألا إنَّ لكل نبي تركة وضَيْعة ، وإن تركتي وضيعتي الأنصار . فاحفظوني فيهم )) انتهى .
وروى أبو الشيخ ، ومن طريقه الواحدي من حديث أبي هاشم الرمّاني ، عن زاذان ، عن علي رضي الله عنه قال : (( فينا في أل حم أيه لا يحفظُ مودَّتنا إلاَ كل مؤمن ، ثم قرأ { قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } )) .
وكذا قال السُّدي عن أبي الديلم : (( لمّا جيء بعلي بن الحسين رحمه الله أسيراً ، فأُقيم علي درج دمشق ، قام رجلٌ من أهل الشام فقال : الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم ، وقطع قرن الفتنة.
فقال له عليّ بن الحسين رضي الله عنه : أقرأت القرآن ؟ قال : نعم .
قال : أقرأت آل حم ؟ قال : قرأت القرآن ولم أقرأ أل حم ! .
قال : ما قرأت : { قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } .
قال : وإنّكم لأنتم هم ؟! قال : نعم )) . أخرجه الطبري في (( تفسيره )) .
ولأبي بشر الدولابي طريق الحسن بن زيد بن حسن بن علي ، عن أبيه : أن الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال في خُطبته :
أنامن أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم ، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : { قلا لا أسئلكم عليه أجراً إلى المودة في القربى ومن يقترف حسنةً نزد له فيها حُسناً } . فاقتراف الحَسنةِ ، مودتنا أهل البيت .
وعند الطبري من طريق أبي إسحاق الّسبيعي قال : سألت عمرو بن شعيب رحمه الله عن قوله تعالى : { قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القُربى } فقال : قُربى النبي صلى الله عليه وسلم .
وأورد المُحب الطبري : أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( إنَّ الله جعل أجري عليكم المودة في أهل بيتي ، وإني سائلكم غداً عنهم )) .
وإنما كان قول سعيد بن جُبير رحمه الله ومن وافقه على التفسير الذي بينْتُه عمَّن نقلناه عنهم ، شاهداً لما نحنُ فيه ، لحمل الآية على أمر المُخاطبين بأن يُواددوا أقارب النبي صلى الله عليه وسلم ، يعني بما يليق بهم من البر والإحسان ، وسائر الوُجوه الحسان .
ولكن الحقّ كما جزم به ابن كير رحمه الله من هذين التفسيرين ، قول ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في (( الصحيح )) .
بل يُروى عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وكذا عن الحسن البصري رحمه الله تفسيرٌ ثالث أيضاً ، وهو أن قوله تعالى : { إلا المودة في القربى } أي : إلا أن تعملوا بالطاعة التي تُقربكم عند الله زُلفى .
وهو عندي في أواخر جُزءٍ فيه أحد عشر مجلساً من (( أمالي أبي جعفر بن الَخْتري )) من حديث ابن أبي نجيح ، عن مُجاهد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا أسئلكم على ما آتيتكم به من الكتاب والهدى أجراً ، إلا أن توادّوا الله عز وجل وتقرَّبوا إليه بطاعته )) .
وإذ قد بان لك الصحيح في تفسير هذه الآية .
فأقول : قد جاءت الوصية الصريحة بأهل البيت في غيرها من الأحاديث .
فعن سليمان بن مهران الأعمش ، عن عطية بن سعيد العوفي ، عن جبيب بن أبي ثابت . أولهما عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه وثانيهما عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظمُ من الآخر : كتابُ الله ، حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي . ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخْلُفُوني فيهما )) .
أخرجه الترمذي في (( جامعه )) ، وقال : حسنٌ غريب ، انتهى .
وحديث أبي سعيد ، عند أحمد في (( مسنده )) من حديث الأعمش ، وكذا من حديث أبي إسرائيل المُلائي إسٍماعيل بن خليفة ، وعبد الملك بن أبي سليمان .
ورواه الطبراني في (( الأوسط )) من حديث كثير النوآء ، أرْبَعَتُهم عن عطية ، ورواه أبو يعلى وآخرون .
وتعجبت من إيراد ابن الجوزي له في (( العلل المتناهية )) ، بل أّعْجّبتُ من ذلك قوله : إنه لا يصح ، مع ما سيأتي من طرقه التي بعضها في (( صحيح مسلم )) .
