جنبلاط : الرجل الثابت على تغيير الثوابت !

بواسطة | علي حسين باكير
2006/01/23
يُعدّ وليد جنبلاط زعيماً مهماً في لبنان للطائفة الدرزية، و هو يتقاسم هذه الزعامة مع عائلة أرسلان أيضاً التي تنافسه على الزعامة لكسب ولاء الدروز. و وليد جنبلاط هو ابن الزعيم اللبناني المعروف كمال جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي. و يعدّ البعض أنّ مجرد المقارنة بين الابن وأبيه تجعل المرء يترحّم ألف مرّة، ذلك أنّ الابن و إن كان قد حلّ زعيماً مكان أبيه إلا أنّه لم يتمتع بصفاته و حنكته السياسية.
و في حين ينظر البعض إلى وليد جنبلاط على أنّه سياسي محنّك من الدرجة الأولى، و يستدلون بقولهم هذا على أنّه يختار الوقت و الزمان المناسبين لخطّه السياسي و للتعبير عن موقفه، يرى البعض الآخر أن الرجل إما أن يكون مجنوناً أو أنّه يعاني من مرض غير واضح المعالم يؤثر على تفكيره و موقفه و طريقة أدائه السياسي.
فهو مستعد لأن يبدّل موقفه ليس بعد سنة أو شهر أو حتى أسبوع أو يوم! هو مستعد لتبديل موقفه في دقائق و لحظات، بل في بعض الأحيان في ثوان!!
مواقف وليد جنبلاط تتنوع و تتشكّل و تتداخل و تتناقض و تتضارب، و سمِّ ما شئت من المصطلحات و الأضدّاد، و اجمعها كلّها في موقف واحد، ستحصل على وليد جنبلاط.
نعم الرجل يعطيك تصريحاً و موقفاً سياسياً منقولاً بالصوت و الصورة، ثم يعود لينكر ما قاله، و يعطيك موقفاً مغايراً و مناقضاً للأول، ثم بعد قليل يناقض الموقف الذي تمّ نقضه سابقاً!!
لا تستغربوا، هذه هي ميزة وليد جنبلاط، فإما أن يكون وليد جنبلاط قد فقد عقله، و إما أن يكون ذكياً جداً كما قال البعض.
لكن عند التأمل في مواقفه تجد أن الرأي الأخير غير صائب، ذلك أن التبديل و الانتقال من خط إلى خط آخر يتم عند وليد جنبلاط بسرعة و عشوائية تنفي أن يكون الرجل قد صمّم لنفسه طريقة يستدل بها بذكائه ليحرج الآخرين، فهو لا يحرج إلاّ نفسه، و قد اعتادت الناس على آرائه و أقواله المتناقضة، و التي سنتفحصها في بعض مواقفه الواضحة.
فيما يتعلّق بسوريا: فقد كان جنبلاط أحد أبرز حلفاء سوريا أثناء الوجود السوري في لبنان، و قد حصل نتيجة لتقرّبه من السوريين على مكاسب طائلة تمثّلت في نهب أموال وزارة المهجّرين كما يقول كثيرون. و قد بقي جنبلاط حتى الأمس القريب على موقفه الداعم للسوريين إلى أن حصل ما حصل من اغتيال الحريري، و تبدّلت الأجواء الدولية التي كانت سائدة تجاه الوجود السوري في لبنان، و عندها -و دون سابق إنذار- أصبح وليد جنبلاط المعارض الأوّل للوجود السوري في لبنان بل و زايد على أشد المعارضين المسيحيين للوجود السوري، فأصبح الرجل "محجّة" لكل من أراد أن يعارض سوريا، و قد قام بجولات مكوكية على أوروبا، و البلدان العربية للضغط على سوريا من أجل الانسحاب, مدّعياً أنّه يريد الخير للبنان و سوريا و أنّه مع سوريا، و يدعمها، و أنّه لا يريد إلاّ ّاستقلال و سيادة لبنان.
و بعدما خرج السوريون، و توالت الانفجارات في الساحة اللبنانية، أصبح جنبلاط بطل الشاشات و الفضائيات، و هو قد عُرِف بسرعة جوابه، و اتّهامه لسوريا بالوقوف وراء التفجيرات، و في بعض الأحيان قبل معرفة مكان و زمان الانفجار و من هو المستهدف فيه!!
