مشروعية التلقب بالشريف (1/2)

بواسطة | د. الشريف حاتم العوني
2006/11/21

الحمد لله ذي الجلال، والصلاة والسلام على النبيّ وأزواجه والآل.
أما بعد: فهذه مقالةٌ رجوتُ فيها بيان حكم التلقّب بـ(الشريف) لمن كان من آل بيت النبوّة، والذي حثّني على كتابته هو: أن أُبرز فيه الحجّة الشرعيّة على جواز هذا اللقب، ولكي أردَّ على ما قد يُثَار عليه من شُبَهٍ، ولبيان أحكام أهل العلم وأقوالهم فيه مما يدلّ على أنّهم يرون جوازه وأنهم لم يكونوا ينكرونه.
وحرصتُ في هذا المقال على الاختصار؛ لأنه أدعى لتيسير الاستفادة منه، ولأنّ الأمر لا يستلزم أكثر من هذا المقال. وإلا فالاستطرادُ إلى جوانب الموضوع المتعدّدة، ومحاولة الجواب عن كل شُبهةٍ بعيدةٍ وفكرةٍ طريدة = بابٌ لا ينغلق، ومساحةٌ واسعةٌ للقلم والقرطاس. وهذا التطويل ليس هذا الموضوعُ مكانَه، ولا يستوجبه مثلُ هذا المقال.

النصوص الدالة على فضل آل البيت
وألجُ هذا الموضوع بالتذكير بشيء من النصوص الدالّة على فضل آل بيت النبي –صلى الله عليه وسلم-:
فقد قال الله تعالى: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" [الأحزاب:33]. وقد فسّر النبيُّ –صلى الله عليه وسلم- هذه الآية فيما صحّ عنه عند الإمام مسلم (صحيحه رقم 2424) وغيره (انظر الدر المنثور 12/37-42)، بما لا يجوز مخالفته، ولا يعارض سياقَ الآية
(1). ولذلك ذهب جمهور المفسّرين والمحقّقون منهم: كالواحدي، وابن عطية، وابن كثير: أن المقصود بالآل: الذين حُرموا الصدقة من آل بيت النبي –صلى الله عليه وسلم- ، مع أزواجه –صلى الله عليه وسلم- أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، فجمعوا بهذا التفسير بين: الخبر الوارد عن النبي –صلى الله عليه وسلم-، ولفظ الآية الدال على عدم تخصيص الأزواج وحدهن، وسياق الآية الوارد في الأزواج. والمقصود بالإرادة هنا: الإرادة الشرعيّة، لا القدريّة. والمعنى: إنما يحبّ اللهُ لكم التنزّه عن الذنوب وأن تَطَهّروا منها تطهيرًا كاملاً. وَوَجْهُ التفضيل لهم بذلك: تخصيصُهم بالذكر من دون بقيّة الناس، مع أنّ التنزّه من الذنوب محبوبٌ إلى الله تعالى من الناس كلّهم، ليدلّ هذا التخصيص أن تنزُّهَ آل البيت من الذنوب أحبّ إلى الله تعالى، ممّا يدل على ما لهم عند ربّهم –عز وجل- من المكانة. مع ما في الآية من دلائل الإكرام الأخرى، ومنها: وَصْفُهُم بأنهم أهل البيت، وما في ذلك الوصف من التكنية عن أسمائهم بهذا اللقب الشريف المنسوب إلى بيت النبوّة، ومجيئه منصوبًا على وجه المدح. ومنها: ما بدأ الله تعالى به الآية بالفعل المضارع "إِنَّمَا يُرِيدُ" الذي يدلّ على أنّ هذه الإرادة متجدّدةٌ مستمرّةٌ لن تنقطع(2)، ويدلّ عليه أيضًا كون (أهل البيت) لفظًا عامًّا يشمل كل من صحّ شرعًا إطلاقه عليه إلى قيام الساعة.
وقد خَصَّ الله تعالى آل بيت النبيّ –صلى الله عليه وسلم- بأحكام شرعيّة: كتحريم الزكاة عليهم تكريمًا، وفَرْضِ جزءٍ من المغانم الجهاديّة تشريفًا لهم. وقد قال السيوطي في الخصائص الكبرى (2/405-406): «لـمّا كانت الصدقةُ أوساخَ الناس، نُزّهَ منصبُه الشريف عن ذلك، وانجرَّ إلى آله بسببه. وأيضًا: فالصدقةُ تُعْطَى على سبيل الترحُّمِ المَبْني على ذُلِّ الآخِذ، فأُبْدِلوا عنها بالغنيمة المأخوذة بطريق العزّ والشرف المُنْبِيء عن عزّ الآخِذ وذُلّ المأخوذ منه».
