المفهوم الصحيح للتوكل ومظاهر الانحراف فيه

بواسطة | عبد العزيز بن ناصر الجليل
2005/09/12
يمكن القول بأن التوكل نصف الدين ، ونصفه الثاني هذه (العبادة) ؛ لأن الدين استعانة وعبادة ، كما يشير إليه قوله (تعالى) : ] إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ [ [الفاتحة : 5] وقد ورد التوكل في كثير من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة ، ومن ذلك : قوله (تعالى) : ] وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [ [المائدة : 23] ، وقوله (تعالى) : ]وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [ [الطلاق : 3] . وقال (تعالى) عن أوليائه : ] رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإلَيْكَ أَنَبْنَا وَإلَيْكَ المَصِيرُ [ [الممتحنة : 4] ، وقال (تعالى) لرسوله : ] فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إنَّكَ عَلَى الحَقِّ المُبِينِ [ [النمل : 79] ، وكذلك : ] وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ [ [الفرقان : 58] .
وأما الأحاديث فكثيرة أيضاً ، منها :
أ- في الصحيحين : حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب (هم الذين لا يسترقون ، ولا يتطيرون ، ولا يَكْتَوون ، وعلى ربهم يتوكلون) .
ب- وفي صحيح البخاري عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال : ( (حسبنا الله ونعم الوكيل) قالها إبراهيم ، حين ألقي في النار ، وقالها محمد حين قالوا له ( إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ) .
ج- وفي الترمذي عن عمر (رضي الله عنه) مرفوعاً : ( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير : تغدو خماصاً ، وتروح بطاناً) .
تعريف التوكل بمعناه الصحيح :
التوكل عمل قلبي من أعمال القلوب ، وقد وردت له تعريفات كثيرة يكمل
بعضها بعضاً لتنتهي مجتمعة إلى حقيقة التوكل ومعناه :
أ -فمن ذلك : ما ذكره الإمام ابن القيم (رحمه الله) عن التوكل : (هو حال للقلب ينشأ عن معرفته بالله ، وتفرده بالخلق والتدبير ، والضر والنفع ، والعطاء والمنع ، وأنه ما شاء كان ، وإن لم يشأ الناس ، وما لم يشأ لم يكن ، وإن شاءه الناس ، فيوجب له هذا اعتماداً عليه ،وتفويضاً إليه ، وطمأنينة به ، وثقة به ،
ويقيناً بكفايته لما توكل عليه فيه) .
ب- ومن ذلك : ما نقله الشيخ محمد العثيمين (حفظه الله) في شرحه لكتاب
التوحيد ، حيث قال : (التوكل : هو الاعتماد على الله (سبحانه وتعالى) في جلب
المطلوب وزوال المكروه ، مع فعل الأسباب المأذون فيها) .
تباين الخلق في توكلهم على الله (سبحانه) وأفضلهم في ذلك :
وضّح الإمام ابن القيم (رحمه الله تعالى) هذه المسألة أتم توضيح بقوله :
(فأهل السموات والأرض المكلفون وغيرهم في مقام التوكل ، وإن تباين
متعلق توكلهم :
فأولياؤه وخاصته يتوكلون عليه في الإيمان ، ونصرة دينه وإعلاء كلمته ،
وجهاد أعدائه ، وفي محابِّه وتنفيذ أوامره .
ودون هؤلاء : من يتوكل عليه في استقامته في نفسه ، وحفظ حاله مع الله ،
فارغاً عن الناس .
ودون هؤلاء : من يتوكل عليه في معلوم يناله منه : من رزق ، أو عافية ،
أو نصر على عدو ، أو زوجة ، أو ولد .. ونحو ذلك .
ودون هؤلاء : من يتوكل عليه في حصول الإثم والفواحش ؛ فإن أصحاب
هذه المطالب لا ينالونها غالباً إلا باستعانتهم بالله وتوكلهم عليه .
