حقوق أهل البيت بين السنة والبدعة

بواسطة | شيخ الاسلام ابن تيمية
2006/04/29

هذه رسالة نادرة لشيخ الإسلام ابن تيمية، قام بنشرها الشيخ أبو تراب الظاهري رحمه الله، وكذلك الأستاذ عبد القادر عطا، وقد نشرها أيضا الشيخ بكر أبو زيد في كتابه جامع الرسائل المنثورة الجزء3 /ص 69-115.
يتلخص محتوى الرسالة كما يقول أبو تراب الظاهري في مقدمته في بيان مذهب السلف في شعبة من شعب الإيمان التي تتعلق بأعمال القلب وهي حب أهل بيت النبوة، كما دل عليه القرآن والحديث.

يبدأ ابن تيمية رسالته ببيان أصل كبير، ألا وهو اجتماع المسلمين ووحدتهم، فيورد الآيات والأحاديث التي تحث المسلمين على أن يكونوا شيعة واحدة، لا شيعاً متفرقين، ثم يبين أصول الإسلام التي هي الكتاب والحكمة(السنة)، والاعتصام بحبل الله جميعاً (واجب) على أهل الإيمان للاستمساك بها.

من هم أهل البيت

من هم أهل البيت؟ وما هي خصائصهم؟ هذه مسألة اشتد الخلاف حولها قديماً وحديثاً، وهي من القضايا الشائكة التي يكثُر الجدل بشأنها بين السنة والشيعة، وابن تيمية يقدم هنا تصور أهل السنة وفق الأدلة القرآنية والحديثية بحسب الثابت عندهم وفي مصادرهم، يورد قوله تعالى: (يا آيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً).

وقد روى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن أم سلمة: أن هذه الآية لما نزلت أدار النبي صلى الله عليه وسلم كساءه على علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم فقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً"، يقول ابن تيمية: وسنته تفسر كتاب الله وتبينه، وتدل عليه، وتعبر عنه، فلما قال: "هؤلاء أهل بيتي" مع أن سياق القرآن يدل على أن الخطاب مع أزواجه، علمنا أن أزواجه وإن كن من أهل بيته كما دل عليه القرآن، فهؤلاء أحق بأن يكونوا أهل بيته، لأن صلة النسب أقوى من صلة الصهر، والعرب تطلق هذا البيان للاختصاص بأصل الحكم.

وثبت في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه بغدير يدعى (خُم) بين مكة والمدينة، فقال:"وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي"، قيل لزيد بن أرقم: ومن أهل بيته؟ قال: الذين حرموا الصدقة: آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل عباس، قيل لزيد: كل هؤلاء أهل بيته؟ قال: نعم.

من خصائص أهل البيت أن الصدقة لا تحل لهم: جاء في الحديث أن الحسن لما تناول تمرة من تمر الصدقة، قال له: (كخ، كخ، أما علمت أنا آل البيت لا تحل لنا الصدقة)، وقال: (إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد)، يبين ابن تيمية ما يراه من حكمة في ذلك فيقول:"هذا والله أعلم من التطهير الذي شرعه الله لهم، فإن الصدقة أوساخ الناس، فطهرهم الله من الأوساخ، وعوضهم بما يقيتهم من خمس الغنائم، ومن الفيء الذي جعل منه رزق محمد حيث قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد وغيره: "بعثت بالسيف بين يدي الساعة، حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فيهم منهم".

غاية ابن تيمية

يؤصل ابن تيمية لأصل هام وكبير ألا وهو التعامل مع أخطاء الصحابة رضي الله عنهم بإنصاف وعدل، واستصحاب ما لهم من فضل الصحبة، وفضل السابقة وحضور المشاهد العظيمة، ويركز الحديث على موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في ذلك حتى يكون قدوة ونموذجاً لمن يتشيعون له، فيورد قصة حاطب بن أبي بلتعة حينما كاتب كفار مكة، وأخبرهم بأن رسول الله سيغزوهم غزوة الفتح، وبعث إليهم امرأة معها كتاب يخبرهم بذلك، فجاء الوحي إلى النبي بذلك فبعث علياً والزبير فأحضروا الكتاب…

يفرق ابن تيمية في دقة متناهية بين موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في حربه للخوارج (أهل حروراء)، وقتاله لهم، وبين قتاله لأهل الجمل وصفين، فأمير المؤمنين علي بن أبي طالب سُر بقتل الأولين سروراً شديداً وسجد لله شكراً، لما ظهر فيهم علامتهم وهو المخدج اليد، الذي على يديه مثل البضعة من اللحم، عليها شعرات، بخلاف ما جرى في وقعة الجمل وصفين فإن أمير المؤمنين كان متوجعاً لذلك القتال، متشكياً مما جرى، يتراجع هو وابنه القول فيه، ويذكر له الحسن أن رأيه ألا يفعله.

