الشريف محمد بن منصور النجدي من رموز الأشراف

بواسطة | الشريف محمد الصمداني
2007/06/23
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه ، و بعد :
فإنَّ من رؤوس النسابين المعاصرين في هذا الزمان – خاصة عند أشراف الحجاز – الشريف محمد بن منصور آل زيد الشهير بـ" النجدي " ، و هو عَلَمٌ في فن النسب و كلمته في " الأنساب " لها شأنٌ مهم عند " الأشراف " و غيرهم .
و أنا إذ أكتب هذا المقال ، أوضح فيه للقاريء الكريم أنني لم ألتق بالشريف محمد إلا مرتين ، كانت أولاهما في التعرف عليه في منزله العامر بالأشراف بالطائف ، والثانية زرته زيارة خاصة للاستفادة منه في نسب الأشراف و أبحاث النسب .
و كان أول معرفتي بالشريف محمد بن منصور النجدي من خلال كتبه ، فقد قرأت بعضها و استفدت منها ، و لست ممن يغلو في الرجل كما أنني لستُ ممن يغمطه قدره و مكانته التي أنزله الله إياها في قبائل الأشراف .
و في هذا المقال سأتحدث عن جملة من قراءتي و معرفتي عن هذا الرجل الكريم في علم النسب .
ولد الشريف محمد في الطائف سنة 1355 ، وهو أبيض اللون ، طويل القامة ، عليه سيما الشرف التي نقرأها ونعرف أهلها بها ، و هو دقيق في المواعيد ، و حريص عليها ، و له مكانة و منزلة عند قبائل الأشراف بالحجاز .
و قد عاش يتيماً ، حيث مات والده رحمه الله تعالى وهو في بطن أمه ، ثم ماتت أمه رحمها الله تعالى و له من العمر ست سنوات . قال محمد سعيد كمال :" توفي والده ، و هو صغير ، لكنه كافح مكافحة الأبطال في الكد و الكسب مع التعليم " [1].
قال العلامة النسابة حمد الجاسر عن معرفته بنسب الأِشراف :" الشريف محمد بن منصور آل عبدالله ، هو من خير من يعول عليه في هذا فيما أرى " . و قال :" و الشريف محمد وفقه من ذوي الاختصاص بمعرفة الأسر الكريمة " . و قال محمد سعيد كمال :" و يعد اليوم – و الحق يقال – : نسابة الأشراف كلهم " . أهـ[2].
ومع كلام هؤلاء النسابين الكبار فيه إلا أن الشريف محمد يقول عن نفسه :" لم يكن يخطر ببالي في يوم من الأيام أن أكتب في الأنساب أو أن أحوم حولها ، لحساسية موضوعها ، و كبر مسؤوليته ، و لكنني عندما التحقت بنادي الطائف الأدبي كعضو عامل فيه ، عرف عني سكرتيره الأخ الصديق محمد منصور الشقحاء ميولي إلى علم الأنساب و البحث فيه ، و كان النادي يعتزم إصدار كتاب عن مدينة الطائف ليجمع بين دفتيه ما نشر عنها من بحوث ، فطلب مني الأخ الشقحاء أن أكتب له بحثاً عن قبائل الطائف ليكون ضمن محتويات هذا الكتاب ، و تحت إلحاحه و تلبية لرغبته قمت بكتابة بحث في الموضوع ، نشرته بمجلة العرب الغراء .. " إلخ ما قاله [3].
و قبل ذلك كان الشريف محمد معروفاً عند الأشراف بالنسب و الاهتمام به ، فهذا الشريف الجليل حسين بن حمزة الفعر طلب من الشريف محمد تبييض شجرة الكريمي التي صورها و نسخها ، و كان تصويرها رديئاً ، فاجتهد الشريف محمد في ذلك و أخرجها بحلة جميلة في سنة 1387 . و لا زال كثير من الأشراف إذا ذكروا النسب و من يُسأل فيه : أشاروا إلى محمد بن منصور النجدي !
