“التفزيع” من الشيعة.. المنافع والأخطار!

بواسطة | محمد جمال عرفة
2006/04/29

لم تكن التحذيرات الأخيرة التي أطلقها (الرئيس المصري) حسني مبارك بشأن التأثير الإيراني على رافضة العراق والخليج ، وولاء الرافضة "لإيران وليس لدولهم" ، هي أول – ولن تكون آخر – تحذير عربي بشأن ما أصبح يسمي "الخطر الرافضي" ، إذ سبق أن حذر (الرئيس العراقي الأسبق) صدام حسين من هذا "الخطر" ولكنه ركز على تسميته "فارسي" ، كي لا يثير حفيظة رافضة العراق حينئذ .
أيضاً سبق لـ(ملك الأردن) عبد الله الثاني في ديسمبر 2004 التحذير من "هلال رافضي" : "إذا ما أفلحت الأحزاب أو السياسيون المؤيدون لإيران في الهيمنة على الحكومة العراقية الجديدة " ، قائلاً:" إن هلالاً من الحركات أو الحكومات الرافضية يمكن أن تمتد من إيران إلى العراق وسورية ولبنان وتغير التوازن التقليدي للسلطة بين الطائفتين الإسلاميتين الرئيسيتن وتطرح تحديات جديدة أمام مصالح الولايات المتحدة وحلفائها " ! .
وعلى الرغم من خطورة "استراتيجية التفزيع" هذه التي يطلقها زعماء عرب ، فربما تكون هذه الدعوات التي تحذر من الخطر الشيعي – على خطورتها – ذات فائدة ضمنية من حيث إنها تفتح – بصورة علنية لأول مرة – باب المناقشة حول مطالبة الرافضة في بعض البلدان العربية بدور سياسي أكبر ، أو قضية الخلاف الرافضي السني المذهبي ومساحات الاتفاق والخلاف ، أو حقيقة المخاوف من حرب أهلية رافضية سنية في العراق أو دول أخرى مجاورة يوجد فيها الطرفان .

وربما كان الرئيس مبارك، عندما تحدث عن هذه المخاوف بشأن ولاء شيعة الخليج لإيران لا حكوماتهم، يردد في الحقيقة مخاوف خليجية فعلية قد يكون سمعها بشكل مباشر من قادة دول الخليج في جولته الخليجية الأخيرة

بعبارة أخرى ، ربما تفتح هذه التحذيرات الباب واسعا أمام رؤية جانبي الكوب الفارغ والممتلئ ، وتسمح بمناقشة استراتيجية حقيقية تكشف المستفيد الحقيقي من وراء تصعيد هذا الخلاف السني الرافضي، وفي الوقت نفسه تسمح بمناقشة عقلانية لمطالب بعض رافضة الدول العربية الذين همشوا أوقات طويلة خشية "الخطر الثوري الإيراني" ولم تكن لهم مطالب قبل هذه الثورة ، والأهم تبريد مساحات الاشتعال الخلافية بين الطرفين التي تسعى أطراف خارجية لإذكاء النار فيها !
إيجابيات ومنافع غير ظاهرة
فلم يعد سراً أن هناك (مخاطر) من استمرار استراتيجية التفزيع هذه من الخطر الرافضي؛ لأنها – وإن كان لها أصل من القلق على الجانب العربي الخليجي خصوصاً – فهي تصب في صالح الولايات المتحدة بشكل أكبر ، وبالمقابل ليس من قبيل المبالغة القول: إن هناك (فوائد) لهذه الاستراتيجية ربما تتمثل في فتح باب المناقشة علنا لأول مرة – عربياً ورسمياً – حول قضية الشيعة ومخاوف الحرب الأهلية الفعلية التي بدأت إرهاصاتها في العراق ، والتي يمكن أن ينتقل هشيمها إلى الخليج ودول أخرى ، وبالتالي البعد عن دفن الرؤوس في الرمال ومواجهة هذا الخطر قبل استفحاله .

