الحوثية” في اليمن.. وجذورها الفكرية والسياسية

بواسطة | محمد الأحمدي
2007/06/27
حوار/ 6/6/1428
21/06/2007

المواجهات المسلحة التي تدور رحاها في محافظة صعدة شمال اليمن بين قوات الجيش اليمني وأنصار ما عُرف بـ"الحركة الحوثية" ذات الطابع الشيعي، لا تزال تلقي بظلالها على المشهد اليمني بكل مكوناته السياسية والمذهبية والاجتماعية، على الرغم من مرور ثلاث سنوات إلاّ بضعة أشهر على اندلاعها، في حين تتكشف على أرض الواقع بعض المعطيات، وتتداخل العديد من الأوراق محلياً وإقليمياً، مما جعل القضية تبدو أكثر تعقيداً، فتغدو مصدر قلقٍ ليس لليمنيين وحدهم، وإنما لجيرانهم في الخليج والمنطقة عامةً..
(الإسلام اليوم) حاولت الاقتراب مما يجري هناك، بحثاً عن الخيوط التاريخية، والخلفيات المذهبية، والجذور والأبعاد الفكرية والسياسية، من خلال هذا الحوار الذي أجريناه مع أحد علماء اليمن المهتمين بهذا الشأن، وهو الشيخ محمد بن محمد المهدي عضو جمعية الحكمة اليمانية الخيرية، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الإمام الشوكاني للدراسات والبحوث..

الموجود في اليمن هل هو المذهب الزيدي أم المذهب الهادوي؟
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
إذا ما اعتبرنا مسند الإمام زيد بن علي ـ رحمه الله ـ هو المعبر عن مذهبه (المذهب الزيدي) وإن كان هناك مَن ينكر ثبوته عنه لسبب (أبي خالد الواسطي) المتَّهم فيه، إذا ما اعتبرنا أقواله الموجودة فيه هي مذهبه سنجد خلطاً بين المذهب الزيدي والمذهب الهادوي ـ بمعنى: أن المسألة ليست صافية لهذا الإمام أو ذاك ـ وهذا هو حال المذهب الزيدي كما يذكر ذلك العلامة / يحيى بن أحمد المرتضى في (البحر الزخار)، ويذكر علماء الزيدية في شروح (متن الأزهار)، وشرح مسند الإمام زيد..أكثر من قول في المسألة الواحدة.. فهنالك مذهب زيد، وهناك قول القاسم بن إبراهيم، وكذا قول أبي طالب يحيى بن الحسين صاحب (الأمالي)، وأخيه المؤيد بالله أحمد بن الحسين، والناصر الأطروش، والإمام أحمد بن عيسى بن زيد وغيرهم خارج اليمن.
ثم يذكر الخلاف داخل اليمن وخارجه بين الهادي وأولاده، وبين المنصور بالله وبين يحيى بن حمزة وغيرهم. وهو في الحقيقة إشكال موجود وقد حاول بعض الزيدية في اليمن أن يعالجوه. وممن تطرق لهذا العلامة / محمد بن إسماعيل بن الأمير الصنعاني في ديوانه وشاركه أبوه وشاركه بعض الشعراء لحل هذا اللغز ورفع هذا الإشكال، والذي جاء فيه:
أيها الأعلامُ من ساداتنا ومصابيحُ دياجي المشكلِ
خبّرونا هل لنا من مذهبٍ يُقتفى في القول أو في العملِ
أم تُركنا هملاً نُرعى بلا سائمٍ نقفوه نهجَ السبلِ؟!
فإذا قلنا: ليحيى قيل:لا ها هنا قولٌ لزيد بن علي
وإذا قلنا لزيدٍ.حَكَموا أنّ يحيى قولُه النصُّ الجلي

وكان جواب السيد الأمير على هذا السؤال بقوله:
قد أتيتم بسؤال مُشكلِ لا أرى إشكالَه بالمنجلي
كم سألنا عنه قوماً غيرَكم من أولي العلمِ وأهل الجدلِ
وأجابوا بجواباتٍ لهم كلّها في حلِّه غيرُ جلي
ويقولون: هم زيديةٌ وهم عن نهجه في معزلِ
إلى آخر القصيدة وهي مشهورة. وإلى الساعة لم يرفع هذا الإشكال هل القول الجلي هو: قول زيد، أم قول يحيى بن الحسين؟!
نعم إن الهادي يقول بإمامة زيد، وهو أول إمام أقام الحكم في اليمن عندما هاجر إلى اليمن عام(282هـ) ثم عاد إلى الرَّس في المدينة، ثم عاد إلى اليمن في عام(284هـ) وعاش في اليمن إلى عام (298هـ) فكانت له آراء كثيرة ضُمّنت في رسائل وكتب. ومنها: كتابه: (الأحكام في الحلال والحرام).
فجاء مَن صنَّف من علماء الزيدية بعد الإمام الهادي فنظر في المنقولات عن الإمام زيد، والمنقولات عن الإمام الهادي، والمنقولات عن غيرهما ومُزج هذا كله في مؤلفات ومصنفات ونُسب إلى المذهب الزيدي مطلقاً على اعتبار أن الإمام الهادي يقول بإمامة الإمام زيد ـ رحمه الله ـ، وأنه يُعتبر أول إمام في اليمن ـ الذي هو الهادي ـ يعني: أن المذهب الزيدي وصل عن طريق الإمام الهادي يحيى بن الحسين.. فهو زيدي بهذا الاعتبار.
وإلا فالهادي كانت له اجتهادات وآراء.. كما أن هنالك أقوالاً منقولة عن الإمام زيد له فيها اجتهاداته وآراؤه ويختلفان تارة ويتفقان أخرى.
الغزو الرافضي لليمن
هل يمكن تحديد فترة زمنية معينة لدخول الرفض إلى اليمن؟ ومن هم أهم رموز الرافضة؟
لا أخفيك أن كل سؤال من هذه الأسئلة يحتاج إلى بحث وتفصيل. ولكني سأجيب إجابة مختصرة بما تفي به الحاجة ـ إن شاء الله ـ.
