إِحْيَاءُ المَيْتِ بأَجْوَبَةِ أَسْئِلَةِ مَوْقِعِ آلِ البَيْتِ

بواسطة | إدارة الموقع
2005/06/22
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله و على آله وصحبه ومن والاه. وبعد:
فيطيب لموقع آل البيت أن يستضيف أحد المهتمين والمتخصصين في موضوع آل البيت، ألا وهو الشيخ خالد بن أحمد الصمي بابطين حفظه الله تعالى، الذي نال درجة الماجستير من جامعة أم القرى، وذلك بتحقيقه لكتاب " استجلاب ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول صلى الله عليه وسلم وذوي الشرف " للحافظ السخاوي رحمه الله تعالى. وقد قال الشيخ الدكتور موفق عبدالقادر فيها إنها ترقى إلى " درجة الدكتوراه ".
والموقع في بدء هذا اللقاء يشكر الشيخ خالد على إتاحته الفرصة وتكرمه بإجراء هذا الحوار العلمي حول أحد أهم المواضيع التي تهم المسلمين اليوم، بارك الله فيه وفي علمه ونفع به الإسلام والمسلمين.
ونظراً لطبيعة انشغالات الشيخ في هذه الفترة، فقد قصرنا الحوار على محورين:
المحور الأول: عناية أهل السنة بآل البيت .
المحور الثاني: كتاب " استجلاب ارتقاء الغرف " للسخاوي.
• • • • •
المحور الأول: عناية أهل السنة بآل البيت.
س1: عناية أهل السنة بآل البيت تنطلق من بعد عقدي راسخ، ومنظومة متكاملة، فهي تنطلق من نصوص الوحيين، فلا تغلو و لا تجفو، و يجتمع عندها الحب والبغض كما هو مقرر على قدر درجة الموافقة لأصول الإسلام أو مخالفتها، بخلاف الرافضة إذ إنهم يكفرون كل من لا يدين بدينهم حتى لو كان من آل البيت، ولهذا كفروا من خرج من آل البيت، لأنه زاحم الأئمة الاثني عشر – بزعمهم – في ولايتهم..، وكذلك في باب الخمس لا يطعمه عندهم إلا من يشاءون، وغير ذلك من الأمور التي تظهر للمرء أن عنايتهم بآل البيت لأهداف ومآرب مذهبية وشخصية أحياناً.. في رأيكم ما هي أبرز مظاهر عناية أهل السنة بأهل البيت؟
• الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا وسيدنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه الغر الميامين.
وبعد:
فإني في مطلع هذا اللقاء الإلكتروني عبر موقع (آل البيت) ؛ أشكر الله تعالى وأحمده على تيسيره هذه الفرصة لألتقي مع إخواني وأخواتي رواد هذا الموقع، كما أشكر الأخ الفاضل الشريف محمد الصمداني المشرف على الموقع، واللهَ أسألُ أن أكون عند حسن ظن الجميع، وأن يجد الأخوة والأخوات الفائدة في هذا اللقاء. كما أعتذر للشيخ محمد على تأخري في الرد، وذلك لشواغل ضرورية حالت دون الإسراع في الرد على الأسئلة المطروحة.
أما عن أبرز مظاهر عناية أهل السنة بأهل البيت إجابةً على السؤال ؛ فهذا أمر ظاهر معلوم للقاصي والداني، لا يختلف فيه اثنان، ولا تنتطح فيه عنزان. ووجه ذلك أن أهل السنة والجماعة هم أعدل الناس، وأعدل الطوائف في سائر القضايا والمسائل. وقد قيل: (المسلمون أعدل الأمم، وأهل السنة أعدل المسلمين، والعلماء أعدل أهل السنة).
ولذلك فإن أهل السنة كانوا ومازالوا أسعد الناس بموالاة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم يقول العلامة صديق حسن خان في "الدين الخالص" (3/270): (وأما أهل السنة فهم مقرون بفضائلهم كلهم أجمعين أكتعين أبصعين، لا ينكرون على أهل البيت من الأزواج والأولاد، ولا يقصرون في معرفة حق الصحابة الأمجاد، قائمون بالعدل والإنصاف، حائدون عن الجور والاعتساف، فهم الأمة الوسط بين هذه الفرق الباطلة الكاذبة الخاطئة).
• وتمثَّل ذلك في المظاهر التالية:
1 – من أبرز مظاهر عناية أهل السنة بأهل البيت؛ أنهم نصُّوا على فضلهم، ونوَّهوا بحقوقهم في كتب العقائد، مما يعطي الأمر أهمية بالغة عندهم. ولينظر من شاء في "العقيدة الطحاوية" لأبي جعفر الطحاوي، وشرحها لابن أبي العز الحنفي، و "الواسطية" لشيخ الإسلام ابن تيمية، وشروحها كثيرة، و "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" للالكائي، و "كتاب الشريعة" للآجُرّيّ.
2- ومن عنايتهم بأهل البيت؛ أنهم أوجبوا محبتهم، وجعلوها من محبة النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول العز بن عبد السلام في كتابه "شجرة المعارف والأحوال وصالح الأقوال والأفعال" (ص265-266) تحت عنوان: فصلٌ في الإحسان إلى آل رسول الله صلى الله عليه وسلم : (… تتفاوت مراتب البر بتفاوت مراتب المبرور، فليس برّ الرسول r كبرّ أحد من الناس، والإحسان إلى آله برٌ له ؛ فكأن كل ما يصل إليهم واصلٌ إليه، ولهذا قال: فكيف نصلي عليك؟ فقال: (قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)، فجعل الصلاة عليهم صلاة عليه؛ لأنه إنما سئل عن الصلاة عليه، فدلَّ هذا على أن الإحسان إليهم واصل إليه، وهذا معروف بين الناس أن إكرام أهل الإنسان لأجله إكرام له). اهـ كلامه.
3- أهل السنة تولوا جميع آل البيت الأكرمين؛ بني هاشم: حسنيهم، وحسينيهم، وعلويهم، وعباسيهم، وعقيليهم. لا كما جاء في مقدمة السؤال عن حال الرافضة الذين يتولون البعض، ويكفِّرون ويفسِّقون البعض الآخر.
يقول الإمام أبو جعفر الطحاوي في "عقيدته الشهيرة" ( فقرة 93): (ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولانفرط في أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الحق يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير). وقد صدرت مؤخراً رسالة لطيفة للعلاَّمة الشيخ عبد المحسن العباد بعنوان: " أغلوٌّ في بعض القرابة وجفاء في الأنبياء والصحابة! ".
