الثقة بالنفس

بواسطة | عبد الله حماد الجهني
2005/09/13
إن من أهم ما نفتقده في مجتمعاتنا اليوم الثقة بالنفس ، ذلك الإحساس الذي متى ما تلبّس به الإنسان أحس أنه قادر على أي عمل يمكن عمله بإتقان . تلك الشعلة التي تضيء لحاملها الطريق لكي يتقدم على بصيرة ، ولا أقصد فيه ذلك الإحساس الذي يرتفع حتى يلامس الغرور ، ولا الذي ينخفض حتى يلاصق الخمول .
والناظر في مجتمعاتنا اليوم لا يكاد يرى تلك الشعلة ، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات ، ولقد حاول اعداء المسلمين وأذنابهم في القديم والحديث زعزعة ونزع هذه الثقة بتتالي الضربات والنكبات ، فلقد هزمنا كثيراً حتى فقدنا الثقة بالنصر وأصبحت الهزيمة شيئاً عادياً .
فإذا كانت الثقة بالنفس هي المفتاح للنجاح والنصر ، فكيف ننجح وننتصر إذ
لم تكن هذه الثقة موجودة ؟ ‍‍ !
الأسباب المؤدية للثقة بالنفس :
وتزرع الثقة أول ما تزرع في الصغر ولا يمنع أن يكتسبها الإنسان في الكبر وذلك بالرياضة النفسية . وأهم محرك للثقة بالنفس هو التشجيع ، ويتضح هذا من خلال عرض قصتين وقعتا في غزوة خيبر في آخر حصن من حصونها المسمى (الوطيح) :
أما الأولى فمع الزبير بن العوام حين قال ياسر اليهودي – أخو مرحب وكان رجلاً قوياً – مَن يبارز ؟ ؛ فقال الزبير بن العوام : أنا لك ؛ فقالت أمه صفية : يارسول الله ! ، يقتل ابني !
فقال لها – عليه السلام – : بل ابنك يقتله إن شاء الله . فالتقيا فما هي إلا لحظة حتى سقط رأس اليهودي .
فانظر إلى الكلمات المشجعة من النبي – صلى الله عليه وسلم – ماذا عملت .
لقد عملت الكلمات في نفس الزبير أقوى مما عمله السيف بجسم اليهودي .
أما الموقف الثاني : فمع علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – فبعد تلك المبارزة اقتتل الناس ، وكانت الراية عند أبي بكر – رضي الله عنه – وشعارهم يومئذ : يا منصور أمت أمت ، فقاتل قتالا شديداً ثم وجع فأخذها عمر – رضي الله عنه – فقاتل قتالاً شديداً هو أشد من الأول ثم وجع ، فقال – صلى الله عليه وسلم – أَمَا والله لأعطينها غداً رجلاً يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، فدعا علياً – رضي الله عنه – وهو أرمد فتفل في عينيه ثم أعطاه الراية .
فخرج علي يهرول حتى ركز الراية تحت الحصن ، وبعد قتال شديد – هو أشد من الأول -تمكن علي من فتح ذلك الحصن بإذن الله .
وكيف لا يفعل على هذا وقد أخبره الرسول – صلى الله عليه وسلم – بما يصبو إليه من حب الله ورسوله وفوق هذا كله حب الله وحب رسوله له . إنها كلمات تبعث في النفس الحماس والثقة ، فما أحوجنا اليوم أن نطلق مثل هذه الكلمات المشجعة التي تنطلق من أفواهنا لتلامس قلوب ونفوس الآخرين .
أسباب عدم الثقة بالنفس :
وأهم ما يفقد الثقة بالنفس وخصوصاً عند الأطفال : الإسراف في نقد الأخطاء . والنقد الجيد كالدواء القوي يصلح الأجسام القوية ، ويهلك الأجسام الضعيفة ، فالنقد يزيد الشخص الواثق من نفسه فهماً وإدراكاً ، وأما الآخر فيهلكه وليس معنى ذلك أننا لا ننتقد أحداً ، بل هناك تفصيل :
أولاً : مَن ننتقدهم مواجهة وهم الراسخون الذين لا ينقصهم النقد بل يزيدهم .
ثانياً : مَن ينتقد ولكن بطريقة غير مباشرة وهم من عرَّض نفسه للنقد .
ثالثاً : مَن لا ينتقد بل يوجه ويشجع .
وقد اتضح من بحث دقيق أن الأطفال المنبسطين يضاعفون جهدهم عقب النقد ، في حين أن المنطوين يضطرب إنتاجهم عقب النقد واللوم . كما ظهر أيضاً أن بطيء التعلم يحفزه الثناء أكثر من النقد ، في حين أن النقد واللوم أجدى للموهوبين .
وأيضاً من الأشياء التي تعوق الثقة بالنفس : السخرية مما يبديه الشخص من آراء وكبحه حين يختلف رأيه عن آرائنا ، فسرعان ما يتعلم أن أفكاره تسبب له المتاعب ويرى من الخير أن ينقاد ويسكت ، والتناسب طردي بين الثقة بالنفس والنتيجة .
هذا على مستوى الجماعات ، أما على مستوى الأفراد ، فعدم الثقة بالنفس نتج عنه الخوف من الخطأ ، والتردد وهذا بطبعه أدى إلى الجمود وإلى التقليد ، لأنه يرى أن التقليد أسهل عليه ، التقليد في الأفكار والتقليد في السلوك والتقليد في الشخصية ، فتراه يلغي عقله ويمشي وراء من يقلده مغمض العينين مقلداً لهم في الخطأ والصواب ، في الأقوال والأفعال ، لا يخالفهم لأنه يعتقد أنه دائم على الخطأ وهم على الصواب ، بينما نجد أن كبار المفكرين والمجددين كانوا يتميزون عن
غيرهم بالثقة بالنفس .
فما أحوجنا اليوم إلى مثل هذه الثقة مثل ثقة سماك بن خرشة ( أبو دجانة ) حين قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم- : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقال أبو دجانة : وما حقه يا رسول الله ؟ قال : أن تضرب به العدو حتى ينحني . فقال : أنا آخذه يا رسول الله بحقه ، فأعطاه إياه فلو لم تكن عند أبي دجانة الثقة بنفسه لما أخذه .
{moscomment}

بحث سريع