دعوة للقراءة

بواسطة | مشرف النافذة
2005/07/09
     إن القراءة فن سامق ، ومركب ذلول لمريد المعرفة لا يعرفها إلا من خاض في بحرها فبالقراءة تحيا العقول ، وتستنير الأفئدة ، ويستقيم الفكر.إن كلمة ( اقرأ ) أول كلمة نزلت على نبينا صلى الله عليه وسلم.
وإن مما تميز به السلف عن الخلف الولوع بالقراءة حتى يقول ابن الحوزي عن نفسه في "صيد الخاطر": واني اخبر عن حالي : مااشبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيت كتابا لم أره فكأني وقعت على كنز… ولو قلت إني طالعت  عشرين ألف مجلد  كان أكثر وأنا بعد في الطلب".
لماذا نقرأ:
 إن هناك دواعي كثيرة ، تفرض على الواحد منا أن يتعلم ، ويقرأ ، ويكتسب الخبرات مدى الحياة ، منها :
      1- إن الذي يدعو الإنسان إلى مزيد من التعلم ، هو العلم نفسه ، إذ إنه كلما
زادت المعرفة ، اتسعت منطقة المجهول ، والتقدم نفسه يعمل على زيادة حاجة
الإنسان الشديدة إلى المعرفة ، حيث إن التوغل في حقول المعرفة ، يتيح إمكانات
ومجالات جديدة ، ويولَّد دوافع جديدة للتقدم الأوسع نطاقاً . والمثقف الذي يرغب في
الحفاظ على قيمة ثقافته وكرامتها ، مطالب بأن يعيد تكوين ثقافته على نحو مستمر
ومتجدد ، وعندما يشعر بالاكتفاء بما لديه من معلومات ، سيضع نفسه على شفا
الانحطاط . وإذا كان متخصصاً فإن أمواج القفزات العلمية في تخصصه ، ستقذف
به نحو الشاطئ ، ليجد نفسه في النهاية خارج التخصص . الوضع الذهني للرجل
متوسط الثقافة – فضلاً عن الضعيف – يسف وينحط بسبب ما يحتشد من النظريات
والأفكار والمذاهب التي لم يعد بإمكانه المساهمة فيها ، حتى لو أبدى اهتماماً بها .
إن جهلنا ينبسط مع تقدم المعرفة ، كما ينبسط سطح التماس لكرة ما مع العالم
الخارجي عندما يكبر قطرها ، وهذا يشكل تحدياً متزايداً لكل قارئ .
      2- لم يكن لدى الناس قديماً إحساس قوي بارتباط كسب الرزق بمدى ما
يحصلَّونه من علم ، لكن الوضع قد تغير اليوم ؛ حيث تتضاءل على نحو متصاعد
المهن والوظائف التي يمكن للأميين ومحدودي الثقافة الاضطلاع بها . وسوف تجد
الأمة التي لا يحسَّن أبناؤها مستوى معارفهم – على نحو مستمر- نفسها مؤهلة لأن
تكون تابعة للأمم الأخرى ، ومستغلة لها على كل المستويات !
      3- إن ما نمتلكه اليوم من معارف وخبرات ، لا يتمتع بقيمة مطلقة ؛ فسكان
الأرض يشكلون عالماً واحداً ، وأهمية كل جزء من أجزاء هذا العالم ، تنبع دائماً
من قدرته على الصمود والمنافسة وحل المشكلات ، وما يمتلكه من وزن في
الساحات العالمية . وشيوع الأمية الأبجدية والحضارية ، قد جلب على أمة الإسلام
مشكلات هي أكبر مما نظن ؛ وليس ذلك على صعيد المعيشة والإنتاج فحسب ؛
وإنما على صعيد فهم الإسلام أيضاً ؛ فالإسلام بما أنه بنية حضارية راقية ، لا
يتجلى على نحو كامل إلا عبر تجربة معرفية وحضارية رائدة ؛ مما يعني أن    
التخلف الذي نعاني منه قد حال بيننا وبين رؤية المنهج الرباني على النحو المطلوب .   
      4- إن العقل البشري ، يميل دائما إلى تكوين عادات ورسم أطر لعمله ، وهي
مع مرور الوقت ، تشكل نوعاً من البرمجة له ؛ والبيئة – بكل أنواعها – هي التي
توفر مادة تلك البرمجة . وكلما كانت ثقافة الإنسان ضحلة ، وكانت مصادر معرفته
محدودة ، ضاقت مساحة تصوراته ، وأصبح شديد المحلية في نماذجه ورؤاه ،
عاجزاً عن تجاوز المعطيات الخاطئة التي تشربها من مجتمعه . والقراءة الواسعة ،
والاطلاع المتنوع هو الذي يعظم الوعي لديه من خلال المقارنة وامتداد مساحات
الرؤية ، وقد كان علماء السلف ، لا يثقون بعلم العالم الذي لم يرحل ، ولم يغبِّر
قدميه في طلب العلم ، إدراكاً منهم لمخاطر البرمجة الثقافية القائمة على معطيات
محلية محدودة .
      5- التدفق الهائل للمعلومات ، وتراكم منتجات البحث العلمي في اتساع
مستمر ؛ والنتيجة المباشرة لذلك هي تقادم ما بحوزتنا من معارف ومعلومات . وتفيد
بعض التقديرات أن نحواً من 90 % من جميع (المعارف العلمية) قد تم استحداثه
في العقود الثلاثة الأخيرة . وسوف تتضاعف هذه المعارف خلال نحو من 12 سنة .   ويقول أحد الباحثين : إن على المتخصص المعاصر أن يضع في حسبانه أن نحواً  
من 10 – 20 % من معلوماته قد شاخ ، وعليه أن يجدده . ويرى أحد الباحثين أن
أعراض الشيخوخة تعتري المعلومات بنسبة 10 % في اليوم بالنسبة إلى الجرائد ،
و10 % في السنة بالنسبة إلى المجلات ، و10 % في السنة بالنسبة إلى الكتب .
      6- إن تقادم المعلومات يتجلى في صور شتى ، فتارة في ظهور زيفها أو عدم
دقتها ، وتارة يتجلى في عدم ملاءمتها للخطط الجديدة ، وأحياناً بتحوّل الاهتمام عنها ،   لأنها لم تعد ذات قيمة في البناء المعرفي ، وأحياناً بقراءتها قراءة جديدة ، أي :   
إنتاجها مرة أخرى على نحو يبعدها عن مضامينها الأولى …
      والعلاج لذلك كله دوام الاطلاع والمتابعة ، حتى لا يتدهور ما لدينا من معرفة ،   وحتى لا نغرق في الضلالات والأوهام التي تنتشر باعتبارها مفرزات جانبية للتقدم العلمي .
من أسباب إلإحجام عن القراءة:
هناك بعض الآفات التي قد تعرض لبعض القراء خاصة في بداية سلوكهم لهذا السبيل منها:
الآفة الأولى : قلة الصبر على القراءة والمطالعة :
      وهذه آفة قديمة ازدادت في عصرنا هذا خصوصاً مع كثرة الصوارف  
والمشغلات الأخرى ؛  حيث أصبح كثير من القراء لا يقوى على مداومة القراءة ،
ويفتقد الأناة وطول النفس ، ولا يملك الجَلَد على المطالعة والبحث والنظر في بطون
الكتب وكنوز العلم والمعرفة ، وحينما يبدأ القارئ بالاطلاع على الكتاب سرعان ما
يضعه جانباً ويشتغل بأمر آخر .
وهذه الافة تظهر بشكل واضح وجلي عند الاشخاص اصحاب الطبيعة الحركية  الذين يحبون كثرة الذهاب والمجيء والمجهود العضلي ولايطيقون الجلوس في مكان واحد
     