فقد أخرج في (( صحيحه )) حديث زيد ، من طريق سعيد بن مسروق ، وأبي حيان يحيى بن سعيد بن حيان كلاهما – واللفظ للثاني – عن يزيد بن حيان عمّ ثانيهما ، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً بماءٍ يُدعى (( خُمّا )) – بين مكة والمدينة – فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكر ، ثم قال :
(( أما بعد : ألا أيها الناس ، فإنما أنا بشرٌ يوشك أن يأتي رسول ربي فأُجيب ، وإني تاركٌ فيكم ثَقَلين . أوَّلهما كتابُ الله ، فيه الهُدى والنور ، فَخذوا بكتاب الله واستمسكوا به – فحثَّ على كتاب الله ورغَّب فيه – ثم قال : وأهلُ بيتي . اُذكركم الله في أهل بيتي ، أُذكركم الله – ثلاثا ً- في أهل بيتي )) .
فقيل لزيد : من أهل بيته ، أليس نساؤُه من أهل بيته ؟ .
قال : نساؤه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حُرِمَ الصدقة بعده ، قيل : ومن هُم ؟ قال : هم آل علي ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، وأل عباس رضي الله عنهم .
قيل كلُّ هؤلاء حُرِمَ الصدقة ؟ ، قال نعم .
وفي لفظ : (( قيل لزيد رضي الله عنه : من أهل بيته ، نساؤه ؟ ، فقال : لا وأيمُ الله ، إنَّ المرأة تكون مع الرجل العصْرَ من الدهر ، ثم يُطلقها فترجع إلى أمها )) .
وفي رواية غيره : (( إلى أبيها وأُمّها . أهل بيته أصلهُ وعَصبتُه الذين حُرموا الصدقة
بعدهُ )) .
وأخرجه مسلم أيضاً ،وكذا النسائي باللفظ الأول ، وأحمد ، والدارمي في (( مسنديهما )) ، وابن خزيمة في (( صحيحه )) وآخرون ، كُلهم من حديث أبي حيان التيمي يحيى بن سعيد بن حيان ، عن يزيد بن حيان .
وأخرجه الحاكم في (( المستدرك )) من حديث الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطُّفيل عامر بن واثلة ، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه .
ولفظه : لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حّجة الوداع ، ونزل غدير خُم ، مرَّ بدوحات فّقُمتُ ، ثم قام فقال : (( كأني قد دُعيت فأجبتُ ، إنِّي قد تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله عز وجل ، وعترتي ، فأنظروا كيف تَخْلُفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يرّدا عليَّ الحوض .
ثم قال : إن الله عز وجل مولاي ، وأنا وليُّ كلِّ مؤمن )) .
ومن حديث سلمة بن كُهيل ، عن أبيه ، عن أبي الطُّفيل أيضاً بلفظ : نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة عند سمُرات خمس دوحاتٍ عظام ، فكنسَ الناسُ ماتحت السمرات ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيةً فصلى ، ثم قام خطيباً فحمد الله عز وجل وأثنى ، وذكر ووعظ ، فقال ما شاء الله أن يقول .
ثم قال : (( أيُّها الناس ، تاركٌ فيكم أمرين لن تضلوا إن اتبعتموهما ، وهما : كتاب الله ، وأهلُ بيتي عِترتي )) .
ومن حديث أبي الضحى مُسلم بن صبيح ، عن زيد بن أرقم مُقتصراً على قوله صلى الله عليه وسلم : (( إنّي تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله ، وأهل بيتي . وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض )) .
وقال عقب كلٍّ من الطرق الثلاثة : إنه صحيح الإسناد على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .
وكذا أخرجه من طريق يحيى بن جَعْدة ، عن زيد بن أرقم ، ووافقه على تخريج هذه الطريق الطبراني في (( الكبير )) ، وفيها وَصفُ ذاك اليوم بأنه : (( ما أتى علينا يومٌ كان أشدَّ حرَّاً منه )) .
وأخرجه الطبراني أيضاً من حديث حكيم بن جُبير ، عن أبي الطُفيل ، عن زيد . وفيه من الزيادة عقب قوله صلى الله عليه وسلم : (( وإنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض )) . (( سألت ربي ذلك لهما ، فلا تقدَّموهما فتهلكوا ، ولا تَقْصُروا عنهما فتهلكوا ـ ولا تُعلِمُوهم فإنَّهم أعلمُ
منكم )) .
وفي الباب عن جابر ، وحُذيقة بن أسيد ، وخُزيمة بن ثابت ، وزيد بن ثابت ، وسهل بن سعد ، وضُميرة ، وعامر بن ليلى ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعدي بن حاتم ، وعُقبة بن عامر ، وعلي بن أبي طالب ، وأبي ذر ، وأبي رافع ، وأبي شُريح الخُزاعي ، وأبي قُدامة الأنصاري ، وأبي هريرة ، وأبي الهيثم بن التيهان ، ورجال من قريش ، وأم سلمة ، وأم هانئ ابنة أبي طالب ، الصحابة رضوان الله عليهم .
فأما حديث جابر رضي الله عنه :
فرواه الترمذي في (( جامعه )) من طريق زيد بن الحسن الأنماطي ، عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطُب .
