الشرف الأعلى في ذكر قبور مقبرة باب المعلا

بواسطة | الشريف محمد الصمداني
2007/06/04
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله و على آله وصحبه و من والاه ، و بعد :
فمن الكتب الصادرة حديثاً عن مدينة مكة المشرفة – زادها الله شرفاً – كتاب ( الشرف الأعلى في ذكر قبور مقبرة باب المعلا ) تأليف جمال الدين محمد بن علي العبدري الشيبي المتوفى سنة 837 و قيل : 827 . و هو من تحقيق منصور بن صالح أبو رياش .
و قد ذكر المحقق جزاه الله خيراً في دراسته للكتاب أنه " لم يسبقه أحدٌ في التأليف على هذا المنوال ، كما لم يقلده أحد بعده ، فهو بذلك يعد كتاباً منفرداً في بابه .. " . أهـ. ( ص 18 ) من ( الشرف الأعلى ) .
و قد اعتمد المحقق على نسختين من الكتاب هما نسخة مكتبة عارف حكمت و نسخة مكتبة حسن حسني عبدالوهاب بتونس .
و فاته ذكر نسخ أخرى للكتاب ، منها : " نسخة بمكتبة برلين رقم 6124 نسخت عام 1122 ، و نسخة أخرى في مكتبة الحرم المكي برقم 3131 ف " . انظر ( معجم ما ألف عن مكة للسنيدي ص 185 ) .
و في الحقيقة ، قيمة الكتاب تظهر من عنوانه و محتواه . أما عنوانه فهو فريدٌ في بابه ، لكنه غريب على روح التصنيف عند جماهير المؤلفين في الاسلام ، إذ إن المؤلف اختط لنفسه طريقة غريبة ، حيث قال :" خطر لي أن أكتب في هذه الأوراق بعض ما قرأته على القبور التي بمقبرة مكة المشرفة المسماة المعلا ، وما قدرتُ عليه ، فإن في ذلك تخليد ذكرهم و أسماءهم و حفظ وفياتهم و الترحم عليهم وقت الوقوف على ذلك ، والاتعاظ بحالهم إلى غير ذلك من الفوائد ، مثل شعر غريب فيه ذكر الموت و الاشارة إلى الفراق و ذكر التوجه إلى دار التلاق ، .. " أهـ. ( ص 39 ) . فخطة الكتاب – كما هو ظاهر كلام المؤلف – تعتمد على أمرين :
الأول : جمع ما هو مكتوب على قبور مقبرة المعلاة .
الثاني : جمع ما يقدر عليه المؤلف من ترجمة الميت المذكور .
و قد ظهر هذا جلياً في تراجم الكتاب البالغة ( 23 ) ترجمة ، حيث يورد ما على الشاهد و القبر ثم يتبعه بما يستطيع و يقدر عليه من ترجمة الميت .
و أما محتواه ، فقد قدم المؤلف لكتابه بعدة فوائد امتدت في طبعة الكتاب من (ص 39 ) إلى (ص 61) . و هي خارجة عن المقصود من تتبع أحجار مقبرة المعلاة الذي خطر له ، و يليق بها تصنيف مستقل غير الكتاب محل التحقيق .
و مع تنوع الفوائد التي ذكرها المؤلف في مقدمته للكتاب و التي لا يخلو بعضها من :
1- غرائب ( كما نقله عن ابن أبي الدنيا في كتابه " من عاش بعد الموت " ص 45-47 ) .
2-أو غلو ( كما في قصة الشيخ إسماعيل الحضرمي مكلم الموتى ص 47 ) .
، إلا أن تلك المقدمة خلت من التنبيه على مسألة مهمة في مثل هذا الضرب من التصنيف ألا و هي مسألة " الكتابة على القبور " و حكمها ؟ فإنه لم يشر إليها مع أهميتها في مثل هذا اللون من التأليف ، كما لم يعلق صاحب التحقيق على ذلك ! .
و قد ورد في الحديث المخرج في السنن النهي عن الكتابة على القبور .
و قد امتدت التراجم التي ذكرها المؤلف من (ص 63) إلى (ص113) ، و الباقي إلى (ص 141) فهارس للكتاب و محتوياته ؟!
و الكتاب لم يكمله مؤلفه ، كغالب كتبه ( انظر : الدر الكمين لابن فهد 1/219) حيث قال ابن فهد عن مؤلفات الشيبي – بعد أن سردها – :" و غالب هذه الكتب لم يكمل ، و ذهب غالبها ، كأنها ما كانت ، فلا قوة إلا بالله ، .. " أهـ.