4- أنهم يعرفون ما يجب لأهل البيت من الحقوق؛ لأن الله جعل لهم حقاً في الخمس والفيء.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة" (4/599): (ولا ريب أن لآل محمد صلى الله عليه وسلم حقاً على الأمة لا يشركهم فيه غيرهم، ويستحقون من زيادة المحبة والمولاة ما لا يستحق سائر بطون قريش).
5- ومن مظاهر عناية الفرقة الناجية بأهل البيت؛ أنهم يصلُّون عليهم تبعاً للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد أمر عليه الصلاة والسلام بالصلاة عليهم: (اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد).
وقد عنون الحافظ السخاوي في "ارتقاء الغرف" (2/443 – بتحقيقي): (باب مشروعية الصلاة عليهم تبعاً للمصطفى في الصلاة وغيرها مما يزيدهم فخراً وشرفاً). ومثله صنيع الشريف السمهودي، وغيرهما ممن ألف في فضائل أهل البيت.
6- من عناية أهل السنة بأهل البيت ؛ أنهم يتولون أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، ويترضون عنهن، ويعرفون لهن حقوقهن – فزوجات النبي صلى الله عليه وسلم على الصحيح من قولي العلماء من أهل البيت-، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة.
7- ومن عنايتهم بأهل البيت ؛ أنهم ألَّفوا في مناقبهم المؤلفات الكثيرة، ذكروهم فيها بالصفات الجميلة اللائقة بهم، واعترفوا فيها بفضائلهم، وأنزلوهم منازلهم التي يستحقونها، من غير غلو أو جفاء.
وهكذا نرى أن أهل السنة يهتمون دائماً بنشر المناقب والمحاسن والفضائل، ولا تجد في كتبهم أبواباً في ذكر مثالب فلان أو بني فلان؛ لأن ذلك حقه أن يُطوى ولا يُروى00 بينما نرى الرافضة وأضرابهم يؤلِّفون في مثالب الصحابة والقرابة، كمن ألَّف كتاباً سمَّاه: (الرِّسالة في مثالب معاوية!)رضي الله عنه وأرضاه.
وسأذكر طائفة من تلك المؤلفات إجابةً للسؤال التالي.
• • • • •
س2: ما هي أبرز الكتب التي اعتنت بذكر فضائل وحقوق آل البيت؟ نرجو إعطاء القارئ نبذة مختصرة في هذا الصدد؟
الجواب: الكتب التي اعتنت بذكر فضائل وحقوق أهل البيت كثيرة؛ وأهل السنة والجماعة لهم القدح المعلَّى في هذا الباب، مع التزامهم المنهج الوسط – على عادتهم – من غير غلو ولاجفاء.
هُمُ وَسَطٌ يرضى الأَنامُ بِحكْمِهم إِِذا نَزَلَتْ إِحْدَى اللَّيـالي بِمُعْظِمِ
وقد نشرت بحثاً مطولاً في (مجلة الحكمة اللندنية) في شوال 1420هـ، جمعت فيه مائتين وأربعين كتاباً في مناقب أهل البيت، وقد زاد العدد لدي منذ ذلك التاريخ.
• ومن الكتب المهمة في هذا الشأن رسالة لطيفة في فضل أهل البيت وحقوقهم، وهي لشيخ الإسلام ابن تيمية (ت728هـ)، طبعها واعتنى بها الشيخ أبو تراب الظاهري.
• ومنها " درّ السَّحابة في مناقب القرابة والصَّحابة "، للشوكاني (ت1250هـ).
• ومنها " ذخائر العُقْبى في مناقب ذوي القُرْبى " ، للمحب الطبري (ت694هـ).
• ومنها كتاب " خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "، للحافظ النسائي (ت303هـ).
• ومنها " إحياء الميت في فضائل أهل البيت "، لجلال الدين السيوطي (ت911هـ). مطبوع بمصر.
• و " جواهر العقدين في فضل الشَّرفين "، لنور الدين الشريف السمهودي (ت911هـ)، مطبوع متداول.
• ولا ينسى القارئ الحصيف كتاب " استجلاب ارتقاء الغُرَف بحبِّ أقرباء الرَّسول صلى الله عليه وسلم وذوي الشَّرف " للحافظ السخاوي (ت902هـ) – بتحقيقي.
• وجمع السيد حامد أبو بكر المحضار أقوال شيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم في فضائل أهل البيت النبوي، في رسالة لطيفة سمَّاها: " القول القيم مما يرويه ابن تيمية وابن القيم ". وهي مطبوعة متداولة.
ومن الكتب التي لا زالت في عالم المخطوطات:
• " فضائل الحسن والحسين " للإمام أحمد بن حنبل (ت241هـ) ؛ نسبه إليه شيخ الإسلام في "منهاج السنة" (4/125). ولم أره مطبوعاً ولا مخطوطاً.
• وله أيضاً: " فضائل علي "؛ ذكره حاجي خليفة في "كشف الظنون" (2/1844)، وسزكين في "تاريخ التراث العربي" (3/225 و226).
• وللإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي كتاب بعنوان: " فضائل أهل البيت "، ولم أره مطبوعاً ولا مخطوطاً حسب علمي.
• وللسمهودي " الجوهر الشَّفاف في فضائل الأشراف "، لا زال مخطوطاً، منه نسخة في مكتبة الحرم المكي الشريف 00 وهناك الكثير والكثير0
• • • • •
س3: كتاب " فضائل آل البيت " للإمام أحمد، ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض كتبه00 هل هو موجود؟ و هل هو على طريقة المحدثين من ذكر الأحاديث المسندة فقط؟
الجواب: لم أطَّلع في حدود علمي القاصر على هذا الكتاب، وأودُّ أن أشير في الإجابة على هذا السؤال إلى أمور:
1 – أشار بعض الباحثين إلى أن كتاب " فضائل آل البيت " من الكتب التي فُقدت، فلم يجد الباحثون لها ذكراً في فهارس المكتبات الموجودة، حيث قسَّم بعضهم مؤلفات الإمام أحمد إلى: مطبوعة، ومخطوطة، ومفقودة. فكان الكتاب من نصيب الأخيرة.
2 – نقل الإمام الحاكم في "المستدرك" (3/172) – رقم الحديث (4746) تصريح أبي بكر القطيعي بروايته عن كتاب " فضائل آل البيت " ؛ فكأنه كان موجوداً ومعروفاً.
3 – أشير كذلك إلى أن هناك مسند أهل البيت في " مسند الإمام أحمد " ضمن المطبوع يوجد في (1/199 وما بعدها)، ابتدأ بـ (مسند الحسن بن علي رضي الله عنه). ولمسند أهل البيت هذا نسخة مخطوطة مستلَّة من " المسند " ، حققها عبد الله الأنصاري بعنوان: " جزءٌ فيه مسند أهل البيت ".
