الحوثي يرفض تسليم نفسه ويستنجد بحوزات النجف وقم

بواسطة | فراج اسماعيل
2005/08/15
استبعد المراقبون في اليمن أن يسلم الشيخ بدر الدين الحوثي، وعبد الله عيضه الرزامي نفسيهما للسلطات الحكومية رغم العفو الرئاسي الذي اصدره الرئيس علي عبد الله صالح، فيما رفض نجله "عبد الملك بدر الدين الحوثي" الكشف عن مكانه لاعتبارات أمنية، مؤكدا رفض التسليم إلا في إطار عفو عام وغير مشروط، وضمان الحرية الدينية والفكرية، وضمان عدم ملاحقة والده والرزامي قضائيا.
إلا أن مصادر قبلية في اليمن قالت لـ"العربية.نت" إن الشيخ بدر الدين الحوثي "الأب" طريح الفراش منذ حوالي شهرين، وأن نجله عبد الملك أبلغ السلطات المعنية بصعوبة وصوله إلى صنعاء، وهو ما دفعها إلى التهدئة التامة للموقف خلال الأسابيع الأخيرة.
وكانت الحكومة اليمنية قد كثفت جهودها خلال الفترة الأخيرة للتصدي لاتجاه بدر الدين الحوثي الحصول على دعم الحوزات الدينية في النجف وقم ومحاولته الترويج بأن هناك اضطهادا مذهبيا للشيعة في اليمن. وأكدت الحكومة بالتكاتف مع علماء اليمن نفي أي تعصب مذهبي، وتمت اتصالات مع الساسة الايرانيين ومع الحوزات الدينية لتكذيب اتهامات بدر الدين الحوثي.
بدر الدين الحوثي هو والد حسين الحوثي زعيم تنظيم الشباب المؤمن الذي قتل في المواجهات مع القوات الحكومية في سبتمبر/ ايلول من العام الماضي، ليصبح بعده عبد الله عيضة الرزامي الرجل الأول في التنظيم.
فيما أكدت مصادر صحفية لـ"العربية.نت" أن توجيهات رئاسية تقضي بصرف كافة الرواتب الموقوفة لحسين بدر الدين الحوثي زعيم تنظيم "الشباب المؤمن" الذي لقي مصرعه في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، وكذلك رواتب شقيقه يحيى بدر الدين الحوثي عضو مجلس النواب عضو اللجنة الدائمة بالمؤتمر الشعبي العام ، إضافة إلى مضاعفة كمية المواد التموينية المعتمدة من قبل الدولة لأسرة الشيخ بدر الدين الحوثي الأب التي توازي مؤونة (200) شخص بشكل يومي.
ويمثل 26 شخصا من أتباع حسين بدر الدين الحوثي أو ما يعرف بخلية صنعاء، الاثنين 15/8/2005 أمام المحكمة الجزائية المتخصصة في قضايا أمن الدولة في اليمن ، فيما يحاكم غيابيا 10 آخرون ما زالوا هاربين .
وينتمي هؤلاء المتهمون إلى تنظيم "الشباب المؤمن".. الذي أسسه محمد بدر الدين الحوثي عام 1991 ووجه لهم الاتهام بتكوين خلية صنعاء الإرهابية في أعقاب التمرد الأخير الذي قاده بدر الدين الحوثي والد حسين الحوثي في مارس/ اذار الماضي، وتنفيذ تفجيرات وعمليات هجومية ضد قواعد عسكرية وأمنية ومراكز وسيارات للجيش والأمن اليمني في مناطق متفرقة من العاصمة اليمنية صنعاء ومدن أخرى مثل عمران وصعده ومأرب.
وكانت السلطات الأمنية قد أعلنت في وقت سابق أن تلك التفجيرات والهجمات نفذها أنصار الحوثي. وقال مصدر أمني مطلع إن السلطات المختصة لم تقدم للمحاكمة إلا الأشخاص الذين ثبتت إدانتهم بأعمال إجرامية لزعزعة أمن البلاد واستقراره. والمعروف أنه يوجد عدد كبير رهن الاعتقال من أنصار الحوثي.
وتأسس تنظيم الشباب المؤمن في العام 1991على يد محمد بدر الدين الحوثي شقيق حسين الحوثي، حيث تنامت قوة التنظيم واتسع نفوذه بشكل كبير بدعم من السلطات اليمنية لإضعاف حزب الحق ومواجهة التيارات السلفية والإصلاحية.
ثم تولى حسين الحوثي قيادة التنظيم في الوقت الذي كان فيه عضوا في حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم في اليمن، وحصل على عضوية البرلمان اليمني خلال الفترة من 1993 حتى 1997.
