الشيعة الإسماعيلية.. رؤية من الداخل -2

بواسطة | إدارة الموقع
2005/07/24
حقيقة أطماعهم في إقامة دولة لهم في اليمن
تناولنا في الحلقة الأولى من كتاب (الشيعة الإسماعيلية.. رؤية من الداخل) لمؤلفه علوي طه الجبل مقدمة الكتاب والتي تضمنت دواعي التأليف وأقوال العلماء والمؤرخين في هذه الفرقة، وخلفية تاريخية حولها والبذور الأولى للنشأة، وانقسامها إلى داودية "بهرة" وسليمانية "مكارمة".
وهنا يقدم المؤلف فروقاً جوهرية بين الطائفيتين، الأولى ذات الزعامة الهندية فيما ترتبط بالزعامة الدينية المتواجدة حالياً في نجران، أما في اليمن فقد اشتهرت الإسماعيلية باسم المكارمة، وصار الناس لا يميزون بين البهرة الداودية، وبين السليمانية المكارمة، بل يطلقون غالباً المكارمة ويريدون البهرة، في حين يؤكد المؤلف أن اسم المكارمة لا وجود له في التاريخ الإسماعيلي، بل عرف هذا الفصيل بالسليمانية، وهم يتركزون في اليمن بشرقي حراز إلى جانب إخوانهم البهرة الداودية، وهم أقل عدداً وشوكة من الداودية، وإن كانوا لا يختلفون عنهم ثراءً وتجارةً، وقد ظهرت بين الفصيلين عداوة تنظيمية لاسيما في الآونة الأخيرة.
يطلق بعض الكتاب اسم البهرة على كل من الداودية والسليمانية، لكن المؤلف لا يقصد به هنا إلا الداودية لا غير.
لم يعرف عن المكارمة قيامهم بالطقوس الشركية علناً، كما يفعل الدُوّد؛ لأنهم يشعرون بالحرج من المجتمع الذي يسخط لتلك الشركيات، ولا يعرف سوى اسم المكارمة مع أنهم بريئون من ذلك، ولذلك فالقطيعة بين المكارمة الدُوّد شبه قائمة، واللعن بينهم متبادل، وباستثناء هذا فالطائفتين على عقيدة مشتركة وضلالة واحدة.
وفقاً لتعداد اليمن عام 1994م يقدر عدد الطائفتين في مديرية حراز (110كلم غرب صنعاء) حوالي (7500) نسمة تقريباً ما يعادل 10.5% من إجمالي عدد سكان المديرية البالغ 70.000نسمة تقريباً وتعد المديرية مركز تجمعاتهم؛ بالإضافة إلى أعداد منهم في مناطق همدان، يريم، وبعض عواصم المدن كصنعاء وعدن وتعز والحديدة، ولهم وجود كذلك في مدينتي جبلة محافظة (إب)، وزبيد محافظة (الحديدة)، وبعض المحافظات الجنوبية ويصل إجمالي الإسماعيلية في اليمن نحواً من أربعين ألف نسمة.
وللإسماعيلية في بعض المدن مساجد مستقلة سرية على شكل بيوت لا يدخلها سواهم، ولهم مراكز تعليمية مثل: مدرسة (الدعوة) في مناخة المجاورة لحراز، ومدرسة (بيت الدعوة) في الحطيب، والمدرسة (البهرية) بصنعاء.
وللبهرة الداودية وجود في غير اليمن: الهند، باكستان، الخليج العربي، مصر، العراق، وسوريا، واتجهت هذه الطائفة إلى الاشتغال في التجارة، والاستثمار الصناعي والعقاري وأعمال الصرافة.
الزعامة الحالية لطائفة البهرة الداودية
يعتبر الدكتور محمد برهان الدين – الإمام المطلق رقم 52- الزعيم الحالي لطائفة البهرة، ومقر إقامته في بومباي الهند.. وانتقلت زعامة الطائفة من اليمن إلى الهند عام 944هـ بعد ضعف الإسماعيلية في اليمن إلى عائلة أحد ملوك الهند يدعى (تارمل) وإليه تنحدر سلالة السلطان الحالي برهان الدين، وإن كان أتباعه اليوم رأوا أن من مقتضيات التضليل نسبته إلى الشجرة العلوية كما يزعم نائبه في اليمن سلمان أكبر.