وفي هذه المسألة هنالك تداخل واختلاف داخل المذهب الزيدي أيضاً، وذلك كما تقدم في الجواب على السؤال السابق.. لأن الزيدية افترقوا إلى فرق مختلفة ولا يدخل فيهم الإمام زيد؛ لأنه لا غبار حوله ـ رحمه الله ورضي الله عنه ـ .
لكن هناك الفرق المنسوبة إليه من: (الصالحية، والبترية، والجارودية) وغيرها. وانقسمت بعد ذلك إلى تقسيم آخر وهي: (المخترعة، والمطرفية، والحسينية) وهناك في أوساط الزيدية الموجودة الآن من ينتقد: فرقة البترية، والصالحية، والفِرق المعتدلة مثل: صاحب كتاب (أعلام المؤلفين الزيدية)، الذي ينتقد هذه المدرسة ومؤسسيها، ونراه بالمقابل يدافع عن أبي الجارود مؤسس فرقة الجارودية، ويدافع عن الفرقة الجارودية ويعتبرهم المصيبين داخل المذهب الزيدي على الرغم من تكفيرهم للصحابة كالرافضة الاثني عشرية، كما جعل صاحب الكتاب في مواطن كثيرة منه محاكمات مستمرة للإمام الشوكاني وغيره من أهل السنة. فعندما يأتي إلى عالم سُني يطعن فيه، ويسمي أهل السنة بالحشوية اتباعاً للجهمية الذين يطلقون لقب حشوي ومجسم ومشبه..على المحدثين وأهل السنة عموماً، وإذا أتى إلى الجارودية أطرى وأطنب فيهم ـ يبالغ في مدحهم ـ وهذا جزء من الزيدية، وجزء آخر من الزيدية يرى أن الجارودية ـ وهم أسوأ فرقة في المذهب الزيدي ـ: ليسوا زيدية. وإنما وافقوا الإمام زيداً في مسألة الإمامة فقط.
ولا نستطيع أن نقول: دخلت الرافضة في وقت كذا؛ لأن هذا الجناح موجود تحت غطاء الزيدية.
وهذا الفكر جعل بعض الباحثين يقول: إنَّ المذهب الزيدي لم يدخل اليمن أصلاً.. إنما دخله المذهب الهادوي.
وهذا وإن كان له ارتباط بما سبق لكن من أين أتى الإشكال؟ نقول: أتى من جهة الجارودية الذين يكفرون أبا بكر، وعمر، والمهاجرين، والأنصار.. ووافقوا الرافضة في هذه النقطة فعُدَّت الزيدية عند البعض روافض.
فدخول المذهب الاثني عشري الرافضي بقواعده وأصوله ما كان إلاّ في هذه الفترة من بعد قيام الثورة الإيرانية.. فهناك من يأخذ المذهب من جميع جوانبه.. وإلاّ كيف يقبل الزيدية بالمذهب الاثني عشري، وقد قامت دولتهم على أساس أن الحكم خاص بالبطنين ـ أي الحسن والحسين ـ ؟!! كيف هذا والاثنا عشرية يعتقدون الكفر بإمامة غير الاثني عشر؟!! فعندهم الإمام زيد كافر. وقاسوا عليهم الأتباع من باب أولى. بل قد صرّحوا بكفر الزيدية في بعض مؤلفاتهم.
الهوية الحوثية
ماذا كنتم تعرفون عن حسين الحوثي قبل المواجهة المسلحة مع الدولة؟ وكيف انتشر فكره؟ وماذا عن موقفكم من هذه الحركة؟
لم يكن معروفاً عندي، وإنما عرفته من بعد الفتنة. وما أعرفه عنه: أنه نشأ في حضن أبيه (بدر الدين الحوثي) ودرس بالمعاهد العلمية فكان يجمع بين المعاهد التي كانت مع الإخوان المسلمين والتي منهجها سُّني، وبين التشيّع الذي كان يأخذه عن أبيه. ولعلّ هذه من المفارقات في شخصية الرجل، وأيضاً ظهر في أول انتخابات برلمانية شهدتها اليمن بعد الوحدة، وكان من أعضاء مجلس النواب باسم (حزب الحق) ذي التوجه الشيعي "الإمامي"، وكان له دور في تأييد "الانفصاليين" في الجنوب صيف 1994م كغيره من الجارودية، وذهب إلى إيران مع والده فارِّين بعد هزيمة "الانفصاليين".. ثم عاد مع والده إلى اليمن بعد فترة، وكان يحارب المعاهد الشرعية حينما كان عضواً في مجلس النواب.
ومن خلال كلامه نرى أن عنده غلواً في إيران، وإفراطاً في تمجيد حزب الله، والاثني عشرية عموماً.. ـ حتى ولو لم نأخذ بقول من قال: إنه اثنا عشري وأخذنا بقول من قال: إنه زيدي ـ فهو لا يخرج عن الجارودية بكلامه على أبي بكر، وعمر، والصحابة ـ رضي الله عنهم ـ.
لكن أيضاً يُشكل على هذا أنه يطعن بالمذهب الزيدي في أصول الفقه في مذهب الإمام زيد، ويطعن في الزيدية؛ لأنهم يتقاربون مع أهل السنة، وكذلك لإعجابه الزائد بالخميني وتمجيده في مواطن كثيرة من رسائله وملازمه المطبوعة.. ناهيك عن البيانات التي صدرت من (عصام العماد) ومن (السيستاني) ومن المرجعية في (قُم) و في المؤتمرات السرية من خلال الوثائق المتسربة لاجتماع الشيعة العالمي وذكر أحداث صعدة.. التي تتضمن الدعوة لنصرتهم, وأيضاً المداخلات التي بثتها بعض القنوات الفضائية، والتي ذكر فيها بعض الشيعة أن الحوثية امتداد لهم.
فهؤلاء الرافضة أشاروا إلى الأحداث الموجودة في صعدة، وأن هذا امتداد للخطة الاثني عشرية أو الخمينية..
ولكن لو ألغينا هذا كله فإن الحوثي من خلال أشرطته وملازمه التي قرأناها تدل على أنه تبع لأبيه. وأبوه لا ريب أنه جارودي من خلال مؤلفاته، ورسائله المطبوعة، وخطبه، وديوانه كذلك.

