الركن الرابع : الإيمان بالرسل

بواسطة | إدارة الموقع
2005/07/21
(1) ـ الإيمان بالرسل عليهم السلام :
هو : أحد أركان الإيمان التي لا يتحقق إيمان العبد إلا بها.
والإيمان بالرسل : هو الاعتقاد الجازم بأن لله رسلاً اصطفاهم لتبليغ رسالاته، فمن اتبعهم فقد اهتدى ، ومن عصاهم فقد غوى ، وأنهم قد بلغوا ما أنزل الله إليهم من ربهم البلاغ المبين ، وأدوا الأمانة ونصحوا الأمة ، وجاهدوا في الله حق جهاده ، وأقاموا الحجة ولم يبدلوا أو يغيروا أو يكتموا شيئاً مما أرسلوا به ، ونؤمن بمن سمى الله لنا ومن لم يسمِّ ، وكل رسول يبشر بمن يأتي بعده ، والمتأخر منهم يصدق من قبله .
قال تعالى : قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ
وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [سورة البقرة:الآية 136]
فمن كذب رسولاً فقد كذب الذي صدقه ، ومن عصاه فقد عصى من أمر بطاعته . قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً {150} أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً {151} وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [سورة النساء:الآيتان 150-151].
(2) ـ حقيقة النبوة :
النبوة : واسطة بين الخالق والمخلوق في تبليغ شرعه ، يَمُنُّ الله بها على من يشاء من عباده ، ويختار لها من شاء من خلقه ، فما كانت الخيرة لأحد غيره سبحانه . قال وتعالى : اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [سورة الحج:الآية 75]
والنبوة : توهب ولا تكتسب ، لا تدرك بكثرة طاعة أو عبادة ، ولا تأتي باختيار النبي أو طلبه ، وإنما هي اجتباء واصطفاء من الله عز وجل .
وقال تعالى : شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ [سورة الشورى:الآية 13].
(3) الحكمة من إرسال الرسل :
الحكمة من إرسال الرسل عليهم السلام تتمثل في أمور منها:
أولاً : إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن رق عبودية المخلوق إلى حرية عبادة رب العباد . قال تعالى: لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [سورة الأنبياء:الآية 10].
ثانياً : التعريف بالغاية التي خلق الله الخلق لأجلها ، وهي عبادته وتوحيده والتي لا تعرف إلا عن طريق الرسل الذين اصطفاهم الله من خلقه وفضلهم على العالمين .
قال تعالى : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [سورة النحل:الآية 36]
ثالثاً : إقامة الحجة على البشر بإرسال الرسل . قال تعالى : رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [سورة النساء:الآية 165]
رابعاً : بيان بعض المغيّبات التي لا يدركها الناس بعقولهم ، مثل أسماء الله وصفاته ، ومعرفة الملائكة واليوم الآخر وغير ذلك .
خامساً : كون الرسل قدوة حسنة كمَّلهم الله بالأخلاق الفاضلة وعصمهم من الشبهات والشهوات . قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ
وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [سورة الممتحنة:الآية 6].
سادساً: إصلاح النفوس وتزكيتها وتطهيرها وتحذيرها من كل ما يرديها. قال تعالى : هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا
مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ [سورة الجمعة:الآية 2] . وقال صلى الله عليه وسلم : ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) [ رواه أحمد والحاكم].
(4) وظائف الرسل عليهم السلام :
للرسل عليهم السلام وظائف جليلة منها :
أ ـ تبليغ الشريعة ودعوة الناس إلى عبادة الله وحده وخلع عبادة ما سواه. قال تعالى: الَّذِينَ
يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً [سورة الأحزاب:الآية 39].
ب ـ تبيين ما أنزل من الدين . قال تعالى : بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [سورة النحل:الآية 44]
ج ـ دلالة الأمة إلى الخير وتحذيرهم من الشر ، وتبشيرهم بالثواب وإنذارهم بالعقاب . قال تعالى : رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [سورة النساء:الآية 165]
د ـ إصلاح الناس بالقدوة الطيبة والأسوة الحسنة في الأقوال والأفعال .
هـ ـ إقامة شرع الله بين العباد وتطبيقه .
