إطلالة على تجربة جامعة آل البيت

بواسطة | محمد م. الأرناؤوط
2005/07/22

في الإرادة الملكية السامية بتأسيس جامعة آل البيت، التي أصدرها المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال المعظم في 17 آب 1992، جاء في مقدمتها أن "تقسيم الحضارات المعاصرة إلى غربية وغير غربية تقسيم غير صحيح، فحضارة هذا العصر عالمية واحدة، هي نتاج ثقافات متعددة، كانت الثقافة الإسلامية في مقدمتها، ولذلك ينبغي ألا تقتصر رؤية المسلم لرسالته في الحياة على دراسة تاريخية وثقافية … بل يجب أن تحيط رؤيته بالحضارات والثقافات الأخرى".

وبهذه الروح فقد انطلقت جامعة آل البيت في خريف 1994 بآمال كبيرة، سبقت البناء القانوني للجامعة، لتكون جامعة الأردن للعالم الإسلامي والجامعة التي تمثل الإسلام المعتدل الذي عرف به الأردن في المنطقة والعالم.
وفي هذا الإطار لابد أن يسجل للجامعة انفتاحها أولاً على المسلمين شرقاً وغرباً، وليس بالمفهوم الجغرافي فقط، الذي استقطب مئات الطلبة من نيجيريا إلى ماليزيا ومن البوسنة إلى اليمن، بل بالمفهوم المذهبي أيضاً. فقد أسست جامعة آل البيت(التي أخذت بالمفهوم الواسع لهذا المصطلح) للانفتاح على المذاهب الإسلامية كافة من سنية وشيعية. وهذا الانفتاح لم يكمن فقط في المسميات الكبيرة التي تسم مباني الجامعة وساحاتها وشوارعها (سمرقند وعليكرة وتونس والقدس الخ) بل في المناهج أيضاً. فقد كان هناك حرص على أن تعترف الخطط الدراسية بهذه المذاهب الإسلامية، دون أن تفضل مذهباً على آخر، وأن تأخذ به رسائل الماجستير التي أصبحت تضاهي مثيلاتها في الجامعات المتقدمة.
ومن ناحية أخرى كانت الجامعة، واسترشاداً بما جاء في الإرادة الملكية السامية في أن المسلمين ليسوا وحدهم في العالم وبأن الحضارة المعاصرة يشارك فيها الجميع، تسعى منذ بدايتها للانفتاح على الأديان الأخرى كمنطلق للحوار بالاستناد إلى قيم التسامح والتعايش لخير الإنسانية جمعاء. وفي هذا الإطار فقد خصّصت أحد المتطلبات الإجبارية للجامعة لـ"دراسات في الأديان"، حيث يفترض بكل طالب مهما كان تخصصه أن يخرج بحصيلة جيدة عن الأديان الرئيسة في العالم من منطلق الاهتمام والاقتراب منها وليس الاستعلاء عليها.
وهكذا خلال السنوات الأولى للجامعة، وقبل أن يصدر قانونها الخاص بها، كانت الجامعة تستقطب الضيوف والخبراء ورجال الدين من مسلمين ومسيحيين من المشرق إلى المغرب سواء لمجرد الزيارة أو المجاملة أو لإلقاء محاضرة على الطلبة. وفي هذا الإطار لا أنسى اليوم الذي جاءنا به في المعهد الدكتور ألكسندر برزن الباحث الأمريكي المعروف في البوذية ومستشار الدلاي لاما ليحدثنا عن البوذية وعن القواسم الأخلاقية المشتركة بين الإسلام والبوذية، وكانت هذه مجرد زيارة من عشرات بل مئات الزيارات التي كانت تطوف بالمعهد والجامعة.
ولم يكن الأمر مجرد زيارات ومجاملات عن الانفتاح على الآخر والحوار بين الأديان بل كانت هناك مبادرات كثيرة تؤكد مصداقية هذا التوجه، ففي هذا الإطار عقدت ندوات كثيرة، ولكن الحدث الأهم يبقى المؤتمر الدولي "أوروبا والإسلام" الذي عقد في صيف 1996 والذي ضم حوالي ثمانين مشاركاً من مختلف دول العالم. وقد كان من الملاحظ آنذاك تنوع المشاركين من رجال علم ودين واتساع الصدور للآراء المختلفة، وحتى المتطرفة في بعض الأحيان، مما كان يسجل للجامعة التي احتضنت مثل المؤتمر ونشرت أوراقه في العربية والإنجليزية، ونجحت في تأكيد أن الاختلاف لا يمنع الالتقاء ولا يحد من التفاهم على القواسم المشتركة.
وكذلك الأمر كان مع البحوث ورسائل الماجستير حيث كان يتم تشجيع الطلبة على تناول القضايا المتعلقة بالحوار بين الأديان سواء من حيث المنطلقات أو الظروف المؤثرة فيها أو النتائج البارزة فيها. وفي هذا الإطار فقد سجلت ونوقشت في المعهد أول رسالة ماجستير ألا وهي "الأبعاد السياسية للحوار الإسلامي المسيحي 1990-1996" لسامر أبو رمان التي أجمعت لجنة المناقشة على أهميتها.
ولكن لابد من القول إن هذا الجانب البارز في جامعة آل البيت قد خفت قليلاً في السنوات الأخيرة نتيجة لعدة أسباب. ومن هذه الأسباب أن التوجه العام كان في البداية أن تركز الجامعة على الدراسات العليا(الماجستير والدكتوراه) وعلى عقد الندوات والمؤتمرات التي تخلق بيئة علمية وحوارية بين الثقافات والحضارات والأديان، والتي تصب في خدمة طلبة الدراسات العليا لكي يساهموا من خلال رسائلهم على تمثيل هذه القيم المشتركة بين الشعوب. وفي هذا الإطار فقد جاء تأسيس "معهد بيت الحكمة" (بهذا المسمى الكبير) ليكون مجالا تنتظم فيها الندوات والحوارات وتتفاعل فيه الآراء والأفكار حول هذه القضايا، وتنتشر فيه الأوراق والأبحاث.
ومع قانون الجامعة الذى صدر في 1997قد أكد كثيرا على روح الارادة الملكية بأن جعل ذلك في صلب أهدافها المتمثل في" توفير الاطار العلمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية وتعزيز قيم الحوار مع أهل الاديان والحضارات الاخرى" , الا ان التوسع الكبير في برامج البكالوريوس على حساب الدراسات العليا، وخاصة على حساب الدكتوراه التي تأخرت برامجها, جعل الطابع التدريسي يطغى على الجانب البحثي. ومن المأمول قريباً أن ينطلق أول برنامج دكتوراه في الدراسات الإسلامية، وهو الذي يمكن أن يحمل رسالة آل البيت ويعبر عنها أفضل تعبير. كما لابد من التنويه الى انه سيعقد في الجامعة خلال خريف 2005 مؤتمر دولي للتقريب بين المذاهب الاسلامية , وهو بدوره يعيد الاعتبار للرسالة التي انطلقت بها الجامعة.

المصدر : جريدة الغد الأردنية تاريخ 22/7/2005

بحث سريع