ثمّ انتقل من مرحلة أنّه مع سوريا و يدعمها إلى مرحلة اتّهامها بكل ما يحصل وصولاً أخيراً إلى مرحلة المطالبة بإسقاط النظام بعد أن كان يقول: إنّه لا يتدخّل في الشؤون السورية، و إنّه لا ينادي بالإطاحة بالنظام!!
أما فيما يتعلّق بحزب الله: فمن المعروف أن حزب الله هو أحد أبرز الفرقاء اللبنانيين المواليين لسوريا، و على الرغم من العداء الشديد الذي عبّر عنه جنبلاط تجاه سوريا و حلفائها في لبنان, إلاّ أنّ الرجل تحالف مع حزب الله في الانتخابات التي جرت بعد مقتل الحريري، و ذلك لضمان حصوله على أصوات الشيعة في المناطق الدرزية، و قد حضر جنبلاط حينها الاحتفال الذي أقامه حزب الله وقتئذ، و الذي أشاد فيه بدعم سوريا للحزب، و هدّد بقطع أي يد تمتد إلى سلاح المقاومة أو رموزها، و كان جنبلاط حاضراً و يصفق بحرارة شديدة، و يدافع عن المقاومة بكل حزم!! بل و زار طهران في جولاته المكوكية في ذلك الوقت. ثمّ ما لبث أن تنصّل مؤخراً من كل ذلك، بل و سمّى سلاح حزب الله بأنّه "سلاح غدر"، و أن الحزب يستقوي بهذا السلاح، و أنّه عميل لسوريا!! و قد ردّ الحزب على كلامه هذا بقوله: "لو تجسّد الغدر رجلاً لكان اسمه جنبلاط".
لم يكتف جنبلاط بتغيير مواقفه مائة و ثمانين درجة من سوريا و حزب الله، بل إنّ كلامه هذه المرّة قد امتدّ ليطال الفلسطينيين الموجودين في لبنان، و قد وصفهم بأنّهم مجموعة من العصابات و التابعيين لسوريا المؤتمرين بأمرها، و قد استتبعت هذه التصريحات ردود فعل غاضبة منذرة بإمكانية اشتعال حريق أهلي في لبنان كما في المرّات السابقة.
البعض ربط الانقلاب في موقف جنبلاط بزيارة (دايفد ويلش) مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية إلى لبنان ليستعرض عضلاته و استقوائه بالخارج، بعد أن قال كلمته و هي: "لم نعد وحدنا على الساحة و معنا أقوياء"، و البعض الآخر يربطها بتغيير المناخ و الطقس على أساس أن جنبلاط في تغيير دائم و مستمر و متقلّب لمواقفه و آرائه السياسية، و هذا ما يتناسب مع الطقس المتقلّب في لبنان و الذي يشهد فترات مشمسة و أخرى ماطرة، و بعدها أجواء صافية .. و كأنّ شيئاً لم يكن.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا بطبيعة الحال، هل جنبلاط ساذج جداً أم أنّه متورط إلى حد النخاع في مخطط دولي خطير بحق وطنه و بحق غيره؟ خاصّة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تصريحاته الأخيرة عن الإطاحة بالنظام السوري، و تلك المتعلّقة بحزب الله و الفلسطينيين، و التي إذا تكررت قريباً ستشعل فتنة لن يستطيع أحد إطفاءها في لبنان. فهل هذه التصريحات عبثية و آنية و غير مدروسة أم العكس؟ و هل نحكم عليها بمدى قدرة الغرب على الاستفادة منها في تدمير لبنان و سوريا أم نحكم عليها من خلال تصريحات و مواقف جنبلاط المتقلّبة و المتضاربة، و التي عودنا عليها دائماً؟ أمّ أن الرجل ساذج و سذاجته تخدم المخططات الدولية، و بذلك يكون الغرب قد كسب عصفورين بحجر؟
ماذا سيكون موقف وليد جنبلاط إذا ما رضيت أمريكا عن سوريا، و توصّلا إلى اتّفاق تقوم سوريا بموجبه بخدمة أهداف أمريكا في العراق فيما تتغاضى أمريكا عن النظام السوري أو تعطيه جزرة أخرى ليست في وارد جنبلاط؟ ماذا سيكون موقفه هنا؟ هل سنشاهده بالصوت و الصورة يغني زجلاً و يلقي الأشعار مدحاً لسوريا و لنظامها؟! أقول لكم هذا لتستعدوا، فإذا رأيتموه يفعل مثل ذلك فلا تستغربوا أبداً؛ فهذا هو وليد جنبلاط، وبالثبات على تغيير الثوابت عُرِف واشتهر! .
{moscomment}

بحث سريع