فهل هذه النسخة هي كتاب " فضائل آل البيت " الذي أشار إليه أبو بكر القطيعي والباحثون أم لا ؟ لا تتوفر لديَّ الأدلة الآن بالجزم بذلك.
4 – أشار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره إلى كتابين متعلقة بآل البيت نسبهما للإمام أحمد، ككتاب " فضائل علي "، وكتاب " فضائل الحسن والحسين ". وهي غير موجودة اليوم.
• أما كون الكتاب على طريقة المحدِّثين بذكر الروايات مسندةً، فهذا مما لاشك فيه؛ خصوصاً إذا علمنا شدة عناية الإمام أحمد بالإسناد والرجال. ويقال إن أبا عبيد القاسم بن سلاَّم لما ألف كتابه في "الغريب"، عرضه على الإمام أحمد فلم يعجبه لخلوه من الإسناد! مع جودة الكتاب من الناحية العلمية والصناعة اللغوية. وقد قال بعض السَّلف: " الإسناد زين الحديث ".
• • • • •
س4: كتاب الدارقطني في ثناء الصحابة على القرابة والقرابة على الصحابة، طبع الأستاذ محمد الرباح جزءاً منه00 هل توجد منه نسخة كاملة؟ وهل المختصر المطبوع اليوم للزمخشري هو لهذا الكتاب أم لغيره، وهل اقتصر اختصار الزمخشري على تجريد الأصل من الأسانيد فحسب؟
الجواب: كتاب الدارقطني المشار إليه طبع الجزء الحادي عشر منه الأستاذُ محمد الرَّباح، ويبدو أن الكتاب مفقود حتى الآن، فلا يوجد منه سوف ما وقف عليه الرَّباح.
أما المختصر المطبوع للزمخشري (ت538هـ) فهو ليس لكتاب الدارقطني، وإنما هو اختصار كتاب شيخ المعتزلة في زمنه الحافظ أبي سعيد بن علي بن زنجويه الرازي، المعروف بـ "السَّمَّان" (ت445هـ)، وعنوانه: " الموافقة بين أهل البيت والصحابة وما رواه كل فريق في حق الآخر " ؛ فليُعلم ذلك وليُحرَّر00 فقد اختصره الزمخشري بحذف الأسانيد والمكرَّر، واقتصر – رحمه الله – على نصوص الأخبار. ويمكن مراجعة " كشف الظنون " لحاجي خليفة، و " الرسالة المستطرفة " لمحمد بن جعفر الكتاني.
• • • •
س5: " ذخائر العقبى " للمحب الطبري لعلم من أعلام السنة في القرن السادس الهجري و السابع، ولكن الكتاب مليء بالأحاديث الضعيفة! ما المنهج العلمي الذي يجب إتباعه مع مثل هذا النوع من الكتب؟
الجواب: نعم، كتاب " ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى " للمحب الطبري المتوفى سنة (694هـ)، من أشهر كتب أهل السنة المصنفة في فضائل أهل البيت النبوي، فهو من أعلام القرن السابع الهجري، وليس السادس والسابع كما جاء في السؤال.
أما عن المنهج العلمي الذي يجب اتّباعه مع مثل كتاب " ذخائر العقبى " فهو النظر في الأسانيد، والبحث والتحري في الأحاديث، وعدم التسليم بجميع ما يُورد المحب. وقد يُعتذر للمؤلف بأنه أراد أن يجمع كل ما في الباب.
ولعلي أذكر للإخوة والأخوات المهتمين بهذا الجانب خمس ملحوظات اشتمل عليها كتاب " ذخائر العقبى " ، يجب التفطن لها عند مطالعة الكتاب:
الأولى: أن الكتاب ليس مليئاً بالأحاديث الضعيفة فقط – كما جاء في السؤال – ؛ بل مليء بالمنكر والموضوع، حيث تساهل المحب في إيراد الأحاديث والآثار دون أدنى حيطة.
الثانية: عدم اهتمام المؤلف بالإسناد، فهو يذكر الحديث دون إسناد، وإنما يكتفي بذكر صحابيّه.
الثالثة: أن المحب يُورد الأحاديث منسوبة إلى غير مظانها، فقد ينسب الحديث إلى "السنن" وهو في "الصحيحين" أو أحدهما. وقد ينسبه إلى "المعاجم" وهو في "السنن" 000 إلى غير ذلك.
الرابعة: مع ما سبق فهو لا يعلّق على الحديث صحة أو ضعفاً، وإنما صنيعه السكوت! ولذا كثر الاعتراض عليه.
الخامسة: أن جميع طبعات الكتاب الموجودة في الساحة لم تُخدم من حيث الصناعة الحديثية بتخريج الأحاديث والحكم عليها.
وأختم الجواب على هذا السؤال بكلمة للإمام التَّقي الفاسي في كتابه " العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين " (2/62) بيَّن فيها منهج المحب الطبري في تأليفاته وبعض ما يُنتقد عليه، إذ يقول:
(وله تواليف حسنة في فنون العلم، إلا أنه وقع له في بعض كتبه الحديثية شيء لا يُستحسن، وهو أنه ضمَّنها أحاديث ضعيفة وموضوعة في فضائل الأعمال وفضائل الصحابة رضي الله عنهم، من غير تنبيه على ذلك، ولا ذكر إسنادها ليعلم منه حالها، وغاية ما صنع أن يقول: (أخرجه فلان)، ويسمّي الطبراني مثلاً أو غيره من مؤلفي الكتب التي أخرج منها الحديث المشار إليه. وكان من حقّه أن يُخرّج الحديث بسنده في الكتاب الذي أخرج منها الحديث؛ ليسلم بذلك من الانتقاد كما سلم به مؤلف الكتاب الذي أخرج منه الحديث الذي خرَّجه. أو يقول: أخرجه الطبراني مثلاً بسند ضعيف، كما صنع غير واحد من المحدِّثين في بيان حكم سند الحديث الذي يريدون إخراجه، أو ذكره بإسناد المؤلف الذي يخرِّجون من كتابه). اهـ
• • • • •
س6: من المقولات المشتهرة عند أهل السنة ما نقل عن الإمام أحمد أنه قال: (ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله ما جاء لعلي). هل فيه مستند للرافضة؟ و كيف نجيب عن ذلك؟
الجواب: هذا القول مشهور عن الإمام أحمد بالفعل. أخرجه الحاكم في "المستدرك" (3/116) برقم (4572)، وغيره. وسبب ذلك واشتهاره بين أهل السنة أنهم أرادوا أن يدفعوا قَدْحَ من قَدَحَ في شخص علي رضي الله عنه ، ممن جعله كافراً أو ظالماً من الخوارج وغيرهم، كما أشار لذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية" (4/371).
