الأردن …و الخوف من حماس !

بواسطة | طلعت رميح
2006/04/29

لم يصدق أحد ادعاء الحكم في الأردن على حماس بتخزين السلاح أو نقله عبر سوريا أو استطلاع مواقع في الأردن، وأسباب عدم التصديق متعددة منها ما يتعلق بمعرفة الناس بحركة حماس فكراً وأساليب وخبرة، ومنها ما يتعلق برواية الحكم في الأردن ذاتها .
فحماس لم يسجل عليها أنها أثارت أية مشكلات مع أي من دول الجوار أو غيرها والنماذج في ذلك عديدة إذ حماس لها قيادة سياسية في سوريا منذ سنوات ولم يشتك منها احد ،وحتى حتى في اللحظات التي تصاعدت الضغوط على سوريا بسبب هذا الوجود ،قبلت حماس كل الترتيبات التي أجرتها الحكومة في سوريا مقدرة الظرف السوري ومدافعة عنه، وكذا هي موجودة في لبنان وسط كل هذا الخضم من المشكلات والتعقيدات ولم يأت على ذكرها أحد رغم الأهوال والتشابكات الداخلية اللبنانية بصفة عامة والوضع البالغ الحساسية- في المدة الأخيرة – للوجود الفلسطيني خاصة، كما حماس هي الأنشط في غزة ومع ذلك لم يجر بينها وبين السلطات المصرية أية احتكاكات.وأيضاً لأن المعروف أن ما ميز رؤية حماس الاستراتيجية وجوهر حركتها ليس فقط أنها حركة شديدة الانضباط في قراراتها وتحركاتها، بل أيضا أنها الحركة التي "ولدت في فلسطين" والتي أضافت للنضال الفلسطيني تحولاً استراتيجياً في مساره من الداخل إلى الداخل وفي الداخل بعد مرحلة طويلة كان النضال الفلسطيني يجرى فيها من الخارج إلى الداخل،كما ليس منطقياً في ذلك أن تتحول حماس من الداخل إلى الخارج وهي الآن في السلطة وتعرف مدى الحساسيات التي ولدها وصولها للسلطة لبعض أطراف الحكم في الدول العربية .وكذا لأن حماس في هذا الوضع بالذات، وتحديداً هي في أمس الحاجة إلى علاقات طيبة بشكل خاص مع كل من مصر والأردن ، بسبب المعابر التي هي المتنفس الوحيد أمامها و بسبب الحصار السياسي الدولي التي لا يمكن لها الفكاك منه حتى على المستوى اللوجيستيكي إلا من خلال الأردن ومصر وهي في ذلك تدرك جوهر التجربة العراقية في الحصار ومضمونها أن الحدود العربية والإسلامية هي من حاصر العراق لا غيرها ومن ثم لا يمكن لها أن تتسبب أو أن تعطى مبررات لمن يحاصرها .

لم يصدق أحد ادعاء الحكم فى الأردن على حماس بتخزين السلاح أو نقله عبر سوريا أو استطلاع مواقع فى الأردن .وأسباب عدم التصديق متعددة منها ما يتعلق بمعرفة الناس بحركة حماس فكرا واساليبا وخبرة ومنها ما يتعلق برواية الحكم فى الأردن ذاتها

أما ما يتعلق بالرواية الأردنية فهو كثير أيضاً ،إذ إن الرواية صدرت عن مصدر مجهول بلا صفة محددة بما يشير إلى ضعفها بداية وعدم تحمل أحد مسؤولية الإعلان عنها، وكذا لأن الرواية حملت أنباء لا تصدق من ناحية المنطق والعقل، حيث أشارت إلى أن حماس رصدت أهدافا في الأردن بينما حماس لم يعرف عنها أبدا أن قامت بأية عمليات خارج الحدود الفلسطينية ،كما هي في واقع الحال في مواجهة العدو مباشرة على الأرض الفلسطينية، وليست في حاجة إلى البحث في الأردن عن مواقع له لمهاجمتها بينما مجاهدوها يخترقون تل أبيب وكل مدينة أخرى في داخل الأرض المحتلة عام 48، إذ هم أرادوا أو قرروا.
الرواية إذن لا تصدق لأنها ادعاء على حماس التي خبرها الناس جميعا بما ليس فيها أو لان تفاصيل ما أعلن متهافت .ولذا فان السؤال الأهم في هذا الادعاء من الحكم في الأردن هو ،لماذا سعى إلى افتعال أزمة مع حماس بهذه الصورة الحادة ..والحادة للغاية؟
أزمة الأردن ..لا حماس !


