استجلاب ارتقاء الغرف -2

بواسطة | الحافظ السخاوي
2005/06/19
المقدمة
فيمن حضرني من أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم المنسوبين إلى جده الأقرب عبد المطَّلب
وهو : شيبةُ الحمد بن هاشم بن عبد مناف بن قُصي بن كلاب بن مُرَّة بن كعب بن لُؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مُدركة بن إلياس بن مُضر بن نزار بن معدّ بن عدنان .
* ممن صَحِب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أو رءاه من ذكرٍ أو أنثى .
فأولاد عبد المطلب نفسه هم : حمزة ، والعباس رضي الله عنهما ، وهما اسمان غير منافيان للإسلام ، وصفيّة ، وأميمة ، وأروى ، وعاتكة ، على خُلْفٍ في إسلام الثلاث الأخيرات .
فأما حمزة رضي الله عنه ، فله من الذكور خمسةٌ منهم : يعلى ، وعُمارة ، وعمر ، وعامر . ومن الإناث : أمُّ الفضل ، وفاطمة – وقيل : إنها هي التي قبلها – وأمامة . ولم يُعقِّب إلا من يعلى فقط ، فإنه وُلد له خمسة رجال لِصلبِه ، لكنهم ماتوا ولم يُعقِّبوا ، وانقطع نسل حمزة . قاله الزبير .
وأما العباس رضي الله عنه ، فله من الذكور عشَرة وهم : الفضل ، وعبد الله ، وقُثم ، عبيد الله ، ومَعبد ، وعبد الرحمن . أُمُّ هؤلاء الستة ، لُبابة الكبرى ابنتة الحارث الهلالية ،اُمُّ الفضل أخت أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنهما .
وقيل لها : الكبرى ، للاحتراز عن أختها المسماة أيضاً لُبابة ، وهي أمّ خالد بن الوليد ، وكان يقال لهذه : الصغرى .
والحارث ، وكثير ، وعون ، وتمًّام .
وفيه يقول العباس رضي الله عنه :
تمّوا بتمامٍ فصاروا عشرةً يا ربّ فاجعلهم كِراماً بررة
واجعل لهم ذِكْراً وأنم الثَّمرة
وكان أكبرهم الفضل ، ثم عبد الله ، ثم قُثم . وسمى ابن دُريد في بني العباس : مُسهِراً وصبحاً ، وأنكرهما الزبير بن بكار ، فإن صح ، فلعلهما وُلدا بعد تمّام .
قال أبو عمر رحمه الله : لكلّ من ولد العباس رُوايةٌ ، وللأولين سماع .
وعبد الله ثانيهما : هو البحر تًرجمان القرآن ، وهو جدُّ الخلفاء الذي كان أوَّلهم أبا العباس السفاح ، واسمه عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس .
استقر فيها في سنة اثنتين وثلاثين ومئة ، فأقام دون خمس سنين ، واستقر بعده أخوه أبو جعفر المنصور واسمه عبد الله ، وهو الذي بنى بغداد وسماها : (( مدينة السلام )) ، وطالت مُدّته .
قال المدائني رحمه الله فيما رويناه عنه : وَجَّهَ أبو جعفر رجلاً من بني عبس إلى الشام في حاجةٍ له في أول أمره ، فحمد صنيعه فيها ، فقال له : ارفع حوائجك ، فإنه ليس في كلّ وقت تؤمر بهذا .
فقال : يبقيك الله يا أمير المؤمنين ، فوالله ما استقصر أجلك ، ولا أخاف بخلك ، ولا اغتنم بذلك ، وإن عطاءك لزين ، وسؤالك لشرف ، وما بامرئٍ بذل وجهه إليك ، عارٌ ولا منقصة ، وإنك بهذا المقام ، وأنا بهذا الكلام أولى من أمية وابن جدعان ، حيث يقول فيه :
عطاؤك زيْن لامرئٍ إن حبوتهُ عطاءً وما كلُّ العطاء يزينُ
وليس بشين لامرئِ بذل وجهه إليك كما بعضُ السُؤال يشينُ
فأمر له بمئة ألف .
وقال عثمان بن عبد الرحمن رحمه الله فيما رويناه من طريقه في (( المُجالسة )) : عرضت عاتكة ابنة عبد الملك المخزومية أم إدريس وسليمان وعيسى بني عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب لأمير المؤمنين المنصور وقد وافى حاجاً ، فصاحت به وهو في الطواف .
فقالت : يا أمير المؤمنين ، احمل عنّي كلَّك ، أو أعنّي على حمله لك ، معي بنو عبد الله بن حسن صبيةٌ لا مال لهم ، وأنا امرأةٌ لستُ بذات مال . فأنشدُك الله أن يُفارق احتمالك ما يلزمك احتماله فيهم ، وأعنّي عليهم ، ولا تحوجني إلى اطِّراحهم ، فإني خائفةٌ عليهم إن فعلت ذلك ، أن يضيعوا .
فقال : يا ربيع ! من هذه فنسبها له .
فقال : هكذا والله ينبغي أن يكون نساء قومي ، وأمر بردّ ضياع أبيهم عليها لهم ، وأمر لها بألف دينار .
قال راويةعثمان : وكان هؤلاء حين قتل الحسين بن محمد (( بفخّ )) في أيام موسى ، فمضى إدريس إلى المغرب ، فيها ولده إلى اليوم ، انتهى .
وقد كان أخوهم محمد بن عبد الله خرج ومعه أخوه إبراهيم على المنصور ، وراسله يذكر فخره وفخر سلفه ، فردَّ عليه المنصور وذكر فخره وفخر سلفه . وفيهما فوائد ، لكن رأيت الإعراض عنهما هنا أدباً مع الفريقين .