ونحو كلام الإمام أحمد جاء عن عدة من الأئمة، كالحافظ إسماعيل القاضي، والإمام النسائي، وأبي علي النيسابوري – رحمهم الله تعالى -.
ومن المهم قوله في هذا الصَّدد ؛ أن هذا الكلام ليس فيه حجَّة ولا مستند للرافضة في غلوهم في حق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأهل بيته، ولذا اختلقوا في فضله أحاديث لا خُطام لها ولا زمام، فأتوا بالعجائب!!
ولذلك شكَّك شيخ الإسلام في صحة نسبة تلك الأقوال للإمام أحمد وغيره، يقول – رحمه الله -: (وقول من قال: صحَّ لعلي رضي الله عنه من الفضائل ما لم يصحّ لغيره كذبٌ، لا يقوله أحمد ولا غيره من أئمة الحديث؛ لكن قد يُقال: رُوي له ما لم يرو لغيره، لكن أكثر من نقل عُلم كذبه وخطؤه). اهـ من "المنهاج" (8/421).
قلت: ما جاء عن الأئمة – إن صحَّ – محمول على مجموع ما رُوي في عليٍّ رضي الله عنه من الصحيح والضعيف في الجملة، أما الصحيح فلا يمكن أن يكون كذلك، فنعلم جميعاً تسامح أئمة الحديث في الرواية في فضائل الأعمال وفضائل الصحابة.
إذا عُلم هذا ؛ علمنا أن الرافضة كثيرو الكذب على علي بن أبي طالب رضي الله عنه والأئمة من أهل البيت من بعده، فالواجب تمحيص الأحاديث المروية في فضائل أهل البيت عموماً، وعلي بن أبي طالب خصوصاً، وذلك بعرضها على النقد جرحاً وتعديلاً00 ففي الصحيح غُنية عن الضعيف، والصباح يُغني عن المصباح، والحق أبلج والباطل لجلج.
• • • • •
س7: كتابكم الذي أشرتم له في (1/22) بعنوان: " دراسات في أهل البيت النبوي "؛ ما هي فصوله ومباحثه؟ و متى سيرى النور؟
الجواب: هذا الكتاب عبارة عن دراسات علمية في جوانب متعلقة بأهل البيت النبوي، حرصت فيها على إضافة أشياء مفيدة في الساحة الثقافية حول هذا الموضوع الهام. وقد جعلت الكتاب في ثمانية فصول:
الأول: في التعريف بأهل البيت وبيَّنت المراد بهم. والثاني: رصدت فيه مذاهب الناس في أهل البيت، وضمَّنته ثلاثة مباحث: الأول في بيان مذهب الجفاة (النواصب).
والثاني: في بيان مذهب الغلاة (الروافض). والثالث: في بيان مذهب السلف (منهج الاعتدال والإنصاف).
أما الفصل الثالث: فذكرت فيه شرطي ولاية أهل السنة والجماعة لآل البيت.
والرابع: طرحت فيه سؤالاً مُلحّاً، وهو هل القول بتفضيل بني هاشم يعد تفضيلاً مطلقاً لهم على جميع الأشخاص وفي كل الأحوال؟ وأجبت عنه بجواب مفصل.
والخامس: كان في تاريخ الشَّرافة ونقابة الأشراف. والسادس: في حكم أخذ أهل البيت من الزكاة.
وأما الفصل السابع: فجمعت فيه طائفة حسنة من الكتب المصنفة في فضائل آل البيت.
والفصل الثامن والأخير: فيه قراءة نقدية لأشهر الكتب المؤلفة في فضائل آل البيت، اخترت خمسة كتب شملت جميع الطوائف (أهل السنة – الرافضة – المتصوفة).
وللأسف حتى الآن لم يُطبع الكتاب، علماً بأنه لدى دار البشائر الإسلامية في لبنان منذ ما يزيد على السنة والنصف، ومع كثرة اتصالاتي بالدار لم أجد إجابة حتى الآن، ويبدو أن الدار تغيَّرت أحوالها بعد وفاة صاحبها الشيخ رمزي دمشقية – رحمه الله -! فالله أعلم. ولعلي أقوم بطباعته في الداخل بمشيئة الله، هو وكتاب " اعتلاء الشُّرَف " 00 عسى الله أن يُيسِّر ذلك في القريب العاجل.
• • • • •
س8: هل ترون أن هناك تقصيراً من أهل السنة في بيان اهتمامهم بموضوع آل البيت؟ أم أن طبيعة المرحلة وظروفها هي التي تفرض بعض التوجهات أو تغليبها تبعاً لمصلحة الدعوة الإسلامية؟ وما المجالات التي يمكن أن نسهم فيها لخدمة آل البيت؟
الجواب: لا أرى أن هناك تقصيراً مقصوداً من أهل السنة في بيان اهتمامهم بموضوع أهل البيت، وذلك أنهم يعتقدون فضلهم، ويعرفون ما ورد في حقهم. مع الاعتراف بأن هناك حساسية في بعض جوانب الموضوع، وأنا أدعو دائماً إلى ضرورة الحديث في هذا الموضوع، ومناقشته وإبرازه للناس في ضوء معتقد السلف؛ لأننا بتجاهلنا هذا الخوض في هذا الموضوع نترك الساحة خالية لأهل الأهواء والبدع – رافضة وصوفية خرافية – بالخوض فيه بالحق وبالباطل.
والمشكلة في نظري تكمن في أن بعض أهل السنة يتحاشى الكلام في فضائل أهل البيت لئلا يُتهم بأنه شيعيّ أو ميَّال لهم! أو أن يُوصم بأنه صوفي خرافي يعتقد في الأولياء والصالحين!
وهذا خطأ؛ فليس كل من تحدَّث بفضائل آل البيت المكرمين – رضوان الله عليهم -، ونشر مناقبهم؛ من هؤلاء ولا من هؤلاء، بشرط أن يلتزم منهج أهل السنة والجماعة بأن يُنزلهم منازلهم التي أنزلهم الله إياها00 بلا إفراط ولا تفريط.