فأفضل التوكل : التوكل في الواجب أعني واجب الحق ، وواجب الخلق ،
وواجب النفس وأوسعه وأنفعه : التوكل في التأثير في الخارج في مصلحة دينية ،
أو في دفع مفسدة دينية ؛ وهو توكل الأنبياء في إقامة دين الله ، ودفع فساد المفسدين
في الأرض ، وهذا توكل ورثتهم ، ثم الناس بعدُ في التوكل على حسب هممهم
ومقاصدهم ، فمِنْ متوكل على الله في حصول الملك ، ومن متوكل في حصول
رغيف) .
التوكل وأنواعه :
1- توكل الموحدين الصادقين :
وحقيقته : الاعتماد على الله (عز وجل) وحده ، والثقة بكفايته مع فعل
الأسباب المأذون فيها من غير اعتماد عليها ولا ركون إليها ؛ فخالق الأسباب
ومسببها هو الله وحده .
2- التوكل الشركي ، وهو نوعان :
أ – أكبر ، وهو : ( الاعتماد الكلي على الأسباب ، واعتقاد أنها تؤثر استقلالاً
في جلب المنفعة أو دفع المضرة ، وهذا من الشرك الأكبر) .
ب – الشرك الأصغر ، وهو : ( الاعتماد على شخص في رزقه ومعاشه ..
وغير ذلك ، من غير اعتقاد استقلاليته في التأثير ، لكن التعلق به فوق اعتقاد أنه
مجرد سبب ، مثل اعتماد كثير من الناس على المالية في الراتب ، ولهذا تجد أحدهم
يشعر من نفسه أنه معتمد على هذا الراتب أو من يقرر الراتب اعتماد افتقار ، فتجد
في نفسه من المحاباة لمن يكون هذا الرزق عنده ما هو ظاهر) .
3- التوكل الجائز :
(وهو أن يُوكِّلَ الإنسان في فعل يقدر عليه ، فيحصل للموكِّل بذلك بعض
مطلوبه ، فأما مطالبه كلها فلا يقدر عليها إلا الله وحده ) ( كمن وكّل شخصاً
في شراء شيء أو بيعه ، فهذا لا شيء فيه ، لأنه اعتمد عليه ، وكأنه يشعر أن
المنزلة العليا له فوقه ، لأنه جعله نائباً عنه ، وقد وكل النبي علي بن أبي طالب أن
يذبح ما بقي من هديه ، ووكل أبا هريرة على الصدقة ، ووكل عروة بن الجعد أن
يشتري له أضحية) ، ولكن توكيل المخلوق غايته أن يفعل بعض المأمور ،
وهو لا يفعل ذلك إلا بإعانة الله له ، فرجع الأمر كله لله وحده .
ضوابط الأخذ بالأسباب :
الأخذ بالأسباب لا بد له من ضوابط تقي من الوقوع في الشرك الناشئ من
التعلق بها والاعتماد عليها ، ومن أهم هذه الضوابط ما يلي :
1 – (الاعتقاد بأنها لا تستقل بالمطلوب ، بل تُتعاطى من غير ركون إليها ، ومع هذا فلها موانع ، فإن لم يكمل الله الأسباب ، ويدفع الموانع : لم يحصل
المقصود ، وهو (سبحانه) ما شاء كان وإن لم يشأ الخلق ، وما لم يشأ لم يكن وإن
شاءه الخلق) .
2 – (ألا يعتقد في الشيء أنه سبب إلا بعلم وتحقق ، فمن أثبت سبباً بلا علم ، أو بما يخالف الشريعة : كان مبطلاً في إثباته ، آثماً في اعتقاده)
3 – (أن الأعمال الدينية لا يجوز أن يُتخذ شيء منها سبباً ، إلا أن يكون
مشروعاً ، فإن العبادات مبناها على التوقيف ، فلا يتقرب إلى الله (عز وجل)
بالأعمال الشركية أو البدعية أو نحوها ) .