    وترويض النفس وتربيتها وقسرها على القراءة من أنجح السبل لبناء تلك
الخَلَّة الكريمة ، خاصة عند نعومة الأظفار وبداية الطلب . وقد يعجز المرء في
البداية ، أو تصيبه السآمة والملل ، ولكنه بطول النفس وسعة الصدر والعزيمة
الجادة سوف يكتسب بإذن الله تعالى هذه الملكة حتى تصبح ملازمة له لا يقوى على
فراقها ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما العلم بالتعلم ) ،    
وتكوين هذه العادة وغرسها في النفس من أولى ما يجب الاعتناء به لدى القراء
والمربين .
الآفة الثانية : ضعف التركيز :
      كثير من القراء يقرأ بعينيه فقط ، ولا يقرأ بفكره ، ولا يستجمع قدراته العقلية
في التفهم والبحث . وربما جال القارئ بعقله يميناً ويساراً ، وطافت بخاطره ألوان
من الهموم والمشاغل ، ثم يفاجَأ بأنه قضى وقتاً طويلاً لم يخرج فيه بمادة علمية
تستحق الذكر .
      وبعض القراء يبدأ بهمة ونشاط وتركيز ، ولكنه بعد أن يقرأ قليلاً من
الصفحات يبدأ بالتململ التدريجي ، حتى ينفلت الزمام من يديه ، ويستيقظ فجأة بعد
أن سبح في عالم رحب من الخواطر الشخصية البعيدة عن مادة الكتاب ، قال طه
حسين : ( كثيراً ما نقرأ لنقطع الوقت لا لنغذو العقل والذوق والقلب . وكثيراً ما  
نقرأ لندعو النوم لا لنذوده عن أنفسنا  )  .
      وقد يؤدي ضعف التركيز أحياناً إلى اكتساب معلومات مضطربة أو مغلوطة
أو ناقصة ، مما يقود إلى نتيجة عكسية تضر القارئ ولا تنفعه ، وقد يتعدى ضرره
إلى غيره .. !
      إن امتلاك القدرة على التركيز واستحضار الفكر امتلاك لزمام المادة العلمية ،
وهي السبيل الرئيس للوصول إلى الفهم والإتقان . ويختلف مقدار التركيز المطلوب
في القراءة حسب طبيعة الكتاب المقروء ؛ ومستواه ، وحسب مستوى القارئ الثقافي
أيضاً ، وحسب الهدف من القراءة ؛ فمقدار التركيز الواجب لقراءة كتاب علمي
متخصص يختلف عن التركيز المطلوب لقراءة قصة أدبية أو كتاب في الثقافة العامة .   
   وقد ذكر العلماء والتربويون أسباباً كثيرة تعين القارئ على التركيز ، مثل :
اختيار الأوقات المناسبة ، والأماكن الملائمة الخالية من الصوارف ، وأن يكون
خالي الذهن ، ولديه الاستعداد العقلي والنفسي الذي يعينه على استجماع قدراته
الفكرية .. ونحو ذلك مما يطول وصفه ، ولكن يجمعها وصف واحد وهو : أن يكون
جاداً حريصاً ذا همة صادقة ؛ فمن امتلك هذا الوصف حرص على تذليل كافة
العقبات التي قد تعرض له .
 