ومنذ ذلك الوقت ظلت الزعامة حكراً على أبناء "تارمل" الذين ما لبثوا أن ادعوا لأنفسهم العصمة، وأبعد من ذلك حتى وصلوا إلى وثنية جدهم تارمل.
وفي الفصل الأول يشير المؤلف –صـ37- إلى أن الحركة الإسماعيلية ما زالت منذ ولادتها تطمح إلى السلطة والزعامة "واستطاعت أن تشغل مسافة قرنين من الزمن في سياق التاريخ السياسي الإسلامي على وجه التقريب. ووجدت لها إمارات في اليمن ومصر والخليج العربي، وسواد الكوفة، وغيرها..".
واستمر المؤلف في حديثه حول السعي الإسماعيلي نحو السلطة إلى أن قال في نفس الصفحة إن "دوام التفكير في هذا الشأن في رأيهم قد أسفر في العصر الحديث عن قيام أول باطنية وكانت بدايتها مجرد طموحات، ثم عمل هادئ وصبور من هنا نجد الزعامة الهندية لطائفة (البهرة) تتصرف في أشياء كثيرة كما لو كانت دولة مستقلة".
واستند الكاتب –في تصوره هذا- إلى جملة من الحقائق:
أولاً: يطلق محمد برهان الدين على نفسه اسم (السلطان) ويصر على تسمية أبنائه بـ (الشاة زادة) أي الأمراء، وبناته بـ (الشاة زادي) أي الأميرات، ويسمى مبعوثه الهندي الذي ينوب عنه في إدارة شئون أتباعه في الأقطار الأخرى بـ (الأمير) ودار إقامته بدر الإمارة. أما نظرة السلطان إلى اليمن فقد نصت رسالة الوزارة السيفية إلى أتباع الطائفة في اليمن على اعتباره (منصور اليمن).
ثانياً: يؤكد محمد برهان –عند زيارته للدول الإسلامية- على ضرورة مقابلة رئيس الدولة وكبار الحكومة، وكان الاستعمار البريطاني يستقبل والده بواحد وعشرين طلقة مدفع مثلما يُستقبل الملوك والرؤساء.
ثالثاً: أنشأ الداعي حكومة يرأسها رئيس الوزراء وتضم: وزراء المالية، والداخلية، والخارجية، والإعلام، والعلاقات العامة، وتمارس الحكومة عدة صلاحيات على أفراد الطائفة وفي المجالات التي يحددها الداعي.
رابعاً: لهم علم خاص وقوات مسلحة خاصة مدربة تدريباً عسكرياً، وقد ظهرت في الصور الفوتوغرافية: مراسيم رفع العلم الخاص بهم في بعض حصون اليمن.
خامساً: لهم دستور خاص تم إرسال نسخة منه إلى اليمن في السبعينات، وفيه تلميحات واضحة عن قيام دولتهم في اليمن.
بل يقول المؤلف صـ39 إن اليمن تعد "قبلة الأطماع الإسماعيلية منذ نشأتها الأولى ويرونها الآن مجمع شتاتهم ومحط رحالهم الأخير؛ لأنها بنظرهم الأم التي احتضنت دعوتهم عند ميلادها الأول في القرنين الثالث والرابع الهجري، ومن اليمن انطلقت إلى الهند والسند والمغرب العربي ومنه إلى مصر".
"ومن اليمن ستظهر مرة ثانية مولد الدولة الإسماعيلية الجديدة، ودليل ذلك عندهم قوله تعالى: "كما بدأنا أول خلق نعيده".