4 – (إذا لم يوجد من الأسباب في تحصيل المطلوب إلا سبباً محرماً : فلا
يجوز مباشرته ولا الأخذ به ، وتوحد السبب في حقه في التوكل على الله (عز
وجل) ، فلم يبق سبب سواه ، فإنه من أقوى الأسباب في حصول المراد ، ودفع
المكروه ، بل هو أقوى الأسباب على الإطلاق).
5 – (إن كان السبب مباحاً ، نُظر : هل يضعف القيام به التوكل أو لا
يضعفه ، فإن أضعفه ، وفرق على العبد قلبه ، وشتت همه : فترْكه أولى ، وإن لم
يضعفه : فمباشرته أولى ؛ لأن حكمة أحكم الحاكمين اقتضت ربط المسبب به ، فلا
تعطل حكمته مهما أمكن القيام بها ، لا سيما إذا كان الأخذ بالسبب عبودية لله (عز
وجل) ، فيكون العبد قد أتى بعبودية القلب بالتوكل ، وعبودية الجوارح بالسبب
المنوي به القربة) .
(إن القيام بالأسباب على نحو ما سبق هو الذي يحقق التوكل ، فمن عطل
الأسباب المأمور بها لم يصح توكله ، كما أن القيام بالأسباب المفضية إلى حصول
الخير يحقق رجاءه ، فمن لم يقم بها كان رجاؤه تمنياً ، كما أن من عطلها يكون
توكله عجزاً أو عجزه توكلاً) .
(وسر التوكل وحقيقته هو : اعتماد القلب على الله وحده ، فلا يضره
مباشرة الأسباب مع خلو القلب من الاعتماد عليها والركون إليها ، كما لا ينفعه قوله
( توكلت على الله) مع اعتماده على غيره وركونه إليه وثقته به ، فتوكل اللسان
شيء ، وتوكل القلب شيء) .
مظاهر الانحراف في مفهوم التوكل وتطبيقه :
بعد أن اتضحت حقيقة التوكل والفهم الصحيح له ومراتب الناس فيه ، فيجدر
بنا الآن أن نتعرف على بعض مظاهر وصور الانحراف التي طرأت على هذا
العمل العظيم من أعمال القلوب ، وما كان لهذا الانحراف من أثر سيء على بعض
أبناء الأمة في عجزهم ، أو تعلقهم بغيرهم ، أو تركهم لما يجب الأخذ به .. وما إلى
ذلك من الآثار السيئة والنتائج الوخيمة ، هذا .. ولقد كان للفكر الصوفي المنحرف ،
وظهور الفِرَق : أكبر الأثر في انتشار هذه المظاهر من الانحراف ، يضاف إلى ذلك : ما ساهم به الغزو الفكري لهذه الأمة من نشر للمذاهب المادية ، التي لا تربط
النتائج إلا بالمادة المحسوسة ، وتلغي جانب الغيب والإيمان بالله (عز وجل) وقضائه
وقدره وملكه وقهره وعظمته .. وما كان لهذه الأفكار كلها أن تؤثر لو كان العلم وفهم
العقيدة الصحيحة منتشراً بين الأمة ، ولكن لما وافق هذا جهلاً عند بعض المسلمين
بحقيقة هذا الدين وأصوله : نشأ من ذلك بعض المفاهيم المغلوطة للتوكل كما نشأ
الضعف في التطبيق لهذه العبادة العظيمة .
وفي الفقرات التالية : أستعرض بعض صور الانحراف والضعف في هذا
الجانب المهم من جوانب العقيدة ، لعلنا نتفقده في أنفسنا أو عند غيرنا ؛ حتى نتجنبه ، ونحذر منه .
ومن أهم مظاهر الانحراف في ذلك ما يلي :
1- النظر إلى التوكل على أنه تواكل وترك للأسباب ، والذين وقعوا في هذا
الانحراف على صنفين :
أ- صنف يعلم أن التوكل لا ينافي فعل الأسباب والأمر واضح عنده بلا شبهة ، ولكنه ينطلق من هذا الفهم المنحرف في تبرير عجزه وكسله وتفريطه ، فهذا
عجزه توكل ، وتوكله عجز ، وهذا الصنف من الناس لا ينقصه إلا أن يتقي الله
(عز وجل) ، ولايبرر شهوته بشبهة ، وفي ذلك يقول ابن القيم (رحمه الله تعالى) :
(وكثيراً ما يشتبه في هذا الباب : المحمودُ الكامل بالمذموم الناقص .