وآل الأمر إلى أن بعث المنصور إليه عيسى بن موسى فقتله ، واستمرت الخلافة يتداولها منهم الخلف عن السلف ، مع ما اتفق في خلال ذلك ، مما لشرحه غير هذا المحل .
وبالجملة : فلم يبق من مُددٍ متطاولة لهم من ذلك ، إلا مُجرّد الاسم ، بل هُم كالمَحجور عليهم ، والله المستعان .
وقيل : إنه ما رُؤيت قبور إخوة أشدّ تباعداً بعضها من بعض ، من قبور بني العباس ، مع كونهم وُلدوا في دار واحدة . فالفضل بأجْنادين ، ومعبدٌ وعبد الرحمن بإفريقية ، وعبد الله بالطائف – وقد زرته هناك – وعُبيد الله باليمن ، وقُثم بسمرقند ، وكثير بينبُع .
ولعل الحكمة في ذلك : انتشار بركتهم في الآفاق ، وفي عَدِّ ( كثير ) في هؤلاء ، إشعارٌ بأنه من لُبابه أيضاً .
وقد قال الشاعر :
ما ولدَت نجيبةٌ من فَحْل كسبعة من بطنِ أم الفضْل
ولكن قال السُّهيلي رحمه الله : الأصحُّ في كثير ، أنَّ أُمَّهُ رُوميه ، والله أعلم .
وكان للعباس من الإناث : أم حيبب – أو حبيبة – ، وآمنة ، وصفية ، وأم الفضل .
وأما صفية ابنة عبد المطلب رضي الله عنها ، فهي أم الزبير بن العوّام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي بن كلاب . أحد العشرة ، ووالدُ عبد الله الذي أُمُّه أسماء ابنة أبي بكر الصديق بن أبي قحافة ، وكفى عبد الله فخراً ، أنه هو وأمّه وجدُّها وأبوها – الذي هو أفضل الخلق بعد الرسول صلى الله عليه وسلم – صحابة .
وقول موسى بن عقبة رحمه الله المرويُّ عندنا من طريق البخاري في غير (( صحيحة )) ، لا نعلم أربعة أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم – يعني في نسقٍ – إلا هؤلاء الأربعة : أبو قحافة ، وابنه أبو بكر الصديق وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر ، وابنه أبو عتيق محمد متعقب بهذا ، إلا أن يكون بقيد الرجال . على أنه سيأتي في أواخر هذه المقدمة ، أنَّ شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد – جدُّ إمامنا الشافعي – ، ذُكِرَ هو أبوه وجدُّهُ وجدُّ أبيه في الصحابة ، على خُلْفٍ في عبد يزيد ، كما أوضحته مع تتمات لذلك في بعض التعاليق .
وكذا من أولاد صفية رضي الله عنها : السائب ، شهد بدراً وغيرها ، ولا عقب له .
وأما أميمة : فهي أم عبد الله ، وأبي أحمد ، وأم المؤمنين زينب ، وأم حبيبة ، وحَمْنة بني جحش بن رئاب بن يَعْمر الأسدي ، ولهم أخٌ سادس اسمه عبيد الله – بالتصغير – ، لكنه مات نصرانياً بأرض الحبشة بعد أن كان أسلم ، وتزوَّج صلى الله عليه وسلم امرأته أم حبيبة ابنة أبي سفيان .
وأما أروى : فهي أم طُليب بن عُمير بن وهب بن أبي كثير بن عبد بن قصي بن كلاب بن مُرَّة . صحابي أيضاً ، ولا عقب له .
وأما عاتكة : فهي أم عبد الله ، وزهير ، وأم المؤمنين أم سلمة بني أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي .
ومن أولاد عبد المطلب ممن لم يُسلم : أبو طالب ، وأبو لهب ، واسم كل منهما مُنافٍ للإسلام، والزبير ، والحارث ، وأم حكيم البيضاء ، وبَرّة .
فأما أبو طالب : واسمه على الصحيح عبد منافٍ كجده ، فله من الأولاد : عليٌّ ، وجعفر ، وعقيل ، وأم هانئ واسمها على المشهور فاخته ، وجُمانة رضي الله عنهم ، وكُلهم أشقاء .
وكذا طالب الذي كني به ومات كافراً . أمُّهم فاطمة ابنة أسد بن هاشم صحابية أيضاً ، وهي ابنة عم زوجها .
فأولاد عليٍّ رضي الله عنه – ولو لا حظنا في ترتيب الأقرباء الأفضلية قدمنا – هم : الحسن ، والحسين ، ومُحسن ، وأم كلثوم ، وزينب . وكلهم من فاطمة رضي الله عنهم ـ وانتشر نسله منها في سائر الآفاق من جهة السبطين الحسن والحسين رضي الله عنهما فقط .
ويقال للمنسوب لأولهما : حَسني ، ولثانيهما : حُسيني .
وربما انتسب إليهما شخص واحدٌ باعتبارهم ، وقد يضم للحسين ممن يكون من ذرية إسحاق بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الإسحاقي ، فيقال :
الحسيني الإسحاقي ، وربما قيل له الحسيني الجعفري كما سيأتي .
وإسحاق هذا ؛ هو زوج السيدة الشهيرة نفيسة ابنة الحسن بن زيد بن الحسن بن علي .
واختصا – أعني السبطين رضي الله عنهما – بانتشار النسل منهما ، لمزيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما ، كما اختصت أمهما الزهراء رضي الله عنها عن أخواتها بنات النبي صلى الله عليه وسلم ، بكون نسله صلى الله عليه وسلم منهما فقط .
لأن عبد الله بن عثمان بن عفان ، من رقية رضي الله عنها مات قبلها بسنة ، وبتنصيصه صلى الله عليه وسلم على كونها بضعة منه ، أنها سيدة نساء أهل الجنة – إلا ما كان من مريم عليها السلام – .
