استراتيجية إيران لنشر التشيع في سورية!

بواسطة | إدارة الموقع
2007/07/15
الوطن العربي ـ 12/6/2006
قبل الإعلان المفاجئ عن توقيع معاهدة دفاع مشترك بين طهران ودمشق في منتصف يونيو "حزيران" الماضي إثر زيارة وفد عسكري سوري رفيع وكبير يتقدمه وزير الدفاع حسن توركماني إلى إيران كانت التقارير الدبلوماسية والأمنية العربية والغربية الصادرة في العاصمة السورية تكاد تنحصر في رصد وتحليل ما يدور من زيارات ونشاطات ومعاهدات مكثفة على خط دمشق ـ طهران في شكل لا سابق له منذ قيام التحالف الاستراتيجي بين البلدين في الثمانينيات عندما اختار الرئيس حافظ الأسد الانحياز إلى إيران في حربها مع عراق عدوه اللدود صدام حسين.
وعلى الرغم من تركيز معدي التقارير على تفاصيل المعاهدة الأخيرة ودورها في تفعيل وتوثيق التعاون الاستراتيجي والعسكري في محور طهران ـ دمشق والجبهة المشتركة التي قرر الحليف إقامتها لمواجهة مخططات العزل والحصار الأميركية والدولية، إلا أن الأيام الأخيرة تميزت بصدور تقارير تعالج خفايا وأبعاد التحالف السوري ـ الإيراني الجديد من زوايا مختلفة وتحديداً من زاوية ما بات يعتبر هيمنة إيرانية شبه كاملة على سورية وتحول الدعم الإيراني المتعدد الأوجه لدمشق إلى نوع من الوصاية والنفوذ اللذين يجعلان نظام الرئيس بشار الأسد رهينة في يد نظام الملالي وسورية دولة تابعة لإيران!
ويصل أحد التقارير الغربية في قراءته المبالغة لحجم الاختراق الإيراني الأخطبوطي لسورية إلى حد عقد مقارنة بينه وبين مرحلة الهيمنة السورية على لبنان، ويشير إلى أن الوضع الصعب الذي تعيشه سورية منذ خروجها من لبنان لم يقد فقط إلى نجاح إيران في ملء الفراغ السوري في لبنان بل نجحت في ملء "الفراغ" الذي واجهه النظام السوري بفعل الضغوط والتهديدات الدولية والانقسامات الداخلية. ويزعم التقرير أن سورية تجد نفسها اليوم محشورة بين مطرقة الضغوط الدولية وسندان الإنقاذ الإيراني بعدما سلمت كل أوراقها لإيران لهذه الغاية. وفي إطار تشبيهه بين الدور السوري في لبنان "قبل الانسحاب" والدور الإيراني في سورية حالياً وصف التقرير العلاقات الوثيقة بين البلدين بأنها أشبه بمعاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق التي أرغم لبنان على توقيعها مع سورية تكريساً لحالة الهيمنة والوصاية وذلك عبر "اللجنة العليا المشتركة" وأشار إلى مسلسل الزيارات التي لا تنقطع بين البلدين منذ أشهر ولا تشمل فقط كبار المسؤولين السياسيين بل الوزراء والخبراء ورجال الدين وكان آخرهم "حتى كتابة هذه السطور" السيد حسن الخميني حفيد الإمام الراحل الخميني – من ابنه أحمد- والذي يتولى إدارة مركز تراث الإمام. ويبدو أن زيارة السيد حسن الخميني إلى سورية مناسبة لإثارة جوانب أخرى من ملفات التعاون والتنسيق بين البلدين ومدى الاختراق الإيراني لسورية. وهو ملف يزعم معدو التقرير أنه مرشح للتحول إلى صاعق إضافي لانفجار الوضع الداخلي السوري على خلفية ارتفاع حالة التذمر الشعبي من التغلغل الإيراني في سورية. ويبدو أن هذه الحالة لا تعود فقط إلى مجريات التعاون الاستراتيجي والعسكري والسياسي بين بلدي هذا المحور بقدر ما تشكل إفرازا للتواجد الإيراني المفاجئ والمكثف في كل مجالات الحياة السورية، وما عرف حتى الآن من اتفاقيات التعاون بين البلدين هو إلى جانب معاهدة الدفاع وما قيل عن شمولها قوات من الحرس الثوري وخبراء عسكريين إيرانيين في سورية، اتفاقيات التعاون الاقتصادي والمالي والصناعي والسياحي والثقافي وهي اتفاقيات تلحظ مساهمات مالية إيرانية ضخمة في الاقتصاد السوري تشمل بناء مصانع سيارات وأسمنت وخط أنابيب ومشاريع اقتصادية وسياحية أخرى وافتتاح فروع لمصرف صادرات إيران في سورية. لكن يبدو أن الجانب الأكثر حساسية يتعلق بالتسهيلات السورية وفتح البلاد أمام سائر النشاطات الإيرانية ووصولها إلى اتهامات للنظام بتسهيل حركة التشيع في سورية! وفي هذا الإطار يتحدث التقرير عن دخول عشرات ألوف الإيرانيين إلى سورية في شكل دوري "أكثر من مليون سائح سنوياً" حيث يتوزع هؤلاء على المراكز السياحية الدينية الشيعية مثل السيدة زينب والسيدة سكينة وسائر الأضرحة التي تعتبر عتبات مقدسة شيعية يؤمها آلاف الإيرانيين، وإضافة إلى هؤلاء السياح انتعشت حركة الاستثمار الإيرانية في سورية لكنها في المقابل قادت إلى إثارة حفيظة فئات من الشعب السوري راحت تتذمر من الهجوم الإيراني على بلادهم.
