مواد ميثاق النسابين

بواسطة | الشريف محمد الصمداني
2006/10/26
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله و على آله و صحبه أجمعين ، وبعد :
فإن الناظر في أحوال النسابين خاصة من يشتغل بنسب آل البيت ، يجد تبايناً و اختلافاً كبيراً بين العاملين في هذا المضمار ، و لهذا أسباب كثيرة لعل من أهمها عدم وجود أصول علمية يحتكم إليها عند الاختلاف .
و قد أصبح هذا الحال مدعاة لأن يلتمس أفراد كثيرون أن يغيروا على النسب الشريف ، فيظفروا بموافقة نساب أو توقيع على وثيقة نسبية أو حصول على ورقة خطية من جهة غير مؤتمنة على النسب الشريف ، .. إلخ .
كما أن عدم وجود أصول علمية محررة يحتكم و يرجع إليها عند النزاع ، سبب التقاطع و وسع دائرة الاختلاف ، حتى إنك ترى من قطيعة الرحم و الهجران و التدابر ، و التشنيع على المخالف و البحث عن العثرات و اصطيادها ما تعلم به أن دين كثير من النسابين قد أصابته " الحالقة " ليست حالقة الشعر- أعني – و لكن " حالقة الدين " كما ورد في الحديث النبوي .
و لله كم تلفت من نفوس ، و مرضت من قلوب ، تدابر الاخوان و هم من بيت واحد ، و شمت الأعداء فهم يقفون موقف واحد ، و النتيجة هجران في المجالس و الطرقات و الاتصالات ، حتى اشتغلت نفوس عن عبادة ربها في أفضل الليالي و الأيام ، كرمضان و مواسم الأعياد ، و قد أعرضت قبائل عن قبائل ، و نفوس عن نفوس ، و تولدت عصبيات ، و أثيرت نعرات ، فلا بارك الله في الجهل و أهله …!
من هذا و أمثاله يعلم المرء أن هذا ليس مما يبتغى به وجه الله تعالى ، بل يراد به الرئاسة و العلو في الأرض !
و قياماً بواجب النصيحة و غيرة على النسب المحمدي الشريف ، قمت بنشر هذه المقالة ، و كنت قد كتبتها قبل أكثر من عامين على هيئة جمل علمية و فقرات مرقمة ، كنت ادخرها للتحرير والتهذيب ، و هي كما ترى تحتاج إلى إضافة و شرح و تعليق .
و ليست هذه المواد لتحقيق الاجماع في الأنساب ، فإن هذا متعذر ، ولكن من أجل تقليل دائرة الخلاف ، و حفظاً لسمعة النسب الشريف ، و الله على ما نقول شهيد ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
*********************
مواد ميثاق النسابين
*********************
1- قال الشافعي رضي الله عنه:" قد جمع الله تعالى الناس بالإسلام و نسبهم إليه ، فهو أشرف أنسابهم "[1] .
2- و قال رحمه الله أيضاً :" إنْ خصَّ امرؤ قومه بالمحبة ما لم يحمل على غيرهم ما ليس يحل له ، فهذا صلة ليست بعصبية ، و قلَّ امرؤٌ إلا و فيه محبوب و مكروه ، فالمكروه في محبة الرجل من هو منه ، أن يحمل على غيره ما حرم الله تعالى عليه من البغي و الطعن في النسب و العصبية و البغضة على النسب لا على معصية الله ، و لا على جناية من المبغض على المبغض ، و لكن بقوله : أبغضه ، لأنه من بني فلان ، فهذه العصبية المحضة التي ترد بها الشهادة " [2]!
3- يجب اتباع الدليل الشرعي و ما دل عليه في إثبات الأنساب عند جميع النسابين .
4- قال ابن القيم رحمه الله تعالى :" وجهات ثبوت النسب اربعة : الفراش والاستلحاق والبينة والقافة ، فالثلاثة الاول متفق عليها " .انتهى [3].
5- يجب أن يكون إثبات النسب مستنداً إلى بحث علمي و تقرير موضوعي حول النسب المراد إثباته ، ولا يقبل قول كائن من كان إلا بدليل يوجب المصير إليه .
6- الأنساب ثابتة مستقرة . قال الشافعي رحمه الله تعالى :" الأنساب ثابتة لا تزول ، و الدين شيء يدخلون فيه ، أو يخرجون منه " [4] .
7- قال الفقهاء : " النسب لا يقبل النقل "[5]. و قال ابن بطال :" أجمع العلماء على أنه لا يجوز تحويل النسب … " [6].