بعض المنتمين للمذهب الزيدي في اليمن حالياً ينفي وجود فكر شيعي رافضي في اليمن. فهل هذا صحيح؟ ولماذا إذن ترفع المرجعيات الشيعية في النجف وقم عقيرتها للتنديد بما تسميه التطهير الطائفي ضد الشيعة في اليمن وتقصد به حرب الدولة على التمرد الحوثي بصعدة؟
سمعت مثل هذا من بعض الزيدية بأنه: لا يوجد إلاّ اثنان أو ثلاثة، وذكروهم لنا بالأسماء. ونحن يسرّنا هذا..
لكن الواقع يخالف هذا القول. فكيف نفسِّر ما تنشره الصحف المحسوبة على الزيدية بوضوح من أفكار الرافضة، والوقوف معهم خارجياً؟!! وماذا تفسَّر هذه الاستباحة للدماء، وقتل الجنود، والخروج على ولاة الأمر؟ هل هو على مذهب الخروج على الظلمة كالمذهب المعتزلي الذي تأثر به المتأخرون من الزيدية؟! أم أنه تحوّل من قوم نسَوا المذهب الزيدي، وما زالوا مقتنعين أنهم زيود، وتحوّلوا إلى مذهب آخر دون شعور؟!! أم هو ثورة إيرانية خمينية لا تقر إلاّ حكم المعصوم أو ولاية الفقيه؟!!. لا شك أن هناك إشكالاً.
لو أخذنا بظاهر الكلام فإن هؤلاء لا يستطيعون أن يقنعونا أن هذه المواقف هي مواقف الزيدية، ولا نستطيع أن نقتنع أبداً أن المطالب التي اشترطوها على الحكومة اليمنية من أجل إيقاف الحرب بصعدة هي مطالب زيدية، بل ولا حتى جارودية!! لأن هذا لم يكن قد حدث بأي عهد من العهود، أو عصر من العصور بالنسبة للزيدية ـ وإن كان لم يتخلّ بعض أئمتهم من الجارودية ـ فهذا شيء واضح، ويؤكد قول من قال: إن هذا توجه رافضي في صعدة. وربما قد يستفيق بعض الإخوة من الزيدية، ويعودون إلى الصواب في هذه النقطة بعد أن يظهر لهم الأمر تماماً، وأن الحوثي قد لحق بالاثني عشرية، وأن التقية هي التي خدعتهم. والله أعلم.
وإلاّ كيف يطلبون سحب مركز الشيخ مقبل ـ رحمه الله ـ من صعدة؛ لأنه سلفي يدرس الكتاب والسنة، ويمنعون كل إمام سني، وكتاب سني… من مناطق الزيدية؟ فهذا ليس معهوداً عند الزيدية، وإنما هو منهج رافضي.

(شعار الموت لأمريكا) الذي رفعته جماعة (الشباب المؤمن) هل كان هو السبب وراء اندلاع المواجهات بين الدولة والجماعة؟ أم ثمة أسباب أخرى؟
الذي يبدو أنه أحد الأسباب وليس سبباً وحيداً. والدليل أن هذه المجموعة ما رفعت هذا الشعار في صعدة، وفي صنعاء، وفي بعض المحافظات والقرى التي كانوا يتواجدون فيها.. إلا بعد أن أصبحوا تنظيماً له أهدافه، ومطالبه.
والدولة عندما ذكرت الأسباب التي أدت إلى المواجهة ذكرت منها:
ـ أن الحوثي كان يتصرف في مديرية حيدان منفرداً لا اعتراض عليه.. فكأنه الرجل الأول، والمسؤول المباشر.
ـ أنه أسقط عَلََم الدولة، ورفع عَلَماً آخر.
ـ أنه قام بتشكيل مجموعات مسلحة تحارب الدولة. لهذا طُلب منه أن يسلم هذه الأسلحة إلى الدولة فأبى أن يسلمها.
وظاهر الأمر أن المواجهة كانت لخروجه عن الطاعة، ورفضه مقابلة رئيس الجمهورية… إلى غير ذلك من الأسباب الأخرى.
وجاء من بعده أخوه عبد الملك الحوثي فطرح شروطاً تعجيزية لإيقاف الحرب في صعدة مع مجموعة من العلماء المحسوبين على الزيدية، ذكرتهم إحدى الصحف المحلية كما تطرقت إليه آنفاً، وكانت بعنوان (مقترحات من علماء الزيدية لإيقاف الحرب في صعدة)، مما يدل على أنهم مبيتون النية لمطالب كثيرة، وليس الشعار هو السب.

كيف تفسرون تجدّد المواجهات بين السلطات في اليمن وأتباع الحوثي من وقتٍ لآخر منذ ثلاث سنوات؟
هذا أمر واضح أنه إذا لم يُبَت في أي قضية من القضايا الخطيرة وبقي لها جذور وفروع.. فإنها أدعى في التجدُّد والاستمرار. وأصحاب الحوثي عندما أُوقِفت الحرب الأولى والثانية لم يسلَّم القادة أنفسهم، وما نزلوا من مواقعهم الحربية، ولا قبلوا أن يكونوا من بقية الرعايا في البلد، على الرغم من إعلان الدولة العفو العام عنهم.. بل ظل كثير منهم مدجَّجين بالسلاح، ومحافظين على مواقعهم في الجبال وفي بعض المناطق، وربما كان في اللجان التي تتوسط بينهم وبين الدولة مَن هم على شاكلتهم ولهذا كانوا ينقلون صوراً مخالفة للواقع، ووجدوا أيضاً من "سماحة الرئيس" والعفو المستمر عنهم سعة وفرصة، بل دافعاً على الاستمرار، وناقضوا ذلك الإحسان بل أرادوا في هذه الحرب الأخيرة فرض المزيد من المطالب التعجيزية.
ويُقال: إن الدور الخارجي الإيراني في تشجيعهم، ودعمهم المادي والإعلامي كان عاملاً كبيراً في استمرار المواجهة والحرب. بالإضافة إلى الأدوار الداخلية من عدة أحزاب وشخصيات إعلامية كانت أو مادية.