و قد أورد فيه مؤلفه 23 ترجمة من أحجار مقبرة المعلاة لشخصيات مختلفة . و لم يُظْهِر المؤلف مزيد فائدة في إيراده للتراجم من هذه الأحجار إلا على جهة تتبع الآثار و كتابة الشواهد ، و هذا علمٌ آخر غير فن الترجمة . و لهذا احتاج المؤلف إلى أن يتمم ما يذكره من أحجار قبور المعلاة بما يجده في بطون الكتب عن المذكورين و يستشهد بما قاله العلماء و المؤرخون ، و بهذا المقياس فالكتاب ليس فيه فائدة مهمة تذكر في " تاريخ مكة "  ، كما أنه ليس فيه أي فائدة تذكر في ( تاريخ أشراف مكة ) ، فإنه لم يذكر أحداً منهم .
و طبعة الكتاب ظهر الاحتفاء بها و تضخيم حجمها ، و النفخ فيها ، بما لا يتوافق مع منزلة الكتاب و درجته و ما فيه من فوائد ، فليت هذا كان في غير هذا !
و قد ذكر المحقق – جزاه الله خيراً – أنه ( .. شد عزمي في إخراج الكتاب المقالة العلمية الممتعة التي كتبها علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر رحمه الله عن " منائح الكرم " ، والذي قام بتحقيقه طلاب جامعة أم القرى ، و كان لي شرف طبعه .. ) أهـ.
و لا أدري ما هو وجه الربط بين ذلك الكتاب ( منائح الكرم ) و هذا ( الشرف الأعلى ) إلا أن المحقق هنا هو الطابع هناك ! فلعله ازدادت حماسته للتحقيق و إخراج الكتب .
كما أن القاريء قد يتوقف عند طباعة تاريخ (1421) على ( الغلاف ) بينما في ( فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية من داخل الكتاب 1426 ) ؟! و لا يوجد تفسير واضح لذلك !
و لا يفوتني و أنا أختم مراجعة الكتاب أن أشير إلى أنَّ نسبة المحقق لكثير من ( أحجار قبور المعلاة ) لابن فهد ، غير صحيح . فهو قد أحال على ( الدر الكمين ) كما في (ص 18 ) حيث قال : " و في أثناء قراءتي لكتاب ( الدر الكمين بذيل العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين ) لعمر بن فهد المتوفى سنة 885 تتبعت المواضع التي ذكر المؤلف أنه وقف فيها على شواهد قبور مقبرة المعلاة ، و قد رأيت إثباتها ، و هم … " . أهـ . ثم سردهم من (ص 18) إلى ( ص 21 ) ، و هذا كله ليس من كلام ابن فهد و ليس من تتبعه لأحجار مقبرة المعلاة بل هو من كلام ( الحافظ الفاسي في ( العقد الثمين ) الذي ينقله ابن فهد دون الاحالة إلى مصدره الأصلي ، فنسبة ذلك لابن فهد ليس دقيقاً !
و كلمة أخيرة لابد منها حول تحقيق الكتاب ، و هي : أن التحقيق في الكتاب قد سار على طريقة سلفية ، فجزى الله محققه خيراً ، و أن يثيبه على نشر الحق و الدعوة إليه ، فقد ردَّ على الصوفية و عدد من الغلاة في هذا الشأن حيث ظهرت تلك التعليقات في مواطن مهمة من الكتاب ، و هي مما يحمد عليها شأن التحقيق في هذا الكتاب كما في الصفحات : 43 ، 46 ، 63 ( من الأمور المبتدعة في الدين الحج بالميت و طوافه حول الكعبة ، إذ لم يرد بذلك أثر ) ، 66 ، 67 ، 71 ، 72 ( الأولى أن يقال : لزيارة المسجد النبوي ، للحديث النبوي الصحيح الوارد في ذلك ) ، 80 ، و ص 83 قال عن سياحات و تجرد الصوفية ( هذا على خلاف هدي الشرع ) ؛ 90 (هذا الموضع هو للسلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و موضع السؤال أن يتوجه إلى القبلة فيسأل الله ما يشاء من أمر الدين و الدنيا ) . و في ص 93 ( الأصح أن يقال : زيارة المسجد النبوي ، لحديث :" لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد " ) ، 102 ، 106 ( لا تتخذ القبور مواضع للدعاء ، …. ) ، 108 ( لا يجوز بناء القبب على القبور ، و هو أمر منكر بدعي لم يؤثر من السلف الصالح فعله ) ، و في ص 109 ( لبس خرقة التصوف ليس من الدين في شيء ، بل هي بدعة لم يفعلها السلف الصالح من متقدمي هذه الأمة ، و إنما ظهر ذلك في العصور المتأخرة ) ، و في ص 110 قال عن إسناد رجال الخرقة ( هذا السند فيه رجال مجاهيل ، لا يعرف حالهم ، بل الأسانيد في هذا الشأن غالبها موضوع مكذوب ) ، و غير ذلك من التعليقات النافعة .
هذا و الله من وراء القصد ، و صلى الله و سلم على نبينا و سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً .
{moscomment}

بحث سريع