سفر في قلوب آل البيت أيضاً !

بواسطة | الشريف محمد الصمداني
2005/06/24
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله و على آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
سفر و ما سفر و ما أدراك ما سفر ؟ سفرَ اللهُ به اللثام عن الحق إذ كان خفياً ، و لاحَ لأهل الكفر من البشر فطرد من كان شقيا … تطاير منه شررٌ كالقصر ، و رمى بمنجنيق الحق الباطل ، فلم يبق له ولم يذر ،… له قلبٌ عقول ، و لسان سؤول … يكتب الكلمة ، فيرتاع لها البيت الأبيض ، و يرسل رسالة من مكة ، فتبلغ المشارق والمغارب ، و يظهر الله بها حجة الاسلام والايمان عالية ، و يهز دهاليز الكنيست اليهودي بوابل من يوم الغضب ..
و له مثلاتٌ في أهل الكفر من اليهود والنصارى و الملاحدة و أهل الزندقة و أصحاب البدع … و أسمعت كلماته من به صمم القلب و الروح .. إنْ رأيتَ سفر علمت أننا لا نقاتل الروم و اليهود بكبر الأحجام و كثرة الجيوش والعساكر ، و إنما بشيء يقر في القلب من الايمان بالله و حب رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم …، و لتذكرتَ حديث :" أتعجبون من دقة ساقيه ، فلهي في الميزان أثقل من أحد " !
لم نر عبقرياً يفري فريه ، قد نفض الغبار عن مواضيع حيرت الأمة المعاصرة ، وكانت في أمس الحاجة إلى تقييمها و توضيح حد الاسلام فيها ، و ذلك كالارجاء ، و العلمانية و غيرها من المواضيع ، فكان سبباً لنزول الدواء على الداء ، و كان كلامه في ذلك المضمار مما جدد الله به جانباً مهماً من جوانب الاسلام العلمية في هذا العصر ، و أما كلامه في الرافضة والصوفية ، فهو أشهر من أن يذكر به ..
ماذا عساي أن أتحدث عن سفر و هو من هو ، في العلم والعمل والايمان والجهاد والنصح لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وخاصتهم ؟ و ما نحن فيمن " مضى إلا كبقل في أصول نخل طوال " !
*****
في هذا المقال القصير ، أريد أن أقتصر على صفحة من صفحات حياة الشيخ المجاهد لا يعرفها الكثيرون ، و لون من ألوان الحياة الخفية للعلماء والمجاهدين الصادقين ، إنها صفحة حبه لآل البيت من الأشراف و السادة .. فللشيخ في ذلك مواقف مشكورة و مذكورة عند أهل الحجاز .. فكم له من مقام مشهود معهم ، تارة بفض النزاعات و الخصومات و إنصافهم من مخالفيهم و الإدلاء بحجتهم حتى يحصحص الحق إما لهم أو عليهم ، و تارة بالتعظيم والتبجيل في المجالس ، و أخرى بالتوجع لأحوالهم .. و أما معرفته بأنسابهم وأخبارهم ، فشيء عجب لا يكاد يصدقه أحد !
و مواقفه هذه من الأهمية بمكان ، لأنها توضح الجانب العملي في حب الأشراف و السادة عند أهل السنة والجماعة ، فإنه علمٌ من أعلامهم في هذا الوقت ، وفي هذا من الفائدة ما لا يخفى على أحد ..
سفر الذي رد على الخرافيين و القبوريين ، حاول أعداؤه أن يتهموه بكراهية آل البيت لا لشيء إلا لأنه ردَّ عليهم وعلى المتشيعة و الباطنية ، و هؤلاء أكبر المتاجرين باسم آل البيت ، فشهر بأصولهم البدعية المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. كان هؤلاء يشيعون أنه وهابي ، لا يحب آل البيت ، و هو في الحقيقة لا يحب البدع والضلال ، و مواقفه المسطورة في هذا " الرقيم " ، جزء من كل ، و قطرة من بحر كبير ، ممتليء بحب الله ورسوله و آل بيته وعامة المسلمين من كانوا و أين كانوا .. فحدث عن البحر ولا حرج ، " إنْ وجدناه إلا بحراً " !
إن سكنى سفر بمكة ، و هي قلبُ الحجاز ، جعلته يقترب كثيراً من آل البيت ، فتعرف على أعيانهم ، و ناصح وجهائهم ، و زامل بعضاً منهم ، وكان شيخاً لأجيال منهم ، و كان الشيخ متنفساً لهمومهم و مشاكلهم وقضاياهم العالقة من حينٍ لآخر ،.. إنه امتداد لأثر من آثار أهل السنة في معاشرتهم ومخالطتهم لآل البيت أشرافاً وسادة ..