وعلى هذا فالقضية لم تُحسم بعد، ولذلك تجدّدت المواجهة، ولو أنها حُسمت إما بصلح، أو شكلوا حزباً سياسياً ـ كما طُلب منهم ـ أو مؤسسة خيرية، أو اندمجوا في المجتمع اليمني المسلم… و لو تركوا الاختطافات والقتل للجنود… ونزلوا من الجبال لكان الأفضل لهم بعيداً عن القتل والقتال. لكن أحياناً تضطر الحكومة ويضطر الولاة إلى المواجهة من باب: (فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله)، أو كما قال القائل:
فإن لم تكنْ إلا الأسنةُ مركباً * * * فما حيلةُ المضطر إلا ركوبُها
ناهيك عن التعاون الخارجي معهم من عدة جهات ومرجعيات شيعية بل والتشجيع من عدة أحزاب وشخصيات داخل البلد إعلامياً ومعنوياً..

البعض يتهم السلفيين في اليمن بمساندة الدولة في حربها على المذهب الزيدي ما صحة هذه التهمة؟
أولاً: أحب أن أقول كلمة قبل الإجابة على هذا السؤال: إن المجموعة الشيعية في اليمن، والتي ظاهرها أنها زيدية وواقعها أنها تستميت في الدفاع عن الرافضة يرددون كلمة: السلفية.. في مواجهة أهل السنة عموماً، وهم لا يقصدون السلفية بالمفهوم العُرفي التي تعني مجموعة من الدعاة، والمؤسسات والمراكز والجمعيات التي يُطلق عليها هذا اللقب الشريف، بل يعنون أهل السنة عآمةً (بمن فيهم السلفيون والإخوان المسلمون). بدليل أن هذه المجموعة تحاسب الحكومة على المنهج الذي تبنته من بعد قيام الثورة في اليمن والذي كان منهجاً ـ ولا يزال ـ سليماً مأخوذاً من الكتاب والسنة لم يتحزب للمذهب الزيدي أو المذهب الشافعي، وإنما كان يذكر المسائل الشرعية بأدلتها من الكتاب والسنة، ثم بعض اجتهادات الإمام الشوكاني. فهذا ما كان حاصلاً في وزارة التربية والتعليم، والمعاهد العلمية التي كانت بأيدي الإخوان المسلمين.
والإخوان المسلمون في اليمن دخَلَ فيهم السلفيون، ودخل فيهم الصوفيون، ودخل فيهم الزيدية.. لكن أيضاً المنهج العام الذي كان يدرس عن طريقهم كان منهجاً مقبولاً والأوقاف والمساجد كانت مع الإخوان (الإصلاح) والإرشاد وكل التحركات الدعوية كانت لهم.
فهؤلاء يحاسبون الناس على هذه الفترة ولا يقصدون السلفية بالمفهوم الخاص، وإذا طلبوا إبعاد الخطباء والعلماء والمدرسين والمسؤولين السلفيين فهم لا يقصدون إلا أهل السنة عموماً, بما فيهم حزب الإصلاح، وعامة الشافعية، ومن حزب المؤتمر (الحاكم)، يعني ممن ليسوا شيعةً.
لكن لا يريدون أن يقولوا: السنة، أو الإخوان المسلمون، أو حزب الإصلاح.. لأن هناك تحالفات الآن حصلت جعلتهم يقفون مُحرجَين، ويتكلمون فقط عن السلفية دون التصريح بالإخوان والشافعية.
ناهيك عن أن الغيول التي كانت تصب في اليمن وتقوي الاتجاه المعتدل البعيد عن التعصب المذهبي والمنهج الذي يصحح عقائد الناس وأعمالهم ليس بهذا المعنى المختصر الذي يقال عنه: السلفيون بأنه جاء واحد سلفي وهو الشيخ مقبل الوادعي ـ رحمه الله ـ، أو جاء مجموعة من السلفيين.. , بل المصادر كثيرة التي جعلت الناس ينقلبون عن التعصب المذهبي وعن التشيع المقيت والخزعبلات باسم الأولياء..إلى السنة.
هذا المنهج كان جزءاً كما تقدم والمسؤول عنه الإخوان المسلمون لا السلفيون وحدهم. وهم يشكرون على ذلك المنهج المعتدل.
ومنها المنهج السلفي الذي كان عليه الإمام الشوكاني ومَن قبله ومَن بعده من العلماء إلى اليوم. ولا يزال تلاميذ الأمير و الشوكاني بالتسلسل موجودين و من أشهرهم: القاضي العلامة إسماعيل الأكوع، وقبله أخوه القاضي محمد الأكوع ـ رحمه الله ـ، والقاضي العلامة محمد ابن إسماعيل العمراني… وغيرهم. ناهيك عن الذين درسوا في الجامعة الإسلامية، و جامعة ابن سعود وغيرهما. أو حتى الذين درسوا في الأزهر، أو درسوا في جامعات أخرى في العالم الإسلامي رجعوا وهم مقتنعون بالاعتدال والسنة؛ إذ ليس هناك أماكن لنشر التشيع المقيت.
وليس في هؤلاء من يحكم على الزيدية بالضلال والتكفير، ليس هناك إلاّ المنهج الاثنا عشري الذي بدأ يعيش في الأوساط الزيدية وهو يكفرهم.