• أما عن المجالات التي يمكننا أن نسهم فيها بخدمة أهل البيت فهي متعددة 00 أُلخِّصها في معلمين أساسيين:
المَعْلَم الأول: تعليمهم العلم الشرعي الصحيح، الذي يحملهم على اتباع السنن، والبعد عن المحدثات والبدع:
لأن تسليح أهل البيت النبوي بالعلم الشرعي يُفوِّت الفرصة على مدَّعي محبتهم والمنتفعين من ورائهم بدعوى الولاء والحب! وهي دعوى عريضة. ولا يخفى على أحد أنه ومن خلال تتبُّع تاريخ الدعوات الباطنية التي أفسدت البناء العقدي للمسلمين ردحاً من الزمن – بدءاً من فتنة عبد الله بن سبأ – ، عُلم أنها لم تكتسب قبولاً بين العامة، ولا رواجاً لتلك لمبادئ الفاسدة إلا لما انتسبت إلى أهل البيت زوراً وبُهتاناً00 فصار كل من أراد أن يأتي بدعوة مشبوهة فإنه يزعم موالاة آل البيت ونصرتهم ومشايعتهم؛ ليقوم بتمرير مراميه وأهدافه من خلالهم، لعلم أولئك المفسدين بانجذاب الناس لأهل البيت ومحبتهم وانقيادهم لهم في كثير من الأحايين.
ونلحظ في السنوات الأخيرة انتشار الوعي والعلم الشرعي لدى الكثير من عامة من ينتسب لأهل البيت؛ من حيث رفضُهم لكثير من البدع والخرافات التي انتشرت في فترات سابقة بين صفوف المنتسبين لآل البيت 00 هذا من جهة.
ومن جهة أخرى ؛ ترك الافتخار والتعالي على الناس بحجَّة الانتماء إلى النَّسب الشريف.
المَعْلَم الثاني: تأليف ونشر الكتب التي تُبيِّن فضلهم وحقوقهم، وما لهم وما عليهم على ضوء عقيدة السلف. ولعلي أُنبِّه هنا إلى ضرورة التحذير من سطو الشيعة الرافضة على كتب التراث بتشويهها ومسخها بالتعليقات المظلمة! وهي – بحقٍّ – جنايةٌ على كتب السلف! ومثله التنبيه على سطو بعض الخرافيين من العبث في كتب فضائل آل البيت وتجييرها لمآربهم ولغاياتهم.
• • • • •
س9: هل يمكن تكوين نواة مختصة بمخطوطات آل البيت عبر مكتبات العالم؟ هل هذا مشروع نافع و مفيد؟
الجواب: هذا في الواقع مشروع كبير وضخم، ويحتاج إلى جهود مؤسسات وجمعيات، لا جهود أفراد؛ إذ أن المخطوطات المتعلقة بموضوع آل البيت كثيرة ومتنوعة، ومنتشرة في جميع مكتبات العالم. وإذا تيسَّر هذا الأمر ولو على المدى البعيد فسيكون خدمة عظيمة للعلماء والباحثين والمهتمين بهذا الشأن. ويمكن الاستفادة من جهود بعض الباحثين الفردية، كجهود الشيخ محمد بن إبراهيم الشيباني في كتابه " معجم مؤلفات الصحابة وآل البيت "، وغيره من الباحثين00 عسى المولى أن يُهيئ ذلك في المستقبل القريب.
• • • • •
المحور الثاني: كتاب السخاوي " استجلاب ارتقاء الغرف ".
س1: عناية المعاصرين في بعض جوانب البحث ليست على قدر إسهامات المتقدمين.. تحت هذه الرؤية؛ هل واجهتكم مصاعب في تحقيق الكتاب؟ مخطوطاته ومراجعه؟ تفهم الباحثين والقائمين على مراكز البحث العلمية لأهمية و أبعاد الموضوع!.
الجواب: هذا صحيح في الجملة. أما ما يتعلق بتحقيقي للكتاب الماتع " استجلاب ارتقاء الغُرف " فهو من تيسير الله عزَّ وجلَّ لي، خصوصاً وأن مواقف الناس في أهل البيت بين الغالي والجافي 00 والإنصاف في مثل هذه القضايا عزيز.
ولا أُخفيكم أني تردَّدت في أول الأمر في الإقدام على تحقيق الكتاب – وقد أشرت إلى هذا في مقدمة التحقيق – ، وجال في خاطري سؤال: ماذا عساي أن آتي به في هذا الموضوع؟ وماذا يمكن أن أُضيف إلى المكتبة الإسلامية؟.
وتعود قصة الكتاب إلى صيف عام 1416هـ عقب الانتهاء من السنة المنهجية لمرحلة الماجستير، فكنت إذ ذاك أبحث وأُدمن النظر في فهارس المخطوطات في العالم، لاختيار مخطوط يمكنني تقديمه لقسم الدراسات العليا بالجامعة كأُطروحة علمية00 فوقفت على الكتاب!
والذي أثارني من أول وهلة (مؤلف الكتاب)، كونه من أساطين العلماء، وهو أمر ملفت للانتباه بحقٍّ، فرغم شهرة المؤلف ومكانته العلمية لم يأخذ الكتاب حظَّه من الشهرة والمنزلة شأن كتب الحافظ السخاوي.
الأمر الثاني مما أثارني واستجلب فضولي، هو (موضوع الكتاب)، فهو موضوع شيق وحيوي، يتصل بشريحة كبيرة منتشرة في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
أمرٌ ثالثٌ أثار استغرابي، ألا وهو عدم اشتهار الكتاب أو طبعه أو تحقيقه؛ رغم شهرة الحافظ السخاوي كما سبق، فإني أزعم أنه وإلى عهد قريب لم أجد أحداً من العلماء أو الباحثين المعاصرين أشار إلى الكتاب أو عرَّف به، وإنما قد يُذكر الكتاب من جملة مؤلفات السخاوي دون الإشارة إلى مخطوطاته أو أماكن وجودها، بل غالباً ما تُذكر مؤلفات السخاوي ولا يُشار إلى الكتاب من قريب ولا من بعيد.
جديرٌ ذكره في هذا المقام جهد البحَّاثة الفاضل الشيخ مشهور آل سلمان – نفع الله به – حيث حصر مؤلفات السخاوي وعرَّف بها، ومن جملتها كتاب " الارتقاء ". فبعد أخذ وردٍّ ومشاورة لبعض المشايخ والأساتذة بالجامعة، وبعض الزملاء والأقران شرح الله صدري للإقدام على تحقيقه والعناية به، ولعلي أُشيد ههنا بشيخنا الأستاذ الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب، المحقق النبيه، والبحَّاثة النبيل – نفع الله بعلومه – ، فكان من أول المشجعين للإقدام على تحقيق الكتاب، وذلك لتمرسه على التحقيق، ومعرفته بقيمة كتب التراث، وضرورة إخراجها للناس.
أما عن مصاعب تحقيق الكتاب فكانت في جمع نسخه الخطية، وقد جمعت منها ست نسخ خطية تم تحقيق الكتاب عليها. وبالنسبة لتفهم الباحثين والقائمين على مراكز البحث العلمية لأهمية الموضوع؛ فهذا أمر ظاهر، ويكفي أن تحقيق الكتاب تم تحت إشراف مؤسسة علمية عريقة هي جامعة أم القرى. وللحقِّ فإنه بمجرد تقديم خطة التحقيق لمجلس الكلية تمت الموافقة عليها دون أي تعديلات؛ فالحمد لله على ذلك كثيراً.