فسمعته يقول : (( يا أيها الناس ، إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي )) .
وقال الترمذي بعدهُ : إنه حسنٌ غريب .
ورواه أبو العباس ابن عُقدة في (( الموالاة )) من طريق يونس بن عبد الله بن أبي فروة ، عن أبي جعفر محمد بن عليّ ، عن جابر رضي الله عنه ، قال : كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، فلما رجع إلى الجُحفة ، أمر بشجراتٍ فقُم ما تحتهن ، ثم خطب الناس فقال :
(( أما بعد : أيها الناس ، فإني لا أراني إلا موشكاً أن أُدعى فأُجيب ، وإنّي مسؤولٌ وأنتم مسؤولون . فما أنتُم قائلون )) ؟ .
قالوا : نشهد أنك قد بلغتَ ، ونصحتَ وأديتَ .
قال : (( إنّي لكم فرَطٌ ، وأنتم واردون عليَّ الحوض ، وإنّي مُخلفٌ فيكم الثقلين . كتاب الله… ))
وأما حديث حُذيفة بن أُسيد الغفاري رضي الله عنه :
فرواه الطبراني في معجمه (( الكبير )) من طريق سلمةَ بن كُهيل ، عن أبي الطُفيل عنه ، أوعن زيد بن أرقم رضي الله عنهما ، قال : لما صدرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجّةِ الوداع ، نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء مُتقاربات أن ينزلوا تحتهُن ، ، ثم قام فقال :
(( يا أيها الناس ، إني قد نبّأني اللطيف الخبير أنه لن يُعمَّرَ نبيٌ إلاّ نصف عُمُر الذي يليه من قبله ، وإني لا أظنَ أني يوشكُ أن أُدعى فأجيب . وإني مسؤولٌ وإنكم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون ؟ ))
قالوا : نشهد أنك بلغتَ ، وجهدتَ ونصحت ، فجزاك الله خيراً .
فقال : أليس تشهدون أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله . وأن جنته حقٌّ ،وأن ناره حقٌّ ، وأنَّ الموتَ حقٌّ ، وأنَّ البعثَ حقٌّ بعد الموت . وأنَّ الساعة آتيةٌ لا ريب فيها ، وأنَّ الله يبعثُ من في القبور )) ؟ .
قالوا : نشهد بذلك .
قال : (( اللهم أشهد )) .
ثم قال : (( يا أيها الناس ، إنَّ الله مولاي ، ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كُنتُ مولاهُ ، فهذا مولاهُ – يعني علياً – ، اللهمَّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداهُ )) .
ثم قال : (( يا أيها الناس ، إنِّي فرطُكُم ، وإنكم واردون عليَّ الحوض . حوضٌ أعرضُ ممّا بين بُصرى إلى صنعاء ، فيه عَددُ النجوم قُدحانُ من فضة . وإّي سائلكُم حين تردون عليَّ عن الثقلين ، فانظروني كيف تخلفوني فيهما . الثقلُ الأكبر : كتابُ الله عز وجل ، سببٌ طرفهُ بيد الله ، وطرفه بأيديكم ، فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تُبدّلوا . وعِترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا عليَّ الحوض )) .
ومن هذا الوجه أوردُه الضياء في (( المختارة )) ، ورواه أبو نُعيم في (( الحلية )) . وغيرهُ من حديث زيد بن الحسن الأنماطي ، عن معروف ابن خَرَّبوذ ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة رضي الله عنه وحده به .
وأما حديث خُزيمة رضي الله عنه :
فهو عند أبي عُقدة من طريق محمد بن كثير ، عن فطر ، وأبي الجارود ، كلاهما عن أبي الطُّفيل : أن علياً رضي الله عنه قام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أنشد الله من شهد يوم غدير خُمٍّ إلا قام ،ولا يقوم رجلٌ يقول : نبئتُ أو بلغني ، إلا رجلٌ سمعت أذناه ووعاه قلبه . فقام سبعة عشر رجلاً ، منهم : خزيمة بن ثابت ، وسهلُ بن سعد ، وعديٌّ بن حاتم ، وعقبة بن عامر ، وأبو أيوب الأنصاري ، وأبو سعيد الخدري ، وأبو شريح الخزاعي ، وأبو قدامة الأنصاري ، وأبو ليلى ، وأبو الهيثم التيهان رضي الله عنهم ، ورجالٌ من قريش .
فقال عليٌّ رضي الله عنه وعنهم : هاتوا ما سمعتم .