و ـ شهادة الرسل على أممهم يوم القيامة بأنهم قد بلغوهم البلاغ المبين . قال تعالى : فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً [سورة النساء:الآية 41].
(5) الإسلام دين جميع الأنبياء :
الإسلام دين جميع الأنبياء والمرسلين . قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ [سورة آل عمران:الآية 19]. فكلهم يدعون إلى عبادة الله وحده ونبذ عبادة ما سواه ، وإن اختلفت شرائعهم وأحكامهم فإنهم متفقون على الأصل وهو التوحيد . قال صلى الله عليه وسلم : (( الأنبياء إخوة لعلات )) [ رواه البخاري ] .
(6) الرسل بشر لا يعلمون الغيب :
علم الغيب من خصائص الألوهية وليس من صفات الأنبياء ؛ لأنهم بشر كغيرهم من البشر ، يأكلون ويشربون ويتزوجون وينامون ويمرضون ويتعبون . قال تعالى : وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً [سورة الفرقان:الآية 20].
وقال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ [سورة الرعد:الآية 38]. ويصيبهم ما يصيب البشر من الحزن والفرح والجهد والنشاط ، وإنما اصطفاهم الله لتبليغ دينه ولا يعلمون من الغيب إلا ما أطلعهم الله عليه . قال تعالى : عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً {26} إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ
يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً [الجن:26-27]
(7) ـ عصمة الرسل :
اصطفى الله سبحانه وتعالى لرسالته وتبليغها أفضل خلقه ، وأكملهم خَلقاً وخُلقاً ، وعصمهم من الكبائر وبرأهم من كل عيب حتى يؤدوا وحي الله إلى أممهم ، فهم معصومون فيما يخبرون به عن الله سبحانه وتعالى في تبليغ رسالاته باتفاق الأمة . قال تعالى : يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ
مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [سورة المائدة:الآية 67].
وقال تعالى : الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباًً [سورة الأحزاب:الآية 39].
وقال تعالى : لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً [سورة الجن:الآية 28].
وإذا صدرت من أحدهم الصغائر التي لا تعلق لها بالتبليغ فإنه يُبيّن لهم ، وسرعان ما يتوبون إلى الله وينيبون إليه فتكون كأن لم تكن ، وينالون بذلك منزلة أعلى من منزلتهم السابقة ؛ وذلك لأن الله قد خص أنبياءه صلوات الله وسلامه عليهم بكمال الأخلاق وصفات الخير ونزههم عن كل ما يحط من أقدارهم ومكانتهم .
(8) عدد الأنبياء والرسل وأفضلهم :
ثبت أن عدد الرسل عليهم الصلاة والسلام ثلاثمائة وبضعة عشر ، لقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن عدد الرسل (( ثلاثمائة وخمس عشرة جماً غفيراً)) [ رواه الحاكم ] والأنبياء أكثر من ذلك ، منهم من قصّ الله علينا في كتابه ، ومنهم من لم يقصص علينا . وقد سمى الله في كتابه منهم خمسة وعشرين نبياً ورسولاً.
قال تعالى: وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً [سورة النساء:الآية 164].
وقال تعالى : وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ {83} وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {84}
وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ {85} وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَىالْعَالَمِينَ {86} وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [سورة الأنعام:الآيات 83-87].
وقد فـضل الله النبـيين بعـضهم على بعض . قال تعالى: وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً [سورة الإسراء:الآية 55].
وفضل الله الرسل بعضـهـم على بعض. قال تعالى : تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [سورة البقرة:الآية 253].
وأفضلهم أولو العزم من الرسل . وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ونبينا محمد عليهم السلام . قال تعالى: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ [سورة الأحقاف:الآية 35].
وقال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً [سورة الأحزاب:الآية 7].
ومحمد صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل وخاتم النبيين وإمام المتقين ، وسيد ولد آدم وإمام الأنبياء إذا اجتمعوا وخطيبهم إذا وفدوا ، صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون ، وصاحب لواء الحمد والحوض المورود ، وشفيع الخلائق يوم القيامة ، وصاحب الوسيلة والفضيلة ، بعثه الله بأفضل شرائع دينه ، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس ، وجمع له ولأمته من الفضائل والمحاسن ما فرقه فيمن قبلهم وهم آخر الأمم خَلْقَاً وأولهم بعثاً .
