إيران تهدد عرب العراق وتهدد المنطقة .. لينتبه أولي الأمر

بواسطة | الدكتور عبدالله يوسف الجبوري
2006/05/06
من يقرا التاريخ يجد حقائق ثابتة لا تتغير مهما جاء حكام أقوياء وكتبوا التاريخ بالشكل الذي يريدونه ، ولا يمكن لقوي ان يكتب كل دقائق الأمور مهما عظم شانه في عصر من العصور ربما الآخرين فيه ضعفاء ، وهكذا ربما يسقط القوي ليأتي من بعده من يعيد صياغة الأشكال والحوادث التاريخية بالشكل الذي بالتأكيد يتعارض مع المنهج السياسي والواقعي الذي تركه السابق ليحل محله وفق عقائد ونطريات الذي احتل الموقع من جديد ، وهذا ربما لا يمكن لأحد ان يتنكر له فهناك القوة هي من تكتب التاريخ والأقوياء ربما يحرفون التاريخ دون ان يكون هناك رادع لهم .
القضية التي باتت تحتل إهتمام المراقب من أي مشرب كان هي ان هناك تصفية حسابات إضافة الى ما يمكن ان نتصوره من قضايا تصب في مجرى التفتيت الطائفي للمنطقة الذي تريده إيران وتدعمها بذلك الصهيونية وامريكا ، فهي تحاول ان توظف هذا الجانب لتصفية الصراع الفارسي العربي الذي بني بالأساس على قضيتين :
الأولى : وهي ان هناك صراع عربي فارسي سبق الإسلام بين العرب في الجزيرة وساحل الخليج العربي الغربي والإمبراطورية الفارسية وبقي هذا الصراع حتى مجيء الإسلام .
الثانية : مجيء الإسلام حطم الإسطورة الفارسية في الصراع وغير موازين القوى وكسرى اول من مزق رسالة الدول الإسلامية ولم يعترف بها ، وهذا كان إنذارا بصراع جديد حيث بقي الحقد الفارسي بشكل مركب .
من هنا لا يمكن ان نتخيل ان إيران ومن خلال تبنيها للعقيدة المتعلقة بالتشيع لا تريد سوى تحويل كل المفاهيم التي تجعل من عدائها للعروبة عداء تاريخيا ، والعداء الديني للإسلام ، طريقا لنقل المعركة بشكل دائم ومستمر الى جوهر هاتين القضيتين .
فالفرس يختلفون عن الروم في العداء مع العرب ، لأن الروم وبعد مجيء الإسلام كان هناك واقع هو ان المسيحيين العرب لم يتعارض معتقدهم بشكل جوهري مع العقيدة الإسلامية الجديدة ، وان هناك عروبة للمسيحيين أيضا فظل الإرتباط العرقي بين الطرفين مستمرا ولم تظهر خلافات مبنية على الحقد بسبب تغير المعتقد ، والسبب يكمن في ان الجوهر الحقيقي لكلا الطرفين هو المنشأ العربي وهو ارتباطهم بتاريخ مشترك طويل .
أما مسيحيو الغرب فقد كان هناك خلاف ربما بسبب الحروب الصليبية وبسبب سيطرة معتقدات العهد القديم على أفكار الغرب المسيحي والذي يدين بالولاء للمعتقدات اليهودية ومن هنا كان المسيحيون العرب لا يشعرون بتلك الروح العدائية الصليبية التي جاءت بعد تلك الحروب التي قادها القادة الأوربيون ضد العرب المسلمين ، ولكن بقيت مشاعر البيئة الإجتماعية والمصير المشترك مسيطرة على الأوضاع الى يومنا هذا ولم يشعر المسيحي يوما انه غير عربي ، بالعكس معظم مفكري الأمة العربية هم من المسيحيين ومعظم هؤلاء بتفكيره لم يتصرف إلا كونه عربيا ، بعكس الفرس لم تشأ الظروف ولم تستطع القوة العقائدية للإسلام ان تغير من حقيقة عدائهم للعرب ومن ثم عداءهم للإسلام .
إذن الصفوية ورموز ساسان بقيت تتابع المنهج الفارسي المجوسي ضد العروبة لأن الصراعات القبلية والعرقية التي سادت المنطقة تأسست على نوع من العداء القيمي فالفرس لا يمكن يقبلو بقيم العروبة مثل الشهامة والكرم وحماية الجار ورد الظلم عن الغير ، في حين ان هذه بالحقيقة هي قيم عربية قبل الإسلام وما كان من الإسلام إلا أكد عليها بل أعتبرها قيم إسلامية وبقيت بل تنامت اكثر في المجتمع العربي .
هذا الصراع القيمي امتد لأن نار المجوس أطفأها الإسلام وتدمير أيوان كسرى بقيت هذه عوامل ترافق الحقد الفارسي ، لذلك نجد ان الفرس لم يستقبلوا العراقيين الذين هجرهم النظام السابق استقبال يليق بهم كونهم اعتدي عليهم من جهة ، فالفارسي ليس لديه قيم وشيم مثل العرب ، كما انه رفض ولا زال ويشهد الجميع ، رفض ان يتعامل معهم على انهم إيرانيون مهما طال بهم الزمن هناك ، وبقيت اوضاعهم المعيشية والتربوية والقيمية لا تصل الى مستوى الإيراني الحقيقي .
