الشرف والشريف في اللغة

بواسطة | محمد الصمداني
2005/08/19
الشرف في اللغة :
الشرف : هو مصدر قولك :" شرف يشرف ، شرفاً " ، وهو مأخوذ من مادة :" ش ر ف " التي تدل على العلو والارتفاع . فالشرف العلو .
" وأنشد الجوهري :
آتي النديَّ فلا يُقْرَبُ مجلسي وأقودُ للشرف الرفيع حماري
أي أنه يقول : إني خرفتُ ، فلا ينتفع برأيي ، وكبرت ، فلا أستطيع أن أركب من الأرض حماري إلا من مكان عال " [1].
والشريف : الرجل العالي . ويقال للذي غلبه غيره بالشرف : مشروف .
قال ابن منظور : " شرف يشرف شرفاً ، فهو شريف ، أي : علا في دين أو دنيا . والجمعُ : أشراف ، و شرفاء . والشرف و المجد لا يكونان إلا بالآباء " .
وفي تاج العروس للزبيدي :" والشرف: المجد . يقال للرجل : شريف ، أي : ماجد . ولا يكون الشرف والمجد إلا بالآباء ، يقال : رجلٌ شريف ، ورجلٌ ماجد : له آباء متقدمون في الشرف . وأما الحسب والكرم : فيكونان في الرجل ، وإن لم يكن له آباء لهم شرف ، قاله ابن السكيت " . أهـ [2].
ولأحرف بناء كلمة " شرف " تأثيرٌ في معناها ، ومن ذلك أن لفظة " شر " أصلٌ يدل على الانتشار والتطاير ، ولهذا يوجد في جنس أهل " الشرف " انتشار وتطاير وتعدي على المشروفين . قال ابن فارس :" ( شر ) : الشين والراء أصلٌ واحد يدل على الانتشار و التطاير . من ذلك الشر خلاف الخير . ورجلٌ شرير ، وهو الأصل ، لانتشاره وكثرته . والشر: بسطك الشيء في الشمس . والشرر : ما تطاير من النار ، الواحدة شررة . قال الله جل وعلا :" إنها ترمي بشررٍ كالقصر " .
وقال امريء القيس :
تجاوزت أحراساً عليها ومعشراً
عليَّ حراصاً لو يشرون[3] مقتلي " . أهـ[4] .
و من ملح الباب ما قاله عمرو بن بحر :" ذكر لي بعض الأباضية أنه يجري عنده ذكر الشيعة يوماً فغضب ، وشتمهم ؛ وذكر ذلك كالمنكر عليهم نحلتهم إنكاراً شديداً ؛ قال : فسألته يوماً عن سبب إنكاره على الشيعة ولعنه لهم ؟! فقال :" لمكان الشين في أول كلمة ، لأني لم أجد ذلك قط إلا في مسخوطة ، مثل : شؤم ، وشر ، وشيطان ، وشيخ ، وشعث ، وشعب ، وشرك ، وشتم ، وشقاق ، وشطرنج ، ، وشَيْن ، وشَنَّ ، وشانيء ، وشوصة ، وشوك ، وشكوى ، وشنآن " . فقلت له : إن هذا كثير ، ما أظن أن القوم يقيم الله لهم علماً مع هذا أبداً " [5].
ثم قال ابن فارس :" ( شرف ) الشين والراء والفاء أصلٌ يدل على علوٌ وارتفاع . فالشرف : العلو . والشريف : الرجل العالي . ورجلٌ شريف من قومٍ أشراف ؛ يقال أنه جمع نادر ، كحبيب وأحباب ، ويتيم وأيتام . ويقال للذي غلبه غيره بالشرف : مشروف . ويقال : استشرفت الشيء : إذا رفعت بصرك تنظر إليه . ويقال للأنوف : الأشراف"أهـ[6].
وربما أطلق على الرجل : " شرف " ، ويراد به الرجل الشريف . و لا زال هذا سارياً في الأشراف يسمون الرجل بـ" شرف " خاصة أشراف الحجاز من النمويين وغيرهم .
قيل للأعمش لِـمَ لم تستكثر من الشعبي ؟ فقال : يحتقرني ، كنت آتيه مع إبراهيم ، فيرحب به ، ويقول لي : اقعد ثَـمَّ أيُّها العبد ! ثم يقول :
لا نرفعُ العبدَ فوقَ سُنَّتِهِ ما دام فينا بأرضنا شرفُ
قال ابن الأثير في قول الشعبي ( شرف ) : " أي : شريف . يقالُ : هو شرف قومه وكرمهم : أي شريفهم وكريمهم " [7].
