الحرية للمسيح الدجال ..والموت للمهدي المنتظر !!

بواسطة | الحسن السرات *
2005/11/08
حسب استطلاعات الرأي، يعتبر 46 بالمائة من الأمريكيين أنفسهم مسيحيين إنجيليين مثل رئيسهم الحالي جورج بوش الابن، إذ ولدوا مرتين، الأولى من الأرحام والثانية من الكنيسة. 48 بالمائة يعتبرون نظرية التطور الداروينية كفرا ومروقا من الدين ويحاربونها بمختلف الوسائل، و68 بالمئة يصرحون أنهم قابلوا الشيطان أو رأوه رأي العين. وأكثر من 50 مليون قارئ منهم يشترون الروايات التي تتحدث عن معجزة العودة الثانية للمسيح عليه السلام المنبئة بفناء هذا العالم وبداية
عالم الألفية السعيدة.
 وزير العدل السابق جون أشكروفت ما فتئ يردد "أن المسيح هو ملكنا"، في حين قال زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس ممثلي الأمة الأمريكية إن الله أوكل إليه مهمة تقديم رؤية للعالم الإنجيلي" لتكون نبراسا للسياسة الأمريكية، وإن "المسيحية وحدها من تملك منهج حياة يستجيب للحقائق الواقعية في عالمنا الحالي". ولا يخفي الرئيس جورج بوش انتماءه لهذا التيار الديني الغالب والمتحكم في دوائر القرار، وليس غريبا أن نسمع أنه قال -رغم تكذيب إدارة البيت الأبيض- لبعض المسؤولين الفلسطينيين، ولغير الفلسطينيين من عرب وعجم، إن الله ابتعثني لأخرج أفغانستان والعراق من الظلم إلى العدل ومن التخلف إلى التقدم ومن ضيق الأصولية الإسلامية إلى سعة الأصولية الأمريكية.
ليس غريبا أن نسمع ونرى هذا من رئيس دولة تعتبر نفسها بمثابة المخلص المنقذ للعالم. ألم يخض أسلاف الأمريكيين الحرب ضد المكسيك عام 1840 تحت راية العناية الإلهية؟ ألم تدبر جرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية ضد الهنود الأصليين وقال منظرهم هوراس جريسلي عام 1859 "إن هؤلاء القوم يجب أن ينقرضوا، ولا مفر من ذلك. إن الله أعطى هذه الأرض لأولئك الذين سيتحكمون فيها وسيزرعونها، وإنه لا جدوى من مواجهة حكمه العادل ولا راد لأمره النهائي"؟ ألم يدخل الرئيس الديمقراطي ويلسن بلاده في الحرب العالمية الأولى في القرن العشرين برفع لواء الحرب الصليبية المسيحية؟
ألم يكتب بنفسه النقاط الأربع عشرة التي قدمها لندوة السلام بباريس عام 1919 لأن "أمريكا لديها اليد المطلقة لإنجاز رسالتها وإنقاذ العالم". ذلك ما يتكرر اليوم على الرغم من أن الأوروبيين أضاعوا كثيرا من الوقت لإدراك حقيقة الخطاب الديني للمسؤولين الأمريكيين والرسالة الدينية للأداء الدبلوماسي لوزارة خارجيتهم على تعاقب رجالها ونسائها.

ولا يدع الرئيس مناسبة تمر دون أن يؤكد فيها على هذه الرسالة الدينية، فيقول مثلا "إن الحرية التي نتمسك بها ليست هبة أمريكا للعالم ولكنها هبة الله للإنسانية"، أو يقول "إننا نصدر الموت والعنف إلى جميع أنحاء العالم دفاعا عن أمتنا الكبرى". وربما أبصر الرئيس نورا خاصا يتلألأ لعينيه في ركن من أركان أمريكا، فآمن بالاختيار الإلهي له فمضى يحقق مشيئة الرب.
عندما وقعت مصيبة تسونامي منذ عام مضى تقريبا، تباطأ الأمريكيون في رد الفعل، وفسر كثير من المراقبين هذا التأخر بأنه راجع إلى الاعتقاد الإنجيلي الأمريكي بقرب نهاية هذا العالم، والأمر نفسه لوحظ في مصيبة عاصفة كاترينا التي ضربت ولاية نيوأورليانز نهاية شهر سبتمبر من هذا العام.
الإنجيلية الأمريكية إنجيلية مناضلة كما تصف نفسها، ويصل تأثيرها إلى رأس النظام السياسي الأمريكي، بحيث انتمى إليها معظم الرؤساء الأمريكيين، واشتهر القس بيلي جراهام الذي بلغ من الكبر عتيا (ازداد سنة 1918)، بأنه صاحب تأثير قوي على عدد من الرؤساء المتعاقبين على البيت الأبيض، منهم الرئيس إيزنهاور. ومن مظاهر هذا التأثير تصريح إيزنهاور قائلا "أمريكا في حاجة إلى صحوة دينية، وأعتقد بأنه من بين الأسباب التي من أجلها انتخبت هي أن أساعد في هذا الطريق".
بعد الحرب العالمية الثانية شنت المسيحية الإنجيلية الأمريكية غارة واسعة على أمريكا الجنوبية حتى أصبحت الكنائس الأمريكية هي الغالبة في بعض الدول، ووصل بعض الرؤساء الإنجيليين إلى الرئاسة في كل من جواتيمالا (الرئيس إفران ريوس مونت بانقلاب عام 1985، ثم الرئيس جورج سيرانو إلياس بانتخابات 1991، والرئيس ألبيرتو فوجيموري بالبيرو في السنة نفسها). حتى في أفريقيا وصل التأثير الإنجيلي الأمريكي إلى قمة السلطة ممثلا في رئيس نيجيريا الخالي أوباسنجو.
والآن تضع سنابك خيولها في منطقة المشرق العربي وتسفك الدماء وتزهق الأرواح في انتظار خروج يأجوج ومأجوج وظهور المسيح المخلص. كما ترسل رسلها مبشرين ومنذرين إلى الجزائر والمغرب وبلدان إفريقية أخرى.
السؤال الضخم الذي ينتصب قائما أمامنا نحن المسلمين، لماذا يحارب التدين عندنا حتى لا يصل إلى القيادات ولا إلى القواعد؟ ولمصلحة من تنظم تلك الحرب في الوقت الذي نرى فيه رؤساء الولايات المتحدة يتسابقون إلى خدمة عقيدتهم رغم ما فيها؟ وكيف يختال المسيح الدجال حرا طليقا في حين يغتال المهدي المنتظر في بلداننا وهو ما يزال جنينا في الأرحام؟
—–
* كاتب مغربي
المصدر : موقع المسلم .
{moscomment}

بحث سريع