وفي لفظ خاطبها به : (( أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين )) . وفي آخر : (( خير نساء العالمين مريم )) .
وفي آخر : (( خير نساء العالمين . مريم وآسية وخديجة وفاطمة )) . وقالت عائشة رضي الله عنها : (( ما رأيتُ أحداً قط أفضل من فاطمة ، غير أبيها )) .
إلى غير ذلك مع ما رُوي من دُعائه صلى الله عليه وسلم بالبركة في نسلها ، كما سيأتي .
وأنه لما نزل قوله تعالى : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } أرسل إليها وإلى زوجها وابنيها ، واشتمل عليهم بكسائه .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( هؤلاء أهل بيتي )) .
أما بقية أولاد فاطمة رضي الله عنها : فَمُحسن مات صغيراً ، وأم كلثوم عاشت حتى رَغِبَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه – كما سيأتي – في تزويجها ، ولمّا خطبها عمر من علي رضي الله عنهما . قال له عليٌّ رضي الله عنه : إن عليَّ فيها أُمراء ، حتى استأذنهم .
فأتى ولد فاطمة فذكر ذلك لهم ، فقالوا : زوِّجهُ . فدعا أم كلثوم – وهي يومئذ صبية – فقال : انطلقي إلى أمير المؤمنين ، فقولي له : إن أبي يُقرئك السلام ، ويقول لك : إنَّا قد قضينا حاجتك التي طلبت .
فأخذها عمر رضي الله عنه فضمها إليه ، وقال : إني خطبتها إلى أبيها فزّوجنيها . فقيل : يا أمير المؤمنين ، ما كُنت تُريد ، إنها صبية صغيرة ؟!
فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر الحديث الآتي.. .
وولدت له زيداً ، ورقية .
فأما زيد ، فقتله خالد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب خطأً ، ولم يترك ولداً .
وكان موته فيما قيل هو وأمه في ساعةٍ واحدة ٍ ، فلم يُدْرَ أيُّهما قُبض قبل صاحبه ، ليرثه الآخر .
وأما رقية ، فتزوج بها إبراهيم بن نعيم النحّام ، فماتت عنده ، ولم تترك أيضاً ولداً ، فليس لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ذرية من أم كلثوم ابنة فاطمة رضي الله عنهم .
ولما مات عمر رضي الله عنه ، دخل عليها أخواها الحسن والحسين رضي الله عنهما فقالا لها : إنك من عَرفتِ سيدة نساء المسلمين وبنت سيدتهم ، وإنك والله لئن أمكنت علياً من نفسك ، لينكحنك بعض أيتامه ، ولئن أردت أن تصيبي بنفسك مالاً عظيماً ، لتُصيبِنّه .
فوالله ما قاما حتى طلع عليٌّ رضي الله عنه يتكئ على عصاةٍ ، فجلس فحمد الله وأثنى عليه ، ثم ذكر منزلتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال : قد عرفتم مني يا بني فاطمة ، وأثرتكم عندي على سائر ولدي ، لمكانكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابتكم منه .
فقالوا : صدقت ، رحمك الله ، فجزاك الله عنا خيراً .
فقال : أي بُنية ، إن الله قد جعل أمركِ بيدك ، فأُحب أن تجعليه بيدي .
فقالت : أي أبةِ ، والله إني امرأةٌ أرغب فيما ترغبُ فيه النساءُ ، فأنا أُحب أن أصيب ما تصيب النساء من الدنيا ، وأنا أُريد أن أنظر في أمر نفسي ,
فقال : لا والله يا بُنية ، ما هذا من رأيك ، ما هو إلا من رأيُ هذين – يعني أخويها – ثم قام .
فقال : والله لا أكلّمُ رجلاً منهما ، أو تفعلين . فأخذا بثيابه ، فقالا : اجلس يا أبة ، فوالله ما على هجرانك من صبر ، اجعلي أمرك بيده .
فقالت : قد فعلتُ . فقال : قد زوجتك من عون بن جعفر – يعني ابن أخيه – وإنه لغلام ، ثم رجع إلى بيته فبعث إليها بأربعة آلاف درهم ، وبعث إلى ابن أخيه ، فأدخلها عليه .
قال:راويه حسن بن حسن بن علي(فوالله ماسمعت بمثل عشق منها له منذ خلق الله)
زاد غيره : فلم ينشب عون أن هَلَكَ . فرجع إليها علي رضي الله عنه ، فقال : يا بنية ، اجعلي أمرك بيدي . ففعلت ، فزوجها محمد بن جعفر – الابن الآخر لأخيه – ، ثم خرج فبعث إليها بأربعة آلاف درهم ، ثم أدخلها عليه ، فمات عنها . فتزوجها عبد الله بن جعفر – الأخ الثالث للأولين – وماتت معه ، ولم يُصب منها ولداً .
والحاصل : أنه تزوج أمّ كلثوم بعد عمر ، ابن عمها عون بن جعفر بن أبي طالب ، ثم تزوجها بعد موته أخوه محمد بن جعفر ، ثم تزوجها بعد موته أخوه عبد الله بن جعفر . فماتت عنده ، ولم تلد لواحدٍ من الإخوة الثلاثة سوى للثاني ، ولدت له ابنة تُوفيت صغيرة ، فليس لها عَقبٌ .
وكذا عاشت زينب ابنة فاطمة الزهراء رضي الله عنهما ، حتى تزوجها ابنة عمها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب المذكور قريباً ، وولدت له عدة أولاد . منهم عليٌّ ، وفيه البقيةُ من ولده .
وأم أبيها تزوجها عبد الملك بن مروان ، ثم طلقها . فتزوجها علي بن عبد الله بن عباس ، وهي التي علمها أبوها كلمات الكرب (( لا إله إلا الله الحليم الكريم … )) الحديث .