أما السلفيون: مثل الشيخ/ مقبل الوادعي ـ رحمه الله ـ وغيره من العلماء الذين كانوا بجواره لم يكونوا يريدون القضاء على المذهب الزيدي. نعم الشيخ / مقبل.. باعتباره من منطقة زيدية في صعدة كان قد أخذ عن بعض مشايخ الزيدية مثل الشيخ/ مجد الدين المؤيدي.. بعض علوم الآلة. ثم بعد أن درس في مكة والمدينة عاد ينتقد التوجه الاعتزالي داخل المذهب الزيدي وألَّف بعض الرسائل المكتوبة عن الزيدية، وربما كان بعض السلفيين لا يوافقون الشيخ/ مقبلاً ـ رحمه الله ـ على المواجهة للزيدية؛ إذ كانوا يشعرون بالخطر الاثني عشرية الرافضي والباطنية، وكانوا يرون أن الزيدية كان ينبغي أن يُحسم الخلاف معهم، وأن يُضيَّق بقدر الضرورة.. وحتى في المسائل الفقهية التي لا نوافقهم عليها مثل: زيادة جملة (حي على خير العمل) في الأذان، وعدم الضم في الصلاة، وعدم التأمين… وما أشبه ذلك من هذه المسائل.. وإن كان لنا قناعتنا فيها خلاف ما يقولون.. إلاّ أننا لا نرى أن تكون محل صِدام ومواجهة معهم. والواجب أن يكون الجهد موجهاً إلى مواجهة الحملة الصليبية على الإسلام، وقبلها الحملة الشيوعية، بالإضافة إلى هذا الخطر الرافضي والباطني، والأخطار التي كانت قائمة في ذلك الحين.
وبعد هذه الجولة المختصرة: أجزم أنه ليس هناك استخدام من الدولة للسلفيين.. بقدر ما أن السلفيين لهم منهجهم، ولهم قناعتهم سواء شجعتهم الدولة أولم تشجعهم فهم يسيرون على منهج واضح. لكن أحياناً قد يحصل الالتقاء في بعض المواقف.
ولا أخفيك أنه قد حصل الالتقاء بين الدولة وبين هؤلاء المحسوبين على الزيدية من خلال صحفهم في الحملة التي قامت بها الدولة على من يسمونهم بـ"تنظيم القاعدة"، وهؤلاء محسوبون على أهل السنة وليسوا شيعة، وكان عامة السلفيين وعامة العلماء عموماً لم يوافقوهم على قضية الاختطافات وقضية التفجيرات وقضية قتل الجنود والصراع الداخلي.
لكن يوافقونهم في العداء للصليبية، والعداء للغرب الذي يعادي الإسلام، ويردون عليهم رداً علمياً؛ لأن الغرب يحارب الإسلام، ويريد إلغاء الجهاد وإلغاء الدين لو استطاع. لكن لا يوافقونهم على التصرفات التي تعود على البلد وعلى المسلمين بالضرر الأكبر؛ إذ إن السكوت في كثير من المواقف أولى من الكلام، أو من الفعل.. فالدولة حملت على هؤلاء وسجنتهم وحاكمتهم… وما أخرجت بعضهم من السجون إلاّ بشروط، وكان للمجموعة الشيعية في اليمن، مع صحف علمانية أخرى دور ظالم في المشاركة مع الدولة. فهل يُقال: إن الدولة استخدمت هؤلاء ضد أهل السنة؟ مع أنهم يستغلون مثل هذه الأحداث في التشويه على السلفيين دائماً.
ناهيك عن أننا نعتقد أن التعاون مع ولاة الأمر في الأمر الذي نراه مشروعاً وجائزاً هو من الدين والعدل. و لا نرى في ذلك حَرجاً. لكن أجزم مرة ثانية وثالثة… أنه ليس من سياسة الدولة -حسب علمي- أن تلغي المذهب الزيدي، وليس من مصلحتها أن تلغي المذهب الشافعي.. بل مصلحة الدولة كما هو الحاصل أنها تأخذ بالتوازنات مع هذا وهذا.. فمن كان أكثر خطراً أوقفته عند حده. وهذه هي السياسة العالمية التي تنشأ عليها الحكومات من خلال متابعاتنا للواقع.
والزيدية هؤلاء يفهمون هذا الكلام، أو مَن هم محسوبون على الزيدية.. لكن هذه في الحقيقة دعايات على السلفيين.
والخلاصة: أنه ليس هناك اتفاق بين السلفيين والحكومة على إلغاء المذهب الزيدي، ولم تقبل الحكومة بهذا التحالف، ولن يقبله السلفيون.. فكل واحد لن يقبل إلاّ بحدود ما هو جائز شرعاً. أما الحكومات فمن مصلحتها أن تحارب هذا يوماً وتكرمه في اليوم الآخر.
مطالب تعجيزية
نَسبت صحيفة محلية في اليمن إلى علماء الزيدية رسالة موجهة لرئيس الجمهورية تتضمن جملة من المقترحات لوقف الحرب بصعدة، ومنها: المطالبة بعزل القادة والمسؤولين السلفيين في الجيش والأجهزة الحكومية في محافظة صعدة شمال اليمن. ما تعليقكم على ذلك؟
أولاً: إن هذه الطلبات باسم إلْغاء القادة السلفيين، أو كما جاء على لسان علماء الزيدية أنهم يشترطون أن تُقام جامعة زيدية على شاكلة جامعة الإيمان السلفية، وذكرت القادة السلفيين في المعسكرات ـ حسب زعمهم ـ فهذا دليل على ما قلته سابقاً أنهم يقصدون أهل السنة عموماً. وإلاّ فجامعة الإيمان لو صُنفت حزبياً فهي تتبع حزب (الإصلاح). نعم.. هي جامعة تقبل للدراسة فيها كل من أتى ليطلب العلم متقيداً بشروط تضعها الجامعة، وفيها طلاب سلفيون، وفيها غير سلفيين.
لكنها بالمفهوم الحزبي هي أقرب إلى حزب (الإصلاح).. وإن كان الشيخ عبد المجيد الزنداني ـ حفظه الله ـ له اجتهادات وترجيحات ومواقف يخالف فيها حزبه (الإصلاح)، ويتعاون مع الآخرين.
هذا أقوله تأكيداً لما قلت سابقاً: إنهم إذا ذكروا (السلفية) في الغالب يقصدون أهل السنة. نعم.. قد يقصدون أحياناً السلفية بالمفهوم الخاص عندهم، أو المفهوم السلفي الذي لا يقبل التلاعبات والمكايدات السياسية التي توجد عند بعض الجماعات السنية الأخرى عندما نصُّوا في هذه المطالب على إلغاء أو سحب مركز دار الحديث العلمي في دماج الذي أسسه الشيخ مقبل الوادعي ـ رحمه الله تعالى ـ فشروط إبعاد الخطباء من أهل السنة، وسحب الكتب السنية، وإلغاء مركز دماج السلفي، وإلغاء القادة السنيين، وغيرها كلها شروط مخيفة في تقسيم البلاد فيدرالياً.