وربما أطلق على الرجل الشريف :" البيت " ، فيقال :" فلانٌ بيتُ قومه " أي : شريفهم . قال في " تاج العروس " :" والبيت : الشرف ، والجمع : البيوت . ثم يجمع بيوتات ، جمع الجمع . وفي " المحكم " :والبيتُ من بيوتات العرب : الذي يضم شرف القبيلة ، كآل حصن الفزاريين ، وآل الجدين الشيبانيين ، وآل عبدالمدان الحارثيين ، وكان ابن الكلبي يزعم أن هذه البيوتات أعلى بيوت العرب . ويقال : بيت تميم في بني حنظلة ، أي : شريفها . وقال العباس رضي الله عنه يمدح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
حتى احتوى بيتك المهيمن خندف علياء تحتها النُّطُق
أراد بيته ، أي : شرفه العالي . والبيت أيضاً : الشريف ، وفلان بيت قومه ، أي : شريفهم ، عن أبي العميثل الأعرابي " . أهـ [8].
وهناك فروق بين " الشرف " وبين بعض الكلمات المقاربة له ، التي ربما ظُنَّ أنها من قبيل المترادف ، وهي ليست منه ، مثل :" العزة ، والمجد ، والحسب ، والكرم ، ونحو ذلك " .
- " فالعزة تتضمن معنى الغلبة والامتناع ، والشرف في الأصل إنما هو شرف المكان . و لا يقال لله شريف ، ويقال له عزيز" [9].
و منه تعلم عدم جواز قول ما شاع عند بعض عامة أهل الحجاز في بيتين سائرين :" … شريف ما نعرف شريف إلا ربنا " ! لعدم جواز إطلاق هذا اللفظ على جهة التسمية أو الوصف لعدم وروده ، و باب الأسماء والصفات توقيفي ، يقتصر فيه على النص الثابت من الكتاب أو السنة الصحيحة ، و إن كان يصح ذلك على جهة الإخبار عن الله تعالى ، و الله تعالى أعلم .

- وهناك من يقول بأن المجد لايكون إلا بالآباء ، وهو النسب . والشرف يكون بذلك وبغيره [10].
- قال ابن خلدون :" والحسب من العوارض التي تعرض للآدميين ، فهو كائن فاسد لا محالة . وليس يوجد لأحد من أهل الخليقة شرف متصل في آبائه من لدن آدم إليه إلا ما كان من ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم كرامةً به وحياطةً على السر فيه . وأول كل شرف خارجية كما قيل ، وهي الخروج عن الرياسة والشرف إلى الضعة والابتذال وعدم الحسب ، ومعناه أن كل شرف وحسب فعدمه سابق عليه ، شأن كل محدث .
ثم إن نهايته في أربعة آباء . وذلك أن باني المجد عالم بما عاناه في بنائه ومحافظ على الخلال التي هي ظاسباب كونه وبقائه . وابنه من بعده مباشر لأبيه ، قد سمع منه ذلك وأخذه عنه ، إلا أنه مقصر في ذلك تقصير السامع بالشيء عن المعاين له . ثم إذا جاء الثالث كان حظه الاقتفاء والتقليد خاصة ، فقصر عن الثاني تقصير المقلد عن المجتهد . ثم إذا جاء الرابع قصر عن طريقتهم جملةً ، وأضاع الخلال الحافظة لبناء مجدهم واحتقرها ، وتوهم أن ذلك البنيان لم يكن بمعاناة و لاتكلف وإنما هو أمر وجب لهم منذ أول النشأة بمجرد انتسابهم ، وليس بعصابة و لا بخلال ، لما يرى من التجلة بين الناس ، ولا يعلم كيف كان حدوثها و لا سببها ، ويتوهم أنه النسب فقط ، فيربأ بنفسه عن أهل عصبيته… " .أهـ .
ثم قال :" … واشتراط الأربعة في الحساب إنما هو في الغالب ، وإلا فقد يدثر البيت ويتلاشى وينهدم . وقد يتصل أمرها إلى الخامس والسادس إلا أنه في انحطاط وذهاب . واعتبار الأربعة : من قبل الأجيال الأربعة : بانٍ ، ومباشرٍ له ، و مقلد ، و هادم . وهو أقل ما يمكن . وقد اعتبرت الأربعة في نهاية الحسب في باب المدح والثناء . قال صلى الله عليه وسلم :" إنما الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم : يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم " ، إشارة إلى أنه بلغ الغاية من المجد " .أهـ.