وتصل هذه الفئات التي لا تعرف بعدائها للنظام إلى حد اتهام أركانه بأنهم "باعوا البلد لإيران"! ويبدو أن خلفية هذه الحالة هي المعلومات المتداولة والمبالغ فيها أحياناً عن تعرض المجتمع السوري إلى عملية "تشييع" مقصودة ومنظمة خصصت لها ميزانية ضخمة بمئات ملايين الدولارات. وتشير هذه المعلومات إلى أن الأشهر الأخيرة شهدت نشاطات إيرانية مثيرة للشبهات وانتشارا كثيفا للمظاهر الشيعية شمل كل المحافظات في بلد يعتبر ذا أغلبية سنية ساحقة ولا يمثل الشيعة فيه "إذا استثنينا العلويين" سوى واحد في المائة وحوالي 150 ألف نسمة.
وتضيف المعلومات أن عدد الحوزات الشيعية قد زاد في سورية في شكل كبير بدعم إيراني واضح. وأن دعاة شيعة يطوفون المدن والقرى السورية، وسط تغاضي الجهات الرسمية؛ لنشر المذهب الشيعي وفتح حسينيات ومراكز دينية وثقافية ومراكز تدريس ومكتبات في غالبية المناطق ووصلت إلى حلب وضواحيها وحمص وحماه والحسكة والقاقشلي والرقة واللاذقية ودير الزور وغيرها، ولم تعد هذه النشاطات محصورة في ضاحية السيدة زينب كما في السابق. وفي موازاة إقامة المناسبات الدينية والموالد والمآتم والمؤتمرات الثقافية التي يحضرها مسؤولين رسميون لوحظ أن إيران تلعب دوراً في تمويل بناء مستشفيات ومستوصفات خيرية ومساجد وحسينيات انضمت إلى مسجدي صفية ودرعا في دمشق ومسجد النقطة في حلب ومشفى الخميني في دمشق والمشفي الخيري في حلب.
ويتردد في سورية أن أنشط الجمعيات الخيرية حالياً وأكثرها فعالية في دعم ومساعدة المحتاجين هي جمعيات ذات تمويل إيراني تتولى توفير مساعدات مالية شهرية للمسنين وتوزيع الأرز والسكر والطحين. وفي الآونة الأخيرة بدأ الإيرانيون بإعداد برامج تعاون ثقافي تشمل زيارات منظمة إلى سورية وتوزيع دعوات على فعاليات من مختلف القطاعات السورية وإلى أساتذة الجمامعات وتخصيص منح دراسية في الجامعات الإيرانية. وقد أدى هذا التعاون الجامعي مؤخراً إلى إدخال تعلم اللغة الفارسية إلى عدد من الجامعات السورية.
تشيع أم تفريس
لكن الجانب الأكثر إثارة لحساسية السوريين تجاه هذا الاجتياح الإيراني لبلادهم كان في امتداد عملية نشر "التفريس" والتشيع إلى حد ظاهرة الدعوة إلى التشيع والعمل على إقناع الشباب السوري باعتناق المذهب الشيعي. ويقال إن حالات اعتناق المذهب الشيعي شهدت مؤخراً تزايداً بالآلاف وتقول بعض الشائعات الرائجة في سورية قد تصل إلى حد توفير العمل لهم في المراكز الثقافية وخصوصاً المركز الثقافي الإيراني في دمشق الذي تمت توسعته مؤخراً وبات يعتبر من أكثر المراكز الثقافية نشاطاً في سورية.