كذلك فإن علياً رضي الله عنه صلى على قتلى الجمل وصفين وسماهم إخواننا، أما قتلى حروراء فلم يصل عليهم، بل قيل له: من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا؟ قال: هم أهل حروراء.

يشير ابن تيمية إلى منهج أهل العلم والعدل المتمثل في إنزال أهل البيت المنزلة اللائقة بهم، بعيداً عما أحدثه كثير من المتأخرين من أنواع المقالات التي تخالف ما كان عليه أولئك السلف وهؤلاء المتأخرون، ممن ينتصب لعداوة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبخسهم حقوقهم، ويؤذيهم أو مع من يغلو فيهم غير الحق، ويفتري عليهم الكذب، ويبخس السابقين والطائعين حقوقهم.

بدع الشيعة

يتناول ابن تيمية بعض البدع التي أحدثها المتشيعون لآل البيت، فيذكر من ذلك ما يفعلونه يوم عاشوراء وهو اليوم الذي أكرم الله فيه سبط نبيه، وأحد سيدي شباب أهل الجنة بالشهادة على أيدي من قتله من الفجرة الأشقياء، وكان ذلك مصيبة من أعظم المصائب الواقعة في الإسلام، ويستنكر ابن تيمية اتخاذ المآتم في المصائب، واتخاذ أوقاتها مآتم, ويرى أن ذلك ليس من دين الإسلام، وهو أمر لم يفعله رسول الله صلى عليه وسلم، ولا أحد من السابقين الأولين، ولا من التابعين لهم بإحسان ولا من عادة أهل البيت ولا غيرهم، وقد شهد مقتل علي أهل بيته، وشهد مقتل الحسين من شهده من أهل بيته، وقد مرت على ذلك سنون كثيرة، وهم متمسكون بسنة رسول الله، لا يحدثون مأتماً ولا نياحة، بل يصبرون ويسترجعون كما أمر الله ورسوله، ويفعلون ما لا بأس به من الحزن والبكاء عند قرب المصيبة.

كما يستغرب ابن تيمية قضية الإيمان بغياب الحسن بن علي العسكري سنة مائتين وستين، وإنه من ذلك الوقت حجة الله على أهل الأرض، ولا يتم الإيمان إلا به وإنه هو المهدي الذي أخبر به النبي.

يقول ابن تيمية وهذا موضع ينبغي للمسلم أن يتثبت فيه، ويستهدي الله ويستعينه، لأن الله قد حرم القول بغير علم، وذكر أن ذلك من خطوات الشيطان، وحرم القول المخالف للحق، ونصوص التنزيل شاهدة بذلك، ونهى عن اتباع الهوى.

ويقرر ابن تيمية أن من كان ابن سنتين كان في حكم الكتاب والسنة مستحقاً أن يحجر عليه في بدنه، ويحجر عليه في ماله، حتى يبلغ ويأنس من الرشد، وقد قال الله تعالى: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم) ويلقي ابن تيمية السؤال الإشكالي الكبير: فمن لم تفوض الشريعة إليه أمر نفسه كيف تفوض إليه أمر الأمة؟.

ويتساءل قائلاً: كيف يجوز أن يكون إماماً على الأمة من لا يرى ولا يسمع له خبر؟ مع أن الله لا يكلف العباد بطاعة من لا يقدرون على الوصول إليه، وله أربعمائة وأربعون سنة (زمان ابن تيمية) ينتظره من ينتظره ولم يخرج، إذ لا وجود له، وكيف لم يظهر لخواصه وأصحابه المأمونين عليه كما ظهر آباؤه؟ وما الموجب لهذا الاختفاء الشديد دون غيره من الآباء؟ وما زال العقلاء قديماً وحديثاً يضحكون بمن يثبت هذا، ويعلق دينه به، حتى جعل الزنادقة هذا وأمثاله طريقاً إلى القدح في الملة، وتسفيه عقول أهل الدين إذا كانوا يعتقدون مثل هذا.



إعداد و عرض  : بسام ناصر


{moscomment}


{moscomment}


{moscomment}

بحث سريع