ومنه : اشتباه التوكل بالراحة ، وإلقاء حمل الكَلِّ فيظن صاحبه أنه متوكل ،
وإنما هو عامل على عدم الراحة ..) .
ب- أما الصنف الثاني : فقد أُتي من جهله بحقيقة التوكل على الله (عز وجل)
وجهله بسنن الله (سبحانه) في ارتباط المسببات بالأسباب ، وأن الأخذ بالأسباب
بضوابطها الموضحة سابقاً لا ينافي التوكل ، بل إن تركها قدح في حكمة الله (عز
وجل) ، ونقص في العقل ، وما علم صاحب هذا الفهم أن التوكل عليه (سبحانه) هو
أقوى الأسباب في حصول المطلوب ودفع المكروه ، يقول الإمام ابن رجب (رحمه
الله تعالى) : (واعلم أن تحقيق التوكل لا يُنافي السعي في الأسباب التي قدّر الله
سبحانه المقدورات بها ، وجرت سنته في خلقه بذلك ، فإن الله (تعالى) أمر بتعاطي
الأسباب مع أمره بالتوكّل ، فالسّعيُ في الأسباب بالجوارح طاعةٌ له ، والتوكل
بالقلب عليه إيمانٌ به ، كما قال الله (تعالى) : ] يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [
[النساء : 71] ) .
ويتحدث ابن القيم (رحمه الله تعالى) عن توكل الرسول وصحابته الكرام مع
أخذهم بالأسباب ، فيقول : ( … وكان يدخر لأهله قوت سنة وهو سيد المتوكلين ،
وكان إذا سافر في جهاد أو حج أو عمرة حمل الزاد والمزاد ، وجميعُ أصحابه ،
وهم أولو التوكل حقّاً ، … فكانت هممهم (رضي الله عنهم) أعلى وأجل من أن
يصرف أحدهم قوة توكله واعتماده على الله في شيء يحصل بأدنى حيلة وسعي ؛
فيجعله نصب عينيه ، ويحمل عليه قوى توكله) .
2- ويقابل الانحرافَ السابق انحرافٌ في الجانب المقابل ، ألا وهو الإفراط
في فعل الأسباب والتعلق بها محبةً وخوفاً ورجاء ، ومعلوم ما في هذا الانحراف من
خطر شديد على التوحيد ، فهو إما شرك أكبر : إذا اعتقد فاعل الأسباب أنها تؤثر
استقلالاً ، وإما شرك أصغر : إذا لم يعتقد ذلك ، ولكنه تعلق بها وحابى من أجلها ،
وجعل أكثر اعتماده عليها في حصول المطلوب وزوال المكروه . وما أكثر من يقع
منا في هذا الضعف القادح في التوكل على الله (عز وجل) ، ولكن ما بين مُقِلٍّ
ومكثر ، وإن وجد من يحقق التوكل على الله (عز وجل) في أمور الدنيا فإن
المحققين له في العبادة وأمور الآخرة أقل وأقل ، وفي ذلك يقول الشيخ محمد ابن
عثيمين (حفظه الله) :
(ولكن الغالب عندنا ضعف التوكل ، وأننا لا نشعر حين نقوم بالعبادة
أوالعادة بالتوكل على الله والاعتماد عليه في أن ننال هذا الفعل ، بل نعتمد في
الغالب على الأسباب الظاهرة ، وننسى ما وراء ذلك ، فيفوتنا ثواب عظيم وهو
ثواب التوكل ) .