فالسياسة قد تقبل مثل هذا الكلام.. لأنه يمكن أن يكون هذا مخططاً لجعل هذه المنطقة خالصة للشيعة.. وذلك في الربط بين منطقة شمال اليمن، ومنطقة جنوب المملكة العربية السعودية , حيث يوجد شيعة إسماعيلية باطنية في منطقة نجران، وكذلك حاصل في المنطقة الشرقية في السعودية مع هؤلاء كما ثبت في بعض التحقيقات أن هناك جهات ومرجعيات وحوزات شيعية سواء من إيران، أومن العراق، أومن البحرين، أو من المنطقة الشرقية تتواصل مع هؤلاء، كما كشفت ذلك بعض التقارير الصحفية. بل بين شيعة (صعدة) وشيعة (الشرقية) علاقات علمية حيث يعتبر (حسن الصفار) ـ أبرز قيادات الشيعة في الشرقية ـ تلميذاً للشيخ بدر الدين الحوثي. فهنا يجوز أن يكون هذا.
ومن جهة أخرى يجوز أن يكون هناك أمر آخر للاستفادة من الصراعات كهذه كما هو واضح من موقف (جماهيرية ليبيا) وهي ليست دولة شيعية، ولكنها تريد أن تضر بالسعودية عن طريق هؤلاء.
كما أن إيران دولة لها مساعيها، ولها برنامجها، ولها خطتها الخمينية لنشر التشيّع في العالم الإسلامي بل في العالم كله. والحقيقة أنها دولة تعرف مصالحها.. فهي دولة قوية في سلاحها.. في جيوشها.. في تخطيطها.. في تنظيمها.. في اهتمامها بشيعة العالم أينما كانوا. تستحق منهم التقدير. ونقول إنها دولة عرفت مسؤوليتها وإن اختلفنا معها. فهل دول المسلمين ستدرك ذلك أم أنها تسعى إلى محاربة نفسها بنفسها. فهذا الأمر وارد، ويجوز أن يكون هناك حبائل أخرى وخطط أخرى.
أما تدريس المذهب الزيدي بدون منع تدريس المذاهب الأخرى فهو أمر لا يجوز منعه ومعارضته كغيره من المذاهب الإسلامية

يعزو البعض سبب التمرد الشيعي بصعدة شمال اليمن إلى بعض نظريات الفكر السياسي لدى الزيدية الهادوية كالخروج عن الولي الظالم، وحصر حق الولاية في البطنين. هل هذا صحيح؟
هذا هو مذهب الزيدية في كتبهم. فشروط الإمامة عندهم أربعة عشر شرطاً. ومنها: أن يكون الداعي إلى نفسه (قرشياً هاشمياً علوياً فاطمياً من البطنين) فهذه قضية علمية ثابتة عندهم بلا خلاف. فمن كان من أولاد الحسن والحسين، واجتمعت فيه الشروط الأخرى وهي: أن يكون (سليم الحواس والأطراف مجتهداً عدلاً سخياً يضع الحقوق في مواضعها ومدبراً, أكثر رأيه الإصابة, ومقداماً حيث يجوز السلامة ولم يتقدمه مجاب وطريقها الدعوة) ويخرج داعياً إلى نفسه شاهراً سيفه فإنه يصح أن يكون إماماً.
نعم ظهرت بعض الفتاوى الأخيرة لبعض العلماء الزيدية المعاصرين أنهم قد تخلُّوا عن هذا الشرط في الإمامة وقالوا بأن العملية الديمقراطية هي الحَكَم اليوم، والصندوق هو الفاصل. ولكن لم يوافقهم على هذه الفتوى أكثر علمائهم؛ لأنه لم يوقع عليها معهم: بدر الدين الحوثي، ولا مجد الدين المؤيدي.. وإنما كتبها بعض العلماء ـ يعدون على أصابع اليد الواحدة ـ الموجودين في صنعاء.
لكن في بعض المقابلات الصحفية مع بدر الدين الحوثي، أشار إلى قناعته في (مسألة البطنين).
كذلك الاحتمال الوارد أنهم لا يخرجون في خروجهم هذا في صعدة عن أحد أمرين:
إما على قاعدة الخروج على الظلمة؛ وهي من الأصول الخمسة عند المعتزلة، وإما أن يكون تأثراً بالفكر الاثني عشري، وهناك قرائن كثيرة تدل على ذلك، منها:
1) أن بدر الدين الحوثي نفسه جلس فترة مع ابنه حسين في إيران.
2) أنه كان هناك تواصل مع مرجعيات شيعية تزورهم إلى صعدة.
3) صدور البيانات من (قُم) ومن (النجف) ضد الحكومة اليمنية في سبيل الدفاع عن هؤلاء.
4) ظهور الوصايا بالإشارة في مؤتمر الشيعة العالمي إلى أحداث اليمن، ووجوب نصرة هؤلاء، وأهمية وجود مليشيات في كل بلد ومنها اليمن…
5) أن هناك أناساً من بعض الأسر الزيدية، قد برزوا – من خلال وسائل الإعلام – بكل وضوح أنهم أصبحوا اثني عشرية، مثل: علي الأكوع ، و محمد العمدي، وعصام العماد مع بقية إخوانه، والشاب أسعد بن إبراهيم الوزير، وغيرهم. وبدأ كثير من الزيدية يشغل نفسه بالدفاع عن الرافضة بقصد أو بغير قصد.
6) كذلك رسائل حسين الحوثي تدل على شيء من ذلك.
والقرائن كثيرة في قُرب حسين الحوثي.. من الاثني عشرية، وفي أحسن الأحوال في عداد الجارودية ولا سيما في نظرته إلى أبي بكر وعمر وبقية الصحابة ـ رضوان الله تبارك وتعالى عليهم ـ كما في رسائله وملازمه.
هل الحسم العسكري كافٍ؟!