وهذان الحكمان الشرعيّان اللذان شرَّفا آلَ بيتِ النبيّ –صلى الله عليه وسلم- ، وبَيَّنَا اختصاصهم بمزيد الإعزاز في دين الله تعالى = حكمان باقيان إلى قيام الساعة ما بقي هذا الدين، ليكونا تشريفًا وإعزازًا لآل بيت النبوّة إلى قيام الساعة ما بقي هذا الدين أيضًا؛ ليدلّ ذلك على أن تشريفهم وإعزازهم مقصدٌ شرعي دائمٌ ما بقي الشرع الحنيف !!
كما أنه قد جاءت نصوصٌ كثيرة صريحةٌ على بيانِ: فَضْلِهم نسبًا ونَفْسًا، وعلى ما لهم عند الله تعالى من المكانة.
فمن النصوص الدالّة على شرف نسبهم حديث واثلة بن الأسقع –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم)) (صحيح مسلم رقم 2276).
ففي هذا الحديث الصحيح دليل على شرف نسبهم، وأنّ الله تعالى اصطفى هذا النسب من بين سائر الأنساب.
ومن النصوص الدالّة على مكانتهم عند الله تعالى حديثُ أنس –رضي الله عنه-: ((أن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- كان إذا قَحَطوا استسقى بالعباس بن عبدالمطلب، فقال: اللهم إنّا كُنّا نتوسّل إليك بنبيّنا فتسقينا، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا، فاسْقنا. قال: فيُسْقَوْن)) (صحيح البخاري رقم 1010).
ولا خلاف أن في المسلمين في حياة العباس –رضي الله عنه- من هو أفضل من العباس، كعمر بن الخطاب –رضي الله عنه- ، وعثمان –رضي الله عنه- ، فما وَجْه تخصيص عمر العباسَ –رضي الله عنه- بالتشفُّع بدعائه إلى الله تعالى؟ لقد جاء الجواب في كلام عمر –رضي الله عنه- ، وهو أن العباس –رضي الله عنه- (( عمّ نبيّنا )) –صلى الله عليه وسلم- . وهذا يعني أن القربى من النبيّ –صلى الله عليه وسلم- (مع الإسلام) سببٌ عظيمٌ من أسباب استجابة الدعاء، وأنّ دعاء المسلم من أهل بيت النبوّة قد يكون أولى بالإجابة من دعاء المسلم من غيرهم، ولو كان المسلم من غير ذوي القربى أفضلَ وأتقى من ذي القربى !!
وقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (2/577): «ويُستفاد من قصّة العباس: استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوّة ..».
وهذه منقبةٌ عظيمةٌ لأهل بيت النبوّة، تدل على أن فضلهم ليس قاصرًا على حقوقهم الدنيويّة من الإجلال والمحبّة والإكرام، بل إن لهم مكانةً عند ربهم عز وجل، وهي مكانةٌ نالوها بمكانتهم من النبي –صلى الله عليه وسلم- مع إسلامهم؛ ولذلك فقد يكون الرجل من آل البيت في جيله وأهل زمانه أولى إجابةً للدعاء من الأتقى ممن سواهم.
فإن قيل: لـمَ لم يتوسّل عمر –رضي الله عنه- بدعاء علي بن أبي طالب، وهو من آل البيت، وهو أفضل من العباس إجماعًا؟ فأقول: هذا مما يؤكّد أن الدعاء يَكون أولى إجابة بمزيد القربى من النبيّ –صلى الله عليه وسلم-، ولا شكّ أن العباس وهو عَمُّ النبي –صلى الله عليه وسلم- أقربُ إلى النبيّ –صلى الله عليه وسلم- من ابن عمّه علي بن أبي طالب. وهذا يعني أن الأقرب إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- أولى بإجابة الدعاء من الأتقى ولو كان من ذوي القربى، وهذا قاطعٌ في بيان سبب الإجابة للدعاء من ربّنا –عز وجل-، وأنها القربى من النبيّ –صلى الله عليه وسلم- مع الإسلام.