• • • • •
س2: علاقة السخاوي بالحجاز كانت كبيرة، فقد كان مجاوراً فيها لمدة طويلة كما يستشف من ترجمته، وقد كانت له علاقة حسنة بالأسر العلمية بمكة كما كانت له منزلة خاصة عند الأشراف، وقد ذكر فرحه وسروره إبان مجاورته بالمدينة لما سمع الدعاء في خطبة الجمعة للشريف محمد بن بركات بن حسن بن عجلان.. وقبل هذا وذاك، كانت له علاقة بابن الجيعان في مصر، الذي ذكر نسبه مرتضى الزبيدي أنه " حسيني ".. في الحقيقة هذا يشير إلى أمر مهم نغفل نحن عنه في هذه الأزمان ألا وهو ضرورة قرب ومعرفة أهل العلم والحديث بآل البيت النبوي وعدم ترك الساحة شاغرة لأهل البدع، فبهذا يقطع المرء كثيراً من المفاسد، ويتولد من عمله ذاك كثير من المصالح! ما تعليقكم على هذا الأمر؟
الجواب: اتفق معكم في هذا الطرح تماماً، وقد ألمحت إليه، وهو من المجالات التي يمكن أن نسهم بها في خدمة أهل البيت.
• • • • •
س3: قدَّمتم في مقدمتكم النافعة للكتاب بطرقك في رواية الكتاب، وجميعها من طريق الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب؟ هل تروون الكتاب عن غيره؟ وهل أجزتم في بعض الكتب والمصنفات المختصة بآل البيت؟ ((أسرة الموقع تستجيزكم في رواية الكتاب عنكم إن سمحتم بذلك بشرطها المعتبر عند أهل الصناعة)).
الجواب: نعم أروي الكتاب عن شيخنا الدكتور رفعت فوزي – متَّع الله به – هذا الكتاب وسائر مروياته في السنة وفي قراءة القرآن العظيم عن أربعة من شيوحه: وهم الشيخ محمد الحافظ بن عبد اللطيف سالم، والشيخ عبد الله بن الصديق الغماري، والشيخ عبدالسبحان نور الدين برماوي، والشيخ صالح بن إدريس الأكارني.
وقد أجزت الشريف محمد الصمداني برواية كتاب " استجلاب ارتقاء الغُرف " ، داعياً الله له دوام التوفيق لخدمة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
• • • • •
س4 : أشرتم إلى أنكم لم تطلعوا على كتاب الدكتور بدر العماش " الحافظ السخاوي وجهوده في الحديث وعلومه " – مطبوع الآن – ، وكذلك كتاب الشيخ الدكتور عبد الكريم الخضير في تحقيق القسم الأول من " فتح المغيث " ! هل اطلعتم عليهما الآن؟ وهل جدَّ معكم جديد بعد الاطلاع عليهما؟!
الجواب: أبداً لم يجدّ جديد في هذا السياق، والذي كنت أودّ الاطلاع عليه في هذين الكتابين ليس له علاقة بموضوع الكتاب، وإنما فيما يتعلق بترجمة الحافظ السخاوي. وبالنسبة لكتاب الدكتور العماش، فقد اتصلت به في حينه عن طريق أحد الإخوان بالمدينة النبوية، واعتذر عن إطلاعنا على بحثه لكونه كان عازماً على طباعته في ذلك الوقت. وقد أغنانا عن ذلك كتاب الشيخ أبي عبيدة مشهور بن حسن؛ فجزاه الله خير الجزاء، وقد أفادني في حينه بإحالات في غاية الأهمية عبر الهاتف، وكان يُردد: (العلم رحم بين أهله).
• • • • •
س5: ما الذي شدَّ من عزمكم لتحقيق كتاب السخاوي رحمه الله؟ وما هي قيمته العلمية؟
الجواب: ذكرت شيئاً من ذلك عند إجابة السؤال الأول من أسئلة المحور الثاني مما شدَّ عزمي لتحقيق الكتاب. وكتاب " الاستجلاب " له قيمة علمية تجعله في طليعة الكتب التي ألفها السخاوي.
وتلك القيمة العلمية تظهر بجلاء في الأمور التالية:
1- المكانة العلمية المرموقة لمؤلف الكتاب.
2- الكتاب مرجع مهم في بيان الأحاديث المشتهرة في باب فضائل أهل البيت، وهو عمدة لمن أتى بعده.
3- الكتاب مشتمل على الأحاديث الواردة في شأن المهدي، حيث جمع المؤلف واستقصى أحاديثه.
4- الكتاب مصدر هام من مصادر الجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف لأحاديث الباب.
5- براعة الحافظ السخاوي في الصناعة الحديثية.
6- مناقشة المؤلف العلمية وتعقُّبه لنقَّاد الحديث.
7- كون الكتاب قام على تلخيصه واختصاره أحد العلماء الأفذاذ وهو الحافظ ابن حجر الهيتمي (948هـ).
8- اهتمام المؤلف بشرح الغريب.
ويمكن الرجوع إلى الأمثلة والشواهد على كل ميزة علمية تميز بها الكتاب في المطبوع منه. (1/136 – 143).
• • • • •
س6: عند تحقيقكم للكتاب؛ هل سمع فضيلتكم بطبعات أخرى للكتاب؟
الجواب: في الواقع لم أسمع بأي طبعة للكتاب في ذلك الوقت، لعلمي أن الكتاب لم يحقق ولم يُطبع، إذ لا يكاد يعرفه إلا القليل.
• • • • •
س7: توجد الآن ثلاث طبعات للاستجلاب:
• طبعة البشائر الإسلامية بتحقيقكم.
• طبعة المدينة بتحقيق حسين شكري.
• طبعة قم عام 1421 بتحقيق نزار المنصوري. وقد طبعها عن نسخة واحدة مخطوطة ألا وهي نسخة استانبول بتركيا، وهي مليئة بالتحريفات والأخطاء والتحقيقات والحواشي المظلمة؟
بعد ظهور هذه الطبعات الثلاث: هل أنت راضٍ عن عملك في " الاستجلاب "؟ (وأما بنعمة ربك فحدث)!.
الجواب: الطبعة التي خرجت بتحقيقي هي أول الطبعات خروجاً، فلم ير الكتاب النور – فيما أعلم – إلا بعد تلك الطبعة، فقد ابتدأت بالعمل في الكتاب منذ صيف عام 1416هـ كما سبق، فالطبعتان الأخريان بعد طبعتي بلاشك.
