الحياة الزوجية

بواسطة | مشرف النافذة
2005/07/25
يقول ربنا عز وجل في محكم التنزيل:( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون ) (الروم ) .
[وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ]( البقرة :28 ) .
الأزواج تلد الأفراد ، ومن الأفراد والأزواج تتألف الأمم والشعوب ، يجتمع فردان فيكونان زوجًا ، ولفظ الزوج يطلق على كل واحد منهما ؛ لأن الزوجية تحققت به للآخر كما تحققت بالآخر له ؛ فالزوجان كونا حقيقة الزوجية ؛ فهما حقيقة واحدة ظهرت في صورتين ، وروح واحدة انبثت في جسدين ، وبناء واحد أقيم بركنين ،وحال الزوجين كما قال بشار بن برد:
قد تخللت مسلك الروح مني وبذا سمي الخليل خليلا
بل هما حقيقة الإنسانية الكاملة ، وكل واحد منهما جزء لها ، لو وجد وحده لما وجدت الإنسانية ، ولو هدم بناء وحدتهما بعد وجوده لما بقيت لها بقية ( خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً )( النساء : 1 ).
هؤلاء الرجال والنساء الكثيرون هم الأمة ؛ فالأمة أثر الزوجية وحياتها العزيزة تابعة للحياة الزوجية ؛ فإذا كانت البيوت التي يعمرها الأزواج ويبثون منها الأفراد في عيشة راضية وحياة طيبة خرج منها أولئك الأفراد أحياء ، وكونوا بيوتًا يكون مجموعها بلادًا ، ومدائن ، وقرى ، ومزارع يطلق على عمارها لفظ الأمة، والمكوَّن من الأجزاء الحية يكون حيًّا بحياتها ، فالحياة الزوجية الطيبة هي الأصل في حياة الأمة .
إن الفطرة البشرية هادية إلى الزوجية بكمال معناها ، وإلى أثرها في نفس الزوجين ،وفيما يرزقان من الولد ، فهي تسوق كل رجل إلى طلب الازدواج بامرأة ، وكل امرأة إلى قبول الاتحاد مع رجل ، وهي التي تربط قلبيهما وتمزج نفسيهما وتوحد مصلحتيهما، وتجعل الصلة بينهما أقوى من كل صلة بين اثنين في هذا العالم ، حتى يسكن كل منهما إلى الآخر عند كل اضطراب ، ويأنس به ما لا يأنس بالأهل والأصحاب ، وهي التي تنقل المودة منهما إلى أهل كل منهما حتى تكون كل عشيرة عونًا للأخرى على دفع مضار الحياة ، وجلب منافعها ، وهي التي تربي عاطفة الرحمة فيها بالتعاون على تربية الولد فتنمو هذه الرحمة فيهما حتى ينتفع بها من يعجز منهما عن مساعدة الآخر في الشؤون المشتركة لضعف أو عجز ؛ فيرى عاطفة الرحمة قد نابت عن عاطفة سكون النفس إلى الإنتاج ، وعن الإحساس بالحاجة إلى التعاون .
والمراد بالزوج ما يعم الرجال والنساء ، فالحكمة الأولى للزوجية أن يكون لكل من الزوجين وجود آخر من جنسه يسكن إليه من اضطرابه ، ومثارات الاضطراب في هذه الحياة كثيرة ، وأنواع المتاعب فيها غير معدودة ، وما اخترع الناس أنواع الملاهي واللعب إلا ليقوِّموها ، على أن اللعب شأن الأطفال لا شأن الرجال ، وأن سكون الزوج إلى زوجه وأنس الإنسان بشقيق نفسه وروحه وشريكه في جميع شؤون حياته- لمما يذهب بكل اضطراب ويزيل كل وحشة ؛ إذا تحققت الزوجية بكمال معناها .
في رحاب المودة:
(1)من المودة : أن يحب كل من الزوجين من يحب الآخر من أهله وعشيرته وأصدقائه ؛ فيسر لسرورهم ، ويستاء لاستيائهم ، ويتمنى لهم الخير والنعمة ، ويقوم بأداء حقوقهم كما جرى من العرف بين أمثالهم في ذلك .
إن النفوس المستعدة للود الصحيح ، والحب الخالص : هي النفوس الزكية التي آوى حسن التربية بينها إلى سلامة الفطرة ، والنفوس المستأهلة لذلك هي النفوس المستعدة له ؛ فالمحبة والمودة من ثمرات المشاكلة في السجايا ، والصفات النفسية الفاضلة ورجاء أن يصير التودد ودًّا ، والتحبب حبًّا ؛ فقد علم بالتجربة أن تكرار العمل بأثر خلق من الأخلاق تكلفًا قد ينتهي بأن يصير ملكة ، كما ورد في الحديث:(والحلم بالتحلم ) وقالت علية بنت المهدي:تحبب فإن الحب داعية الحب وكم من بعيد الدار مستوجب القرب. وهذا النوع من التودد : هو الذي نأمر به من تزوجا في أنفسهما سكونًا يبعث كلاً منهما على مودة الآخر ظاهرًا وباطنًا ، وهو ضرب من ضروب التربية القويمة.سكون الزوج إلى الزوج سبب من أسباب سعادة الزوجين ، وهناء معيشتهما خاص بهما لا يشاركهما فيه أحد من الأقربين والمحبين ، وأما المودة بينهما فهي من أسباب سعادة عشيرتهما أيضًا ؛ لأنها متعدية ؛ فهي مبعث التناصر ، والتوازر والتعاضد والتساند وبهذا تكون سببًا من أسباب سعادة الأمة المؤلفة من العشائر المؤلفة من الأزواج فهذا التأليف هو الذي يتكون من مزاج الأمة فما يكون عليه من اعتدال وكما يكون كمالاً في بنية الأمة وقرة عين لمجموعها وما يطرأ عليه من فساد واعتلال يكون مرضًا للأمة يوردها موارد الهلكة .