عدم اعتراف الطائفة بالنظام القائم
وتحت هذا البند تحدث المؤلف عن اعتقاد الطائفة بقرب انتهاء النظام القائم في اليمن ففي الصفحة 44 يقول المؤلف: "ولقد أشار محمد برهان الدين في مقدمة الدستور إلى قرب انتهاء ما أسماه بسلطان الباطل في اليمن، وأن مؤشرات الانفراج قد لاحت، وأن الإمام المستتر قد أوعز إلى أبيه بذلك، حيث قال: قد ادخر الله –عز وجل- للداعي الأجل سيدنا طاهر الدين –رضوان الله عليه- في جزيرة اليمن من شاناته أعظم شأن، فرأى بما أمده ولي الله –سلام الله عليه- الإمام المستتر من تأييد الإشراق اليمن بنظر اللطف والأشواق، حين علم أن الوقت لإنعاش المؤمنين قد آن أوانه، وأن الباطل سوف يزول عن قريب سلطانه فأمر منصوصه الداعي الثاني والخمسين محمد برهان الدين بالسفر إلى اليمن، فبشر أهلها بوجود منصوصه فيهم بما سيريهم من سعادات" أ.هـ.
كما أنهم –والكلام للمؤلف- لا يعترفون أيضاً بالنظام الحالي، وبدلاً من ذكر الجمهورية اليمنية يتحدثون عن شيء اسمه الجزيرة اليمنية، ويعتبر مفضل محمد برهان الدين هو ملك اليمن المنتظر في رسائلهم ولقاءاتهم الخاصة، ويسمونه (منصور اليمن) وهو لقب ابن حوشب الذي أسس الدولة الفاطمية في اليمن مع علي بن الفضل، وعند زيارته بصحبة والده إلى اليمن يرفعون علمهم الخاص في قمة حصن الحطيب. وهو علم أخضر يتم وضعه وسط التصفيق والهتاف والزغاريد.
وهناك شعار فاطمي موجود في بعض الآثار الفاطمية يصنعونه في حرف الميم من كلمة (اليمن) ويرفعونه كرمز للحاكم والسيطرة على اليمن.
التخطيط والاستيلاء على مواقع استراتيجية حصينة
تحت هذا المبحث تحدث المؤلف صـ 45 عن محاولاتهم المتكررة للسيطرة على جبال حراز الحصينة ومواقعها الاستراتيجية القريبة من ميناء الحديدة، وقال إن ذلك "يؤكد حقيقة الإعداد العسكري المعد والمبيت لدى طائفة البهرة في اليمن..".
ومن تلك الجبال جبل (شبام) الذي يصل ارتفاعه عن سطح البحر إلى 3050متراً، وجبل (مسار) المنبع الذي انطلق الملك علي بن محمد الصليحي ويصل ارتفاعه إلى نحو 2900متر، وجبل (حمضة) جبل، (سعدان)..
وتتمثل تلك السيطرة من خلال محاولاتهم بناء قباب على قبور وهمية وبناء مرافق جانبية، ومستوطنات للحراس والسدنة.
وآخر محاولة لهم كانت في شهر سبتمبر من عام 1995م عند زيارة زعيم الطائفة محمد برهان الدين، حيث حاولوا الخروج إلى غرب مدينة مناخة بكامل معدات البناء، وكانت قبيلة مسار – المعروفة بمواجهاتها التاريخية لأطماع الباطنية منذ عهد الدولة الصليحية- قد علمت بما أزمع عليه سلطان البهرة من الخروج إلى الجبل، ووضع حجر الأساس للشروع في البناء الفوري لمزار على قمة الجبل. فكان أن استنفرت عزلة مسار جميع أبنائها وخرجت في حشد كبير بنية المقاومة ومواجهة الهنود، ومن صحبهم من أبناء الطائفة الإسماعيلية من شرقي حراز، واستقرت في منطقة (عبري سهام) في منطقة متقدمة من الجبل في انتظار قدوم طائفة البهرة من أجل إقناعها بعدم جدوى المحاولة لدخول الحصن، ولم تنجح الوساطات في إقناع القبيلة بما تريده الطائفة.. ولما خابت آمال السلطان في الزيارة وبناء المشروع على قمة جبل مسار اتجهت الطائفة ليلاً إلى قمة جبل شبام –منطقة عسكرية- وهي قمة عالية لم يحدث وأن سكنت من قبل من حيث الوجود المدني، فبنوا عليها بناء مستعجلاً كأساس لقبة ثم انسحبوا فجراً، غير أن البناء لم يعش أكثر من ساعتين فقد تنبهت قبيلة هوزن وبلاد الثلث إلى هذا الغزو الليلي فأرسلت من يسوي البناء على الأرض وحراسة الموقع.