• بالنسبة لطبعة حسين شكري، فيمكن تلخيص أبرز الملحوظات عليها فيما يلي:
1 – الطبعة مليئة بالأخطاء والتصحيف.
2 – عدم تحرير النص وضبطه، رغم زعم المحقق بأنه جعل همَّه تحقيق النص وضبطه!
ولذا تراه ينقل بعض الكلمات من المخطوط مرسومة كما هي دون تحرير أو ضبط، وبخاصة فيما يتعلق بالأعلام.
3 – أضف إلى ذلك تساهله في التخريج، فكثيراً ما يقول عن حديث أو أثر: (لم أجده في المطبوع)، وهو موجود في ذلك المرجع الذي أشار إليه السخاوي بحروفه.
4 – ناهيك عن تركه توثيق النصوص والأقوال من مظانها في الكتب، أو التعليق على مسائل أو أشياء يستوجب التعليق عليها.
5 – إهماله التعريف بالغريب وشرحه، والكلمات الغامضة في الكتاب كثير جداً، يحتاج القارئ إلى بيانها وتجلية معانيها.
وتحقيق شكري بمجموعه لا يصل إلى عدد صفحات جانب دراسة الكتاب الذي قمت به بحمد الله وتوفيقه. حتى قال شيخنا المفضال عبد المجيد محمود في قاعة المحاضرات الكبرى (قاعة الأمير فيصل بن فهد حالياً) بجامعة أم القرى ما نصُّه: (الدراسة التي قام بها الباحث للموضوع تكاد تكون رسالة مستقلة بذاتها).
ولو أردت أن أكتب دراسة نقدية لطبعة شكري لكتاب "الارتقاء" لجاءت في أوراق كثيرة؛ ليتبيَّن الفرق.
• وأما طبعة إيران فلم أقف عليها، ويكفي أنها صادرة من (قم)، وهي مع كونها من أصل نسخة خطية سيئة كما أشرتم في السؤال، – ولم أقف عليها أثناء عملي – فقد زادها سوءاً التعليقات المظلمة التي دُبِّجت بها الطبعة؛ وهو أمر لا أستغربه!
فعلى هذا أكون راضياً – بحمد الله – على الطبعة التي حققتها، وكنت أقول أثناء التحقيق والعمل في الكتاب للشيخ رفعت: (سأجعل الكتاب – بمشيئة الله – إماماً للناس في هذا الباب، فلا يحتاجون لكتاب آخر غير كتاب السخاوي في موضوعه).
وكنت أقول كذلك: (سأُخرج الكتاب للناس، حتى لو قُدِّر للحافظ السخاوي أن يراه لسرَّه ذلك ودعا لي بخير!) 000 فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. على أن الكتاب فيه بعض الأخطاء المطبعية التي لا يخلو منها عمل البشر، وأعدّ القراء الكرام بتعديها في طبعة قادمة بإذن الله عزَّ وجلّ.
• • • • •
س8: وازنتم في مقدمتكم للكتاب بين " الاستجلاب " و " ذخائر العقبى ".. هل يمكن أن تعطونا نبذة عن أهم الفروق؟!
الجواب: لا بأس.
في البداية: كتاب " ذخائر العقبى " للمحب الطبري:
1- يلاحظ أن المؤلف يورد الحديث بدون إسناد، وإنما يذكر صحابيّه؛ ومعلوم ما للإسناد من الأهمية القصوى عند المحدثين.
2- ويلاحظ أيضاً أن المؤلف يورد الأحاديث دون الكلام أو التعليق عليها صحة أو حسناً أو ضعفاً.
3- وجدير بالملاحظة كذلك، أن مصادر المؤلف التي ينقل منها الأحاديث غير مشتهرة، وبعضها أجزاء حديثية غير معروفه، وأصحابها ممن قد لا يعرف عنه كثرة الرواية، أو ممن يروي الموضوعات بلا احتياط! الأمر الذي جعل السخاوي يصفه بالتسامح والتساهل في إيراد الأحاديث.
ثانياً: كتاب " استجلاب ارتقاء الغرف " للحافظ السخاوي:
1- من الملاحظ لأول وهلة اهتمام المؤلف بالإسناد، فهو يذكر الحديث ببعض السند ليشير إلى من يدور عليه الكلام.
2- أن السخاوي يتكلم على الأحاديث صحة وضعفاً، ويناقش من سبقه في الحكم على الأحاديث، وهذا مما يعطي الكتاب قيمة علمية كما مضى.
3- يلاحظ كذلك كثرة ما يورد المؤلف من الشواهد والمتابعات، ليجمع طرق الحديث ليتقوى بها. بل يذكر في الباب الواحد أحياناً روايات كثيرة، فيقول: وفي الباب عن فلان، وفلان، وفلان… ثم يذكرها ومن خرَّجها.
• • • • •
س9: وكتاب " الشرف المؤبد لآل محمد " للنبهاني .. ما رأيكم فيه؟
الجواب: كتاب » الشَّرف المؤبَّد« مما أَلَّفه النَّبهانيُّ (ت1350هـ) في أوائل القرن المنصرم (1309هـ)، وهو أول كتاب قام بطبعه، ويجدر التنبيه إلى أنَّ النَّبهانيَّ صاحب مؤلفاتٍ مليئة بالغرائب، والعجائب! ولأجل ذا حذَّر العلماء من كتبه قديماً وحديثاً.
يقول العلاَّمة الشَّيخ محمد رشيد رضا – رحمه الله تعالى – تحذيراً من كتبه:» كتبه مملوءة بالرِّوايات الموضوعة والمنكرة، وكان يُروِّج كتبه لكي يُمهِّد بذلك السَّبيل إلى ادِّعاء المهديّة لنفسه! «. انظر »كتب حذَّر منها العلماء« (1/269).
وقد بالغ في كتابه – على عادته في سائر كتبه – في تعظيم أهل البيت، حتى خرج عن الحدِّ الشَّرعيّ في توقيرهم، معتمداً على أحاديث واهيات! معتمداً في غالب ما يذكره على:
• محيى الدِّين ابن عربي الصُّوفي، الإمام الأكبر عندهم!
• وعبد الوهاب الشَّعراني، زعيم الصُّوفية المتأخرين!
• فمن ذلك:
1 – مطالبته (ص178- 183) بالتسليم الكامل لأهل البيت فيما أخذوا أو تركوا؛ فلو أخذوا مالك أو متاعك، أو آذوك في عرضك وذويك؛ فليس لك أن تُطالب أو تتكلَّم، أو حتى تمنعهم من ذلك مع قدرتك على دفعهم! بل ليكُن حالك كحال المجنون الذي تُناوشه الكلاب السُّود، وهو يتحبَّب إليها!