3- ما ينقل عن بعض غلاة المتصوفة من أن التوكل من مقامات العامة ، لا
من مقامات الخاصة ، ومنشأ هذا الانحراف أتى من ظنهم أن التوكل لا يطلب به إلا
حظوظ الدنيا ، كما هو شأن عامة الناس ، وهذا غلط ، فإن أعظم ما يُتوكل على الله
فيه الأمور الدينية ، وحفظ الإيمان ، وجهاد أعداء الله (عز وجل) ، ورجاء ثوابه
(سبحانه) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :
( .. وعلى هذا : فالذي ظن أن التوكل من المقامات العامة ظن أن التوكل لا
يطلب به إلا حظوظ الدنيا ، وهو غلط ، بل التوكل في الأمور الدينية أعظم) .
4- جبن القلب والخوف من المخلوق :
إن مما ينافي حقيقة التوكل : الخوف من المخلوق خوفاً يدفع إلى ترك ما يجب
أو فعل ما يحرم ، محاباة للمخلوق أو خوفاً من شره ، ومثل ذلك يكون أيضاً في
الطمع والرغبة ، فالطمع في نفع المخلوق أو الخوف من شرِّه إذا أدى إلى ضعف
التعلق بالله (عز وجل) وضعف الثقة به (سبحانه) ؛ فإن هذا يقدح في التوكل ،
ويضعفه إن لم يذهبه ، ومن تعلق بشيء وُكِلَ إليه ، ومن وكل إلى غير الله (عز
وجل) ضاع وهلك ، وخاب وخسر .. ومما يصلح التمثيل به في عصرنا اليوم على
هذا الضعف : ما يعتري بعض الدعاة وهو في دعوته إلى الله (عز وجل) من خوف
على نفسه أو رزقه أو منصبه ، الأمر الذي يؤدي ببعضهم إلى ترك ما هم عليه من
تعليم للعلم أو دعوة إلى الله (عز وجل) ، والإحجام عن مجالات الخير ونفع الناس ،
بحجة الحذر والبعد عن الفتن .. والله (سبحانه) أعلم بما في قلوب العالمين . ثم إنه
لو كان يغلب على الظن حصول الأذى والابتلاء لكان لذلك بعض الوجه في الأخذ
بالرخصة وترك العزيمة ، أما وأن الأمر على العكس من ذلك ؛ حيث يغلب على
الظن عدم التعرض للأذى ، فإنه لا تفسير لهذه المواقف إلا ضعف التوكل على الله
(عز وجل) ، والوسوسة الشديدة ، والمبالغة في الخوف ، والحذر الزائد من المخلوق
الضعيف ، وتهويل أمره ، وهذا من كيد الشيطان ووسوسته ، وكأننا لم نسمع ولم نعِ
قوله (تعالى) : ] إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إن كُنتُم
مُّؤْمِنِينَ [ [آل عمران : 175] .
يقول صاحب الظلال (رحمه الله تعالى) : ( والشيطان صاحب مصلحة في
أن ينتفش الباطل وأن يتضخم الشر ، وأن يتبدى قويّاً قادراً قاهراً بطّاشاً جباراً ، لا
تقف في وجهه معارضة ، ولا يصمد له مُدافِع ، ولا يغلبه غالب ، الشيطان صاحب
مصلحة في أن يبدو الأمر هكذا ، فَتَحْت ستار الخوف والرهبة ، وفي ظل الإرهاب
والبطش : يفعل أولياؤه في الأرض ما يقر عينه ، يقلبون المعروف منكراً ، والمنكر
معروفا ، وينشرون الفساد والباطل والضلال ، ويُخفتون صوت الحق والرشد
والعدل .. والشيطان ماكر خادع غادر يختفي وراء أوليائه ، وينشر الخوف منهم في
صدور الذين لا يحتاطون لوسوسته … ومن هنا : يكشفه الله ويوقفه عارياً ، لا
يستره ثوب من كيده ومكره ، ويُعرِّف المؤمنين الحقيقة : حقيقة مكره ووسوسته ؛
ليكونوا على حذر ، فلا يَرهبوا أولياء الشيطان ، ولا يخافوهم ، فهم وهو أضعف
من أن يخافهم مؤمن يركن إلى ربه ويستند إلى قوته) .

بحث سريع