بمكة فئام كثير من الأشراف و السادة من آل البيت ، كان أعلام أهل السنة والحديث يخالطونهم في قديم الزمان ، و يغشون مجالسهم و يسمعونهم الحديث ، و يجيزونهم ، فعل ذلك الحافظ تقي الدين الفاسي صاحب المؤلفات الشهيرة ، و الحافظ السخاوي ، و آل فهد الهاشميين ، و كان هؤلاء من جملة الأسباب في ربط هؤلاء السادة و الأشراف بالعلم الصحيح و بأهل الذكر من العلماء ، و في هذا من الخير ما لا يعلمه إلا الله ، كان من آثار ذلك أن أجاز شيخ الاسلام ابن تيمية[1] و جماعة من العلماء ، في استدعاء من الشيخ الحافظ علم الدين البرزالي في سنة 713 : كانت تلك الاجازة للشريف أبي دعيج بن أبي نمي الأول ، و هو جد السادة العنقاوية بمكة اليوم ..
إن تتبع هذا كثير ، و لضيق المقام ، و لعدم إسعاف الوقت ، رأيت الاقتصار و التنبيه على ما تقدم و مجال الافاضة فيه في غير هذا الموضع …
*****
قال سفر شفاه الله من مرضه للشيخ ناصر العمر بمحضر جمع من السادة و الأشراف :" و الله لا أرد طلباً لسيد أو شريف ، حباً في رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
و حدثت ذات يومٍ جناية قتل في الطائف ، حيث قتل رجلٌ شريف أخاً له في الله ، عربياً مسلماً ، يسكن الطائف من فترة طويلة ، فحكمت المحكمة الشرعية بالقصاص ، و قد قال صلى الله عليه وسلم :" لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " ، فتشفع الناس لولي الدم ، فرفض الرجل ، و أبى إلا أن يقتص له من القاتل الشريف ! و بلغت شفاعات الناس ووساطاتهم بالمئات ، و تدخل المشايخ و الأشراف وبعض الأمراء و الأعيان و الوجهاء من الطائف و مكة ، فأبى ولي الدم .. و له الحق في ذلك !
و لما استحكم الأمر واستغلق الباب ، جاء الشيخ سفر الحوالي حفظه الله وشفاه من مرضه ، فقال لولي الدم :" ألا تحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ " قال ولي الدم : " بلى " . فقال الشيخ :" أعتقه ! فلو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً لسره أن تعفو عنه ، و إني أشفع فيه ، حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم " !! فقال ولي الدم : غداً أذهب إلى المحكمة فأعفو عنه ! ثم ذهب إلى المحكمة ، و أحضر معه شاهدين ، و تنازل عن الدم ! و سجَّلَ الرجل في تنازله :" أعفو عن الشريف حباً لرسول الله صلى الله عليه و سلم " !
هذا الذي جاءنا به سفر ، و ما عهدنا هذا منذ أزمان ، فهو ينطلق من أصول شرعية و أبعاد إيمانية ، حتى في باب الشفاعات ، و لهذا نشهد له بموجب الايمان و يعلن كل مؤمن محبته له ، و نحن من جملة شهود الله في الأرض ، لقد جاء يذكر ولي الدم بمحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. إن سفر يدرك أن هناك أبواباً للجاهات والأموال و المناصب والترغيب والترهيب ، لكن ليس هذا ما أوقف حياته عليه ، فلذلك أهلون يعرفون بذلك ، أما هو ، فيأتي من باب الايمان بالرسول النبي الأمي عليه الصلاة والسلام حين يقول :" و الله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه و اهله و الناس أجمعين " ، فيأتي شافعاً في ذلك الشريف ! و قد قال الله تعالى :" من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيبٌ منها " .
و كان الشيخُ يقول لأولاده و يوصيهم : إذا جاءكم فلان – ويعني رجلاً من السادة و الأشراف – فأعطوه كل ما يريد و يطلب ، حتى بعد مماتي !
و إذا دعي إلى وليمة أو مناسبة و كان هناك بعض السادة أو الأشراف ، فإنه لا يجلس على الطعام قبلهم بل لا يجلس حتى يجلسون قبله .. و كان شفاه الله و عافاه من مرضه يتأخر في حضور المجالس إذا كان معه أحدٌ منهم ، و لا يدخلها قبلهم …
و أخبرني بعض أهل العلم من المشايخ من العلويين أهل حضرموت ، أنه كان إذا التقى بالشيخ سفر ، قدمه الشيخ على نفسه في الكلام و غيره ، و كان يقول شفاه الله : " هذا من حقكم علينا يا آل البيت " .