هذه الحقيقة نسوقها لأخوتنا الشيعة العرب الذين لا يمكن ان يعترض احد على هويتهم الدينية ورغبتهم في ممارسة ما يرونه مناسبا لهم ، ولكننا نقول لهم ان إيران لم ولن تكون بديلا لهم في العلاقة العرقية عن علاقتهم بعروبتهم او علاقتهم بوطنيتهم والكل يعرف ويشهد أن الشيعة العرب متمسكون بوحدتهم الوطنية ومتمسكون بعروبتهم لكن هناك من اندس بينهم وسيطر على اوضاعهم الدينية والأجتماعية وطرح نفسه ممثلا لهم ومن خلال ذلك طرحهم كتابعين لإيران رغم أنه يدرك تمام الإدراك ان عرب العراق بسنتهم وشيعتهم متمسكون بالقيم العربية التي تحاول المنظومة الساسانية ان تحول لهم أتجاهاتهم وتمسخ ارتباطهم القومي والديني ، فآل البيت هم عرب ومن الجزيرة قبل ان يكونوا في العراق وحبهم فرض ديني وسنة اوصى بها الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم .
ولأن العروبة وكما قلنا لها تاريخ طويل من الصراع من اجل قيمها مع الفرس والساسانيين وعبر كل العصور ، فانه أيضا هناك صراع خلقته إيران وارادت من ورائه إعتبار مظلومية آل البيت تصب في مصالحها لكي تضرب الإسلام بأعتماد منهج مظلومية الشيعة او مظلومية آل البيت وهنا وظفت الحوزة لذلك وهي طريقة غاية في الدقة لولوج ما يختلج في النفس المسلمة من خشوع وتضرع الى الله ان يجعل من آل البيت نموذجا انسانيا ودينيا يكون فيه العرب اول وقبل غيرهم يشعرون به والمسلمين كافة ، لكن لا يمكن ان نجعل من إيران وصية على آل البيت وشيعة العرب يبعدون عن حقيقة إنتمائهم لآل هذا البيت العظيم هم والسنة وكل مسلم مهما إختلف مذهبه او دينه ، فهناك المسيحية تجد في آل البيت نموذجا للتضحية والصابئة كذلك ترى ما يراه كل عربي في آل البيت انهم يمثلون النموذج الإنساني والخلقي في التضحية الكبرى .
إننا يجب ان ننبه الى خطورة شعور أن تيارا من الشيعة يربط انتمائهم العقائدي بحيث يكونون أقرب الى الصفوية ويتركون إنتماءهم العرقي والديني الحقيقي وهم يدركون ان إيران لها مطامع في المنطقة ، كما اننا يجب ان ننبه الحكام العرب والقادة والمفكرين في منطقة الخليج العربي قبل غيرهم الى خطورة تدخل إيران في المنطقة وعلينا كشف مخطط التفتت الطائفي ، لأن إيران تجد نفسها ذات ثقل سكاني طائفي في المنطقة وهي من هنا وبدعم مادي غير معقول تحاول ان تجعل من المذهب الشيعي ميدانا للصراع بين أتباع آل البيت أنفسهم ، فهناك أصبحت لدينا حوزة ناطقة وأخرى صامتة ، وإيران تحاول اليوم ان تجعل من الحوزة منبرا للخلاف الفكري بين العرب اولا وبين المسلمين ثانيا .
لقد آن الأوان ان ننبه مفكري منطقة الخليج العربي الى ان هناك مشروع تقسيم تدعمه إيران بشكل صريح وواضح وهي إن بقيت متنفذة في العراق فسوف تصبح حدود السعودية هي حدود للنفوذ الإيراني في المنطقة وتحاول اليوم ان تفعل مظلومية الشيعة في السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة والكويت بل وتمد جسور خفية مع قوى إيران تحمل الآن الجنسية العراقية التي من خلالها سوف تستوطن في المنطقة بهدف زعزعة الأمن والإستقررا ، وهنا لا بد من التنبيه لخطورة ذلك ، والعمل على أيجاد جبهة فكرية يقودها الشيعة العرب في العراق لكي يتم سحب البسطا من تحت القدم الإيراني وجعل الثقل البشري والمالي في المنطقة للعرب وابعاد ايران منها .
هناك المثقفون العرب في الكويت ولهم صوت متميز ولا بد ان يتحركوا لأن البصرة على شفا حفرة وهي يراد لها ان تتحول الى قاعدة إنطلاق ايرانية باتجاه الخليج العربي ، وهناك قوى قومية متميزة في البحرين وقطر وغيرها وهذه القوى بحاجة الى دعم القوى الإقتصادية لمواجهة الخطر الإيراني ، ونحن لا نريد حربا ولا صراعا طائفيا بل نريد التاكيد على ان الصراع العربي الفارسي لم يمت والدليل ان أيران تسعى الآن للأستيلاء على منطقة المدائن في العراق وتحويلها الى مركز سياحي إيراني مستفيدة من تواطؤ اتباعها في العراق وتريد ان تبني تماثيل ومواقع سياحية لتذكير العالم بانها كانت هنا وتريد من سلمان باك وطاق كسرى معقلا لها تنطلق من خلال تنشيط السياحة الدينية للعراق وتلقي بثقلها الإقتصادي في هذه المنطقة وما الصراع في منطقة المدائن إلا جزء من صراع طائفي عربي فارسي وصراع عرقي عربي فارسي لتصفية حسابات التاريخ .
إيران باتت مستفيدة من الواقع العراقي وإنتماء قياداته السياسية التي لا يهمها أي جانب يخص الشعب بقدر ما تفكر بما تريده هي وما يحقق مصالح إيران وامريكا ، إضافة الى ان هذه القيادات استفادت من تهافت القوى السنية التي انجرفت في التيار الإيراني وفقا لحسابات هزيلة ، مما سوف يضع العراق رهينة خلال السنوات القادمة بيد إيران وسيكون نقطة إنطلاق ضد دول المنطقة ومرتكزا لتحطيم العروبة والإسلام .

{moscomment}

بحث سريع