الإيمان به صلى الله عليه وسلم

بواسطة | إدارة الموقع
2005/07/23
معنى الإيمان به
"الإيمان بالرسول: هو تصديقه وطاعته واتباع شريعته"
"معنى شهادة أن محمدا رسول الله: طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع".
من هذان التعريفان نستخلص أن الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم يدور على التصديق والطاعة والإتباع.
أهمية الإيمان به
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما الإيمان بالرسول فهو المهم، إذ لا يتم الإيمان بالله بدون الإيمان به، ولا تحصل النجاة والسعادة بدونه، إذ هو الطريق إلى الله سبحانه، ولهذا كان ركنا الإسلام: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله"[1].
و قال كذلك:"ولذلك فإن الناس أحوج ما يكونون إلى الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم والأخذ بما جاء به من الدين فهم أحوج إلى ذلك من الطعام والشراب بل ومن نفس الهواء الذي يتنفسونه، فإنهم متى فقدوا ذلك فالنار جزاء من كذب بالرسول وتولى عن طاعته كما قال تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى، لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى}[2] أي كذب به وتولى عن طاعته، فهم محتاجون إلى الإيمان بالرسول وطاعته والأخذ بما جاء به والالتزام بذلك في كل مكان وزمان ليلا ونهارا، سفرا وحضرا سرا وعلانية".
أوجب الله سبحانه وتعالى على الثقلين – الإنس والجن – الذين أدركتهم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، و نصب لذلك أدلة من الكتاب و السنة و أيده بدلائل و معجزات تؤيد هذا.
أدلة القرآن
أكد الله وجوب الإيمان بأن جعله مقترنا بالإيمان به سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة من القرآن الكريم منها:
قال تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ، وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[3]، وقال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}[4]. وقال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[5]،
وقال تعالى في حق من لم يؤمن: {وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً}[6].
وبما تقدم من آيات يعلم وجوب الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وأهميته وأنه لا يتم الإيمان بالله بدون الإيمان به، كما لا تحصل نجاة ولا سعادة بدون الإيمان به لأنه هو الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، ولذلك كان أول أركان الإسلام "شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله".
وردت في السنة أحاديث كثيرة جدا تدل على وجوب الإيمان به صلى الله عليه وسلم على الجن والإنس الذين أدركتهم رسالته، سواء كانوا أهل كتاب، أم ليسوا بأهل كتاب، ويستوي في ذلك عربهم وعجمهم، وذكرهم وأنثاهم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله"[7].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله"[8].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في حديث وفد عبد القيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: "أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس…." الحديث[9]
أجمعت الأمة على وجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما أجمعت كذلك على أن كل من قامت عليه الحجة برسالة محمدا صلى الله عليه وسلم من الإنس والجن فلم يؤمن به استحق عقاب الله تعالى كما يستحقه أمثاله من الكافرين الذين بعث إليهم الرسول وهذا أصل متفق عليه بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين وسائر طوائف المسلمين أهل السنة والجماعة وغيرهم[10].
المعجزات ودلائل نبوته
أيد الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالدلائل، والمعجزات الكثيرة الدالة على وجوب الإيمان به وصدق رسالته وهذه الدلائل والمعجزات فاقت الألف معجزة كما ذكر ذلك غير واحد من العلماء[11] ومنها ما هو حسي ومنها ما هو معنوي.
وكذلك هي متنوعة فمنها ما كان قبل مولده كبشارات الأنبياء به ومنها ما كان وقت ولادته كقصة الفيل والعجائب التي حدثت عام مولده الدالة على نبوته، ومنها ما كان عند مبعثه كالقرآن الكريم وانشقاق القمر ونبع الماء بين أصابعه صلى الله عليه وسلم وغير ذلك.
ومن تلك الدلائل ما استمر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم كالقرآن الكريم، وما أخبر به من المغيبات كعلامات الساعة، وما يحدث بعده.[12].
أ- القرآن الكريم:
هو أعظم الآيات والبراهين والدلائل والمعجزات التي أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم، وليس من آية أبدع ولا أروع منه.
فهو المعجزة الخالدة التي أعطاها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم لتكون خالدة كخلود رسالته، ومشهودة لكل من أتى بعد زمانه ليعم الانتفاع بها ولتقوم بها الحجة على أهل كل زمان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولقد تعهد الله بحفظه وبقائه فقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[13] فكان في هذا الحفظ دوامه وبقاؤه إلى قيام الساعة.ولقد ميز الله نبيه بهذه المعجزة عن سائر إخوانه من الأنبياء كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذى أوتيته وحي أوحاه الله إلي، فأرجو أني أكثرهم تابعا يوم القيامة"[14].
ولقد تحدى الله قوم النبي صلى الله عليه وسلم على أن يأتوا بمثله أو بشيء منه، فالقرآن الكريم نزل بلغتهم فهم يعرفون حروفه ومعانيه، إضافة إلى أنه نزل في أوان وزمان بلغت فيه قريش ذروة الفصاحة والبلاغة والبيان، فلقد كان فيهم أولوا الأحلام والنهى والأفهام والألسن الحداد، والقرائح الجياد، والعقول السداد.
ب- نبع الماء بين أصابعه:
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء وهو بالزوراء[15] فوضع يده في الإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأ القوم. قال قتادة: قلت لأنس كم كنتم؟، قال: ثلائمائة، أو زهاء ثلاثمائة"[16] وقد روى حديث نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة منهم أنس وجابر وابن مسعود[17].
ج – ما أطلع عليه من الغيوب وما سيكون في المستقبل:
"والأحاديث في هذا الباب بحر لا يدرك قعره، ولا ينزف غمره، وهي من جملة معجزاته المعلومة على القطع"[18] ومنها على سبيل المثال حديث حذيفة ابن اليمان قال: "قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء وإنه ليكون منه الشيء نسيته فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه"[19].
وبعد فهذا جزء يسير جدا من دلائل نبوته المعنوية والحسية وصدق رسالته صلى الله عليه وسلم، فيجب على كل مسلم أن يتدبر في دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم ويطَّلع عليها، فإن فيها عظة وعبرة وتزيد من إيمان المرء ويقينه بنبوة خاتم المرسلين وإمامهم، الذي أعطاه الله من الآيات والبراهين ما لم يعط أحدا من الأنبياء قبله.