وأم كلثوم تزوجها ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب ، وولدت له عدة أولاد .
منهم : فاطمة التي تزوجها حمزة بن عبد الله بن الزبير بن العوام ، وله منها عقب من ولده إبراهيم .
وبالجملة : فعقبُ عبد الله بن جعفر انتشر من عليّ وأم كلثوم ابني زينب ابنة فاطمة ، وكذا العقب في أولاد عبد الله بن جعفر من غيرها ، وهم : معاوية ، وإسحاق ، وإسماعيل .
وما عداهم من ولد عبد الله لا عقب له ، جزم بذلك الزبير .
وعرفت الآن ممن ينتسب لإسحاق بن عبد الله بن جعفر : محمد بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي .
وممن ينتسب لإسحاق بن عبد الله بن جعفر : أبا بكر محمد بن علي بن حيدر بن حمزة بن إسماعيل بن عبد الله بن الحسن بن محمد بن جعفر بن القاسم بن إسحاق .
ويقال لكل من انتمى إلى هؤلاء : جعفري ، وربما نُسب كما قدمت بعض ولد جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب جعفرياً .
وهؤلاء لا نزاع في شرفهم أيضاً ، ولذلك وصف الحافظ عبد العزيز بن محمد النَّخْشَبي وغيره ، بعض المنسوبين إلى جعفر بالسيد .
وأما الجعافرة المنسوبون لعبد الله بن جعفر ، فلهم أيضاً شرفٌ لكنه يتفاوت . فمن كان من ولده من زينب سبطة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهو بلا شك أشرف من غيرهم ، مع كون شرفهم لا يُوازي شرف المنسوبين إلى السبطين الحسن والحسين رضي الله عنهما ، لأفضليتهما عليها ، وامتيازهما بكثير من الخصوصيات .
كما أن أولاد علي رضي الله عنه من غير الزهراء رضي الله عنها ، وهم كثير . عقبه في محمد ، والعباس ، وعمر منهم خاصة ، مع كون لهم شرفٌ لكونهم من بني هاشم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ الله تعالى اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريساً من كنانة ، واصطفى هاشماً من قريش ، واصطفاني من بني هاشم )) .
ولقوله صلى الله عليه وسلم(قال لي جبريل عليه السلام:قلبت مشارق الارض ومغاربهافلم أجد أب خيرا من بني هاشم…)الحديث
ولذلك رأيت شيخنا شيخ الإسلام ابن حجر رحمه الله تعالى ، وصف بعض المنسوبين لجعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب بقوله : شريفٌ من أهل البيت النبوي ، مع كون محمد هذا أمه خولة ابنة جعفر بن سلام بن قيس بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدول بن حنيفة المعروف بابن الحنفية ، لا يُوازى شرف من ينتمي إلى زينب ، فضلاً عن السبطين ، لفوات انتسابهم إليه صلى الله عليه وسلم . وقد كان علي رضي الله عنه رام أن يحصل له ذلك أيضاً بعد وفاة الزهراء رضي الله عنهما ، حيث تزوج ابنة أختها أمامة ابنة العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس ، وهي سبطة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمها زينب أول أولاده صلى الله عليه وسلم ، امتثالاً لوصية الزهراء رضي الله عنها له بذلك .
واستمرت معه حتى قُتل ، فتزوجت بعده بالمغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، امتثالاً لوصية علي رضي الله عنه لها ، بعد أن خطبها معاوية رضي الله عنها ، فامتنعت .
واستمرت عند المغيرة حتى ماتت ، ولم تلد له ولا لعلي رضي الله عنه أيضاً .
بل ليس لزينب رضي الله عنها عَقبٌ أصلاً ، فإن علياً ولدها من أبي العاص أيضاً ، مات وقد ناهز الاحتلام .
وقيل : إنما تزوج أُمامة بعد قتل علي رضي الله عنه ، أبو الهيَّاج بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، لكن الأول أكثر ، ولما ذكرته من شرف بني هاشم ، وُصِفت ذرية العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشرف . لكنهم يُطلقونه تارةً ، ويقيدونه أُخرى .
فوجدت الإطلاق في كلام غير واحدٍ من الأئمة الحُفّاظ ، وفي شيوخ فقيه المذهب النجم ابن الرِّفعة ، شخص يُقال له : الشريف العباسي ، مذكورٌ في الشافعية .
قال شيخنا رحمه الله في (( الألقاب )) : وقد لُقّب به – يعني بالشريف – كل عباسي ببغداد ، وكذلك كلُّ علويٍ بمصر .
وقال غيره : إنه يُقال لنقيب العباسيين ببغداد : نقيب الهاشميين ، ولنقيب العلويين : نقيب الطالبيين ، ومن يكون من بني العباس ، يُنسب قُرشياً ، وهاشمياً ، وعباسياً .
ويزاد لمن يكون من ذرية زينب ابنة سليمان بن علي – أم محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب – الزينبي .
وأما جعفر بن أبي طالب ، فأولاده : عبد الله ، ومحمد ، وعون ، الذين سلف ذكرهم ، وأمهم أٍسماء ابنة عُميس رضي الله عنها . وكذا من أولاد جعفر أحمد ، فيما قاله الواقدي وغيره .
وأما عقيل ، فله من الولد : مُسلم ، ومحمد . تابعيان ، ولثانيهما ابنٌ اسمه عبد الله ، أُمه زينب الصغرى ابنة علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، وقد انقرض ولد عقيل إلا من ولد محمد .
وممن عرفته من بنيه : القاسم بن محمد ، وأبو الحسن علي بن زيد بن عيسى بن زيد بن عبد الله بن مسلم ، ابني عبد الله بن محمد بن عقيل .