ويجعل مطالبة الشخص لحقِّه المسلوب – مثلاً – من نقص إيمانه، ومكر الله به، واستدراجه من حيث لا يعلم! وجميع ما سبق؛ نَقَلَهُ عن سلطان العارفين، وإمام الصُّوفية، الشَّيخ الأكبر سيدي محيى الدِّين ابن العربي! رضي الله تعالى عنه! على حدِّ زعمه.
2 – ومنه اعتقاد أنَّ ذنوب أهل البيت مغفورة! (ص105)
واستدلَّ على ذلك بنحو حديث: » يا عليُّ! إِنَّ أَهْلَ شِيَعتِنا يخرجون من قبورهم يومَ القيامةِ على ما بهم مِنَ الذُّنوبِ والعُيُوبِ، وجُوهُهُمْ كالقمرِ ليلةِ البدرِ … «. وهو حديث موضوع، وقد أورده السَّخاوي في " الارتقاء " برقم (131) وحَكَمَ عليه بالوضع.
وقد سئل العلاَّمة القاضي محمد بن علي الشَّوكانيُّ – رحمه الله تعالى – سؤالاً؛ حاصله:
هل صحيح ما قيل من أنَّ أهل بيت النُّبوة لا يُعاقبون على ما يرتكبون من الذنوب؟ بل هم من أهل الجنة على كلِّ حال، وأنَّ ذلك تكريم وتشريف لهم؟!
فأجاب جواباً مطوَّلاً جاء فيه: » … وأمَّا القول برفع العقوبات عن عُصَاتهم، وأنهم لا يُخاطبون بما اقترفوه من المآثم، ولا يُطالبون بما جَنوْه من العظائم؛ فهذه مقالة باطلة ليس عليها أثارة من علم، ولم يصحّ في ذلك عن الله، ولا عن رسوله حرفٌ واحدٌ، وجميع ما أورده علماء السُّوء المتقرِّبون بالرياسات من أهل هذا البيت الشريف، فهو إمَّا باطل موضوع، وإمَّا خارج عن محلِّ النزاع… « . انظر: "ارشاد السائل" (ص38).
3 – ومن مبالغاته واعتماده على الأحاديث الواهية، قوله (ص112): إنهم أول من يدخل الجنة!
وقد استدلَّ بنحو حديث عليرضي الله عنه، وهو حديث واهٍ، ولفظه: » أَمَا ترضى أَنْ تكونَ رابعَ أَرْبَعَةٍ، أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ أَنَا، وأَنْتَ، والحَسَن، والحُسَيْن. وأَزْوَاجُنا عن أَيْمَانِنا وشمائِلنا، وذُرِّيَّتُنا خَلْفَ أَزْوَاجِنا «.
4 – ومنه ما نقله (ص211 – 214)عن سيدي عبد الوهاب الشَّعرانيّ! في كتابيه »المنن الكبرى« وَ »البحر المورود في المواثيق والعهود«، فلقد ذكر آداباً – على حدِّ قوله – من حقِّ أهل البيت علينا، بل هي مواثيق وعهود أُخذتْ علينا! وهي لو تأمَّلها القارئ الحصيف لرأى أنها بمثابة تشريعاتٍ ما أنزل الله بها من سلطان! منها:
( أ ) أن لا نتزوَّج لهم مطلَّقةً، أو زوجةً ماتوا عنها.
(ب) أن لا نتزوَّج شريفةً إلا إذا كان أحدنا يعرف من نفسه القيام بواجب حقِّها.
( ج ) إذا تزوَّجنا بشريفة – فرضاً – فإنه لا يجوز للزَّوج أن يتزوَّج عليها، ولا أن يتسرَّى.
( د ) أنه يجب على الزوج أن يَعُدَّ نَفْسَهُ خادماً لتلك الزوجة الشَّريفة، رقيقاً عندها، ويعتقد أنه إذا خرج عن طاعتها أبق وأساء!
(هـ) وعليه كذلك، إذا قامت من مجلسه وأرادت الخروجَ أن يُقدِّم لها نعْلها، وأن يقوم لها إذا وردتْ عليه.
وتلحظ من جميع ما سبق أنَّ القوامة صارت ههنا للمرأة، وليس للزوج عليها أي سلطان؛ فيا لله العجب!
5 – ومن ذلك: أنه أتى بصلوات مبتدعة يعتقدها الصُّوفية! (ص117 – 121)، منها (صلاة سيدي محمد بن أبي الحسن البكري!)، زاعماً أنها أبلغ الكيفيات وأجمع الصلوات! وقد أقحمها في الكتاب إقحاماً! مع التنبيه إلى أنَّ للنَّبهانيِّ كتاباً سمَّاه: » أفضل الصلوات على سيِّد السَّادات « شَحَنَهُ بالصَّلوات البدعية، والأذكار الصُّوفية! والله وحده المستعان.
• • • • •
س10: ذكرتم في مقدمتكم للكتاب أن المهدي حسني الأب، حسيني الأم (1/138)؟! و المشهور أنه من ولد فاطمة فحسب دون تحديد أهو من الحسن أم من الحسين رضي الله عنهما. وقد روى أبو داود بسند فيه أبو إسحاق السبيعي عن علي ما يدل على أن المهدي من ولد الحسن، ولكن الحديث فيه انقطاع لعدم سماع أبي إسحاق من علي رضي الله عنه وقد أشار ابن القيم في " المنار المنيف" إلى أن من عادة الله أن من ترك شيئاً لله عوضه خيراً منه، والحسن قد ترك الخلافة لله، فحقن دماء المسلمين، فاستنبط – رحمه الله – أن المهدي يكون من ولده؟ ما تعقيب فضيلتكم على هذا الأمر؟
الجواب: صرَّح الحافظ ابن كثير في "النهاية في الفتن والملاحم" (ص25 – 26) بأن المهدي من ذرية فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم من ولد الحسن والحسين. وكونه حسيني الأم لا يعارض كونه من ولد فاطمة، فالحسنيون والحسينيون جميعاً من أولاد فاطمة.
وعليه ؛ فأبوه حسني من ولد الحسن، وأُمّه حسينية من ولد الحسين. والله أعلم.
• • • • •
و في ختام هذا اللقاء تتوجه أسرة الموقع بوافر التقدير والشكر لفضيلة الشيخ خالد الصمي بابطين على إتاحته الفرصة لإجراء هذا الحوار الماتع مع فضيلته، آملين أن يزداد التواصل في هذا الباب والمهيع، ونسأل الله العلي العظيم أن ينفع بعلمه الإسلام والمسلمين.
• • • • •

بحث سريع