[1] مجموع الفتاوى (8/ 638، 639).
[2] الآيات (14- 15- 16) من سورة الليل.
[3] الآيتان (7-8) من سورة الحديد.
[4] الآية (8) من سورة التغابن.
[5] الآية (158) من سورة الأعراف.
[6] الآية (13) من سورة الفتح.
[7] أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان: باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله (1/ 39).
[8] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان: باب {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}، انظر: فتح الباري (1/ 75) ح 25. وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان: باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله, انظر (1/ 39).
[9] تقدم تخريجه (ص 31).
[10] إيضاح الدلالة في عموم الرسالة لشيخ الإسلام ابن تيمية مطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية. انظر: (2/ 99).
[11] الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 140).
[12] من تلك المؤلفات: دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني، ودلائل النبوة لقوام السنة الأصبهاني، ودلائل النبوة للبيهقي، والخصائص الكبرى للسيوطي.
[13] الآية (9) ش سورة الحجر.
[14] أخرجه البخارى في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بعثت بجوامع الكلم" واللفظ له، انظر فتح الباري (3/ 247) ح 7274. وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان: باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته. انظر (1/ 92، 93).
[15] الزوراء: موضع بالمدينة عند سوقها في ذلك الوقت. وفاء الوفاء (4/ 1229).
[16] أخرجه البخاري في صحيحه واللفظ له، كتاب المناقب: باب علامات النبوة في الإسلام. انظر: فتح الباري (6/580) ح 3572، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل: باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم (7/ 49).
فائدة: قال ابن حجر في فتح الباري (6/ 585): "حديث نبع الماء من أصابعه صلى الله عليه وسلم جاء من رواية أنس عند الشيخين وأحمد وغيرهم من خمسة طرق. وعن جابر بن عبد الله من أربعة طرق وعن ابن مسعود عند البخاري والترمذي، وعن ابن عباس عند أحمد والطبراني من طريقين. وعن ابن أبي ليلى والد عبد الرحمن عند الطبراني". انتهى كلامه.
[17] الشفا (1/402).
[18] الشفا (1/ 470) وقد ذكر طرفا من هذه الأحاديث فمن أراد الاستزادة فليرجع إليه.
[19] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن: باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة (8/ 172).


بحث سريع