8- النسب إذا ثبت لم ينقض بجحود أو تكذيب .
9- قال الأمير الصنعاني :" النسب لا ينتقل بعوض و لا بلا عوض " [7] .
10- أحكام النسب تتبعض .
11- كل نسب لم يصح عليه لعان : فهو ثابت
12- ليس كل من اشتهر نسبه بالشرف أو السيادة شريف أو سيد على وجه الاطلاق .
13- لا يقال فيمن خفي نسبه أنه ليس بشريف أو سيد على وجه الاطلاق .
14- جواز قبول شهادة الاستفاضة يتوقف على أن تكون مقبولة شرعاً لا قدراً و عرفاً . قال الشافعية :" وشرط التسامع : سماعه من جمع يؤمن تواطئهم على الكذب ، ويحصل الظن القوي بصدقهم "[8]. وقال الحافظ ابن حجر :" وشرط قبولها ان يسمعها من جمع يؤمن تواطئهم على الكذب " [9]. و قال السبكي :" ولا يكتفى بمجرد شياع لا يعرف أصله ، …" . و قال ايضاً :" شرط العمل بالاستفاضة أن لا تعارض باستفاضة مثلها ، فإن عورض بطل حكمه .." [10].
15- يجب التفريق بين تصحيح النسب شرعاً وتصحيح عمود النسب ، فالنسب يصح شرعاً و لو لم يثبت عمود النسب فرداً فرداً .
16- اتباع أقوال ثقات النسابين المتقدمين أحد طرق نقل النسب إثباتاً أو نفياً .
17- الكتب النسبية القديمة المطبوعة يجب مقارنتها مع النسخ المخطوطة قدر الامكان .
18- لا يوقع النسابة على أوراق و وثائق الأنساب و الشجرات إلا بمشاورة اثنين عدلين أحدهما شريف و الآخر من غير الأشراف ما أمكن إلى ذلك سبيلاً [11]. و الكلام في هذا يحتاج إلى تحرير و تفصيل .
19- يجب اتباع مصطلحات النسابين و معاني كلامهم القديمة لا المصطلحات الحادثة الجديدة .
20- يجب الحذر من مشتبة النسبة .
21- لا يجوز اتباع المتشابه من أسماء الأجداد والقبائل و التطبيق على المعاصرين بذلك لمجرد التوافق في الأسماء .
22- المحافظة على شجرات النسب الصحيحة سنة ماضية موروثة و مورثة .
23- الأنساب القديمة التي لأهلها ذيول وبقية يرجع في إثباتها أو نفيها إلى كلام المتقدمين الثقات وما قالوه في هذه الأصول ، فعليهم المعول .
24- كل قوم أعرف بنسبهم من غيرهم ما لم تقم قرينة صحيحة على رد كلامهم .
25- لا يجوز الانفراد في الأنساب المعاصرة المستجدة إلا باتفاق من يؤمن معهم التواطء والهوى .
26- ليس كل إثبات أو طعن في نسب ما ، بسبب الموافقة أو المخالفة في المعتقد ، فقد يثبت من يخالف في المعتقد و قد ينفي الموافق في المعتقد !
27- يجب تقديم رعاية النسب الشريف و أصوله من حيث هو ، على المصالح الشخصية و الحزبية و الاقليمية و الطائفية . و قد رأيت في غالب الخلافات الواقعة بين النسابين قديماً و حديثاً ، فرأيتُ أن مبناها ليس من جهة العلم بالنسب بل لأمر كامن في النفوس ، و لله الأمر من قبل و من بعد .
28- في حالة ثبوت الرشوة و لو لمرة واحدة تسقط عدالة النساب ، فإن تاب فعدالته باقية في غير النسب ويجب فضحه و التشهير به بما تتأدى به المصلحة و تندرأ المفسدة ، صيانة للنسب الشريف .
29- في حالة تعمد الكذب في النسب أو التزوير في شجرات النسب ، و لو لمرة واحدة ، فإنه تسقط عدالة النساب في النسب.
30- ليس تصحيح الأنساب و إثباتها أو نفيها شرعاً مما يعتبر فيه كثرة الموقعين أو قلتهم على الوثائق أو الشجرات .
31- الناس مأمونون على أنسابهم أهل الشرف وغيرهم . و هذا الضابط يحتاج إلى تفصيل و تحرير ، ليس هذا محله .
32- قال ابن قدامة :" النسب يحتاط لإثباته ويثبت بأدنى دليل ، ويلزم من ذلك التشديد في نفيه وأنه لاينتفي إلا بأقوى الأدلة " .انتهى[12].