والأهم من هذا كله إدراك حجم خطر تصعيد هذه المخاوف ، والمستفيد الحقيقي منها من القوى الأجنبية الخارجية صاحبة المصلحة في تعظيم هذه المخاطر وتصعيدها .
من هنا يمكن النظر إلى (فوائد أو إيجابيات) في حوار الرئيس مبارك لقناة "العربية" (رغم حذف تحذيرات مبارك بشأن الرافضة في الصحف المصرية لاحقاً وتخفيف مبارك من وقعها) من زاوية أنها – بصدورها عن أكبر رئيس دولة عربية – تبدو أشبه بـ "صرخة تنبيه" حول قضية الحرب الأهلية في العراق (مبارك قال: "إن هناك حرباً أهلية تقريباً بدأت" ) أو بعض مطالب الرافضة المسكوت عنها في دول عربية ، أو أشبه بإلقاء حجر كبير في بركة عربية راكدة اعتادت إخفاء أو التخفيف من خطر الكارثة حتى تقع!.
فالمشكلة أنه أصبح للسنة في الدول العربية وخصوصاً دول الخليج مخاوف حقيقية من مطامح شيعية تقف وراءها إيران بنفوذها الإقليمي المتصاعد وقوتها العسكرية المتطورة وإمكانياتها النووية التي قد تتطور مستقبلاً لصنع سلاح نووي ، ويزيد من هذه المخاوف عدم وجود حوار حقيقي بين السنة والشيعة وتصورات سنية أن "كل الرافضة" خطر ، وتصورات رافضية أن "كل السنة" يعادونهم وطرف خارجي يغذي هذه المشاعر لدى الطرفين !

أما أكبر مخاطر استراتيجية التفزيع هذه فتتمثل في وقوف الغرب وراءها وتزكيتها بهدف حشد الدعم العربي ضد إيران

وربما كان الرئيس مبارك ، وقبله مسؤولون عرب عديدون ، عندما تحدث عن هذه المخاوف بشأن ولاء رافضة الخليج لإيران لا حكوماتهم ، يردد في الحقيقة مخاوف خليجية فعلية قد يكون سمعها بشكل مباشر من قادة دول الخليج في جولته الخليجية الأخيرة ، ولكن الأهم هو الاستفادة من فتح هذا الملف – الذي يخشى الكثيرون الاقتراب منه في العالم العربي ومنطقة الخليج خوفاً وقلقاً من تبعاته الأمنية في هذا الوقت بالذات- في تصفية البؤر الصديدية فيه وإزالة أوجه القلق ، وتوجيه المخاوف المشتركة نحو العدو الخارجي الحقيقي (الغرب) الذي يستهدف الوقيعة بين الطرفين لتحقيق مصالحه الإقليمية !
مخاطر التفزيع !
أما على الجانب الأخر ، وهو مخاطر هذا التفزيع المستمر من "الخطر الرافضي" ، فهي عديدة، ويمكن أن نرصد منها ما يلي :
1- استراتيجية "التفزيع" تصب في صالح أمريكا في نهاية المطاف؛ لأنها تدفع دول الخليج، خصوصاً للبقاء في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية والغرب خشية الخطر الإيراني وبقاء قوات أجنبية هناك ، خاصة بعدما نجحت إيران في تخصيب اليورانيوم ، وفي ضوء تحذيرات القمة الخليجية الأخيرة من الخطر النووي الإيراني .

2- تشجع "كل الشيعة" على الارتماء في أحضان إيران بصورة أكبر – كقوة إقليمية شيعية – رغم اختلاف المرجعيات الشيعية العربية (العراق ولبنان) عن المرجعيات الشيعية الإيرانية ، وترجح أصوات المتشددين من الرافضة على أصوات المعتدلين الذين يرفضون التصنيف الطائفي، خصوصاً أن هناك دور تلعبه إيران بالفعل في العراق معروف ومرصود وأحزاب رافضية تعد ولاءها الفعلي هو لإيران .
3- هذا "التفزيع" يشجع المتشددين من الشيعة العرب على المطالبة بدور أكبر للشيعة في الحياة السياسية لم يطالبوا به من قبل (لشعورهم سابقاً بالمواطنة التي تتغلب على الانتماءات الدينية ) ، طالما أنهم يشعرون – بفعل هذا "التفزيع" بأنهم منبوذون وينظر لهم باعتبارهم "طابوراً خامساً" في الدول التي يقيمون فيها ! .
4- التفزيع معناه "تجذير" الخلافات ، وإنهاء كل "المكاسب السياسية" التي تحققت من لقاءات التقريب السياسي بين الشيعة والسنة ، ودخول الأئمة السنة والمرجعيات الشيعية في تراشق بالاتهامات قد ينعكس خطرا طائفيا وحربا أهلية ليس في العراق وحده ولكن في دول عربية أخرى ، وحتى إيران نفسها التي يوجد بها أقلية سنية في منطقة "الأهواز" .