مصطلح " أشراف الحجاز "
عندما ألف الشريف محمد بن منصور كتاب " قبائل الطائف و أشراف الحجاز " أصَّلَ لقضية مهمة جداً في باب الأنساب عند الأشراف ألا وهي مصطلح :" أشراف الحجاز " .. ففي حدود علمي هو أول من استخدم هذه العبارة كمصطلح خاص ، و قد ظهر هذا جلياً في قبائل الأشراف التي أوردها الشريف محمد في كتابه " قبائل الطائف و أشراف الحجاز " ، فهو لم يتوسع في ذكر كل من انتسب في الحجاز للأشراف بل قصر ذلك على ما تعارفت عليه قبائل الأشراف و شاع فيها و استفاض من معرفة البيوت الحسنية ، فهي مجموعة قبائل تعرف بعضها البعض ، و تتوارث ذلك توارثاً متواتراً عبر أجيالها . و هذا من حسنات الشريف محمد الكبرى على أنساب الأشراف التي كاد أن يطوي بساطها الزمان .
والشريف محمد كأحد رجال الأشراف العارفين بالنسب ، لم يألُ أن قام بكتابة تلك المعرفة في كتابه ، فهو يتحدث عما يعرفه الأشراف بالفطرة لديهم ، فإنهم ينشؤون على معرفة من منهم و من ليس منهم ؟ و من هنا يأتي مصطلح " أشراف الحجاز " بدلالة قوية ، و هذا ما لا يطرب له الأدعياء و نباشو الأنساب ؟!
بالأمس القريب كانت بعض الأسر في الحجاز لا تجرؤ على أن تذكر أنها من الأشراف أو السادة ، و الآن نراها تبحث عن جدها أمير مكة في سنة كذا و كذا ، و أنه قد ذكره فلان في كتاب كذا و كذا ؟!
هذا تزوير للتاريخ و تغيير للواقع بالكذب والادعاء في الأنساب ، و هو باب شر فتح على الأشراف في الحجاز و على الأمة قاطبة لا يدري عنه كثيرٌ من الناس ، و الشريف محمد بن منصور يقف في أول القائمة التي ترد هؤلاء إلى أصولهم التي لا زال الناس يعرفونهم بها !
كتاب " قبائل الطائف و أشراف الحجاز " :
هذا الكتاب فيه خلاصة علم الشريف محمد عن قبائل الطائف و أشراف الحجاز ، و قد أبدع فيه أيما إبداع ، و أجاد أيما إجادة ، و قد نال من الثناء و القبول عند الأشراف ما لا يصل إليه أي كتاب في هذا الفن حتى الآن .
و قد استمد الشريف محمد بن منصور معلومات هذا الكتاب من ثلاثة مصادر رئيسية [4]، و هي :
الأول : كتب الأنساب و التاريخ .
الثاني : المشجرات القديمة الخاصة بالأشراف .
الثالث : الرواية عن ثقات القبائل و أهل المعرفة منهم .
و قد أضاف على تلك المصادر معرفته الخاصة ، و تحرى قدر وسعه و طاقته فيما أورده ، حتى إنه قال :" إلى درجة أنني أستروي من القبيلة أكثر من واحد منها ، و أقارن بين رواياتهم و لا أدون إلا الصحيح من الروايات بعد أن أجد لها المرجح المقبول " أهـ.[5]
و الشريف محمد له رحلات في طلب نسب الأشراف و تدوينه من أهله ، و قد سافر إلى لندن للوقوف على شجرة أمير مكة الشريف علي باشا التي بحوزة ابنه الشريف الحسين باشا بن علي باتشا زوج الشريفة بديعة بنت الشريف علي بن الحسين باشا ( صدرت مذكراتها عن دار الحكمة ، لندن ) ، و قد كتبت تعليقاً على هذه المذكرات .
و من مزايا الشريف محمد بن منصور وضوحه و صراحته في الأنساب ، فهو لا يحابي أحداً فيها و لو كان أقرب المقربين منه . و قد جلبت صراحته و وضوحه عداوات شتى له ، و هو لا يبالي بعداوة هؤلاء الذين لا يعرفهم و لا يعرفهم الناس !