فقالوا : نشهد أنَّا أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجَّة الوداع حتى إذا كان الظهر ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بشجراتٍ فسدين ، وألقى عليهنَّ ثوبٌ . ثم نادى بالصلاة ، فخرجنا فصلينا ، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه . ثم قال :
(( أيها الناس ، ما أنتم قائلون ؟ ، قالوا : قد بلغت ، قال : اللهم اشهد – ثلاث مرات – ، قال : إنّي أوشك أن أُدعى فأجيب ، وإنيّ مسؤولٌ وأنتم مسؤولون )) .
ثم قال : (( ألا إنَّ دمائكم وأموالكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا ، وحرمة شهركم هذا . أوصيكم بالنساء ، وأوصيكم بالجار ، أوصيكم بالمماليك ، أوصيكم بالعدل والإحسان )) .
ثم قال : (( أيها الناس ، إني تاركٌ فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، نبأني بذلك اللطيف الخبير )) – وذكر الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم – : (( من كنتُ مولاه ، فعليٌ مولاه )) – فقال عليٌّ رضي الله عنه : صدقتم ، وأنا على ذلك من الشاهدين .
وأما حديث زيد رضي الله عنه :
فرواهُ في (( مسنده )) ولفظه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إني تاركٌ فيكم خليفتين : كتاب الله حبلٌ ممدودٌ ما بين السماء والأرض – أوما بين السماء إلى الأرض – ، وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليًّ الحوض )) .
وأما حديث سهل رضي الله عنه :
فقد تقدم مع خُزيمة رضي الله عنه .
وأما حديث ضُميرة الأسلمي رضي الله عنه :
فهو في (( المُوالاة )) من حديث إبراهيم بن محمد الأسلمي ، عن حسين بن عبد الله بن ضُميرة ، عن أبيه ،عن جده رضي الله عنه ، قال : لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ، أمر بشجرات فقمُمن بوادي خُم وهجَّر ، فخطب الناس فقال :
(( أما بعد : أيها الناس ، فإني مقبوضٌ أوشك أدعى فأجيب ، فما أنتم قائلون )) ؟
قالوا : نشهد أنك قد بلغت ، ونصحت وأديت .
قال : (( إني تاركٌ فيكم ما إن استمسكتم به لن تصلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض . قانظروا كيف تخلفوني فيهما )) .
وأما حديث عامر رضي الله عنه :
فأخرجه ابن عُقدة في (( الموالاة )) من طريق عبد الله بن سنان ، عن أبي الطُفيل ، عن عامر بن ليلى بن ضمرة ،وحذيفة بن أسيد رضي الله عنهما ، قالا : لما صدرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ولم يحجَّ غيرها ، حتى إذا كان بالجحفة ، نهى عن سمُراتٍ بالبطحاء متقاربات لا ينزلوا تحتهنَّ ، حتى إذا نزل القوم وأخذوا منازلهم سواهنَّ . أرسل إليهنَّ ، فقُمَّ ما تحتهنَّ وسدِّين على رؤوس القوم ، حتى إذا نودي للصلاة غدا إليهنَّ فصلّى تحتهن ، ثم انصرف على الناس – وذلك يوم غدير خم ، وخمٌّ من الجُحفة ، وله بها مسجد معروف – فقال :
(( أيها الناس ، إنه قد نبأني اللطيف الخبير : أنَّهُ لن يُعمَّر نبيٌّ إلا نصف عمر الذي يليه قبله )) .
وذكر الحديث .
والقصد منهُ قوله صلى الله عليه وسلم : (( أيُّها الناس ، أنا فرَطُكم ، وإنكم واردون عليَّ الحوض أعرضُ مما بين بُصرى وصنعاء ، فيه عدد النجوم قُدحانٌ من فضةٍ . ألا وإني سائلكم حين تردون عليَّ الثقلين ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما حين تلقوني )) .
قالوا : وما الثقلان يا رسول الله ؟
قال : (( الثِقلُ الأكبر : كتاب الله ، سببٌ طرفٌ بيد الله وطرفٌ بأيديكم ، فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تُبدّلوا . ألا وعترتي ، فإني قد نبأني اللطيف الخبير أن لا يتفرقا حتى يلقياني ، وسألت ربي لهم ذلك فأعطاني . فلا تسبقوهم فتهلكوا ، ولا تُعلِموهم فهُم أعلم منكم )) .
ومن طريق بن عُقدة أوردهُ أبو موسى المديني في (( ذيله )) في الصحابة ، وقال : إنه غريبٌ جدا ً .
وأما حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه :
فهو عند ابن أبي شيبة ، وعند أبي يعلى في (( مسنديهما )) وكذا أخرجه البزار في (( مسنده )) أيضاً ولفظُهُ : ((لمّا فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، انصرف إلى الطائف فحاصرها سبع عشرة ، أو تسعة عشرة ، ثم قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه )) ثم قال :
(( أوصيكم بعترتي خيراً ، وإنَّ موعدكم الحوضُ . والذي نفسي بيده لتُقيمُنَّ الصلاة ولتُؤتُنَّ الزكاة ، أو لأبعثَنَّ إليكم رجلاً مني – أو كنفسي – يضربُ أعناقكم ))
ثم أخذ بين علي رضي الله عنه فقال : (( هذ ا)) .
وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما :
فأشار إليه الديلمي في (( مسنده )) .
وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما :
فهو في (( المعجم الأوسط )) للطبراني بلفظ : آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اخلفوني في أهل بيتي )) .
وأما حديث عدي بن حاتم ، وعقبة بن عامر رضي الله عنهما :
فقد تقدم حديثهما في خزيمة رضي الله عنه .
وأما حديث علي رضي الله عنه :
فهو عند إسحاق بن راهويه في (( مُسنده )) من طريق كثير بن زيد عن محمَّد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، عن أبيه ، عن جدّه علي رضي الله عنه : أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال :
(( قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله سببهُ بيده ، وسببهُ بايديكم . وأهل بيتي )) .
وكذا رواه الدولابي في (( الذُّرِّية الطاهرة )) ، ورواه الجِعَابي في (( الطالبين )) من حديث عبد الله بن موسى ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( إني مُخلفٌ ما إن استمسكتم به لن تضّلوا : كتاب الله عز وجل ، طرفهُ بيد الله ، وطرفه بأيديكم . وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض )) .
وروااه البزار بلفظ : (( إني مقبوضٌ ، وإنّي قد تركت فيكم الثقلين – يعني كتاب الله وأهل بيتي – ، وإنَّكم لن تضلوا بعدهما ، وإنه لن تقوم الساعة حتى يُبتغى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . كما تُبتغى الضَّالةُ ، فلا تُوجد )) .
وأما حديث أبي ذر رضي الله عنه :
فأشار إليه الترمذي في (( جامعه )) ، وأخرجه ابن عُقدة من حديث سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن أبي ذر رضي الله عنه : أنه أخذ بحلقه باب الكعبة ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
(( إنّي تاركٌ فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي . فإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما )) .
وأما حديث أبي رافع رضي الله عنه :
فهو عند ابن عُقدة أيضاً ، من طريق محمّد بن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبيه عن جده أي رافع موفى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه ، قال : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم غدير خم مصدره من حجة الوداع ، قام خطيباً باناس بالهاجرة . فقال : (( أيها الناس )) ، وذكر الحديث .
ولفظه : (( إني تركت فيكم الثقلين . الثقل الأكبر ، والثقل الأصغر . فأما الثقل الأكبر : فبيد الله طرفه ، والطرف الآخر بأيديكم . وهو كتاب الله ، إن تمسكتم به ، فلن تضلوا ولن تذلّوا أبداً )) .
وأما الثقل الأصغر : فعترتي أهلُ بيتي ،إن الله هو الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا ، حتى يردا عليَّ الحوض ، وسألته ذلك لهما .
والحوض عرضُهُ ما بين بُصرى وصنعاء ، فيه من الآنية عدد الكواكب . والله سائلكم كيف خلفتموني في كتابه ، وأهل بيتي )) الحديث .
وأما حديث أبي شريح ، وأبي قدامة رضي الله عنهما :
فقد تقدما في خزيمة رضي الله عنه .
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
فهو عند البزار في (( مسنده )) بلفظ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إني خلفتُ فيكم اثنين لن تضلوا بعدهما أبداً : كتاب الله ، ونسبي ، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض )) .
وأما حديث أبي الهيثم ورجال من قريش :
فقد تقدموا في خزيمة رضي الله عنه .
وأما حديث سلمة رضي الله عنها :
فهو عند ابن عقدة من حديث هارون بن خارجة ، عن فاطمه ابنة علي ، عن أم سلمة رضي الله عنها ، قالت : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد عليّ رضي الله عنه بغدير خم ، فرفعها حتى رأينا بياض ابطه ، فقال : (( من كنتُ مولاه )) – الحديث .
وفيه ، ثم قال : (( يا أيّها الناس ، إني مخلفٌ فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي ، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض )) .
وأما حديث أمّ هانئ رضي الله عنها :
فهو عنده أيضاً من حديث عمرو بن سعيد بن عمرو بن جَده‘بن هُبيْرة ، عن أبيه : أنه سمعها تقول : رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجَّته ، حتى إذا كان بغدير خُمٍّ ، أمر بدوحات فقُممْنَ ، ثم قام خطيبا بالهاجرة . فقال :
(( أما بعد : أيها الناس ، فإني موشكٌ أن أُدعى فأجيب ، وقد تركت فيكم ما لم تضلوا بعدّهُ أبداً كتاب الله طرفٌ بيد الله ، وطرفٌ بأيديكم . وعترتي أهلُ بيتي ، أُذكِّركُم الله في أهل بيتي . ألا إنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض )) .
