خصومة الشرفاء العظماء

بواسطة | محمد بن إبراهيم الحمد
2006/04/08

شريف النفس عظيم الخلق، بعيد الهمة، لا يسعى إلى الخصومة بل يحرص كل الحرص على البعد عنها.
ومن البلاء عليه أن يظن ظانٌّ أنه خصم له فترى ذلك الخصم يسعى سعيه للنيل منه وما علم أنه في واد وصاحبه في واد آخر.
ولهذا ترى هذا الخصم يتعب ويجلب بخيله ورجله وصاحبه خليّ الفؤاد لا يخطر الشر بباله ولا يمر بخياله على حد قول المتنبي:

وأتعبُ من ناداك مَن لا تجيبُه وأغيظُ من عاداك مَن لا تشاكلُ

وإذا اضطر شريف النفس إلى الخصومة لم يحِد عن سبيل الحق والشرف قيد أنملة؛ فالخصومة الشريفة هي التي دعا إليها سبب معقول وتبودلت فيها الحجج والبراهين من غير مهاترة أو مسابّة وقامت على الوسائل المكشوفة الظاهرة، لا الخفيّة الدنيئة وخرج كل خصم من الخصومة شريفاً لم تدنّسه الخصومة؛ فهي كالصراع بين فارس نبيل وآخر مثله لا بدّ لحربها من سبب قويّ؛ فإذا تحاربا خضعا لأدب الحرب وترفّعا عن الصغائر والسفاسف وأساليب الخداع والمراوغة ثم إذا انتهى الصراع انتهت الخصومة.
جاء في كتب السير أن رجلاً في أيام صفين قام على معاوية-رضي الله عنه- وقال له: اصطنعني فقد قصدتك من أجبن الناس وأبخلهم وألكنهم.
فقال معاوية: من الذي تعنيه؟
فقال الرجل: علي بن أبي طالب.
فقال معاوية: كذبت يا فاجر أمَّا الجبن فلم يك قط فيه وأمَّا البخل فلو كان له بيتان: بيت من تبر، وبيت من تبن لأنفق تبره قبل تبنه وأما اللكن فما رأيت أحداً يخطب أحسن من علي إذا خطب قمْ قبَّحك الله.
ومحا معاوية اسم الرجل من ديوانه.
وجاء في السير – أيضاً – أنه أُنشد في مجلس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-قول الشاعر:

فتًى كان يدنيه الغنى من صديقِه
إذا ما هو استغنى ويبعدُهُ الفقرُ

كأن الثريّا عُلِّقت بجبينِه

وفي خدِّه الشِّعرى وفي الآخرِ البدرُ
فقال علي-رضي الله عنه-: "ذاك – والله – طلحة بن عبيد الله".
وكان السيف في ذلك الوقت مجرّداً بينهما؛ فانظر إلى شرف الخصومة, وعظمة الإنصاف.
وبعد: فإذا لم نتخلق بأخلاق الأكابر والعظماء فلا أقلّ من أن نتخلق بأخلاق الملاكمين والمصارعين؛ إذ تبدأ الجولات بين الخصمين باللكمات والضربات، وتنتهي بالمصافحة والقُبُلات!
المصدر : موقع الاسلام اليوم

{moscomment}

بحث سريع