وأما أم هانئ ، فلها : جعدة بن هُبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ، له رُؤية . وله من الإخوة : هانئ ، ويوسف ، وعمرو . ولجعدة ابنٌ اسمه يحيى ، تابعيٌ وهو : أبو هارون .
وأما جُمانة – وهي بضم الجيم وميمٍ خفيفة ونون – فلها : أبو عبد الله جعفر بن أبي سفيان الآتي قريباً .
وإلى هنا انتهى ذكر بني أبي طالب .
وينسب إلى علي وجعفر وعقيل بـ (( الطالبيين )) لانتسابهم إلى أبي طالب ، ومن ذلك تسمية أبي الفرج الأصبهاني (( مقاتل الطالبيين )) ، لاشتماله على ذرية الثلاثة . وكذا صنف الجعابي (( تاريخ الطالبيين )) ، ولُقب نقيب العلويين كما سبق : نقيب الطالبيين ، ولكن الأكثر في المنسوبين لعلي بـ (( العلويين )) ، وفي النادر بـ (( الفاطميين )) ، ولو لم يكن من ذرية الزهراء رضي الله عنها .
ومنهم : أبو القاسم منصور بن أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم محمد بن أبي طاهر الطيب بن عبد الله بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب العلوي الفاطمي ، ولجعفر كما سلف بـ (( الجعفريين )) ، ولعقيل بـ (( العقيليين )) .
وأما أبو لهب بن عبد المطلب – واسمع عبد العُزّى – فله من الولد : مُعْتب ، وعُتبة أسلما يوم فتح مكة ، وأختهما دُرَّة أسلمت أيضاً قبلهما وهاجرت . ومُعتب هو والد مُسلم ، وله عَقبٌ . ومن ذريته عباس بن القاسم بن عباس بن محمد بن مُتعب .
وأما الزبير بن عبد المطلب ، فله من الولد : عبد الله ، وضُباعة ، وكانت زوجاً للمقداد بن الأسود رضي الله عنه ، وأم حكيم – أو أم الحكم – ويقال : إنها هي ضُباعة .
وأما الحارث بن عبد المطلب ، فله من الولد : ربيعة ، وأبو سفيان – واسمه المغيرة – ويقال : بل المغيرة آخر ، ونوفل ، وعبد شمس – الذي حوَله النبي صلى الله عليه وسلم فسماه : عبد الله – وسعيد ، وأروى .
فأما ربيعة أولهم – وكان أسن من عمه العباس – ، فله من الولد : عبد الله ، والمطلب ، وأروى ، زوجة حبَان بن منقذ الأنصاري .
وأما أبو سفيان ثانيهم ، فله من الولد : جعفر ، صحابي . قال أبو اليقظان : إنه لا عقب له ، وعبد الله يكنى : أبا الهيّاج ، ويقال : بل أبو الهياج غير عبد الله ، وعاتكة أم الفضل بن مُعتب بن أبي لهب .
وأما نوفل ثالثهم ، فله من الولد : المغيرة ، والحارث ، وعبيد الله ، وعبد الله ، وسعيد . فالحارث ثانيهم ، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض عمل مكة . والمغيرة أولهم ، وهو على الصحيح صحابي ، تزوج أمامة ابنة أبي العاص بن الربيع بعد قتل علي رضي الله عنه ، ولذا ذكره البغوي وغيره .
ثالثهم : عبيد الله مذكور في الصحابة ، وعبد الله مذكورٌ في الصحابة أيضاً . وليَ قضاء المدينة لمروان في خلافة معاوية رضي الله عنه ، فكان أول من ولي قضاءها .
وأما سعيد خامسهم : فذكره شيخنا تبعاً لابن منده في الصحابة ، ولكن جزم أبو نعيم بخلافه .
قال شيخنا : وكلام الدارقطني يدل على أنه سعيد بن الحارث ، وللحارث أحد هؤلاء الخمسة ولدٌ اسمه عبد الله ، صحابي لا عقب له ، وآخر اسمه ربيعة ذكره البغوي في الصحابة . وثالثٌ اسمه عُبيد الله بالتصغير ، مذكورٌ في الصحابة . ورابعٌ اسمه عبد الله بالتكبير ، وهو الملقب (( بَبّه )) – بموحدتين مفتوحتين الثانية ثقيلة – ، أمه هند ابنة أبي سفيان ، وكذا يُقال : إن الحارث تزوج دُرّة ابنة أبي لهب ، وله منها : عُقبة ، والوليد ، وغيرهما .
وبَبَّة : هو والد إسحاق أحد التابعين ، وكذا من أولاده أيضاً : عبد الله ، وعُبيد الله . ومن ذُرية نوفل هذا : أبو خالد يزيد بن عبد الملك بن نوفل .
وأما رَابعهم : عبد الله ، فلا عقب له ، ولا رواية .
وأما خامسهم : سعيد ، فذكره شيخنا في الصحابة وضعف سند حديثه ، وقال : لم أر لسعيدٍ هذا ذكرٌ في كتب الأنساب .
قال : وقد ذكره الدارقطني في كتاب (( الإخوة )) ، وأورد له حديثاً آخر موقوفاً ، لكنه قال فيه : سعيد بن نوفل .
وأما أروى : فهي والدة المطلب بن أبي وداعة السهمي ، ولها من أبي وداعة أيضاً أبو سفيان ، وأم جميل ، وأم حكيم ، والربعة .
وأما أم حكيم البيضاء إحدى من لم يُسلمن من بنات عبد المطلب : فهي أم عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي ، والد عبد الله أمير البصرة في زمن عثمان رضي الله عنه .
وأما برة ابنة عبد المطلب : فهي أم أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي . أخي النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع ، والذي كان زوجاً لابنة عمه أم المؤمنين أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة قبل النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد ألحق النبي صلى الله عليه وسلم ببني هاشم ، بني أخيه المطلب . لما ثبت في (( البخاري )) وغيره عن جبير بن مُطعم رضي الله عنه – وهو من بني نوفل – قال : مشيت أنا وعثمان بن عفان رضي الله عنه – وهو من بني عبد شمس – إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أعطيت بني عبد المطلب وتركتنا ، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة !
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيءٌ واحدٌ )) – زاد في رواة – : (( وشبَّك بين أصابعه )) .
وفي أخرى : (( إن بني المطلب لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام )) .
قال البيهقي رحمه الله : وإنما قال ذلك – والله أعلم – لأن هاشم بن عبد مناف أبا جدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تزوج امرأةً من بني النجار بالمدينة ، فولدت له شيبة الحمد جدُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تُوفي هاشم وهو مع أُمه .
فلما ترعرع ، خرج إليه عمه المطلب بن عبد مناف فأخذه من أُمه ، وقدم به مكة وهو مُردِفُه على راحلته ، فقيل : عبدٌ ملَكه المطلب ، فغلب عليه ذلك الإسم ، فقيل : عبد المطلب .
وحين بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، آذاه قومُه وهمَوا به ، فقامت بنو هاشم وبنو المطلب مُسلمهم وكافرهم دونه ، وأبوا أن يُسلموه .
فما عرفت سائر قريش أن لا سبيل معهم ، اجتمعوا على أن يكتبوا فيما بينهم كتاباً على بني هاشم وبني المطلب ، أن لا يُناكحوهم ولا يبايعوهم . إلى آخر القصة المشروحة في غير هذا المحل من كتب السير والمغازي .
وكان يُقال لهاشم والمطلب : البدران ، فأحببت أن أذكر من وقفت عليه الآن من بني المطلب .
فمنهم : عبيدة ، والحصين ، والطفيل بنو الحارث بن المطلب بن عبد مناف ، ولثانيهم ولدٌ ذكره المَرْزُباني في (( معجم الشعراء )) ، وللثلاثة ابن أخ وهو : سفيان بن قيس بن الحارث .
ومنهم : القاسم ، والصّلتُ ، وقيس بنو مخرمة بن المطلب ، لهم صُحبة .
فأما الصلت : فهو والد جُهيم الصحابي أيضاً ، وأما قيس : فهو والد عبد الله ومحمد التابعيين . بل يُقال : لأولهما صُحبة ، ولثانيهما إدراك . والأول هو والد محمد ومطلب ، والثاني هو والد حكيم بن عبد الله بن قيس بن مخرمة .
ومنهم أبو نبقة ، عبد الله بن علقمة بن المطلب ، صحابي ، وله ابنان : الهُذيم ، وجُنادة صحابيان أيضاً ، استشهدا باليمامة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه .
ومنهم : عبد يزيد بن هاشم بن المطلب ، صحابي ، وله ابنان : الهُذيم ، وجُنادة صحابيان أيضاً ، استشهدا باليمامة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه .
ومنهم : عبد يزيد بن هاشم بن المطلب ، أمه الشَفاء ابنة هاشم بن عبد مناف . وكان يقال له : (( المَحضْ)) لا قذى فيه ، ويقال : أن له صحبة . وله أربعة أولاد : رُكانة ، وعُجير ، وعُمير ، وعُبيد ، أمهم العجلة ابنة عجلان الليثية ، من بني سعد بن ليس بن بكر بن عبد مناةَ بن كنانةَ .
فأما رُكانة : فله يزيد ، وطلحة ، وكذا فيما قيل عليٌّ . وليزيد ابنٌ اسمه عليٌّ ، لكنه تابعي ، وهو والد عبد الله ، ومحمد .
وأما عُجير ، فله نافعٌ صحابيٌ ، وهو والد محمد .
وأما عُبيد ، فله السائب الذي قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيه : اذهبوا بنا إلى السائب نعودُهُ ، فإنه من مُصاصةِ قريش .
بل قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنَّه أخي ، وأنا أخوه )) .
وأمه الشفاء ابنة الأرقم بن هاشم بن عبد مناف ، وأمها خالدة ابنة أسد بن هاشم أخت فاطمة بن أسد ، والدة عليّ بن أبي طالب .
وللسائب عبد الله والي مكة ، وشافعٌ جدُّ إمامنا الإمام الأعظم والمجتهد المقدم أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع ، وحينئذ فشافعٌ هو وأبوه وجده وجدُّ أبيه صحابةٌ ، على خُلْفٍ في عبد يزيد . ويُضاف ذلك لبيت الصديق رضي الله عنه كما تقدم ، ويُعدُّ ذلك في مفاخر إمامنا رضي الله عنهم .
وعثمان ابنه عاش إلى خلافة أبي العباس السفاح وله ذكر في قصة بني المطلب لما أراد السفاح إخراجهم من الخُمْس وإفراده لبني هاشم ، فقام عثمان في ذلك حتى ردَّهُ على ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
وللسائب حفيدٌ اسمه عبيد الله بن علي ، وكذا لشافع حفيداسمه محمد بن علي ، بل ومن ذريته محمد بن العباس بن عثمان بن شافع ، والد إبراهيم وعبد الله ، في آخرين يطول ذكرهم .
ومنهم : مسطح بن أُثاثة بن عباد بن عبد المطلب ، ابن ابنة خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه . وكذا خاطب العباس رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم في أبي سفيان صخر بن حرب بن أمَّية بن عبد شمس بن عبد مناف ، بقوله : (( إنَّه ابن عمنا )) .
وهو كذلك ، فإن عبد شمس ، هو أخو هاشم والمطلب ، وهو جدُّ كلٍ من عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية ، ثالث الخلفاء الراشدين ، وصهر النبي صلى الله عليه وسلم على ابنتيه .