واقع الحال أن الأردن في حالة مأزومة بفعل وصول حماس السلطة في هذا التوقيت من تطورات الصراع العربي الصهيوني .لقد سبق للأردن من قبل أن عصف بوجود حماس وطرد قادتها من أراضيه بطريقة لم يستوعب الناس حدتها –وان كانت اقل من الحالة الحالية-لكن ذلك جرى لحسابات تتعلق بان الأردن تصور أن حركة حماس ستصبح ورقة في يده في الصراع مع إسرائيل أو عرفات، فلما أدرك الأردن أن للحركة استراتيجية لا يمكن تطويعها قام بطرد قادتها . لكن الأسباب الكامنة الآن تظل أهم وأعمق من كل المؤشرات السابقة في العلاقة بين حماس والأردن .فالأردن يخاف من صعود حماس في فلسطين لنفس السبب الذي دفعه من قبل للخوف من حركة فتح والدخول في صدام عسكري معها خلال عام 1970 فيما سمي وقتها بمذابح أيلول الأسود ،إلا وهو أن الأردن دولة ينحدر ما يزيد على 60 % من سكانها من أصول فلسطينية ومن ثم هو يخشى من حكومة قوية في فلسطين تنجح في تفعيل القوة الخامدة في الأردن.لكن ما يزيد خوف الأردن من حماس أكثر من فتح عاملان آخران الآن .أولهما، يرتبط بقوة نشاط الحركة الإسلامية في الأردن بما يجعل الحكم في الأردن يخشى من تصاعد المد الإسلامي نتيجة وبالارتباط مع حدث في الأرض المحتلة ،كما هو يخشى من حالة تنسيق سياسي بين حماس والفصائل الإسلامية في الأردن على صعيد المواجهة مع العدو الصهيوني وبطبيعة الحال هو يخشى من أن مجرد وجود أي قيادة من حماس على الأرض الأردنية يمكن أن يمثل عامل إلهاب لمشاعر الأردنيين وبما يوفر فرصة لحضور القضية الفلسطينية على الأرض الأردنية وثانيهما ،أن الأردن يدرك جيدا أن الصراع الجاري حالياً على الأرض الفلسطينية هو صراع مباشر حول القدس والضفة الغربية،إذ إن الصراع الدائر حتى في غزة الآن لم يعد حول غزة وإنما حول الضفة المحاذية للحدود الأردنية مباشرة ،بما يجعل الأردن في حالة استنفاد وقلق من امتداد شرارات الصراع إلى أراضيه فإذا أضفنا إلى ذلك أن تصريحات صهيونية تحدثت عن أن الملك عبدالله قد يكون آخر ملوك الأسرة الهاشمية بما يعنى احتمال تنفيذ الخطة الصهيونية بجعل الأردن وطن بديل للفلسطينيين –وهو ما أحدث توترا شديدا في علاقات الأردن مع الكيان الصهيوني –أدركنا أن الأردن في إثارته للازمة مع حماس بهذه الطريقة المفتعلة في الموقف والإجراءات إنما يعود لأسباب لم تذكرها اللعبة الإعلامية وأنها لأسباب أبعد من قصة زيارة الدكتور محمود الزهار (وزير الخارجية الفلسطيني) ومن لعبة الأسلحة أو رصد المواقع وأننا أمام تطور سيظل مسيطراً على مسيرة العلاقات بين حماس والأردن لمدة طويلة مقبلة .