* وهذه إشارةٌ إلى شيءٍ من فوائد هذا الحديث :
فالثقلان : هما وكما تقدم : كتاب الله والعترة الطيبة – إنما سمَّاها بذلك إعظاما لقدرهما ، وتفخيماً لشأنهما . فإنه يُقال لكل شيء خطير نفيس : ثقيل ، وأيضاً فلأنَّ الآخذُ بهما والعمل بهما : ثقيل .
ومنه : قوله تعالى { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } أي : له وزنٌ وقدر ، أو لأنه لا يؤدى إلأا بتكلف ما يثقل . وكذا قيل للجن والإنس : الثقلان ، لكنهما قُطّانُ الأرض ، وفُضّلا بالتمييز على سائر الحيوان .
وناهيك بهذا الحديث العظيم فخراً لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن قوله صلى الله عليه وسلم :
(( انظروا كيف تخلفوني فيهما )) ، و (( أوصيكم بعترتي خيراً )) ، و (( أُذكركم الله في أهل بيتي )) .
على اختلاف الألفاظ في الروايات التي أوردتُها ، تتضمن الحث على المودة لهم والإحسان إليهم ، والمحافظة عليهم ، واحترامهم وإكرامهم ، وتأدية حُقوقهم الواجبة والمستحبة . فإنهم من ذُرية طاهرة ، من أشرف بيت وُجدَ على وجه الأرض ، فخراً ، وحسباً ، ونسباً .
ولا سيما إذا كانوا متَّبعين للسنَّة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية ، كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه ، وعليٍّ وآل بيته وذويه رضي الله عنهم .
وكذا يتضمن تقديم المُتأهل منهم للولايات على غيره .
بل وفي قوله صلى الله عليه وسلم كما تقدم : (( لا تقدَّموها فتهلكوا ، ولا تُقصروا عنها فتهلكوا ، ولا تُعلموهم فإنهم أعلمُ منكم )) .
إشارةٌ إلى ما جاءت به الأحاديثُ الصريحة ، من كون الخلافة في قريش ، ووجوب الانقياد لهم ، فيما لا معْصية فيه .
فمن ذلك : عن جبير بن مطعم رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يا أيّها الناس ، لا تقدَّموا قريشاً فتهلِكوا ، ولا تخلَّفوا عنها فتضلوا ، ولا تُعلموها وتعلَّموا منها ، فإنَّهم أعلمُ منكم . لولا أن تَبْطُرَ قُريش ، لأخبرتُهنا بالذي لها عند الله عز وجل )) . أخرجه البيهقي .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( الناس تبعٌ لقريش في هذا الشأن ، مُسلمهم تبعٌ لمسلمهم ، وكافرهم تبعٌ لكافرهم . فالناس معادن ، خيارُهم في الجاهلية خيارُهم في الإسلام ، إذا فَقُهوا )) متفقٌ عليه .
وعن معاوية رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
(( إنَّ هذا الأمر في قريش ، لا يُعاديهم أحدٌ إلا كبَّهُ الله على وجهه ، ما أقاموا الدّين )) أخرجه البخاري.
وعن أبي بَزْرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الأمراء في – قريش ثلاثاً – ما حكموا فعدلوا ، واستُرحموا فرحموا ، وعاهدوا فوفوا )) .
وعن عتبة بن عبدٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( الخلافة في قريش ، والحكم في الأنصار ، والدَّعوة في الحبشة ، والهجرة في المسلمين ، والمهاجرين بَعْد )) . أخرجهما أحمد .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( أمانٌ لأهل الأرض من الغرق القوس ، وأمانٌ لأهل الأرض من الاختلاف المُوالاة لقريش . قريش أهل الله ، فإذا خلافتها قبيلةٌ من العرب صاروا حِزْبَ إبليس )) . أخرجه الطبراني .
وعن سهل بن سعد السعدي رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أحبوا قريشاً ، فإنَّ من أحبهم ، أحبه الله )) .
أخرجه ابن عرفة في (( جزئه )) الشهير من طريق عبد المهيمن بن عباس بن سهل ، عن أبيه ، عن جده به .
إلى غير ذلك من الأحاديث التي اعتنى شيخنا رحمه الله بجمعها في كتاب سماه (( لذَّة العيش في طرق حديث الأئمة من قريش )) ، فلا نُطيل بسياقها .
وقد سُئل رحمه الله عن معنى حديث : (( قدّموا قريشاً )) فقال : هو على العموم في كل أمر من الأمور ، على ما يقتضيه لفظ الخبر .