ثم قال :" …قال كسرى للنعمان : هل في العرب قبيلة تشرف على قبيلة ؟ قال : نعم . قال : بأي شيء ؟ قال : من كان له ثلاثة آباء متوالية رؤساء ، ثم اتصل ذلك بكمال الرابع ، فالبيت من قبيلته " ، وطلب ذلك فلم يجده إلا في آل حذيفة بن بدر الفزاري ، وهم بيت قيس ، وآل ذي الجدين بيت شيبان ، وآل الأشعث بن قيس من كندة ، وآل حاجب بن زرارة وآل قيس بن عاصم المنقري من بني تميم .
فجمع هؤلاء الرهط ومن تبعهم من عشائرهم وأقعد لهم الحكام والعدول : فقام حذيفة بن بدر ، ثم الأشعث بن قيس لقرابته من النعمان ، ثم بسطام بن قيس ابن شيبان ، ثم حاجب ، ثم قيس بن عاصم ، وخطبوا ونثروا . فقال كسرى : كلهم سيد يصلح لموضعه .
وكانت هذه البيوتات هي المذكورة في العرب بعد بني هاشم ، ومعهم بيت بني الذبيان من بني الحارث بن كعب اليمني ، وهذا كله يدل على أن الأربعة آباء نهاية في الحسب ، والله أعلم " أهـ [11].
جريان الاستعمال عند العرب بهذا الأمر :
يطلق على رؤساء القبائل وكبارها في كلام العرب " أشراف " ، ولهذا يوجد في كتب الأخبار والتواريخ والسير ذكر :
- أشراف الكوفة .
- أشراف الحيرة .
- أشراف خراسان .
- أشراف الأعاجم .
ونحو ذلك من العبارات .
استعماله عند المصنفين :
وتجد ذلك المعنى أيضاً مبثوثاً في الكتب والتصانيف ، فقد ألف البلاذري كتاباً سماه :" أنساب الأشراف " ، ومن نظر فيه فهم المراد بلفظ :" الشريف " عند المتقدمين . وللحسن بن عتيق القسطلاني كتاب عنوانه :" الإشراف على مناقب الأشراف " [12].
و ليست هذه الكتب مقصورة على آل البيت النبوي فضلاً عن أن تكون مقصورة على ذرية علي أو الحسن و الحسين أو أحدهما .
و تجد في " عيون الأخبار " : " أفعال من أفعال السادة والأشراف " ، وعند ابن عبد ربه في " العقد الفريد " : " مراثي الأشراف " ، و " أشراف كتاب النبي صلى الله عليه وسلم " ، " ونوكى الأشراف " ، " ومن حد من الأشراف " [13]. وهناك كتاب :" النكت الظراف فيمن ابتلي بالعاهات من الأشراف " .
وسرى هذا إلى بعض كتب الفقه ، فتجد عند الأحناف مثلاً في :" باب التعزير " ذكر من كان له شرف ، كالعلماء والفقهاء ونحوهم ، وإن لم يكونوا من آل البييت النبوي [14].
ونفذ ذلك أيضاً إلى علماء الجرح والتعديل ، فإذا أرادوا تعديل رجل ، قالوا في ضمن ألفاظ التعديل :" فلانٌ شريف " ، أو :" هو من أهل الشرف " ، أو :" حدثوا عن أهل الشرف ، فإنهم لا يكذبون " . قال شعبة :" حدثوا عن أهل الشرف ، فإنهم لا يكذبون " [15]. و قال أبو عثمان البرذعي :" سالت أبا زرعة عن محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى ؟ فقال : رجلٌ شريف " . وحدثني محمد بن إدريس ، عن آخر ، عن سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق ، قال : قلت لابن أبي نجيح : ما تقول في عمرو بن شعيب ؟ فقال : شريف . فقلت : ما تقول في عمرو بن سعيد ؟ -هو الأشدق – . قال : رجلٌ شريف . " [16]. وكان الأعمش إذا مدح شيوخه و أصحابه يقول :" كان أصحابي أشرافاً لا يكذبون " . وقال شعبة :" اكتبوا عن أبي أمية إسماعيل بن يعلى ، فإنه رجلٌ شريف لا يكذب " [17].


بحث سريع