وفي الحديث الصحيح الآخر عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة، إلا سببي ونسبي)). (صححه الحاكم 3/142، 158، والضياء المقدسي 1/398 رقم 281، وغيرهما، فانظر: البدر المنير لابن الملقن 7/487-490، وسلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني رقم 2036، ومسند الإمام أحمد رقم 11138، 18907).
ولذلك فقد اتّفق أهل السنة والجماعة على تفضيل آل البيت، وعلى أن لهم حقوقًا من الإكرام والتقدير الواجب، لقرابتهم من النبيّ –صلى الله عليه وسلم- . وللعلماء من أئمة السنة كلامٌ طويلٌ في بيان ذلك، ولهم مؤلفاتٌ كثيرةٌ فيه، وكُتبت رسائلُ جامعيّةٌ في توضيح هذا المعتقد القلبي في آل البيت، وفي بيان لوازمه العمليّة، وفي الحثّ على تحقيق شعبة من شعب الإيمان المتعلقّة بآل البيت، وهي حبّهم وتعظيمهم ظاهرًا وباطنًا، بغير غلو ولا جفاء. (وانظر: شعب الإيمان للبيهقي 3/156).

من هم آل البيت؟
ومن المعلوم أن آل بيت النبي –صلى الله عليه وسلم- هم من تحرم عليهم الزكاة، واتفق أهل العلم على ذلك، كما نقل ذلك شيخ الإسلام ابن تيميّة في كتابه منهاج السنة النبويّة (4/594-595). وهذا يعني أنه من الخطأ الشائع (بين بعض أهل العلم! فضلاً عن طلبته) قولهم: إن آل البيت لهم حقٌّ بشرط أن يكونوا مسلمين، ويضربون مثلاً بأبي لهب عمّ النبيّ –صلى الله عليه وسلم-. وكان هذا القول خطأً؛ لأنّ أبا لهب وغيره من قرابة النبي –صلى الله عليه وسلم- الكفار ليسوا ممن تحرم الزكاة عليهم تكريمًا لهم لأنهم من آل بيت النبوّة، فـ(آل البيت) لفظ شرعي لا يُطلق إلا على من يستحق ذلك التكريم من آله –صلى الله عليه وسلم-، وهم المسلمون فقط(3). فلا داعي لذلك القيد: (إذا كانوا مسلمين)، ولا داعي لضرب المثل بأبي لهب؛ لأنه لا مدخل له في هذا السياق أصلاً.

حق المقصر من آل البيت
وأمّا المقصّر والعاصي من آل البيت، فله حقّ الإسلام الذي يشاركه فيه كل مسلم، وله حقّ القربى من النبي –صلى الله عليه وسلم- الذي أجمع عليه علماء أهل السنة، فيُحَبُّ لإسلامه، كما يُحبّ أيضًا لقرابته من النبيّ –صلى الله عليه وسلم-، وتُبْغَضُ معصيتُه، ويُبْغَضُ بقدر ما فيه من ظلم أو إفساد. وكما لا يُلغي الفسقُ الحقَّ العامَّ للإسلام للمسلم على المسلم؛ لأن الفسق لم يُخرج صاحبه عن دائرة الإسلام، فكذلك لا يُلغي الفسقُ حقَّ القرابة من النبي –صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه ما زال من آل بيت النبي –صلى الله عليه وسلم-. ولذلك ما زال العاصي من آل البيت مكرَّمًا بتحريم الزكاة، مشرَّفًا بحقّه من المغانم؛ مع عصيانه؛ لأن عصيانه لا ينفي قرابته بالنبيّ –صلى الله عليه وسلم-، ما دام لم يصل إلى حدّ الخروج من الملّة إلى الكفر.
