منهج التعامل مع الفضائل (1)

بواسطة | الشريف محمد الصمداني
2006/04/08
الفضائل سر من أسرار الوجود و الخلق يهبها الله لمن يشاء لتمام علمه وحكمته ، " و ربك يخلق ما يشاء و يختار " ، يظهر هذا في الأشخاص و الأعيان كما يظهر أيضاً في الأماكن و الأزمان ، و يظهر في الأعمال و العلوم و مراتبها ..
في الأشخاص تجد الأنبياء و الرسل صلوات الله و سلامه عليهم ، ثم تجد الرسل يفضل بعضهم على بعض كما قال تعالى :" تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله .. " ، و تجد أفضل الرسل أولوا العزم منهم ، نوح و إبراهيم موسى وعيسى و محمد صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين ، و أفضلهم محمد صلى الله عليه و على آله و سلم ..
و كذلك الشأن في الأماكن تجد التفضيل بين بعضها البعض ، فتجد خير بقاع الأرض المساجد ، و خير المساجد المسجد الحرام ، ثم المسجد النبوي و ما حوله من الحرم ، ثم المسجد الأقصى و ما حوله من الأرض المقدسة ، قال تعالى :" جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس و الشهر الحرام و الهدي و القلائد .. " ، و قال :" سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله "
و إذا كان الأمر كذلك في الأشخاص و الأعيان و الأماكن ، فإن الحال كذلك أيضاً في الأزمان ، فتجد الأشهر " منها أربعة حرم " ، و تجد أشهر الحج ، و عشر ذي الحجة ، و تجد رمضان له مزية ليست لغيره ، و رمضان نفسه ليس على درجة سواء ، فتجد عشره الأواخر خير لياليه ، ثم تجد ليلة القدر خير العشر الأواخر ، جعلت في فضلها و بركتها " خير من ألف شهر " " و ما أدراك ما ليلة القدر ثم ما أدراك ما ليلة القدر " ..
و كذا الشأن في الأعمال الصالحة و العلوم النافعة ، و تفضيل بعضها على بعض ، حتى إنك تجد كثيراً من الناس يشتغلون بالمفضول عن الفاضل ، إما لا عتقاده لفضل المفضول على الفاضل ، و إما لنشأة و بيئة تمجد نوعاً من الأعمال دون النوع الآخر ، و قد يكون الجنس المتروك خيرٌ و أولى إما بإطلاق أو في غالب الأوقات و الأحوال ، و قد تعرض أزمان و أحوال يتقدم فيها المفضول على الفاضل ، و لكن هذا خلاف الأصل ..
قال ابن تيمية :" و هذا الباب . باب تفضيل بعض الأعمال على بعض ، إن لم يعرف فيه التفضيل ، و أن ذلك قد يتنوع بتنوع الأحوال في كثير من الأعمال ، و إلا وقع فيها اضطراب كثير ، فإن في الناس من إذا اعتقد استحباب فعل و رجحانه يحافظ عليه ما لا يحافظ على الواجبات ، حتى يخرج به الأمر إلى الهوى … " . أهـ . ( مجموع الفتاوى : 24 / 199 ) .
إن تلك الفضائل والمناقب ، تحتاج إلى منهج علمي للتعامل معها ، و إلا سلبت عقول من ينظر فيها ، و كثيراً ما تفقد النفوس الضعيفة توازنها في باب القصد والارادة حيال تلك الفضائل ، و يلبس عليها إبليس في بابي العلم و العمل .. و قد كان هذا من أهم أسباب زلل أقدام كثير من المتشيعة و المتصوفة و غيرهم من الجهال ، حتى إنك ترى فضائل قوم أو أعمال أو أماكن أو أزمان سبباً لشقاء كثير من الناس ، و ليس ذلك لأن الفضائل هي كذلك في نفس الأمر ، بل لأن المكلف لم يحسن التعامل معها و التعبد من خلالها ، و هذا من جنس الابتلاء بالعبادة ، و هو من جملة الابتلاء العام الذي يبتلى به العباد ، كما يبتلون بكثير من مسائل القضاء و القدر و الشرع ، فإذا انضم إلى ذلك شهود النفع من تلك الفضائل ، أو كسب الخصوصية أو تحقق الجاه و الرئاسة و النفوذ ، فهناك لا يمسك تلك النفوس و لا يصلحها إلا من قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه يقلبها و يصرفها كيف يشاء …

{moscomment}

بحث سريع