إعادة إنتاج الأزمة
في ضوء طبيعة أزمة الأردن واندفاعها لإحداث أزمة مع حماس فإن السؤال الجوهري هو:هل تنجر حماس إلى مشكلة مع الأردن شبيهة بأزمة فتح مع الأردن وفق ثنائية(الملك حسين-عرفات وعبدالله –هنية) أم أن الأوضاع الراهنة لا يمكن لها أن تعيد إنتاج الأزمة القديمة.وأهمية هذا السؤال من انه يكشف حدود الأزمة الراهنة واحتمالات تداعياتها أيضا .
وواقع الحال أن الأوضاع مختلفة بما لا يسمح للأردن بإعادة إنتاج نفس الأزمة ،حيث الظروف الراهنة في الأردن تدفع باتجاه أزمة داخلية-داخلية ،أكثر مما تدفع باتجاه أزمة بين القيادة الفلسطينية والحكومة الأردنية .في أثناء أزمة أيلول الأسود كانت قوات حركة فتح وفدائييها بل والقيادة الفلسطينية ذاتها موجودة على الأرض في الأردن بما كان يثير الاحتكاكات ويجسد في عقول الرأي العام المقولة التي رددتها أجهزة الإعلام تمهيدا للصدام "يريدون إقامة دولة داخل الدولة" ،وهو ما أتاح للملك حسين رفع شعارات تمكن من خلالها من حشد الرأي العام الأردني خلف الحكم في المواجهة .لكن الظروف الراهنة ليس فيها ما هو شبيه للماضي ،حيث حماس لا قوة لها على الأرض الأردنية كما لا توجد احتكاكات بين قوات حماس وقيادتها مع جهاز السلطة الأردنية، بما لا يسمح بإعادة إنتاج الأزمة في صورتها القديمة .


لكن الأوضاع الحالية بدورها يمكن أن تنتج أزمة في صورة جديدة،إذ الفعل الأردني ضد حماس جاء كضربة وقائية لمصلحة استقرار الحكم أو كمحاولة لرسم حدود للعلاقة الفلسطينية –الأردنية في ظل قيادة حماس ،لإجهاض تطلعات الحركة الإسلامية في داخل الأردن لتكرار تجربة حماس أو للالتقاء بحماس من فوق الأرض الأردنية ،وهذا هو جوهر الخطأ الذي ارتكبته القيادة الأردنية ،إذ الخطوة التي جاءت بلا مصداقية ستفتح صراعا داخليا بقوة لإدانة الموقف الرسمي الأردني .
غير أن اللحظة الراهنة للصراع حول فلسطين ،التي تمثل فيها قضية القدس والضفة المحور الرئيس الآن تطرح ملمحا آخر للسلوك الرسمي الأردني باعتبار أن الأردن يخشى تطور الأحداث في هذه المعركة باتجاه ،وهذا هو الأهم فيما أظهرته "اللعبة" الأردنية ضد حماس .
معركة القدس والضفة
الأهم هو أن "اللعبة "الأردنية جاءت استباقا أو ضربة استباقية لتوسع معركة الضفة والقدس حتى لا تطال تلك المعركة الأراضي الأردنية ،أو هي جاءت تعبيراً عن تخوفات أردنية من أن يمتد الصراع من الضفة إلى الأردن ،.من ناحية فالأردن ينظر بقلق جم إلى تصرفات الطرف الصهيوني الذي بات يرسل مؤشرات تحضه على هذا القلق أيضاً ،حيث الإشارة التي سبق الإشارة إليها تظهر أن الصهاينة يخططون إلى عملية ترانسفير(تهجير) للفلسطينيين في الضفة باتجاه الأردن، وهو أمر يمكن أن يجرى وفق حالة ديموجرافية ترتبط بإغلاق خط التوسع السكاني الفلسطيني في ارض فلسطين (بوجود السور واقتطاع أراضى فلسطينية من الضفة وضمها للأرض المحتلة عام 48 وتحديد الحدود الصهيونية) ووفق عملية مخططة يمكن أن تجرى مع احتمالات انهيار السلطة الفلسطينية وحدوث حالات من الفوضى .


ومن ناحية أخرى هو يخشى أن أي ارتباك سكاني وأي انهيار للسلطة يمكن أن ينقل المعركة ضد إسرائيل من الأردن، سواء من عناصر داخل الأردن أو من قوى المقاومة الفلسطينية التي قد تجد نفسها مضطرة تحت الضغط الصهيوني والملاحقة في الضفة وإزاء تعقيدات الصراع حول القدس أن تستخدم الأراضي الفلسطينية.
ومن ناحية ثالثة ،فإن الأردن يشعر بأشد القلق من أن "صمت" الجبهة اللبنانية وانتقال الأوضاع في العراق يمكن أن يؤدي في حال انسحاب الولايات المتحدة من العراق –مهزومة- إلى نقل المقاومة الإسلامية المعركة باتجاه الكيان الصهيوني وعبر الأردن وليس غيره.

بحث سريع