وأثارت أنشطة هذا التنظيم مخاوف السلطة منذ وقت مبكر، وتحديدا في العام 2002 إلا أنها لم تتخذ أي إجراء للحد من نشاطه، خاصة وقد بدأ بجمع الأسلحة كما بدأ حسين الحوثي بطرح الكثير من الآراء الجريئة التي نال في بعضها من الرئيس اليمني علي عبد الله صالح.
وقد أطلق التنظيم شعار" الموت لأمريكا .. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام" لأول مرة في 17 يناير 2002 ثم توسعت مساحة ترديد الشعار في المساجد عقب كل صلاة، ليمتد إلى مساجد في محافظات صعدة وحجة وعمران والعاصمة صنعاء وبخاصة الجامع الكبير فيها.
وحتى تفجر المواجهات المسلحة بين الحوثيين والقوات الحكومية، كانت أجهزة الأمن قد أعتقلت ما يقرب من 1000 شخص من أتباع الحوثي الذين يرددون الشعار في المساجد.
بدأت المواجهات المسلحة في جبال مران التي تحصن فيها الحوثي وأتباعه في 20 يونيو 2004 وانتهت بمقتل حسين الحوثي في 10 سبتمبر من ذات العام.
حينها توقف عبد الله عيضه الرزامي الذي أصبح الرجل الأول في قيادة التنظيم بعد مقتل الحوثي عن مواصلة القتال مقابل عدم ملاحقته من قبل السلطات اليمنية.
في آواخر شهر مارس 2005 تجددت المواجهات المسلحة بين أتباع الحوثي والقوات اليمنية، وهذه المرة بقيادة رجل الدين الشيعي بدر الدين الحوثي والد حسين الحوثي ومعه عبدالله عيضة الرزامي اللذين خاضا مواجهاتهما مع القوات الحكومية بشكل مختلف
ويرى الكثير من المراقبين أن هناك اتجاها حثيثا من قبل الحوثي وأتباعه لتدويل هذه القضية من خلال البحث عن دعم خارجي، حيث سبق ووجه بدر الدين الحوثي رسالة إلى الحوزات العلمية في (النجف وقم) طالب من خلالها الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة التدخل وتشكيل لجنة محايدة للتحقيق وتقصي الحقائق حول أحداث صعدة، وهي الرسالة التي لاقت تجاوبا من قبل الحوزات العلمية والمراجع الدينية من خلال التصريحات الصحفية التي أطلقتها هذه الحوزات وقالت فيها إن الطائفة الشيعية في اليمن تتعرض للاضطهاد، وأن القوات اليمنية تشن حرب إبادة للطائفة الشيعية، وهو ما نفته اليمن في حينه وتبنى العلماء اليمنيون الرد عليه.
كما كشف النائب البرلماني يحيى بدر الدين الحوثي المتواجد حاليا في استوكهولم بالسويد أنه قدم ملفات إلى المحاكم الدولية وأنه يراسل الإدارة الأمريكية والمنظمات الدولية وعدد من الحكومات والشخصيات ويطلب تدخلها لدى السلطة اليمنية لرفع ما أسماه بـ"الظلم الواقع على والده وأتباعه".
وقال في حديث بثته قناة "العربية" في وقت سابق إن والده تعرض لمحاولتي اغتيال قبل أحداث 11 سبتمبر متهماً السلطة بالوقوف وراء هاتين المحاولتين، إضافة إلى قيامها بهدم بعض المنازل وإقفال عدد من متاجر أنصاره قبل الأحداث الأخيرة بسنوات.
وأشار إلى أنه بالرغم من كونه غير مطلوب أمنياً إلا أنه لا يأمن على نفسه ويخاف إن عاد أن يتعرض لما أسماه "مسائل أخرى غير منظورة"، معتبرا كل ما يقال عن الحوثييين وجماعة الشباب المؤمن إشاعات تصدر عن أجهزة الدولة وأنهم لم يخططوا للانقلاب على النظام ولم يرفضوا الدستور "بل نحن أول من أيد الدستور عقب الوحدة وبذلنا جهوداً كبيرة لإقناع العلماء بإصدار بيان تأييد لدستور دولة الوحدة".
وأتهم النائب الحوثي السلطة بعدم الوفاء بالتزاماتها التي تقطعها على نفسها، وأن والده لم يأت من صعده إلى صنعاء عقب الحرب الأولى بين شقيقه والدولة، إلا بموجب التزامات قدمها الرئيس اليمني لعدد من الوسطاء بينهم الشيخ شاجع محمد بن شاجع و "طبع وجهه"، وقال إن "الرئيس لم يف بما قطع من التزامات".