وصهر النبي صلى الله عليه وسلم الآخر : أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس ، وأمه هالة ابنة خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، أخت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنهم .
ولهؤلاء الثلاثة أخٌ رابعٌ ، لكن لأبيهم فقط ، وهو نوفل جد جبير بن مُطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، وكانت العرب تُسمي الأربعة : أقداح النُّضار .
كما رويناه في الفوائد الملحقة بأخر (( الذرية الطاهرة )) من طريق محمد بن الحسن قال : قال عمر بن أبي ربيعة :
نظرت إليها بالمُحصَب من مِنى ولي نظرٌ لولا التحرج عَازمُ
فقلت : أشمسٌ أم مصابيح بيعةٍ بدت لك يوم السجف أم أنت حالمٌ
بعيدةٌ مهوى القُرط أُماً لنوفلٍ أبوها وأُمّا عبد شمس وهاشم
فلم أستطعها غير أنّ قد بدا لنا عشيةَ راحت وجهها والمعاصم
معاصم لم تضرب علي البُهم بالضُحى عصاها ووجهٌ لم تلحَه السمائم
نضَارٌ ترى فيه أساريع مائه صبيحٌ تٌعاديه الأكف النواعم
ومن طريق أبي الحسن الأثرم ، قال : كان يقال لهم المجيرون .
وفيهم قيل :
يا أيها الرجل المحمول رحله هلا نزلت بآل عبد مناف
وقال الشاعر :
نزلوا بمكة قبائل في قبائل نوفل ونزلت بالبيداء أبعد منزل
وهؤلاء ممن يشملهم اسم القرابة ، بل قيل في العِترة – وهي بالمثناة – : إنهم الأقربون والأبعدون معاً ، حتى قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه – وهو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، الذي يلتقي نسبه مع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم – . نحن عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبيضته التي تفقأت عنه .
لكونه رضي الله عنه من قريش ، ولكن المشهور والمعروف ؛ أن عِترته أهل بيته الذين حرمت عليهم الزكاة .
ويؤخذ ذلك من قول أبي بكر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم حين شاور أصحابه في أُسارى بدر : (( عِترتك وقومك )) .
فإنه أراد بعترته العباس رضي الله عنه ، ومن كان فيهم من بني هاشم ، وقومه قريشٌ .
إذا علم هذا فقد وقع الاصطلاح على اختصاص ذرية السبطين عن سائر من تقدم بالشطفة الخضراء ، لمزيد شرفهم كما أسلفت .
ويقال في سبب كونها خضراء : أن المأمون رحمه الله ، أراد أن يجعل الخلافة في بني فاطمة رضي الله عنها فاتخذ لهم شعاراً أخضر وألبسهم ثياباً خضراء ، لكون السواد شعار العباسيين ، والبياض شعار سائر المسلمين في جُمعهم ونحوها ، والأحمر مختلفٌ في كراهته والأصفر شعار اليهود بأخره .
بل ورد أن الملائكة عليهم السلام يوم بدر ، خرجوا بعمائم صفر .
ثم أنثنى عزمه عن ذلك ، ورد الخلافة إلى بني العباس ، فبقي ذلك شعاراً لأشراف العلويين من الزهراء رضي الله عنها . لكنهم اختصروا الثياب إلى قطعة من ثوب أخضر توضع على عمائمهم شعاراً لهم ، ثم انقطع ذلك إلى أواخر القرن الثامن .
فقد قرأت في حوادث سنة ثلاث وسبعين وسبع مئة من (( إنباء )) شيخنا رحمه الله ما نصه :
وفيها : أمر السلطان الأشرف أن يمتازوا عن الناس بعصائب خُضر على العمائم ، ففُعل ذلك في مصر والشام وغيرهما . وفي ذلك يقول أبو عبد الله بن جابر الأندلسي الأعمى نزيل حلب :
جعلوا لأبناء الرسول علامةً إنّ العلامة شأنُ من لهم يُشهَر
نورُ النبوّة في كريم وُجُههم يُغني الشريف عن الطِّراز الأخضر
وقال في ذلك جماعة من الشعراء ما يطولُ ذكره ، ومن أحسنه قول الأديب شمس الدين محمد بن إبراهيم بن بركة الدمشقي المزيّن . وأنشدني إياه إجازةً :
أطراف تيجانٍ من سُندسٍ خُضرٍ بأعلام على الأشراف
والأشْرف السّلطان خصّهم بها شرفاً ليفرقهم عن الأطراف
انتهى
والأشرفُ هو : السلطان شعبان بن حسين بن الناصر محمد قلاوون .
ويُقال : إن الأصل في لُبْس الخلفاء العباسيين السواد ، كونه صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعلى رأسه عمامة سوداء ، قد أرخى طرفها بين كتفيه . فتفائل الخُلفاء بذلك ، لكونه كان في ذلك اليوم منصوراً على الكفار ، فاتخذوه شعاراً ليكونوا دائماً منصورين على أعدائهم ، بل كانت ذُرية العباس رضي الله عنه يتميَّزون بالشطفةِ السوداء إلى آخر وقتٍ ، على ما أخبرني به من شاهدهُ من شيوخنا ، ثم بَطَل .
وقد سأل الرشيد الأوزاعي رحمهما الله عن لُبْس السواد ، فقال : إني لا أُحرِّمه ، ولكن أكرهه . قال : ولما ؟
قال : لأنه لا تُجلى فيه عروس ، ولا يُلبي فيه محرم ، ولا يُكفن فيه ميت .
ثم التفت الرشيد إلى أبي نواس وقال : فما تَقول أنت في السواد ؟
فقال : النور في السواد يا أمير المؤمنين – يعني أن الإنسان يبصر بسواد عينيه – .
ثم قال : يا أمير المؤمنين ، وفضيلةٌ أخرى : لا يُكتب كتابُ الله إلا به ، وكذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وأقوال العلماء لا تُكتب إلا به ، وهو مُضافٌ إلى الخلافة .