وعرض المؤلف مجموعة من الوثائق التي تتحدث عن محاولات الطائفة للسيطرة على المناطق الحصينة والمنيعة. وكانت أول وثيقة عرضها المؤلف عبارة عن رسالة إلى وزيري الدفاع والأوقاف موجهة من أعيان وأبناء حراز بتاريخ 22رمضان 1425هـ حذرت مما يقوم به الهنود من طائفة البهرة من احتلال لجبل شبام. وقالت الرسالة إنه احتلال من طراز جديد "يبنون فيه معبداً لإحياء الوثنية في القرن العشرين". وأضافت:"لقد سبق منهم الشروع في التحايل على التمركز في هذا الجبل بدعوى بناء مسجد في رأس الجبل، مع أنه هذا الجبل موقع عسكري استراتيجي هام، وهو ثالث جبل في الجزيرة العربية، وثاني جبل في اليمن من حيث الارتفاع، ولا يوجد هناك أي سكان".
وجاء في نهاية الرسالة: "وعليه فإن حراز بمشايخها وجميع أبنائها يستنكرون تمركز الهنود على جبالها بدعوى بناء القبب، وإحياء الوثنية في القرن العشرين. وتستأذن من الدولة بحماية هذا الجبل وتسليمه لأبناء المنطقة، ولن تسمح لأي هندي تحت أي مبرر أن يتمركز فوق رؤوس أبناء حراز.. ونحملكم مسئولية أي نتائج عكسية؛ لأن ضرر ذلك ينعكس على أبناء المنطقة قبل غيرها. ولا قوة إلا بالله ولكم تحياتنا".
ووقع على الرسالة 285شخصية من أبناء المنطقة، ويظهر فيها توقيع باسم رئيس فرع المؤتمر الشعبي العام (الحاكم) بالمديرية. كما أن صوراً من الرسالة وجهت إلى كل من: رئيس مجلس النواب، ووزير الإدارة المحلية، ووزير الداخلية، والنائب العام، ومحافظ محافظة صنعاء، وقائد الحرس الجمهوري، ومدير عام المديرية، وقائد منطقة حراز العسكرية.
أما الوثيقة الثانية فهي بيان تم تعميمه باسم (أعيان حراز والجيل اليقظ) ولا يختلف عن الوثيقة السابقة في التحذير من الأطماع الباطنية في منطقة حراز.. ومما جاء فيه: " إننا وبحكم معايشتنا لهذه الطائفة نمتلك من الأدلة والوثائق ما يكفي للتدليل على التنسيق المبكر مع إسرائيل منذ عقد الستينات من خلال الزيارات المتكررة للمدعو السلطان محمد برهان الدين إلى تل أبيب والارتباط بالدوائر الاستعمارية الماسونية وتكديس الأسلحة في شرقي حراز والمدن المختلفة".
ونقل البيان جزءاً من رسالة تركها نائب سابق لهم هو الشيخ غالب على محسن- الذي خرج عنهم- يقول فيها: "وستنتهي الولاية من علي كرم الله وجهه إلى محمد برهان المعبود في الهند عادة هو الإله الذي له كل شيء من صلاة وصوم وزكاة وحج وكل أركان الإسلام، ومنه إلى القيم ولده الذي سيبشر به، إنه تمام الدور من آدم –عليه السلام- وهو الموسوم بالعلي العظيم، علي القدر، سيد شباب أهل الجنة الذي سيملك الأرض، وتكون بداية منطلق دعوته وظهورها من الحطيب حراز".