33- قال الفقهاء :" الأنساب مبناها على الخفآء فيعفى فيها عن التناقض " [13] .
34- الطعن في النسب كبيرة من كبائر الاثم .
35- تقليل و تضييق دائرة النفي و الطعن ما أمكن .
36- أن يكون النفي مستنداً إلى حجة شرعية .
37- عدم العلم بالشيء لا يعني العلم بالعدم .
38- يجب التفريق بين الطعن في النسب ونفيه و بين البحث العلمي الشرعي في الأنساب . فالأول كبيرة من الكبائر ، والثاني من أدء واجب النصيحة للمسلمين .
39- الانكار على الأدعياء و الكذابين يختلف باختلاف الأحوال و الأشخاص ، فقد يغتفر لنساب ما لا يغتفر لآخر . فإن فرط الجميع ، أثموا على قدر علمهم وجهدهم ، و الله أعلم .
40- الكلام في الأنساب ثبوتاً أونفياً من جهة الشرع مزلة أقدام ، و هو لا يعني التشهير بالأشخاص أو الطعن في القبائل و الأسر الكريمة ، فإن فاعل ذلك يدور على الحمى ، و هو باب من ابواب الخصومة واللجاج و الشر ، و قد قال صلى الله عليه وسلم :" من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيراً أو ليصمت " .
41- الاختلاف سنة كونية ماضية . " و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك و لذلك خلقهم " .
42- الخلاف شر .
43- أهل الرحمة لا يختلفون ، و إن تباينت أقوالهم .
44- يجب العمل بآداب الاسلام و العلماء عند الاختلاف .
45- الاختلاف بين النسابين قديم .
46- يجب تضييق دائرة الخلاف ما أمكن و ذلك باتباع العلم و الأدب .
47- ليس قول نساب أولى من قول نساب آخر إلا بدليل شرعي يوجب المصير إليه .
48- جمع النسابين على قول واحد في كل الأنساب كالمتعذر.
49- النسابون الثقات المعاصرون لا يقبل فيهم كلام أقرانهم .
50- الخلافات الواقعة بين النسابين الثقات يجب أن تدور بينهم قدر الوسع والطاقة و لا تخرج إلى من عداهم لئلا يؤدي ذلك إلى تسلط الأدعياء والكذابين على نسب البيت النبوي .
51- النسابون خدمٌ للناس ، فيجب أن يؤلفوا بين قلوب القبائل و يجمعوا شملهم قدر وسعهم وطاقتهم
52- يجب قول " لا أعلم " فيما لم يحط به علم الانسان ، وهو أدب نبوي ، و حجة نافعة ، وسنة ماضية .
هذه جملة مما فتح الله به ، و إني أرى أن غياب هذه الضوابط و غيرها عند عدد من المشتغلين بالأنساب مما يوسع دوائر الاختلاف و يسبب القيل والقال و كثرة الكلام فيما لا طائل من وراءه .
و ليس الشأن في معرفتها والعلم بها ، ولكن الشأن كل الشأن في التحلي بها و تمثل روحها و ما تدعو إليه ، و إني على ثقة أنه لا تزال من الفوائد و التحريرات و الكلمات الجامعة ما هو نافع في هذا الباب ، و إني بهذه املناسبة أسأل كل قاريء لمقالي أن لا يبخل علي بفائدة أو استدراك ، فإن القصد حفظ و رعاية أنساب آل البيت و نفع المشتغلين بالنسب و التقريب بين وجهات النظر قدر الامكان ، وفق الله الجميع لمرضاته و صلى الله وسلم على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم .


[1] الأم ( 6 / 223 ) . ط : دار الفكر
[2] المصدر السابق .
[3] زاد المعاد (5/410)
[4] الأم ( 4 / 132 ) .
[5] تحفة المحتاج ( 5 / 401 ) . و هي قاعدة تتابع عليها الفقهاء .
[6] الفتح ( 12 / 42 )
[7] سبل السلام ( 3 / 218 ) .
[8] تحفة المحتاج (10/265) مطبوع بحاشية الشرواني .
[9] الفتح (5/254)
[10] الأشباه والنظائر للسبكي (1/428 ، 429) .
[11] نص عليه بمعناه ابن فندق في " لباب الأنساب " ، واستدل له بقول الله تعالى :" و أشهدوا ذوي عدل منكم " .
[12] المغني ( 8/374)
[13] تكملة حاشية ابن عابدين (2/51)


{moscomment}

بحث سريع