قال صلى الله عليه وسلم : (فضلت على الأنبياء بست) [رواه مسلم ] . وقال صلى الله عليه وسلم : ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وبيدي لواء الحمد ولا فخر . وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي يوم القيامة)) [ رواه أحمد والترمذي] .
والذي يلي الرسول صلى الله عليه وسلم بالفضيلة منهم إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن ، فالخليلان هما أفضل أولى العزم من الرسل ثم الثلاثة بعدهما.
(9) آيات الأنبياء عليهم السلام (المعجزات) :
أيّد الله رسله عليهم السلام بالآيات العظيمة والمعجزات الباهرة لتكون حجة أو حاجة ، كالقرآن الكريم وانشقاق القمر ، وانقلاب العصا حيّة ، وخلق الطير من الطين وغيرها .
فالمعجزة الخارقة للعادة دليل على النبوة الصادقة ، والكرامة دليل على صدق الشاهد بالنبوة الصادقة .
قال تعالى : لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [سورة الحديد:الآية 25]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة))[متفق عليه] .
(10) الإيمان بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم :
الإيمان بنبوته صلى الله عليه وسلم أصل عظيم من أصول الإيمان ، ولا يتحقق الإيمان إلا به، قال تعالى: وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً [سورة الفتح:الآية 13].
وقال صلى الله عليه وسلم : ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وإني رسول الله)) [رواه مسلم] . ولا يتم الإيمان به صلى الله عليه وسلم إلا بأمور منها :
أولاً : معرفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ، وهاشم من قريش ، وقريش من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، وله من العمر ثلاث وستون سنة ، منها أربعون قبل النبوة وثلاث وعشرون سنة نبياً ورسولاً .
ثانياً : تصديقه فيما أخبر ، وطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرع .
ثالثاً : الاعتقاد بأنه رسول الله إلى عموم الثقلين من الجن والإنس فلا يسع أحداً منهم إلا اتباعه . قال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [سورة الأعراف:الآية 158].
رابعاً : الإيمان برسالته، وأنه أفضل الأنبياء وخاتمهم . قال تعـالى: مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن
رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً [سـورة الأحزاب : الآية 40]، وأنه خليل الرحمن، وسيد ولد آدم، وصاحب الشفاعة العظمى المخصوص بالوسيلة والتي هي أعلى الدرجات في الجنة ، وصاحب الحوض المورود ، وأمته خير الأمم .
قال تعالى : كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [سورة آل عمران:الآية 110]. وأكثر أهل الجنة ، وأن رسالته ناسخة لجميع الرسالات السابقة .
خامساً : أن الله أيده بأعظم معجزة وأظهر آية ، وهي القرآن العظيم كلام الله المحفوظ من التغيير التبديل . قال تعالى: قُل
لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [سورة الإسراء: الآية 88].
وقال تعالى : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [سورة الحجر:الآية 9].
سادساً : الإيمان بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ونصح الأمة ، فما من خير إلا ودل الأمة عليه ، ورغبها فيه ، وما من شر إلا ونهى الأمة عنه وحذرها منه .
قال تعالى: لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [سورة التوبة:الآية 128].
وقال صلى الله عليه وسلم : (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ويحذر أمته من شر ما يعلمه لهم) [ رواه مسلم ] .
سابعاً : محبته صلى الله عليه وسلم ، وتقديم محبته على النفس وسائر الخلق ، وتعظيمه وتوقيره ، وإجلاله ، واحترامه وطاعته ، فإن هذا من حقوقه التي أوجبها الله في كتابه لنبيه صلى الله عليه وسلم فإن محبته من محبة الله ، وطاعته من طاعة الله . قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
[سورة آل عمران:الآية 31]. وقوله صلى الله عليه وسلم : (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) [ متفق عليه ] .
ثامناً : الصلاة والتسليم عليه صلى الله عليه وسلم والإكثار من ذلك ، فإن البخيل من ذُكر عنده فلم يصل عليه . قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [سورة الأحزاب:الآية 56] . قال صلى الله عليه وسلم : (من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً) [ رواه مسلم].