وقد استدل به الإمام الشافعي رحمه الله على تقديم القرشي في إمامة الصلاة . ومحل ذلك : إذا اجتمع قرشيٌّ وغير قرشي في طلب أمرٍ ووافق كلٌّ منهما شرط ذلك الأمر ،فيقدم القرشي على غير القرشي ، إذا استوى كلٌ منهما شرط ذلك الأمر ، فيقدم القرشيُّ على غير القرشي ، إذا استوى معه في ذلك .
مثالُ ذلك : أن تكون وظيفة تدريس ، وغير القرشي عالمٌ ، والقرشي غير عالم ، أو غير القرشي فائقٌ ، والقرشي مبتدئ ، فيقدم العالم والفائق .
وكذلك لو حضر قرشيٌّ غيرُ فقيه ، وفقيهٌ غيرُ قرشي ، قُدّم الفقيه في الإمامة على القرشيِّ ، وقس على ذلك .
ثم إن قول زيد بن أرقم رضي الله عنه الماضي في تفسير أهل البيت . اختطفت الرواية عنه في إثبات كون نسائه من أهل بيته ، ونفيه ، ويمكن الجمعُ بينهما : بأنَّ المنفيَّ الاقتصار عليهن فقط ، والمُثبتَ بانضمامهن مع من ذُكر ، وبذلك يجتمع هذا الحديث أيضاً مع الآية التي هُنَّ سببُ نزولها ، وهي قوله تعالى : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } .
وفي (( صحيح مسلم )) من حديث مُصعب بن شيبة ، عن صفية ابنة شيبة ، قالت : قالت عائشة رضي الله عنها : خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداةٍ وعليه مِرْطٌ مُرحَّلٌ من شعر أسود ، فجاء الحسن بن علي رضي الله عنهما فأدخله ، ثم جاء الحسين رضي الله عنه فأدخله ، ثم جاءت فاطمة رضي الله عنها فأدخلها ، ثم جاء عليٌّ رضي الله عنه فأدخله . ثم قال :
{ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } وغفل الحاكم فاستدركه .
وفي الباب عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم في حديث بعضهم من الزيادة : (( اللهم هؤلاء أهلُ بيتي ، وأهلُ بيتي أحق )) .
وفي حديث آخر : أنه فعل ذلك لما نزلت آية المُباهَلة { ندعُ أبناءنا وأبناءكم } .
وفي آخر : أن أمَّ سلمة رضي الله عنها جاءت تدخُل معهم ، فقال لها صلى الله عليه وسلم بعد منعه لها: (( إنّك على خير )) .
وفي آخر أنها قال : يا رسول الله ! وأنا ، قال : (( وأنتِ )) .
وفي آخر : (( أنتِ من أهلي )) .
وفي آخر : أن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال : فقلتُ : وأنا يا رسول الله صلى الله عليك ، من أهلكَ ؟ قال : (( وأنتَ من أهلي )) .
قال واثلة : فإنها من أرجى ما أرتجي .
وفي أسانيدها كلها مقال .
ويروى عن علي رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( سلمان منَّا آل البيت ، وهو ناصحٌ ، فاتخذهُ لنفسك )) .
وفي (( الفردوس )) بلا إسنادٍ عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً : (( أسامة منا أهل البيت ، ظهراً لبطن )) .
وعند أحمد في (( المناقب )) عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت – يعني { إنما يريد أن ليذهب الله عنكم الرجس } – في خمسة : النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، وعليٌّ ، وفاطمة ، والحسن والحسين رضي الله عنهم .
وكذا اشتمل النبيّ صلى الله عليه وسلم على عمّه العباس وبينه رضي الله عنهم بملاءته ، وقال : (( يا ربّ ، هذا عمّي صنو أبي ، وهؤلاء أهل بيتي فاسترهم من النار كسترتي إياهم بملائتي هذه ، فأمَّنت أسكَّفةُ الباب وحوائط البيت ، فقالت : آمين آمين آمين )) .
وحديث عائشة رضي الله عنها أصح ، وفيه منقبة ظاهرة لأهل البيت .
ولذلك قال الحسن بن علي رضي الله عنهما فيما رواخ ابن أبي حاتم عن طريق حصين بن عبد الرحمن ، عن أبي جميلة : أن الحسن بن علي رضي الله عنهما استخلف حين قُتل عليٌّ رضي الله عنه قال : (( فبينما هو يُصلّي ، إذ وثب عليه رجلٌ فطعنهُ بخنجرٍ – وزعم حصين : أنّه بلغه أن الذي طعنهُ رجلٌ من بني أسد – وحسنٌ ساجد .
فقال : يا أهل العراق ، اتقوا الله فينا . فإنّا أُمراؤكم وضيفانكم ، ونحنُ أهل البيت الذي قال الله عزَّ وجل : { إنما يريدُ الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويُطهركم تطهيراً } .