وينوه المؤلف صـ 58 إلى أن جبال حراز ليس نهاية محط أنظار البهرة في اليمن، بل توجد حصون كثيرة يقصدها البهرة كمزارات منها: حصن (بني داوود) حصن (ذمرمر) و(طيبة) في همدان وعراس، ولم تكن مشاكل البهرة قد توقفت مع أهل حراز وحسب، بل نجد صراع القبب والأضرحة يمتد مع البهرة الداودية إلى قبيلة همدان في حصن. فقد بقيت معركة البناء والهدم للأضرحة مستمرة فيما بين القبيلة وأبناء الطائفة وتكرر مثل ذلك في مناطق أخرى كحوث وزبيد وعراس وغيرها.
وفي عام 1984م استطاع أبناء الطائفة الحصول على ترخيص لما أسموه بإعادة بناء قبر لهم في مسجد غيل بني حامد، وذلك من وزير الأوقاف آنذاك (علي السمّان) "ولم يكن على علم بمغزى هذا السباق المحموم وراء إنشاء القباب هنا وهناك..".
ولما علم عامل أوقاف همدان بهذا الترخيص، بادر إلى تحذير الوزير من مغبة ذلك وأطلعه على ملابسات الموضوع، وضرورة سحب الترخيص فوراً، حتى لا يكون سبباً لما لا يحمد عقباه، مما دفع بالوزير إلى أن يعقب –بتاريخ 29/2/1984م- على ترخيصه بالتوجيه إلى أبناء الطائفة بما يلي:
"الأخ الشيخ غالب والأخ/ خزيمة حياكم الله
لا داعي لعزمكم إلى غيل بني حامد وكل الإخوة الواصلين من حراز وكذا المقيمين هنا لإعادة القبر، فقد وصل إلينا عامل أوقاف همدان، وأكد لنا أن الخروج إلى همدان سيؤدي إلى فتن لا تحمد عاقبتها. فليكن إعادة ما سبق تحريره منا بالنسبة لهذا وشبام وحراز، فاعتمدوا هذا وسنعالج الموضوع بالحكمة من لدينا والمسئولية عليكم بعد هذا. والسلام عليكم".
وفي فبراير من عام 1995م، جاءت أوامر السلطان من الهند بضرورة انتزاع ترخيص للبناء في قمة جبل شبام حراز الاستراتيجي، فاستطاع نوابه بعد نضال الحصول على توصيات فردية ورسائل شخصية بالموافقة على ما أسموه: ترميم المسجد في هذه القمة، والحقيقة أنه لا صحة لوجود جامع فيه. وكل سكانه بعض أفراد من الحرس الجمهوري متمركزين فيه. فلما أرادوا الشروع في البناء منعهم مدير عام المنطقة، وعارضهم أهالي القرى المجاورة فعاد أبناء الطائفة يتذمرون في وزارة الأوقاف، وفي وزارات أخرى غير ذات صلة بالموضوع، فاضطر وزير الأوقاف إلى تشكيل لجنة للإطلاع على طبيعة المكان ورفع تقرير بإمكانية البناء من عدمه، وبعد نزول اللجنة ودراسة الموضوع خرجت بتقريرها المؤرخ بيوم الاثنين 28رمضان 1415هـ الموافق 27/2/1995م.
أفاد التقرير بأن البناء حديث ولم يسبق له بناء قبل الآن أي أنه لا يوجد مسجد أصلاً. كذلك "المنطقة خالية من السكان فلا يوجد بناء حول المكان الذي يراد بناء المسجد فيه لا قديم ولا حديث، اللهم إلا موقع عسكري يتبع الحرس الجمهوري مرتفع عن المكان المذكور يصعب على أفراده الصلاة في هذا المكان".
ويضيف التقرير أن المسجد المزمع إحداثه مساحته 18×20متراً، وبناء أساسه تم فوق قبر هدمت قمته في عهد الإمام يحيى ثم في عهد الإمام أحمد.