ومع انتشار مظاهر التشيع والتغلغل الإيراني في البلاد وخصوصاً في دمشق ومحافظات الشمال وسط صمت رسمي كامل سادت قناعة في أوساط السوريين المطلعين بأن ثمة تشجيعاً رسمياً خفياً ومعلنا لهذه الظاهرة، ووصل البعض إلى حد وصفها بأنها سياسة رسمية للنظام مبنية على حسابات مستقبلية.
وفي رأي بعض الخبراء السوريين أن النظام اختار في المقابل "تشجيع" ظاهرة التدين في شكل عام والتقرب من الإسلاميين على حساب العلمانيين بهدف لجم حالة التذمر التي سادت في الأوساط الدينية والشعبية السنية. ويضيف هؤلاء أن انفتاح نظام البعث على الجماعات والقيادات الإسلامية الرسمية أو شبه الرسمية لم يكن فقط بهدف استقطابها في مواجهة حركة الإخوان المسلمين، بل أيضاً استمالتها لتخفيف حملاتها ضد الهيمنة الإيرانية ومظاهر التشيع في سورية، ويبدو أن هذه الجماعات والحركات الإسلامية غير المعارضة للنظام بدأت تستغل هذه الظاهرة لحسين مواقعها والحصول على "مكتسبات" دينية من النظام البعثي الذي كثف في الآونة الأخيرة من تنازلاته للجماعات الدينية.
واللافت أن انتشار هذه الظاهرة قد قاد جهات غير دينية إلى التحذير من انعكاساتها ومخاطرها، إذ إن هيثم المالح رئيس جمعية حقوق الإنسان حذر مؤخراً من نشاط العديد من الشيعة الإيرانيين على الساحة السورية بدءاً من مركز السيدة زينب إلى منطقة الجزيرة مروراً بوسط سورية وخاصة حول حماه. وتساءل عن سر افتتاح العديد من الحوزات الشيعية في سورية وإقامة النشاطات وإجراء الاجتماعات، وعما إذا لم يكن هناك اتفاق ضمني بين الدولة الإيرانية والنظام السوري لتقديم التسهيلات للوافدين من إيران.
أما المحامي عبد الله الخليل الناشط في مجال حقوق الإنسان والذي يقطن في محافظة الرقة السورية فقد كشف عن أن الحكومة السورية قامت بتقديم مقبرة أويس القرني في الرقة حيث دفن الصحابي عمار بن ياسر كهبة للحكومة الإيرانية. وبنى على أطلالها مركز شيعي وجامع كبير اسمه مقام عمار بن ياسر وبات مركزاً للتشيع. وقال الخليل: إن هذا المركز يعتبر أول مركز شيعي في الرقة وإن ثمة مشروعاً لتوسعته بإقامة مساكن وسوق تجارية على غرار جامع السيدة رقية في النجف.
ولا تقتصر عمليات التشيع هذه على نشاطات المدارس الدينية المنتشرة في حي السيدة زينب حيث قامت حوزات متعددة تتوزع مرجعياتها الدينية بين آية الله على خامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية وآية الله على السيساني المرجع الشيعي العراقي والمرجع اللبناني محمد حسين فضل الله. ويعترف الشيخ محمود الحائري الذي يشرف على حوزة شيرازية بأنه يلتقي على الأقل كل أسبوع بسوري يريد اعتناق المذهب الشيعي وأن هؤلاء السوريين ينتمون إلى كل الطبقات الاجتماعية ومختلف المناطق.
ورغم رمزية أعداد السوريين الذين يختارون المذهب الشيعي واستمرار محدودية هذا الرقم قياسا لعدد السكان إلا أن الظاهرة بدأت تشكل هاجساً مقلقاً خصوصاً لدى رجال الدين السنة الذين راح بعضهم يتحدث صراحة عن خطة إيرانية إقليمية لنشر المذهب الشيعي وتفريس سورية. ويلتقي هؤلاء مع الأطراف "العلمانية" التي تحذر من عواقب مساهمة النظام في تأجيج الحساسيات الطائفية والمذهبية وانخراطه في مشروع "الهلال الشيعي" عبر إثارة تناقضات جديدة داخل المجتمع السوري تضاف إلى تناقضاته المعروفة لتشكيل عامل تفجير إضافيا. وحتى الآن يبدو أن هذا الهاجس ما زال ينحصر في إطار إثارة حساسية السوريين تجاه الإيرانيين ومخاوفهم من دفع ثمن التحالف بين طهران ودمشق؛ بفرض وصاية إيرانية كاملة على البلاد. ويصل بعض السوريين إلى حد القول علنا: إن إيران باتت قادرة على أن تفعل ما تشاء في سورية وتمارس أي نشاط تريد بدون أن تستطيع أية سلطة حكومية أو رسمية منعها.
