النسابة البدراني (و هو يترك مركز حمد الجاسرالثقافي بالرياض ) :كتب الأنساب تكرّس العصبية

بواسطة | إدارة الموقع
2007/07/31



قد يكون الدكتور فائز البدراني الباحث الوحيد الذي لا يؤمن بالرواية العامية ولا بالقصص الشعبية مصدراً للأخبار التاريخية، ما حداه في فترة من الفترات إلى انتقاد منهج علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر في عدم حرصه على الاستعانة بالوثائق، التي أصبحت اليوم من سمات البحوث التاريخية المعاصرة، كما أنه يرى أن الجاسر لم يسلم، كغيره من الباحثين، من الانخداع ببعض المصادر المصنوعة مثل كتاب «إمتاع السامر» وغيره من الكتب والروايات المختلقة.
يوشك البدراني أن يترجل من كرسي إدارة مركز حمد الجاسر الثقافي خلال هذه الأيام. هنا حوار معه حول تركه مركز الجاسر وقضايا عدة.

* بحكم تجربتك البحثية واهتمامك بجمع الوثائق ودرسها؛ أيهما أيسر، الحصول على الوثائق التاريخية من مراكز البحوث داخل المملكة أم الحصول عليها من المراكز الخارجية؟
- لا شك في أن الحصول على الوثائق من المراكز العلمية في الدول المتقدمة أيسر منه في الدول النامية والمتخلفة، لكن هذه القاعدة لا يجب أن تعمم على كل المراكز في بلادنا، فهناك مراكز تبذل قصارى جهدها في خدمة الباحثين، وهناك مراكز تنظر إلى الباحث بشيء من الدونية والشك.

* كتابك الجديد جاء بعنوان «وثائق تاريخية من منطقة المدينة المنورة».. لماذا اخترت منطقة المدينة المنورة؟
- أولاً: اختيار منطقة المدينة المنورة يعود لأسباب عدة، منها: أنها عاصمة الإسلام الأولى ومثوى خير البرية مما يجعل التأليف عنها والكتابة في تاريخها شرف للباحث، وثانيها أن منطقة المدينة كغيرها من مدن الحجاز تتميز بتاريخها الحضاري العريق الذي أدى إلى ازدهار العلم فيها وتميزها بالكتابة والتوثيق، فكان أن حفظت لنا هذا الكم الكبير من الوثائق التي تحتاج إلى همة الباحثين لجمعها وتحقيقها وإخراجها للأجيال الحاضرة والمستقبلية.

* ماذا عن استكمال بقية أجزاء الكتاب والزمن المتوقع؟
- لا شك أن مشروع جمع وتحقيق وثائق منطقة المدينة المنورة أو مكة المكرمة مشروع ضخم يتطلب جهداً بشرياً ومالياً من الصعب أن يقوم به فرد واحد، ولذلك فإنني اخترت جزئية أو جزئيتين من منطقة المدينة المنورة، وهما وادي الفرع ووادي الصفراء، ومن المتوقع أن تخرج وثائق وادي الفرع في عشرة مجلدات، وإذا تمكنت من إخراج مجلد واحد سنوياً فهذا شيء جيد.

* صدور كتابك «ظاهرة التأليف في الأنساب» يعيد النقاش حول الكتابة في الأنساب، وهل هي ظاهرة سلبية أم إيجابية، ماذا عنك في هذا الكتاب؟، وما الذي تريد أن تقول من خلاله؟
- نعم الكتابة في الأنساب أصبحت ظاهرة. وهي ظاهرة سلبية من ناحية الكم الكبير من مؤلفات الأنساب التي تكرس الجهل والفخر والعصبية، وهي ظاهرة سلبية إذا استغلت الأنساب للتجارة من بعض دور النشر، لكنها ظاهرة إيجابية إذا كانت تقوم على أسس علمية وموضوعية، وتخدم الحقيقة العلمية.

* كثر الحديث أخيراً حول منهجية فايز البدراني، لماذا أصبح البدراني مثيراً للجدل بين الباحثين؟
- إرضاء الناس غاية لا تدرك، والناس جعلهم الله مختلفين في النظرة إلى كل شيء.. لكن الذي يسرني أن المنصفين والمتخصصين وكبار أساتذة التاريخ راضون عن منهجيتي، وأجد منهم الثناء والإعجاب، أما أنصاف الباحثين والحاسدين والجهلاء فليس من المستغرب عدم رضاهم، وأنا وهم كما يقول الشاعر:
إذا رضيت عني كرام عشيرتي فلا زال غضباناً علي لئامها.

*يقال إن فائز البدراني استفاد من علاقته بكبار الباحثين مثل: الشيخ حمد الجاسر والأستاذ سعد بن جنيدل والشيخ أبو عبدالرحمن الظاهري، كيف كانت هذه الاستفادة؟
- أرجو أن أكون استفدت منهم، فهم رواد في مجالات البحث التي اشتغلوا بها، وكل من احتك بهم لا بد من أن يكون استفاد منهم، وإذا كنت استفدت منهم فهذا شيء مشرف وأعتز به. لكن الفارق بيني وبينهم أنني اتجهت للتوثيق والوثائق المحلية بينما كان أولئك الرواد يعتمدون على كتب التراث العربي.

*
لماذا يرفض البدراني منهجية الباحث عاتق البلادي؟
- أنا أرفض كل منهجية لا تقوم على التحقيق والتوثيق بغض النظر عن اسم الباحث. فمن كان يكتب كل ما يسمع حتى لو كان الراوي العامي يصف حادثة أو قصة لم يعاصرها ولم يعاصرها جده العاشر ولم ينقلها من نص محقق، فأنا لا أقبل منهجه ولا أعده باحثاً ولا مؤرخاً، وإنما هو عامي يصدق الأساطير ويطرب للمبالغات العامية!