أيضاً –يقول التقرير- يكتسب جبل شبام حراز الشامخ أهمية استراتيجية وعسكرية كبيرة فهو يطل على قضاء حراز، والحيمة الخارجية، وقضاء ريمة، وآنس، ومحافظة الحديدة. ورأت اللجنة –التي رأسها الشيخ حمود علي ناصر السعيدي- أنه لا يوجد "داعي أو مصلحة لإقامة مسجد في المنطقة المذكورة، لاسيما وهي منطقة خالية من السكان تماماً، وكأن الغرض من بنائه فوق ذلك القبر ليس إلى لاتخاذه معبداً لطائفة البهرة ومزاراً يقصده أبناء هذه الطائفة من أنحاء العالم، ثم التمكن من السيطرة على تلك البقعة الاستراتيجية، كما أن القبر ليس بحاجة إلى ترميم فهو سليم ولا يحتاج شيء".
وعلى ضوء هذا التقرير وجهت وزارة الأوقاف إلى الجهات ذات العلاقة مذكرات تتضمن نتائج تقرير اللجنة ورأي الوزارة في ذلك. وكانت الرسالة موجهة إلى كل من وزير الإدارة المحلية، والنائب العام، ورئيس مجلس النواب، بتاريخ 11/10/1415هـ الموافق 12/3/1995م ورقم 415. ونصت الرسالة على أن المكان المقصود لا يوجد به مسجد قديم حتى يتم ترميمه وغاية ما في الأمر أن هناك قبراً صغيراً من المرجح أن يكون لأحد الجنود.. إذ الموقع عسكري كما تدل عليه بعض المعالم، وقد تشبثت به الطائفة المذكورة على أمل الاستيلاء على الموقع لأهميته.
وقال الوزير في رسالته "إذا كان عندهم فضل مال فهناك جهات كثيرة محتاجة لبناء مساجد مزدحمة بالسكان، والوزارة مستعدة لأن تحدد لهم المكان وتساعدهم على تسهيل مهمتهم وهي جهة اختصاص ومع أن هذه الجهة المتبنية لهذا المشروع (أجنبية).
أيضاً جاء في الرسالة: "رفعت مطالب كثيرة من المواطنين وكلها تطلب من الوزارة عدم السماح بالبناء في ذلك المكان لعدم الحاجة إليه، وأنه لا يراد به وجه الله، وإنما من أجل إحداث فتنة بين المواطنين".
وختمت الرسالة كلامها بمطالبة الجهات المعنية "بالتعاون مع مسئولي الوزارة وعدم السماح بأي تجاوز من شأنه إحداث فتنة".
وقال المؤلف: وعند زيارة زعيم الطائفة محمد برهان الدين لليمن في سبتمبر 1995م عنف نوابه في اليمن لعدم إنشاء البناء في جبل شبام وهدد بالغضب عليهم إن لم يتمكنوا من تنفيذ المشروع في مدة إقامته في اليمن، فعاود هؤلاء النواب المحاولة.. واتجهوا هذه المرة إلى وزارة الدفاع وكثفوا من إلحاحهم وضغوطهم على الوزير عبد الملك السياني غير أن الوزير الذي يعرف المنطقة جيداً رفض بشدة طلب هذه الطائفة، ووجه مذكرة إلى وزير الإدارة المحلية بوضع الاحتياجات الأمنية اللازمة لحماية الموقع من محاولة السيطرة الإسماعيلية ومما جاء في الرسالة المؤرخة بتاريخ 15/4/1416هـ الموافق 10/9/1995م التنبيه إلى أن طائفة البهرة أكثرت من الإلحاح المتكرر الذي يهدف إلى تشييد مسجد في قمة شبام حراز. ويرى الوزير –في رسالته- أن هذا "الإلحاح المتكرر ليس طابعه فعل خير" وإنما قد يكون وراءه أهداف سياسية. وقال: "والتاريخ الغابر للمنطقة (الموقع) خير شاهد على ذلك". ونبه إلى أن الموقع المختار يمثل موقعاً عسكرياً ذا أهمية استراتيجية وأمنية لحماية وتأمين الطريق الرئيسي حاضراً ومستقبلاً. وشدد الوزير على أن الوزارة لن تسمح بإقامة مسجد في هذا المكان.
وختم رسالته قائلاً: "آمل أن يكون الجانب الأمني في الموقع المذكور واضحاً لديكم؛ لأن استتباب الأمن مسئولية الجميع، وأداة تحقيقه مهمة القوات المسلحة".