و قد سمعتُ من بعض الناقمين على الشريف : أن الشريف محمد بن منصور فيه تعنت و تشدد في النسب ، و أنه صلب الرأي ؟! و قد قابلته و رأيته و قرأتُ تصانيفه و سمعتُ كلامه و رأيت بعض بياناته و لم أجد فيها ذلك التشدد الذي يلمزونه به .. غاية ما يقال : صراحته و قوته في قول ما يعتقد إذا سئل عنه ؟! فهل هذا مما يلام به المرء ؟!
الحقيقة أن الشريف محمد يسير في هذا الشأن على قاعدة الأشراف التي نعرفها ، و هي الوضوح و الصراحة وعدم المداهنة أو التلون في الأقوال خاصة في الأنساب ، و قد رأينا حال أولئك الناقمين على الشريف محمد فرأيناها حالة خارجة عن حد العلم و الموضوعية ، ( حتى و إن تسترت بمسوح العلم و الأدب و رعاية الأكابر ) ، فهم ما بين أدعياء أو أناس محل بحث و تحري ، أو أناس لهم حسابات خاصة مع الشريف محمد ! و قد شغلوا الأشراف بقضايا خاسرة من جنس حرب البسوس و داحس و الغبراء ، كفى الله الأشراف شرورها و أضرارها !
و بعض هؤلاء تتغير مواقفهم بتبدل مصالحهم ، و تختلف آراءهم باختلاف أرباب نعمهم ، و الشريف محمد شريف صريح قوال بالحق الذي يعلمه أتت الدنيا أم ذهبت عنه ، جاءه الناس و أكبوا عليه أم تركوه و انفضوا عنه .. فهل يلام الرجل على مثل هذا الخلق ؟!
و من خصائص الشريف محمد صلابته فيما يقول ، و هذا يدل على أنه عندما يرى الرأي أو يقول به فإنه يكون عنده فيما هو في حكم اليقين .. فهل يستوي هذا مع حال من يتجول بالناس في أعمدة الأشراف ؟!
و مع هذا كله ، فإنني أقول – إنصافاً – : إن الشريف محمد بن منصور نسابة غير معصوم ، ولا يدعي أحدٌ له ذلك ، و لا ادعى هو ذلك لنفسه ، و لا يدعي أحدٌ من محبيه أو تلامذته ذلك ، فقد يقع في الخطأ و الاثنين و العشرة .. ! كان ماذا ؟! و لكن هذا شيء و انتقاد الرجل و إهدار منزلته و انتقاص مكانته شيءٌ آخر .. ؟! و إن هؤلاء الذين يريدون إسقاط منزلة الرجل إنما يسقطون أنفسهم من أعين الخلق … و يسقطون كل ما عمله كبارهم و رجالهم من الأمجاد .. و لو كان (( فلان )) حياً لما رضي بهذه المهازل التي تجري على أعيان الأشراف .. ! و إنَّ أولئك الذين يبحثون عن زلات محمد بن منصور و أخطاءه إنما يبحثون عن سراب بقيعة ، فكان ماذا لو أخطأ الرجل في لفظ أو إطلاق في كتاب أو قول له يعتقده في نسب أو مسألة أو مسألتين أو ثلاث ..نسأل الله الانصاف و العدل و عدم بخس الناس أقدارهم و منازلهم ..!
سيظل اسم محمد بن منصور النجدي شجى في عيون الأدعياء و المتزلفين و المتسلقين ، و معبراً عن " أشراف الحجاز " ، فهو ليس من قبيلة آل زيد الكريمة فحسب بل هو من " أشراف الحجاز " ، و هذا الاسم الكبير تتمعر له وجوه و تتقلب له أعين ، إذا تعرض أحدٌ لرجالها ..
ماذا يريد أعداءه منه ؟ أيريدون إسقاط " رمزيته " .. ! لقد كرَّسَ أعداء محمد النجدي رمزيته من حيث لا يشعرون ؟! فلقد نالها بدون سعي منه لها ، و قد ساهم أعداءه في صناعته كرمز ، فجزاهم الله عن الأشراف خيراً من هذه الحيثية !