برأيكم هل الحسم العسكري كافٍ لإنهاء التمرد الشيعي بصعدة؟ وكيف يمكن الحيلولة دون وقوع تمردات مشابهة في دولٍ عربية أو إسلامية أخرى؟
لا ريب أن هناك مدرسة سنية ومدرسة غير سنية سواء من الزيدية أو الاثني عشرية، فالمدرسة السنية بعد الخروج الذي كان في أيام السلف من قبل بعض العلماء وبعض الولاة على بعض حكام بني أمية وبني العباس حصل اتفاق على أن الخروج على الحاكم المسلم، ولو كان عنده مخالفات ما لم يصل الأمر إلى الكفر البواح أنه لا يجوز.
أولاً: عملاً بالأدلة التي تحث على الطاعة وعدم الخروج على الجماعة وإن وُجد ظلم.
ثانياً: إعمالاً لقاعدة المصالح والمفاسد.. وقد استفادوا واتفقوا بعد هذا عندما أخذوا تجارب. فكان في الغالب أن الذين خرجوا قُتلوا.. (فلم يقيموا ديناً، ولم يحافظوا على دنيا).
فنشر هذا الوعي مع توضيح أن الحاكم يخطئ ويصيب، وأنه يجب نُصحه، ويجب التحذير من الظلم. لكن هذا شيء والخروج عليه شيء آخر.
فأرى من المهم في هذه المحنة في صعدة نشر التعليم للكتاب والسنة و العقيدة الصحيحة، والمناقشة لهؤلاء، ولا يناقشون في مسألة الخروج على الحكام فقط.. بل ونظرتهم إلى الصحابة، وغلوهم في آل البيت لا في حبهم وولائهم، وتأثرهم بالمنهج الرافضي القائم على الغلو في الأئمة.. والذي يخالف كل المخالفة المذهب الزيدي في أبواب كثيرة.
وقد ذكرتُ قبل سنوات في مقابلة لي مع مجلة الفرقان الكويتية حوالي عشرين فرقاً بين المذهب الزيدي والاثني عشري، ثم ذكرتها في مقدمة كتاب (نظرة الإمامية الاثني عشرية للزيدية بين حقيقة الأمس وتقية اليوم) وفي بعض الندوات والمحاضرات والمقالات التي نُشرت في بعض المجلات.
هناك اعتدال عند الزيدية في: (عصمة القرآن، وفي قبول السنة، والاستدلال بها، وفي عدم الحكم لآحاد الأئمة بالعصمة، وفي قبول الإجماع..إلى النهي عن المتعة..إلى عدم القول بالتقية، والبداء على الله سبحانه وتعالى، والطينة، والرجعة، والمهدي الذي نسجوا حوله الأساطير) الخ.
هناك أقوال كثيرة، فأقصد إذا عُمم المنهج الصحيح فإنه كفيل لإزالة هذه الأفكار الدخيلة..
نعم. إن استخدام القوة عندما لا يكون هنالك بد لاستخدامها قد يكون علاجاً.. لكن حتى لو حسم الأمر عسكرياً فينبغي تعليم الناس العلم الشرعي والعقيدة الصحيحة والأخلاق الكريمة، ومعرفة حقوق الراعي والرعية، وحقوق المسلمين بعضهم على بعض، واحترام مقامات الصحابة ومقامات آل البيت، إلى غير ذلك من المسائل التي إذا عُمّمت بين الناس لاشك أنها تؤدي إلى إزالة الأوهام الخاطئة.
أنا أعلم أن الحملة الصليبية على الإسلام ومن ذلك على المنهج السلفي -تحت دعوى التطرف والإرهاب أو الوهابية كما يقول البعض ـ أن هذا من أعظم أسباب ظهور هذه المجموعات.
فالجمهورية اليمنية عندما كان المنهج الأول يحكمها قبل السماح للتعددية الحزبية، وبالحرية التامة للباطنية والعلمانية والاثني عشرية وغيرهم.. ما كانت هذه المفاهيم موجودة. ولذلك أنا لا أحرِّض الحكام أن يقضوا على الآخرين، لكن أقول: أنه ليس من مصلحة الحكام أن يحاربوا المنهج الصحيح بل من مصلحتهم أن المنهج الصحيح السني يعمَّم على الخلق كلهم، ولا أقول يُقسر الناس عليه قسراً لكن يترك المجال له في أي مكان، وسيقبله الناس رغبة به، وبما يحمل من مفاهيم وسطية وراسخة.
لذلك هؤلاء يرفعون عقيرتهم لمحاربة أهل السنة خوفاً من أن يعمموا المفاهيم الصحيحة..
الخلاصة: أن الحسم العسكري إذا اضطر إليه له دوره، ويبقى الحسم العلمي والدعوي هو الأهم.

في بعض خطبكم حذرتم "الهاشميين" في اليمن من الانجرار وراء الاثني عشرية. ما الداعي إلى هذا التحذير في هذا الوقت؟
هناك دواعي كثيرة أهمها: أن هناك أساليب معروفة لدى الرافضة في التباكي على مظالم آل البيت، ونسج الأكاذيب حول السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – .. وكيف اعتدى عليها أبو بكر وضربها وهي حامل على زعمهم وافترائهم .. وكيف أوذي الإمام علي من قِبل أبي بكر وعمر وعثمان.. وعندما يتباكون على آل البيت قد تأخذ العاطفة بعض هؤلاء الهاشميين بل وعامة المسلمين، ناسين أن آل البيت عبر التأريخ الإسلامي كان سوادهم الأعظم موزعين على المذاهب السنية فهم ما بين أهل الحديث، والأحناف، والشوافع، والمالكية، والحنابلة، والظاهرية. وكان منهم عدد في المذهب الزيدي على اعتداله في هذه المسائل لولا الجناح الجارودي في أوساطهم الذي يسيء إلى الصحابة.. أما من انتحلوا الرفض ـ المذهب الاثني عشري ـ فكانوا أقليَّة، ولولا أن الحوزة والمرجعية في النجف فتحتا باب الانتساب إلى آل البيت ـ كما ذكر صاحب كتاب (لله ثم للتأريخ) ـ، لما توسّعت بسهولة، ولما كان هذا العدد الجم الذي يتظاهرون أنهم من آل البيت.