قال : فما زال يقولها حتى ما بقي أحدٌ من أهل المسجد ، إلا وهو يحنُّ بكاء )) انتهى .
ولم يمت رضي الله عنه من هذه الطعنة، وعاش بعدها عشر سنين فأكثر . لكنْ سُقي السُّمَّ مراراً ، منها على يد جَعدةَ ابنة الأشعث بن قيس ، واشتكى منه نحو أربعين يوماً ، ومات رضي الله عنه بالمدينة ودُفن بالبقيع .
بل قال زين العابدين عليٌّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم لرجل من أهل الشام : أما قرأت في الأحزاب : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجسَ أهل البيت ويطهركم تطهيراً } .
قال : ولأنتم هُمْ ؟ ، قال : نعم .
وقول زيد بن أرقم رضي الله عنه : أهل بيته من حُرم الصدقة ، هو ( بضم المهملة وتخفيف الراء ) . والمرادُ بالصدقة : الزكاة الواجبة ، تنزيهاً لهم عن أكل أوساخ الناس ، وهي في مذهب الشافعي رحمه الله حرامٌ على بني هاشم ، وبني عبد المطلب ، وقد عُوّضوا بدلاً عما حُرموه من ذلك ، باشتراكهم دون غيرهم من قبائل قريش في سهم ذوي القربى .
قال البيهقي رحمه الله : وفي تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم وبني عبد المطلب بإعطائهم سهم ذي القُربى ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (( إنما بنو هاشم وبنو عبد المطلب شيءٌ واحد )) . فضيلة أُخرى وهي : أنه حرّمَ الله عليهم الصدقة ، وعوضهم منها هذا السهم من الخُمْس فقال صلى الله عليه وسلم :
(( إن الصدقة لا تحِلُّ لمُحمّد ، ولا لآل محمد )) .
قال : وذلك يَدلكَ أيضاً على أن آله الذين أُمرنا بالصلاة عليهم معه ، هُمُ الذين حرَّم الله عليهم الصدقة ، وعوَّضهم منها هذا السهم من الخُمْس .
فالمسلمون من بيني هاشم وبني عبد المطلب ، يكونون داخلين في صلواتنا على آل نبينا صلى الله عليه وآله ، في فرائضنا ونوافلنا ، وفيمن أمرنا بحبّهم . انتهى .
وأما أبو حنيفة ، ومالكٌ رحمهما الله ، فقصرا التحريم في الواجبة على بني هاشم فقط ، على أنّه رُوي عن أبي حنيفة رحمه الله خلافُ ذلك أيضاً .
فحكى الطبري عنه جوازها لهم مُطلقاً ، والطحاوي إذا حُرموا سهم ذوي القربى . وهذا أيضاً محكيٌّ عن الأبهري من المالكية ، بل هو وَجْهٌ لبعض الشافعية .
وقال القاضي أبو يوسف رحمه الله : تحلُّ من بعضهم لبعض ، لا من غيرهم . يعني لما فيه من رفع يد الأدنى على الأعلى ، بخلاف غيرهم .
وقد قال صلى الله عليه وسلم في الصدقة كما في (( صحيح مسلم )) : (( إنّما هي أوساخ الناس )) .
ومن هذا الحديث يُخذ جواز أخذهم صدقة التطوع دون الفرض ، وهو قول أكثر الحنفية ، والمُصَّححُ عند الشافعية والحنابلة ، وروايةٌ عن المالكية .
بل عندهم أُخرى ، في جواز الفّرضِ دون التطوع ، ووجهه أن بالأخذ سقط الفرضُ عن المُعطى ، فان مُعيناً له ، فلا ذرة حينئذ .
ويساعده تفسير اليد العليا بالآخذة ، كما بُسط في محله ، والله الموفق .
وأورد المُحبُّ الطبري بلا إسناد أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( استوصوا بأهل بيتي خيراً ، فإني أُخاصِمُكُم عنهم غداً . ومن أكن خصْمُهُ ، أَخْصِمْهُ ، ومن أخصمه ، دخل النار )) .
ولم أقف له على أصلٍ أعتمده .
وعن شُعبة ، عن واقد بن محمّد ، عن أبيه ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال أبو بكر رضي الله عنه : (( ارقبوا محمّداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته )) .
أخرجه البخاري في (( صحيحه )) من وجهين عن شُعبة .
والمراقبةُ للشيء المحافظةُ عليه ، وخاطب أبو بكر رضي الله عنه الناس بذلك يُوصيهم بأهل بيت نبيهم صلى الله عليه وسلم يقول : (( احفظوه فيهم )) .
فلاتؤذوهم ولا تُسيئوا إليهم ، والله أعلم .

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14

بحث سريع