وتتأكد الصلاة عليه في مواطن ، منها في التشهد في الصلاة ، وفي القنوت وصلاة الجنازة ، وخُطبة الجمعة وبعد الأذان ، وعند دخول المسجد والخروج منه والدعاء ، وعند ذكره عليه الصلاة والسلام وغير ذلك من المواطن .
تاسعاً : أن النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أحياء عند ربهم، حياة برزخية أكمل وأعلى من حياة الشهداء ، لكنها ليست كحياتهم على وجه الأرض ، وهي حياة لا نعلم كيفيتها ، ولا تزيل عنهم اسم الموت . قال صلى الله عليه وسلم : (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) [ رواه أبو داود والنسائي ] . وقال صلى الله عليه وسلم : (ما من مسلم يسلم عليّ إلا رد الله علي روحي كي أرد عليه السلام) . [ رواه أبو داود] .
عاشراً : من احترام النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تُرفع الأصوات عنده في حياته ، وكذا عند السلام عليه في قبره .
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [سورة الحجرات:الآية 2].
فحرمته صلى الله عليه وسلم بعد دفنه كحرمته في أيام حياته، فيجب أن نحترمه صلى الله عليه وسلم كما فعل الرِعيل الأول رضوان الله عليهم ، إذ كانوا أشد الناس موافقة له عليه السلام ، وأبعد الناس عن مخالفته وابتداع ما ليس من دين الله .
حادي عشر : محبة أصحابه وأهل بيته وأزواجه ، وموالاتهم جميعاً والحذر من تنقصهم أو سبهم أو الطعن فيهم بشيء ، فإن الله قد رضي عنهم واختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وأوجب على هذه الأمة موالاتهم .
قال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [سورة التوبة:الآية 100].
وقال صلى الله عليه وسلم : ((لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)) [ رواه البخاري ] .
وندب من جاء بعدهم إلي الاستغفار لهم وسؤال الله أن لا يجعل في قلوبهم غلاً لهم . قال تعالى : وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا
غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [سورة الحشر:الآية 10].
ثاني عشر : تجنب الغلو فيه صلى الله عليه وسلم فإنه من أعظم الأذية له صلى الله عليه وسلم ، إذ حذّر عليه الصلاة والسلام أمته من الغلو فيه والتجاوز في إطرائه ومدحه ، وإنزاله فوق منزلته التي أنزله الله مما يختص به الرب عز وجل .
قال صلى الله عليه وسلم : ((إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ، لا أحب أن ترفعوني فوق منزلتي)) . وقال : ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم)) [ رواه البخاري ] . ولا يجوز دعاؤه ولا الاستغاثة به ، ولا الطواف بقبره أو النذر والذبح له فكل هذا شرك بالله ، وقد نهي الله عن صرف العبادة لغيره .
وكذلك بالمقابل فإن عدم احترام النبي صلى الله عليه وسلم المشعر بالغضّ منه ، أو تنقيصه صلى الله عليه وسلم أو الاستخفاف به ، أو الاستهزاء به ردة عن الإسلام وكفر بالله . قال تعالى : وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ
لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ {65} لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ [سورة التوبة:الآية65 -66] .
فالمحبة الصادقة لرسوله صلى الله عليه وسلم هي التي تبعث على الاقتداء بهديه والاتباع لسنته وترك ما يخالف سبيله عليه الصلاة والسلام . قال تعالى : قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [سورة آل عمران:الآية 31]
فيجب عدم الإفراط والتفريط في تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلا يعطى صفات الألوهية، ولا ينقص قدره وحقه من الاحترام والمحبة التي من أبرزها الاتباع لشرعه والسير على هديه والاقتداء به عليه الصلاة والسلام .
ثالث عشر: الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يتحقق إلا بتصديقه والعمل بما جاء به، وهذا معنى الانقياد له صلى الله عليه وسلم، فطاعته هي طاعة الله ، ومعصيته هي معصية لله .
وبتحقيق تصديقه واتباعه صلى الله عليه وسلم يتحقق الإيمان به عليه الصلاة والسلام .



بحث سريع