وقد قرّر العلماء -كشيخ الإسلام ابن تيميّة في مجموع الفتاوى (28/208-209)- أن الشخص الواحد قد تجتمع فيه أمور، يُحَبُّ ببعضها من وجوه، ويُبْغَضُ ببعضها من وجوه أُخَر. وهذا أمرٌ مشاهَدٌ:

ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلها *** كفى المرءَ نُبلاً أن تُعَـــدَّ معايبــُـه

وهذا سببٌ آخر يبيّنُ خطأ العبارة المذكورة آنفًا، والتي تسلب آل البيت حقَّ القربى إذا لم يَثْبت لهم (عند سالبِهم حقَّهم) وَصْفُ التقوى والإيمان، وإن كانوا مسلمين. ولذلك فقد يتجاوز بعضُ أصحاب هذا المذهب قيدَ اشتراط الإسلام إلى قيد اشتراط الإيمان، بقولهم في تقرير مذهبهم هذا: لا يجب لآل البيت حقٌّ إلا إذا كانوا مؤمنين؛ فيتوهّمُ الناس بذلك أن الفسق يُسقط حقّ ذوي القربى! فقد بيّنّا بهذا التقرير أن هذا هو الخطأ الثاني الذي وقعوا فيه؛ لأن حقّ آل البيت المشروع ثابتٌ لهم، حتى مع العصيان، كما سبق.
وقد بيَّنَ النبيُّ –صلى الله عليه وسلم- ما اجتمع لآل البيت من استحقاقهم لحقّين، هما: حق الإسلام، وحق القرابة منه –صلى الله عليه وسلم-. وذلك في حديث العباس بن عبدالمطلب –رضي الله عنه-، وأنه شكا إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- تغيُّرَ قريشٍ على بني هاشم، فقال –صلى الله عليه وسلم-: ((والله لا يدخل قلبُ امرئٍ إيمانٌ، حتى يحبّكم: لله، ولقرابتي)). (وهو حديث صحّحه الترمذي وابن تيميّة في اقتضاء الصراط المستقيم (1/378)، وهو كما قالا، كما تجده في تخريجي لأحاديث الشيوخ الثقات لأبي بكر الأنصاري: رقم 11).
ولابن حجر المكي (ت974هـ) فتوى عن الشريف الذي وقع في الفسق، أجاب فيها بما مُحَصَّله: أن عصيان الشريف لا يُسقط حق قُرباه من النبي –صلى الله عليه وسلم-، كما لا يُحرَمُ الولد العاق من ميراث والده. وشدّدّ (رحمه الله) في ذلك، كما تجده في فتاواه الحديثية (294 رقم 128).
وقال اللقاني (ت1041هـ) : "ويجبُ إكرام الأشراف، ولو تحقّق فسقُهم؛ لأنّ فرع الشجرة منها، ولو مال". (حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 1/8).
وهذا أمرٌ واضح وضوحَ عدم إسقاط الفسق لحق الإسلام، بل أشدّ وضوحًا؛ لكونه أشدّ انْفِكاكًا في جهته، حيث إنه حقٌّ نسبيٌّ متعلّقٌ بالقرابة من النبيّ –صلى الله عليه وسلم-.
وهذا كُلّه لا يبيح للرجل من آل البيت ما حَرّم الله (ولا شك)، ولا يغنيهم عن العمل الصالح وتقوى الله تعالى. كما أن المعاصي منهم مستقبحةٌ عند الناس أكثر من غيرهم؛ لقربهم من النبيّ –صلى الله عليه وسلم-. وأيضًا فإن خلوص التوحيد شرطٌ لبقاء حقوقهم ووجوب تكريمهم ومحبّتهم؛ فبالكفر والشرك لا يكون لهم أيّ حق من ذلك.
وفي عدم نفع القرابة مع عدم الإسلام جاء حديثُ النبيّ –صلى الله عليه وسلم- ، أنه عند نزول قوله تعالى: "وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ" [الشعراء:214] قال –صلى الله عليه وسلم- : ((يا معشر قريش اشتروا أنفسكم، لا أُغني عنكم من الله شيئًا، يا بني عبد مناف، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباسُ بنَ عبدالمطلب، لا أغني عنك من الله شيئًا، يا صفيّة عمةَ رسول الله، لا أُغني عنك من الله شيئًا، ويا فاطمة بنت محمد، سليني ما شئتِ من مالي، لا أغني عنك من الله شيئًا)). (أخرجه البخاري: رقم 2753، 3527، 4771، ومسلم: رقم 204، 206).