(2)ومن المودة بين الزوجين : الممازحة والملاعبة ، ومن الرجال من يرى أن مفاكهة المرأة ومداعبتها مما يذهب بمهابتها إياه ، واحتشامها له ، وينسى أن ترك ذلك يذهب بأنسها به ، وسكونها إليه ، وحبها إياه ، وإن الحب ليغني عن المهابة والاحتشام ، إن صح أن الممازحة ، والملاعبة ، والمفاكهة ، والمداعبة لا تتفق معهما، وما ذلك بصحيح ؛ فإن أعظم الرجال قدرًا من الأنبياء ، والحكماء ، والملوك المهذبين كانوا يرضون نسائهم في البيوت ، ولا يتخوَّن ذلك من مهابتهم وإجلالهم شيئًا ، كان الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم – يمازح نساءه ويداعبهن ، وقال : لجابر – رضي الله عنه – حين استأذنه في نكاح الثيب ( هلاَّ بكرًا تلاعبها وتلاعبك ) والحديث في الصحيحين ، وكذلك كان يفعل – صلى الله عليه وسلم – حتى رووا : ( أنه كان يسابق عائشة في العدو – الجري الشديد- سابقها فسبقته ثم سابقها فسبقها ، فقال : هذه بتلك ) والحديث عند أبي داود والنسائي وابن ماجه وسنده صحيح .
ويؤثر عن عمر أنه كان يقول ( كل امرئ في بيته صبي ) وفي الإحياء : وقال عمر -رضي الله عنه – مع خشونته ( ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبي فإذا التمسوا ما عنده وجدوه رجلاً ) وللدعابة في البيت حد من تجاوزه ذهبت حشمته ، ومن قصر فيه ثقلت عشرته ، واستثقال المرأة للرجل مدرجة البلاء ، ومدعاة الشقاء .
) ومن المودة بين الزوجين الاعتدال في الغيرة ، بحيث تتحامى فيها الظنة والريبة ، فينبغي للرجل أن يؤذن امرأته بأوقاته خارج البيت أين يصرفها ؛ فإن ذلك يعلي مكانه من قلبها ، ويمكن الثقة به من نفسها ، ويحول بينها وبين وسوسة الشيطان ، فلا تتهمه باتخاذ الأخدان ، ويكون أعون له على إلزامها القرار في البيت وتحري رضاه في الخروج عند الحاجة إليه .
وإن كثيرًا من الرجال ليشاقون النساء بالمشادة في الخروج حتى يبتغوا بهن الريبة ؛ فيوقعوهن فيها ، ومنهم الذين يلقون حبالهن على غواربهن فيسرحن ويمرحن ويتبرجن تبرج الجاهلية الأولى حتى يكون البيت في نظرهن كالسجن ، وإن ملل المرأة من البيت وكراهتها له كملل التاجر من محل تجارته ، والقاضي من محكمته ، والأمير من إمارته ، وكراهة كل عامل من عمله سبب للضياع ومعول للخراب .
(3) ومن المودة بين الزوجين : أن لا تخرج المرأة من دارها إلا بإذن الرجل ورضاه ، وأن لا تكفله من النفقة والزينة فوق ما يليق بحاله في الثروة ، وقد مضت التجارب بأن العهد إلى النساء بالنفقة يبعثهن على الاقتصاد ، ويغريهن بالتوفير .
إن سكون الازواج المذكور في الاية الكريمة ذلك السكون الذي لا نظير له بين سائر المتحابين لغير اتحاد الزوجية ، وهو وجدان من وجدانات النفس لا يعرف كنهه إلا الزوجان اللذان أحسنا الاختيار فتعارف الروحان،وتمازج النفسان، فكانا حقيقة واحدة لها صورتان ، وأن الطور الثاني يشاركهما فيه غيرهما،وهو الود الذي تحدثه المصاهرة.
ولو عرف الأزواج معنى الزوجية وقيمتها ، واتفق أن كان كل منهما على غير ما يحب الآخر ويهوى ؛ فلم تسكن إليه نفسه ذلك السكون المطلوب – لتودد كل منهما للآخر توددًا لعله يصيب بالتكلف والصنعة بعض ما فاته بالسجية والفطرة ؛ فقد خلق الله في كل من الزوجين الذكر والأنثى جاذبًا يجذبه إلى الأخر ؛ لأجل أن يتحد به .

بحث سريع