قال : فلما سمع الرشيد هذا الوصف في السواد ، اهتز طرباً وأمر له بجائزة سنيَّة .
(( تتمة ))
قد عُلمَ من هذه المقدمة الإشارة إلى جُملٍ في فن الأنساب الذي هو من جُملة فنون الأثر، وهو فنٌ جليلٌ يتضمن معرفة نسب النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن ينتمي إليه ، والتمييزَ بين بني عبد مناف هاشميها ، ومطلبيها ، وعَبْشَميها ، ونوفليها . وبين قُريش من كنانة ، والأوس من الخزرج ، والعربي من العجمي ، والمولى من الصريح .
ومن فوائده الشرعية :
الخلافةُ والكفاءةُ ، وتجنُّب تزويج ما يَحرمُ عليه ، ممن تلقّاه بنسبٍ في رحم مُحرَّمة ، والقيام بمن تجب عليه نفقتُهُ ، ومعرفةُ من يتصل به ممن يَرثه . وكذا معرفة ذوي الأرحام المأمور بصلتهم ومُعاونتهم ، ومعرفة الأنصار ليقوم بوصية النَّبي صلى الله عليه وسلم بهم ، وغير ذلك مما يطول شرحه .
وقد قال تعالى : { وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا } .
أي: ليحصل التَّعارف بينكم ، كلٌّ يرجع إلى قبيلته .
وقال مجاهد رحمه الله : أي ليعرف بعضكم بعضاً بالنسب ، كما يُقال : فلان بن فلان ، من كذا وكذا . أي من قبيلة كذا وكذا .
وقال الثوري رحمه الله : كانت حِمْيَر ينتسبون إلى مَخاليفها ، وكانت عربُ الحجاز ينسبون إلى قبائلها .
وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه علاّمةٌ بالأنساب ، ولهذا لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت رضي الله عنه بهجاء المشركين ، وقال له : إنه لا عِلم لي بقريش .
قال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه : (( أخبره عنهم ، ونقّب له في مثالبهم )) . ففعل ، وحينئذ قال حسان رضي الله عنه : لأَسُلنَّك – أي لأُخَلِّص – نسبك من هجوهم ، بحيث لا يبقى شيءٌ من نسبك فيما ناله الهجو ، كالشعرة إذا انسلّت ، لا يبقى عليها شيءٌ من أثر العجين .
وفي (( جامع الترمذي )) و (( مسند أحمد )) من حديث يزيد مولى المُنبعث ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( تعلموا من أنسابكُم ما تصلون به أرحامكم ، فإن صلةَ الرَّحم محبةٌ في الأهل ، مَثراةٌ في المال ، مَنسأةٌ في الأثر )) .
وقال : إنه غريبٌ ، لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه .
قلتُ : لكن له شاهدٌ عند البغوي ، والطبراني ، وابن شاهين وغيرهم ، من حديث عبد الملك بن يعلى ، عن العلاء بن خارجة أن النَّبي صلى الله عليه وسلم ، قال : وذكر مثله . لكنه قال : (( منسأةٌ في الأجل )) .
إلا أنه كما قررتُ فيما كتبته من شرح الترمذي مُعْضَلٌ ، أو مُنقطعٌ .
والصَّواب فيه : عبد الملك بن عيسى بن العلاؤ بن جاريّة ، روايةً عن يزيد مولى المنبعث ، أو عن ولده عبد الله بن يزيد ، والله الموفق .
وفي (( الأدب المفرد )) للبخاري من حديث محمد بن جُبير بن مُطعم ، عن أبيه رضي الله عنه : (( أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر يقول : تعلّموا أنسابكم ، ثم صلوا أرحامكم .
والله إنه ليكون بين الرجل وأخيه الشيء ، ولو يعلم الذي بينه وبينه من داخلةِ الرحم ، لأوزعه ذلك الشيء عن انتهاكه )) .
وأما ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( علمُ النَّسب علمٌ لا يَنفع ، وجهالةٌ لا تضرّ )) .
فرواه أبو نُعيم وابن عبد البر ، ومن طريق أولهما أورده الرُّشاطي .
وأوله ُ : (( مرَّ برجل فقال : ما هذا ؟ ، قالوا : علاّمةٌ بالنسب )) ، فكلامٌ لا يثبت .
وكذا رُوي عن عمر رضي الله عنه أيضاً ، ولا يثبت .
ولهذا قال ابن عبد البر رحمه الله : لم يُنصف من زَعم أن عِلْمَ النسب عِمٌ لا ينفع ، وجهلٌ لا يضر .
وقال ابن حزم رحمه الله : إن فيه ما هو فرضٌ على كل أحد ، وما هو فرضٌ على الكفاية ، وما هو مستحبٌ .
ثم فصًّل ذلك بما يطُول إيراده .
وبالجملة : فالذي يَظْهُر – كما قاله شيخنا رحمه الله – : حملُ ما ورد من ذَمّهِ على التعمُّق فيه ، حتى يُشْتَغل به عما هو أهم منه ، حَملُ ما ورد في استحسانه ، يُغْني على كثير من فوائده التي أوردت منها جُملة .
وقد روينا من حديث الربيع بن سِبرة ، أنه سمع عمرو بن مرّة الجُهني رضي الله عنه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( من كان هاهنا من مَعدٍّ قاعدٌ ، فليَقُم )) ، فقمتُ . فقال : (( أُقعد )) ، فقعدت ، فعل ذلك ثلاث مرات ، كلما أقوم يقول : (( أُقعد )) . قلتُ : فمِمَّن نحن يا رسول الله ؟ قال : (( أنتم من قُضاعة بن مالك بن حمير ))
والله الموفق .
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14

بحث سريع