5- تحول العلاقة بين السنة والشيعة إلى علاقة تحفز وتوجس وعدم ثقة وحرب أهلية في بعض مناطق التماس الساخنة كالعراق ، بما يحقق أهداف أعداء الإسلام في فتنة بين المسلمين تكسر شوكتهم التي بدأ الغرب يحذر منها خصوصا بعد 11 سبتمبر .
6- "التفزيع" يدفع الشيعة لتنبي خيارات أكثر تشدداً خاصة في ظل تنامي تيار رافضي يعد ما يقوم به بعض أنصار الزرقاوي أو "المجاهدين العرب" في العراق من قتل لأعوان الاحتلال هو استهداف للرافضة من قبل السنة ،يجب الرد عليه باستهداف السنة ، خصوصا أنه حدثت تجاوزات غامضة ومجهولة المصدر من قبل جهات تريد إشعال الفتنة ضد رافضة أبرياء ، وقد حدث استهداف للسنة بالفعل مؤخراً ليس في العراق فقط (40 ألف سني عربي قتلوا في عهد حكومة الجعفري وفق هيئة علماء المسلمين) ، ولكن في باكستان أيضاً .
أما أكبر مخاطر إستراتيجية التفزيع هذه – ذات الجذور الغربية – فتتمثل في وقوف الغرب وراءها وتزكيتها بهدف حشد الدعم العربي ضد إيران ، كي يحارب العالم العربي معركة تصفية القوة الإيرانية بدل الغرب ، تماما كما حدث في حرب الخليج الأولى عندما تم دفع نظام (الرئيس العراقي السابق) صدام حسين لحرب "القادسية" لضرب نظام الخميني ، والتي خرجت منها إيران والعراق منهكتان تماما لصالح "إسرائيل" !.

وهذه ليست تكهنات ، فقد سعت (وزيرة الخارجية الأمريكية) كوندوليزا رايس خلال جولتها الأخيرة في المنطقة العربية (فبراير 2006) لحشد الدعم العربي لحصار ، ومن ثم ضرب إيران ، وجاءت جولتها في مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة، لتؤكد أن الهدف هو السعي لحشد الضغوط على الدول العربية المؤثرة لمساندة خطط أمريكية لحصار إيران .
حيث تسعى واشنطن لتحقيق هدف أعلنته رايس بوضوح في جلسات استماع الكونجرس التي عقدت أوائل فبراير 2006، يدور حول إشراك الدول العربية في حملة الضغط والتصعيد ضد البرنامج النووي الإيراني باعتبار أنها (دول الجوار) يقلقها هذا البرنامج ويؤثر عليها وعلى أمنها، وقالت بوضوح حينئذ: إن حصار إيران عبر الدول العربية هو الحل ، وطبيعي أن هذا الحل لن ينجح بدون رفع مستوى "التفزيع" لدى الحكومات من الخطر الإيراني ، وهو ما انعكس على تصريحات قادة بعض هذه الدول العربية لاحقاً !
تصريحات الرئيس مبارك ومن قبله قادة عرب آخرين عن التخوف من حرب أهلية بين الرافضة والسنة لها بالتالي منافع ومخاطر ، ولكنها في التحليل الأخير قد تكون "ضرة نافعة" إذا ما تم التعامل معها على أنها مقدمة لمناقشات جدية حول الأزمة الرافضية السنية بلا حساسيات وبقدر من المصارحة

بحث سريع