والد النبي عليه الصلاة والسلام

بواسطة | د. سلمان العودة
2005/07/11

حصل مؤخراً شيء خطير هنا في المسجد في بلدنا، فقد ادّعى المدعي بأن والد الرسول – صلى الله عليه وسلم – سيدي عبد الله كان من الكافرين، وسوف يدخل النار مع الكافرين، ويقول: إن ذلك من حديث موثوق، فطلبت منه المصدر، فتشاجرنا، ولكن ما العمل مع هذ الدجال؟ وما حكم الشرع؟ وحبذا لو تساعدني بأن أقنع المصلين بأن هذا كذب، وأن ترسل لي بعض الأحاديث لأكذب هذا الدجال.

بالنسبة لوالد سيدنا إبراهيم – عليه السلام- فقد كان من الكافرين بنص القرآن الكريم (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم) [التوبة : 114]وهكذا جاء هذا المعنى في سورة مريم ، وسورة الممتحنة، وغيرهما.وامرأة نوح، وامرأة لوط كانتا كافرتين بنص القرآن الكريم (ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين) [التحريم:10].وابن نوح كان أيضاً كافراً كما في سورة هود (قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألنِ ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين) [هود : 46]. وقد خاطب الله تعالى نبيه محمداً – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه بقوله في سورة التوبة (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم….) الآيات، [التوبة : 113-114].وبالنسبة لوالدة النبي – صلى الله عليه وسلم – فقد صح أنه قال: "استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي ، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي ، فزوروا القبور فإنها تذكر بالآخرة" أخرجه مسلم (975) عن أبي هريرة – رضي الله عنه -.ولم يأذن له بالاستغفار لها؛ لأنها ماتت في الفترة قبل البعثة، وأمرها إلى الله.ولعل من حكمة الله أن يبرز هذه المعاني؛ ليعلم الجميع أن الإيمان به جهد وكسب ذاتي يبنى على اختيار المرء وإرادته وفعله وقوله وعقد قلبه وحركة جوارحه، فلا يغني فيه أحدٌ عن أحد، ولا تملك نفسٌ لنفس شيئاً، إلا بالدعوة والبيان والإرشاد، وإلا فهذه امرأة فرعون يشيد الله بذكرها، ويبين فضلها، وامرأة نبي من الأنبياء يسجل عليها كفرها وفجورها وخيانتها، والظاهر أن المقصود بالخيانة الخيانة في الدين، لا في العرض، وعليه جمهور المفسرين.أما الحديث الذي ذكره الأخ فهو ما رواه مسلم في صحيحه (203) عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن رجلاً قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: "في النار"، فلما ولى دعاه، فقال: "إن أبي وأباك في النار".والحديث رواه أبو داود (4095)، وأحمد (13332،11747)، وفي بعض الروايات، فلما رأى ما في وجهه قال: " إن أبي وأباك في النار ".قال الإمام النووي في (شرح صحيح مسلم) : " فيه أن من مات على الكفر فهو في النار، ولا تنفعه قرابة المقربين، وفيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار، وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة ، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم -، وقوله – صلى الله عليه وسلم -:"إن أبي وأباك في النار" هو من حسن العشرة بالتسلية بالاشتراك في المصيبة.وقول النووي – رحمه الله – إن أهل الفترة الذين كانوا يعبدون الأوثان كلهم في النار فيه نظر، ولا يلزم أن تكون الحجة قامت عليهم جميعاً، ونحن نرى في هذا الزمان مع تقدم وسائل الاتصال إلا أن كثيراً من الناس لم تبلغهم الرسالة، ولم تقم عليهم حجة الكتاب، والله أعلم.أما قوله: إن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال ذلك من باب حسن المعاشرة والتسلية فمأخذ جيد، ولا يحسن أن يكون مصير أبويه – صلى الله عليه وسلم – من الكلام الذي يردد في كل مجلس، فإن في هذا تـحزيناً لبعض قلوب المؤمنين، وقد صح عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال:"لا تسبّوا الأموات فتؤذوا الأحياء" أخرجه البخاري (6516) عن عائشة – رضي الله عنها – وفي لفظ: "فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا " أخرجه البخاري (1393) عن عائشة – رضي الله عنها – لكن إذا جاءت مناسبة لتقرير هذا ، فيقرّر كما ذهب إليه جماهير أهل العلم. أما الأحاديث الواردة في إحياء أبوي النبي – صلى الله عليه وسلم – وإيمانهما فهي أحاديث موضوعة لا أصل لها، أو شديدة الضعف، كما قرره أهل العلم كالدارقطني، والجوزقاني، وابن شاهين، والخطيب البغدادي، وابن عساكر، وابن ناصر الدين، وابن الجوزي، والسهيلي، والقرطبي، والمحب الطبري، وابن سيد الناس، وغيرهم .وقد بسط الكلام في المسألة الشيخ إبراهيم الحلبي في رسالة مستقلة، والعلامة علي القاري في (شرح الفقة الأكبر) لأبي حنيفة، وفي رسالة خاصة أيضاً.أما الشيخ جلال الدين السيوطي، فقد خالف جميع العلماء في ذلك وكتب رسالة عنوانها (التعظيم والمنّة في أن أبوي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الجنّة).وما اختاره – غفر الله له – ضعيف مخالف للحديث الصحيح، ومخالف لمسلك الجماهير من علماء المذاهب الأربعة وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين.وبهذا تعلم ـ وفقك الله لكل خيرـ أن ما قرره الأخ هو في أصله صحيح لا غبار عليه، ولكن لا يلزم أن يقرر في كل مناسبة، إلا أن تكون مناسَبةً مناسِبَةً،وتشكر لك غيرتك على الدين، ومحبتك لسيد المرسلين – حشرنا الله وإياك في زمرته، وأوردنا حوضه -.


المصدر الإسلام اليوم




بحث سريع