* افتقدت «ثالوثية البدراني» في الآونة الأخيرة نشاطها المعهود، ما السبب ؟
- أسباب كثيرة منها: الانشغال بالعمل، وكثرة الارتباطات خارج مدينة الرياض، وكذلك ظهور منتديات تتوافق مواعيدها مع موعد الثلوثية، خصوصاً ثلوثية الصديق الشيخ محمد المشوح، وثلوثية الدكتور عمر با محسون، ما اضطرنا إلى تحويل منتدى الثلوث إلى لقاء شهري بدلاً من أسبوعي، أما السبب الأهم في نظري فهو أن الثلوثية تميل إلى استقطاب فئة محددة من الباحثين المهتمين بالتاريخ المحلي وأنساب القبائل بشكل خاص، ما غيبها إعلامياً.

* لماذا تركت مركز حمد الجاسر الثقافي؟
- كما تعلم فأنا استقلت من العمل الوظيفي قبل سبع سنوات، لكي أتفرغ لأموري الخاصة، ولكي أكمل أعمالي البحثية المتراكمة، وعندما طلب مني الإخوة في مؤسسة حمد الجاسر الخيرية، تولي إدارة المركز، وافقت على ذلك موقتاً وقبلت العمل بعقد مدته سنتان فقط، لأنني لم أكن أبحث عن وظيفة بقدر ما كنت أرغب في الإسهام في خدمة هذه المؤسسة قدر استطاعتي، وريثما يتوافر من يقوم بعملي. ومن المثير للسخرية أن بعض مرضى النفوس سارعوا إلى بث بعض الإشاعات السخيفة، مفادها أنني استقلت لأنني أطمع في وظيفة محددة في مكان ما، ولما تبين لهم خطأ ما ذهبوا إليه روجوا مقولة أنه لم يمدَّد لي.. فهؤلاء ينطبق عليهم قول الشاعر:
أعطيت كل الناس من نفسي الرضا ** إلاَّ الحسود فإنه أعيانـي
والحقيقة بكل صراحة أنني اعتذرت عن عدم الاستمرار بعد نهاية المدة المتفق عليها، خصوصاً أنني عزمت التسجيل في الجامعة للحصول على درجة الدكتوراه ابتداء من العام الدراسي المقبل إن شاء الله، وهذا كل ما في الأمر. كما أنني مسرور بتعيين الدكتور ناصر بن صالح الحجيلان مديراً للمركز، لأنه شاب طموح ومثقف وأرى أن إدارة المركز وفقت في اختياره، وأتمنى له التوفيق.

* بعد عامين من العمل مديراً لمركز حمد الجاسر الثقافي… كيف تقوّم تجربتك؟ وهل أنت راضٍ عما تحقق من إنجازات؟
- تجربتي في مركز حمد الجاسر الثقافي تجربة طيبة، وستظل تجربة أعتز بها، أولاً لما كان يربطني من علاقة بالشيخ حمد الجاسر – رحمه الله -وثانياً لأن مؤسسة حمد الجاسر تضم نخبة من رواد العلم والثقافة في بلادنا، بل وفي بعض البلاد العربية، فمجلس أمناء المركز يضم نخبة من الرواد والمثقفين، وكذلك لجانه التنفيذية والعلمية. وكان عملي في المركز فرصة للالتقاء بهؤلاء الرواد والعمل معهم وتحت إشرافهم وتوجيههم، ولعل ذلك من أهم المكاسب التي تحققت لي خلال هذه التجربة. أما في ما يتعلق بإنجازات المركز، فإن شهادتي في ذلك مجروحة، وأترك الحكم للباحثين الذين كانوا على اتصال بالمركز. لكنني راضٍ عما تحقق، وأتمنى للمركز ولمديره الجديد المزيد من النجاح والإنجازات.

* لوحظ على خميسية الشيخ حمد الجاسر تنوع محاضريها وعدم التزامها بنهج فكري معين، وهذا شيء طيب، لكن محاضرة الدكتور حمزة المزيني، التي اختتم بها الموسم الثقافي، أثارت ضجيجاً، أما خشيتم من تكرار ما حدث في نادي الطائف الأدبي؟
- خميسية الشيخ حمد الجاسر تتميز بنوعية روادها، فهم نخبة من رجال الفكر ورواد الثقافة، وهم على مستوى عال من العلم والوعي وموضوعية النقد، وهذا ما يميز الخميسية عن بعض المحاضرات التي يحضرها جمهور عام يختلط فيها المثقف وغير المثقف والعالم والعامي، ولذلك فنحن لا نخشى من حدوث زوبعات، ولم يحدث أن حصل في الخميسية شيء من الضجيج أو التصرفات الغوغائية، حتى وإن اختلفت وجهات النظر أحياناً بين طرح المحاضر وقناعات بعض الحضور.

* ما رأيك في المنتديات الأدبية الخاصة؟
- أرى أنها ظاهرة صحية لأنها أعادت شيئاً من البريق للعلم والثقافة في مجالسنا الخاصة، بعد أن كانت الأمور الثقافية والأدبية محصورة في الجهات الرسمية التي يغلب على عملها الرتابة والروتين والبيروقراطية، ما جعل الإقبال عليها يقل مع مرور الوقت، في حين لا تستثمر المجالس الخاصة بشكل نافع. ومع هذا فإن لكل ظاهرة جوانب إيجابية وجوانب سلبية.


المصدر : دار الحياة - 30 تموز (يوليو) 2007




 

بحث سريع