فنقول للهاشميين إنهم لو درسوا ما جاء في فضائل آل البيت في كتب السنة من أحاديث صحيحة، وما جاء في كتب عقائدهم من وجوب حب آل البيت واحترامهم.. لفهموا أن أهل السنة أولى بهم، وأنهم أصدق في ولائهم لآل البيت.
أما الرافضة فيكفيهم أنهم كفّروا كل من ادّعى الإمامة من أولاد الحسن، وكفّروا كل من ادّعى الإمامة من أولاد الحسين من بعد الثاني عشر، وكفّروا كل من ادّعى الإمامة من الهاشميين الآخرين من آل العباس، ثم من أولاد علي من غير الحسن والحسين، وكفّروا آل البيت تماماً الذين ادّعوا الإمامة، أو الذين اعتقدوا صحتها في غير الاثني عشر… فهذه خديعة رافضية لأولاد الحسن والحسين وبقية العلويين بل وجميع الهاشميين والأمة كلها.
فمن هو المحب الحقيقي؟
أنا أحذر "عوام الهاشميين". أما المثقفون منهم والمتعلمون فهم يفهمون هذا الكلام.
ثم أيضاً هل تأخذهم العصبية السلالية وينسون العقيدة الصحيحة، وينسون أن هؤلاء هم من أحفاد عبد الله بن سبأ، وعلي بن الفضل… وغيرهما من الزنادقة فهذه كانت نصيحة ولا أزال.. وأنا أشهد الله أني أحب آل البيت الملتزمين حباً كثيراً زائداً على غيرهم من بقية المسلمين.

جرت مؤخراً حوارات بينكم وبين بعض رموز الزيدية، ما مدى قناعتكم بها؟ وهل أثمرت؟
قناعتنا أن الحوار خير من القطيعة، وإذا فاضلنا بين الحوار وعدمه فالحوار أولى وإن كانت الثمرة لمّا تأت بعد. والحوار مع الزيدية يتسم بالمصداقية لعدم إيمانهم بالتقية التي يؤمن بها الإمامية؛ ولأن للزيدية أئمة تحوّلوا إلى السنة وهذه تُعتبر تجارب قد آتت أكلها. وأنا ما زلت معجباً بجوانب كثيرة من التراث الزيدي، وبعدد من أئمته قديماً وحديثاً، ولا أرى في بعض المتكلمين باسمه الآن إلاّ أنهم يخدمون الرافضة، ويسيئون إلى أهل السنة، بل ويحاربون المذهب الزيدي بهذا السلوك.
العلمانية أم الطائفية؟!
ماذا تقول فيما يطرحه بعض المفكرين من أن العلمانية قد تكون الحل الأمثل للخروج من الصراعات المذهبية والطائفية في العالم الإسلامي؟
هذه ظلمات بعضها فوق بعض. ليس هذا حلاً بل هي مشكلة كبيرة. فمن حين دخلت العلمانية والمذاهب الغربية الوافدة على بلاد المسلمين تفرقت الأمة؛ لأن العلمانية فتحت الأبواب للطائفية والحزبية على مصارعها بدون ضوابط، بل وشجعت ذلك على حساب المصالح السياسية الماكرة، ولغرض خبيث وهو إضعاف الوجود السني بين المسلمين، وإخماد أصواتهم.
نعم. هناك من الطوائف من يدّعي الإسلام، ويستبيح الدماء… لكن من طرف واحد فقط كالرافضة وفرق الباطنية الأخرى…فهؤلاء هم من يقول هذا لكراهتهم حُكم أهل السنة.
أما إذا رجعنا إلى المعتقد الصحيح الذي ندندن دائماً حوله إذا حصل لنا التوحيد، والإتباع، والتزكية وفَهمنا حق الراعي والرعية، وطُبق شرع الله سبحانه وتعالى… فكل بلاء سينتهي بإذن الله.
حتى أصحاب الآراء الشاذّة من المبتدعة كانوا موجودين في التاريخ الإسلامي لكن ما كانت لهم الكلمة، بل كانت الكلمة للسواد الأعظم من المسلمين وهم أهل السنة، وكان حكام أهل السنة يتعاملون مع مثل هذه الفرق والطوائف المبتدعة بمقتضى الشرع ؛ فيتحاورون معهم، ويناظرونهم بين يدي الأمراء، أو إذا ثبت في حقهم مكفر من المكفرات بعد إقامة الحجة استتابوهم، أو يسجنوهم… وهكذا نجد أنه كانت لا تحملهم مخالفة أهل البدع على ألاّ يعدلوا فيهم. بخلاف الروافض والباطنية الذين إذا استطاعوا أن يسفكوا الدماء فعلوا ذلك..كما حصل في العراق..
ولسنا بحاجة للعلمانية، إنما قد يحتاجها الغربيون الذين لا دين لهم ولا شرع لهم؛ ولأن كتبهم محرّفة. أما نحن فكتاب الله تعالى موجود وسنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ موجودة، والعلماء الموجودون قادرون على فهم الكتاب والسنة، والأحكام السلطانية قد هذبها العلماء ورتّبوها وكتبوا فيها ما يشفي ويكفي لحكام المسلمين، وفي الأمة الإسلامية من هو كفء لسياستها، والعلماء المجتهدون مستعدون للإجابة عن أسئلة الأمة واستفساراتها ومتغيراتها والله سبحانه تعالى يقول: (ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً) ويقول: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء) ويقول: (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور).
كيف يترك المسلمون كتاب الله وسنة نبيه ويذهبون يتسكعون على أبواب أصحاب الآراء الشاذّة التي تتبدل وتتغير حسب أهوائهم؟!
والخلاصة: إنه لا يقول هذا إلا: مَن لم يفهم تاريخ الدول الإسلامية والأحكام السلطانية وتأثر بنظريات العلمانية، أو مَن أُصيب بالإحباط و الهزيمة النفسية.
وهذا عجز لا يجوز أن يصل إليه المسلمون بأي حال؛ لأن واجبهم أن يُعرّفوا الناس بمبادئهم الإسلامية في شتى المجالات، ويثبتوا عليها.
{moscomment}

بحث سريع