و كان يقول للسيد العلوي : " نحن نتقرب إلى الله بحبكم " .
و حدثني رجلٌ من العلويين الحضارمة أن الشيخ سفر شفاه الله وعافاه كان يقول له دائماً :" إنَّ عليكم واجباً عظيماً في دعوة السادة " ! و كان يناديه في أحيانٍ كثيرة بـ:" السيد فلان " .
و مرة جاءه شريف حسني ، وكان الشيخ على أهبة السفر ، قد حزم حقائبه و تجهز ، فقال له مدير مكتبه : قد حضر الشريف فلان ؟ فأخَّرَ الشيخُ سفرُ السفرَ ، و جالس الشريف و باسطه في الكلام ، و كأنه ليس على وجه السفر ، و تحدث مع الشريف ، و استمع لما عنده ، ثم اعتذر له بضيق الوقت ، و واعده مرة أخرى ! يقول الشريف : لقد استحييتُ من نفسي لما رأيت من حسن الاستقبال مع اشتغال الشيخ بسفره !
و حدث لرجل شاب عاقل من الأشراف أن جاء للشيخ في مسجد قرب بيته ، عام 1413 ، فسأل عن الشيخ ، و لم يكن رآه قبل ذلك ، إلا في الدروس والمحاضرات ، فقيل : هو يقرأ القران في المسجد ! وكان ذلك بعد صلاة العصر في رمضان ، فدخل الشريف وكان شاباً حدثاً فأراد أن يسلم على رأس الشيخ ، فنهره الشيخ ، و أبى ذلك من الشريف ، (( مع أن عادة أهل البيت مع علماء الأمة المحمدية هو التعظيم والتبجيل ، كما فعل ابن عباس مع زيد بن ثابت رضي الله عنهما )) ، ثم طلب الشريف من الشيخ أن يزكي رجلاً من أهل أفريقيا ، كان منتصباً لجمع تبرعات و كتب ؟ فسأل الشيخُ الشريفَ الشابَ عن أحوال الرجل الإفريقي ، فأخبره الشريف بما يعرف و أنه قد زكاه فلان ، و أنه يحمل ورقة من فلان ! فقال الشيخ سفر شفاه الله و عافاه : " و ما يدرينا أنه لص " ثم " ابتسم " ؟! ثم تردد في تزكيته ! ثم قال : إذا نزلتُ جدة ، تعال إلى الدرس ، ويسير خير إن شاء الله ! ثم لم يكتب له تزكية ! يقول الشريف الشاب : العجب أنه قد جاءت الأخبار بعد مدة من أفريقيا ، تقول : إن ذلك الرجل كان لصاً و محتالاً كبيراً في بلاده !!
و من حب آل البيت للشيخ سفر أن المتابع لحالته الصحية ، و المتحدث عنها في وسائل الاعلام من آل البيت ، و هو الدكتور حسين البار …
و حدثتني امرأة شريفة حسنية ، قالت : لما سمعتُ بمرض الشيخ بكيت ، ثم اتصلت على مستشفى النور و كنت أسأل عنه في اليوم نحو ثلاث مرات ، و قد عزمت الذهاب إلى مكة للسؤال و مقابلة أهله ، فإني لا أعرفهم ، ثم لما سمعت بانتقاله إلى جدة ، فرحت كثيراً و استبشرتُ خيراً … و هي الآن تسأل في مسألة فقهية ، و تقول : لقد نذرتُ أن أمشي إلى المستشفى إن شفاه الله ، فما الحكم ؟
و ماذا بعد ؟! إن المواقف كثيرة ، و المقام لا يسمح بالسرد ، وليس هذا مكانه ..!
أتعلم من يشعر بفقد سفر و أمثال سفر ؟! يشعر بذلك من له نفعٌ دنيوي أو ديني من هذه الجهة و ما أكثر الطائفتين … فقد انتصب لنفع الناس سفر ، و هو من أزهد خلق الله في المال و الدنيا .. حدثني رجل شريفٌ سيد ، فقال : لقد خالطت الشيخ و اقتربت منه ، فرأيت أن الدنيا لا تسوى عنده شيئاً ، الرجل زاهدٌ فيها .. !!
اليوم يقنت له أهل فلسطين في غزة و الضفة و غيرها ، يدعون له في صلواتهم ؟! و في أرتريا يدعو لهم أهلها في بيوتهم ومساجدهم أيضاً ؟! – كما سمعنا في الأخبار –
اللهم اشف شيخنا ، و ألبسه ثوب العافية ، و طهور إن شاء الله …


[1] انظر العقد الثمين للفاسي (8/42 ) .

{moscomment}

بحث سريع