  الافة الثانية الخطأ في الابتدأ : إذ القراءة في الكتب المتقدمة في قبل الكتب الميسرة او الاساسية فيه من الاخطاء التي تسبب النفور من القراءة  
الآفة الثالثة : ضعف المنهجية في القراءة :
    أو مايسمى بالخطاء في الإبتداء ،إذ القراءة في الكتب المتقدمة قبل الكتب الميسرة او الاساسية من الاخطاء التي تسبب النفور من القراءة.  
  وقد يحار القارئ المبتدئ خاصة من أين يبدأ ؟ ! وكيف يبدأ ؟ ! ولذا كان
الواجب على القارئ أن يرسم لنفسه منهجية واضحة للقراءة يدرك من خلالها إلى
أين يسير .. وما أهدافه ؟ !    
       والقدرة على اختيار الكتاب المناسب لها دور بارز في اختصار المسافات في
طريق القارئ الطويل . وكم من قارئ قد ضلَّ الطريق وحرم الوصول ؛ لأنه أراد
أن يصعد السطح بلا سلم ، أو أراد أن يبني داره على أرض هشة غير مستقرة ،
ومن المفيد هنا التأكيد على أهمية استشارة أهل الاختصاص وأصحاب الخبرة
لمعاونة القارئ المبتدئ في ترشيح الكتب المناسبة له ،
     
      فهل آن لأمة ( اقرأ ) أن تجدد علاقتها الفاترة بالكتاب وبالمعرفة ، وأن تتعلم
كيف تقرأ ؟ !
 

بحث سريع