ويعتقد مصدر حكومي طلب عدم الكشف عن اسمه في تصريح لـ(العربية.نت) أن حزبي الحق واتحاد القوى الشعبية اللذين اتهمهما الرئيس اليمني علنا بتشكيل مليشيات مسلحة لخوض الحرب مع الحوثي ضد القوات الحكومية ومحاولة الانقلاب على النظام الجمهوري، يدفعان الحوثي وأتباعه للبحث عن مساندة خارجية.
وقال المصدر الحكومي نحن نعلم أن "إبراهيم بن علي الوزير رئيس حزب اتحاد القوى الشعبية يدفع يحيى بدر الدين الحوثي المتواجد حاليا في السويد إلى هذا الاتجاه، ويسهل تواصله بالأمريكيين والمنظمات الدولية، وهي محاولات يائسة لن تجدي نفعا لأن اليمن حكومة وشعبا لن يقبل أي تدخل في شؤونه الداخلية".
واستدل المصدر الحكومي اليمني بما كتبه الدكتور محمد عبد الملك المتوكل الأمين العام المساعد لإتحاد القوى الشعبية في صحيفة "الشورى" الناطقة بلسان الإتحاد والذي ناقش فيه مسألة الاستعانة بالخارج في مواجهة الحكومات والضغط عليها لتنفيذ الإصلاحات والمطالب الشعبية، ويرى أن اللوم يقع على من دفع للاستعانة بالخارج وليس على من طلب العون في إشارة إلى الحكومة.
ويرى الكثير من المراقبين والسياسيين أن ورقة الاستقواء بالخارج ومحاولات تدويل أحداث صعده التي أعلن عنها نجل بدر الدين الحوثي ويلوح بها الكثير من السياسيين المعارضين أمر يمكن استخدامه، غير أنهم يعتقدون أن أي تدخل دولي في هذا الجانب مرهون بالمصالح التي تتواخاها الدول الخارجية من مثل هكذا تدخل، وهو ما لا يرونه متوفرا في قضية الحوثي، خاصة أنه وأتباعه يجهرون بالعداء لأمريكا، "إلا إذا كان هناك مصالح غير مرئية في الوقت الراهن".
المواجهات المسلحة بين القوات الحكومية وأتباع الحوثي الابن ثم الأب التي شهدتها محافظة صعده خلفت حسب وزير الداخلية اليمني الدكتور رشاد العليمي خسائر في الأرواح "بلغت 525 قتيلا و 2708 جرحى من القوات المسلحة والأمن وكتائب المتطوعين والمواطنين الأبرياء"، في حين يعتقد الكثير من المتابعين أن الخسائر في صفوف أتباع الحوثي تفوق هذا الرقم بكثير.
وفي الجانب الاقتصادي أوضح نائب رئيس الوزراء وزير التخطيط والتعاون الدولي احمد محمد صوفان أن الخسائر المادية المباشرة بلغت حوالي 52 مليار ريال، مشيرا إلى أن الخسائر غير المباشرة قد توسعت إلى الحد الذي لا يمكن حصره الآن ، ناهيك عما سببته الفتنة من تشويه لسمعة اليمن أمام المستثمرين الإقليميين والدوليين وفي نظر المنظمات الدولية لمستوى الاستقرار في اليمن.
ولم تقتصر التأثيرات السلبية لفتنة الحوثي على هذه الجوانب بل امتدت لتلقي بظلالها القاتمة أيضا على الحياة السياسية في اليمن، حيث تتهم السلطات اليمنية أحزاب المعارضة وبخاصة حزبي الحق واتحاد القوى الشعبية، بتشكيل جناح عسكري يسعى للانقلاب على النظام الجمهوري.
وهو ما نفته هذه الأحزاب، مؤكدة أن النظام الجمهوري ليس محل خلاف، متهمة السلطة اليمنية بالبحث عن شماعة لأخطائها والانقلاب على التعددية السياسية والتجربة الديمقراطية، محملة السلطة مسئولية ما يتعرض له اليمن والشعب من مشاكل.
كما لوحت السلطات اليمنية بأنها ستتخذ إجراءات قانونية ضد تلك الأحزاب، الأمر الذي أثار المخاوف خلق أزمة سياسية بين السلطة والمعارضة، خاصة بعد ارتفاع وتيرة الاتهامات المتبادلة بين الطرفين.
تداعيات قضية الحوثي ما تزال مفتوحة على كل الاحتمالات، غير أن اليمن تمكن من السيطرة عليها داخليا ولم تنجح الجهود نحو التدويل على غرار قضية دار فور على الأقل في المرحلة الراهنة.


المصدر: العربية نت بتصرف.

بحث سريع