وعلى إثر هذه الرسالة وجه وزير الإدارة المحلية –محمد حسن دماج- مذكرة على محافظ محافظة صنعاء بتاريخ 2/10/1995م ورقم (م.و.ر.د.م 90/95/415) تضمنت نفس ما جاء في مذكرة وزير الدفاع السابقة الذكر وهو أن البهرة يهدفون إلى تشييد مسجد على قمة جبل شبام حراز رغم عدم وجود سكان فيه "الأمر الذي يجعل الهدف غير مقصود به فعل الخير". بالإضافة إلى أن المكان له أهمية استراتيجية وأمنية لحماية منطقة.
ثم طلب الوزير –في مذكرته- من محافظ صنعاء اتخاذ الإجراءات الأمنية والإدارية اللازمة لتأمين قمة جبل شبام حراز. كون المنطقة تقع إدارياً ضمن محافظة صنعاء.
ويظهر من هذه المذكرة أنه تم توجيه صور منها إلى مكتب رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء، ووزير الدفاع، ووزير الداخلية، والنائب العام، ومدير عام مديرية حراز ومدير عام مديرية صعفان (المجاورة لحراز).
أنشطة وحركات مشبوهة أخرى
ومن أنشطتهم وحركاتهم المشبوهة الممهدة لإقامة دولة لهم في اليمن: زيادة حركة تجنيس البهرة الدُّوّد بالجنسية اليمنية وشراء أرض وعقارات ومحلات تجارية تحت أسماء مستعارة من بعض عملائهم في اليمن.
أيضاً التدفق المتزايد إلى اليمن دون سبب عقائدي –تشكيل المليشيات المدربة بمساعدة ضباط هنود وباكستانيين وعرب، حيث قاموا عام 1995م بتدريب الجناح العسكري لحزب (الفيض الحاتمي) البهري، وهو ما يسمى بـ (شباب أهل الجنة). كذلك الترويج لظهور الإمام المستتر من اليمن. أيضاً إنشاء تنظيمات سرية في شرقي حراز وبدء ذلك منذ عقد السبعينات من القرن الماضي.
وتوسع المؤلف في الحديث حول هذه التحركات. وأورد المؤلف صـ 79 وثيقة توضح عدم احترام الطائفة بسيادة الدولة اليمنية وقوانين البالاد. حيث أرسل أحد زعماء الطائفة في الهند – الدكتور يوسف نجم الدين – مذكرة في أبريل من عام 1977م إلى مجلس الوزراء اليمني يعلمه أنه أوصى طائفته في اليمن باحترام الحكومة اليمنية والتفاعل الإيجابي معها، ويأمل من الحكومة أن تتعامل مع طائفته بالمثل "وأن زعامة الهند سوف تتعهد الطائفة بالرعاية".
فأرسلت الحكومة اليمنية من خلال وزارة الخارجية (كان الوزير حينها عبد الله الأصنج) مذكرة إلى زعيم البهرة المذكور تعبر عن استغرابها الشديد لما جاء في برقيته، حول طائفة البهرة في اليمن. وجاء في رسالة الحكومة –المؤرخة بـ10/4/1977م: "نفيدكم أن برقيتكم إلى مجلس الوزراء قوبلت بشيء من الاستغراب، إذ إن الإخوة اليمنيين البهرة مواطنون ولا يحتاجون ولا يعتبرون جالية بحاجة لمن يقوم بإرشادهم في دينهم الحنيف، وهم يتمتعون بكل حقوقهم كاملة، وكما تعلمون فاليمن بلد إسلامي حريص على حماية الإسلام ورعاية أبنائه من المؤثرات الخارجية". ومن أنشطتهم: تهنيد أتباع الطائفة في اليمن (أي إعطائهم الجنسية الهندية)، والتنسيق مع القوى العلمانية في البلاد، وتهريب الأطفال إلى الهند، خصوصاً الأذكياء منهم والمبرزين ما بين سن 7سنوات إلى 11سنة.

بحث سريع