رهينة إيرانية
والواقع أن انتشار هذه الظاهرة وتوسعها يشكل حاليا محوراً أساسياً لانتقاد النظام والسلطة. أما التقارير الأخيرة فإنها بدأت تعتبر هذه الظاهرة بانعكاساتها السلبية على تماسك المجتمع السوري نقطة ضعف و "مقتلا" للنظام ولم تعد تنظر إلى توثيق العلاقات بين طهران ودمشق كمصدر قوة ودعم وصمود لبشار الأسد.
واللافت أن أحد التقارير توسع في قراءته لظاهرة التشيع والتفريس في سورية وحالة السخط الشعبي تجاهها فاعتبرها بوضوح دليلا على ضعف النظام وعلى وقوعه رهينة في أيدي الإيرانيين.
ولفت هذا التقرير إلى النفوذ المتزايد الذي تلعبه إيران داخل سورية على كل المستويات، وليست "ظاهرة التشيع" والتغلغل الإيراني سوى الجزء الظاهر منها. ويعتبر التقرير أن السفير الإيراني في دمشق محمد حسن أختري يلعب حالياً دوراً محورياً داخل سورية.
ويلفت أن أختري الذي سبق له أن عمل سفيراً "فوق العادة" في سورية هو في الوقت ذاته رئيس "جمعية أهل البيت" وهو بالتالي يشرف على اختراق إيران للساحة السورية في كل المجالات. ويذهب التقرير – للدلالة على حجم الهيمنة الإيرانية على سورية – إلى حد الإشارة إلى أن الملصق الأكثر مبيعاً في حي السيدة زينب هو الملصق الذي يصور الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد محاطاً من جهة بالرئيس الإيراني أحمدي نجاد ومن جهة أخرى بزعيم حزب الله السيد حسن نصر الله!
ويعكس هذا الملصق ما تتحدث عنه بعض التقارير الاستخبارية من أن مصير النظام السوري بات بعد الخروج من لبنان في أيدي الإيرانيين وأن طهران قد اختارت بدورها حمايته من السقوط بتوفير جميع أوجه الدعم له، وهو دعم يصل حسب بعض المعلومات إلى حد تكليف المخابرات الإيرانية برصد ما يدور داخل القيادة السورية موازين القوى فيها في شكل دقيق والتدخل أكثر من مرة لمنع تصدعه. وهو ما حصل مؤخراً عندما توسط قائد الحرس الثوري الجنرال رحيم صفوي لتسوية خلاف حاد اندلع بين ماهر الأسد وآصف شوكت وقام بزيارة سرية إلى دمشق لهذه الغاية.
ولكن السؤال الذي يطرحه بعض السوريين المطلعين هو: أين سيتوقف الغزو الإيراني لسورية وهل مازالت دمشق قادرة على رفض شروط طهران و "مساعداتها"؟ وأخر هذه الشروط التي تمت تلبيتها كان في شن حملة شعواء ضد عرب الأحواز اللاجئين إلى سورية.
أما معدو التقارير فتتمحور تساؤلاتهم الجديدة عن مدى قدرة النظام السوري على حفظ التماسك الداخلي بعدما بدأت أولى ثمار التعاون الوثيق مع طهران تنعكس خللا في التوازن وتهدد بإثارة حساسيات مذهبية. ويبدو أن انتشار ظاهرة التشيع والتفريس بات ينظر إليه لدى غالبية السوريين على أنه "تحالف ديني" وليس سياسيا أو عسكرياً فقط مع إيران. وهي نظرة تنذر في حال تجذرها وانتشارها رغم إصرار النظام على التعتيم الإعلامي الكامل عليها، بإشعال ظاهرة التطرف الديني في سورية وتهديد مستقبل البلاد والنظام.
وثمة من يضيف إلى هذه المخاوف تحذيرات من أن تؤدي مجدداً إلى إعادة صراعات الأجنحة داخل النظام حيث يقال إن ثمة جناحا كان يحذر من مغبة وضع كل بيض سورية في سلة إيران وأن هذا الجناح قد يستغل المخاطر التي تنذر بها هذه المعادلة. وليس مستبعداً أن يكون استمرار رهان البعض على قرب حصول التغيير الداخلي في دمشق مرتبطاً بهذا الوضع الصعب للنظام رغم إشراف ومراقبة وحماية المستشارين الإيرانيين من قلب العاصمة السورية!
{moscomment}

بحث سريع