عندما زرته و جلستُ معه حفظه الله رأيت خلال الكرم و مناقب الشرف .. أحضر لي شجرة نقلها بخط يده من شجرة الشريف أبي قناع لتكون أصلاً معمولاً به ، و تكون كالنسخة الأم للأصل ، لأن الأصل قد وقعت فيه بعض الزيادات و تآكل من بعض الأطراف ، فرأيتُ في نقله الأمانة و الدقة ، و أكبرتُ حرصه على توفير أصل يكون مرجعاً للأشراف من بعده .. و قد لاحظتُ بعض الملاحظات العابرة على نقله للشجرة الأصل لما عرضها علي ، فتحرى عن الأمر و أحضر الشجرة الم ، فعدل ذلك بخط يده و وقع تحته ( بتوقيعه النجدي المعروف ) .. هذا مثال بسيط لرجل يعرف التواضع و القبول للحق من ضيف يجلس معه لأول مرة في حياته ، و هو في سن أبناءه ؟!
و قد سألته عن أشراف نجد ، فأخبرني أنهم لا يزالون معروفين في نجد ، وأنهم أشراف لا يشك فيهم .. فقلت : مثل من ؟ فقال : آل حامد ، و الرواتع ، و آل نوفل ، و ذوو حسين أهل المفيجر ، و آل سويري أهل شمس و شميس من وراء " مرات " ، و العرينان ، و ذكر غيرهم .
فائدة : أسرة " العرينان " هؤلاء منهم السيدة الفاضلة ( الشريفة رقية العرينان ) ، و هي التي تولت تربية الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمهما الله تعالى ، و قد كانت الزوجة الثانية لأبيه ، فتولت تربيته و أحسنت إليه بعد وفاة أمه ، فكان من أفاضل كبار العلماء ، و هو شيخ الشيخ محمد بن صالح العثيمين . و قال محمد بن عبدالرحمن بن ناصر السعدي عنها :" من أشراف قريش " . ( انظر : مواقف اجتماعية من حياة الشيخ عبدالرحمن السعدي لابنه محمد ) !
و كنت قد طلبتُ قديماً من الشريف إبراهيم الأمير أن يعرض بحثي عن " شجرة أبي قناع و ترجمة الشريف محمد أبي قناع الثقبي " على الشريف محمد النجدي ، لأستأنس برأيه في الترجمة ، و أخذ رأيه فيها ، فأخبرني الشريف إبراهيم : أنه لما تسلم البحث تنحى جانباً و ترك أهل المجلس و أولاده ، و اشتغل بقراءة البحث بشغف و اهتمام ، و أبدى سروره لذلك !
و لما قابلت الشريف محمد بن منصور في بيته بالطائف شكرني على ذلك البحث ، وقال : قد توصلتُ إلى ما توصلت إليه من سنين طويلة ، و أتحفني ببحثه حول شجرة أبي قناع و صاحبها !
إنّ كتابة الشريف محمد في نسب الأشراف و تجديده فيها ، أمر لا ينساه أجيال الأشراف المعاصرين له سواء اختلفوا معه في مسائل أو وافقوه في أخرى ، فلا زال في الناس من يقول الحق و يعرف أهله ، و سيظل علماً معروفاً بهذا الفن ..
و ليس هو الوحيد في هذا الشأن ، فهناك رجال كثر من الأشراف لهم من قدم الصدق و المواقف الرجولية ما لا يمكن الحديث عنه في مثل هذا المقال .
و في ختام هذا المقال ، أسأل الله العلي العظيم أن يحفظ الشريف محمد من كل مكروه ، و أن يثبته على الحق ، و أن يعلي قدره ، و يرفع منزلته ، و أن يمد في عمره على خير ، و أن يصلح له الذرية ، و أن يختم له بعلم نافع و عمل صالح مقبول ..


[1] الأزهار النادية (15/74) .
[2] الأزهار النادية(15/74) .
[3] قبائل الطائف و أشراف الحجاز : المقدمة (ص9 ) .
[4] انظر : قبائل الطائف و أشراف الحجاز (ص9) .
[5] ( ص9-10 ) .
ملاحظة : (( أسجل شكري للشريف إبراهيم الأمير ، فقد استفدت من ترجمته للشريف محمد في كتاب الإشراف ))

بحث سريع