أمّا من جعل هذا الحديث حجّةً في نفي مكانة آل البيت عند ربّهم –عز وجل-، التي شرفوا بها من مكانة النبي –صلى الله عليه وسلم- عند ربه عز وجل = فقد أخطأ؛ أولاً: لمعارضة هذا النفي للنصوص الأخرى الثابتة المبيّنة لما لآل البيت من المنزلة عند ربهم عز وجل، والتي سبق منها حديثان صحيحان. وثانيًا: الحديثُ واردٌ في الدعوة إلى الدخول في الإسلام، كما هو ظاهر من سبب وروده (وانظر رواياته الأخرى في صحيح مسلم رقم 205، 207، 208)، ولا شك أنه بغير الإسلام لا يكون لأحد مكانة عند الله تعالى. وثالثًا: أن عبارة (( لا أغني عنك من الله شيئًا )) يصح أن يقولها النبي –صلى الله عليه وسلم- حتى للتقي النقي من آل البيت وغيرهم كالخلفاء الأربعة، فمن ذا الذي يغني عن الخلق شيئًا دون الله تعالى؟! فالمعنى: لا أغني عنكم شيئًا إلا بإذن الله تعالى. ولئن صحّ أن غير النبيّ –صلى الله عليه وسلم- يشفع يوم القيامة لقراباته المسلمين
(4)، وأن المؤمن يرفع الله آله المسلمين إلى درجته في الجنة، كما قال تعالى: )وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ "[الطور:21]، فكيف يُتَصَوَّر أن يُمنع النبيّ –صلى الله عليه وسلم- من ذلك، وهو سيد المؤمنين، وصاحب الشفاعة العظمى، وهو الذي شفع في عمّه الكافر أبي طالب حتى كان أهون أهل الخلود في النار عذابًا؟!!!
فالمسلم من آل البيت، ولو كان قليل التقوى كثير العصيان، فإسلامه يجعله أحبّ إلى الله تعالى وإلى رسوله –صلى الله عليه وسلم- من العمّ الكافر !!!
وأعود مؤكدًا على ضرورة أن يكون آل البيت قدوة للناس في العمل الصالح، وأن لا يتكلوا على الأنساب ويتركوا العمل. فهذا شيء، وإثبات حق ذوي القربى شيء آخر.
وللعاصي من آل البيت حقٌ آخر، داخلٌ ضمن حقّ القرابة النبويّة، وهو أن يكون الحرص على هدايته أكبر، والشفقة عليه من عذاب الله أعظم؛ إذا صدق حب المرء للنبي –صلى الله عليه وسلم-، وقدّمَ محبّته على محبّة أهله وماله والناس أجمعين، وعلى نفسه التي بين جنبيه. وهذا شأن المحبّ الصادق المحبّة، كما قال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- للعباس بن عبدالمطلب –رضي الله عنه-، في دفاع العباس عن أبي سفيان يوم الفتح، فقال له عمر –رضي الله عنه-: (( مهلاً يا عباس، فوالله لإسلامُك يوم أسلمتَ كان أحبّ إليّ من إسلام الخطاب، لو أسلم، ما بي إلا أني قد عرفتُ أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من إسلام الخطاب، لو أسلم )). (سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني رقم 3341).
هكذا يكون صادق المحبّة للنبيّ –صلى الله عليه وسلم- في حرصه وشفقته على العاصي من آل البيت النبويّ، وليستحضر المسلمُ تجاه العاصي من آل البيت لو أن النبيّ –صلى الله عليه وسلم- كان أمام وجهه، أكان يقدر على أن لا يحرص على هداية ذريته غاية الحرص؟!!! ألا إن ما نعلم أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- سيبغضه لو كان حيًّا، كما علمناه أبغضه وهو حي. وما نعلم أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- سَيُحبُّهُ لو كان حيًّا، كما علمناه أحبّه وهو حيّ.
وقد جاء بإسناد حسن إلى عروة بن الزبير: أن رجلاً وقع في علي بن أبي طالب بمحضرٍ من عُمر، فقال له عمر: تعرف صاحب هذا القبر؟ هو: محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب، وعلي بنُ أبي طالب: ابنُ عبدالمطلب، فلا تذكر عليًّا إلا بخير، فإنك إن أبغضتَه آذيت هذا في قبره. (فضائل الصحابة للإمام أحمد، زوائد القطيعي رقم 1089). ولم يقف الأمر عند السلف في مراعاة النبيّ –صلى الله عليه وسلم- بعد موته في ذريته إلى حدّ مراعاته –صلى الله عليه وسلم- وحده، بل راعوا فاطمة ابنته < بعد موتها! فقد صحّ أنّ الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بعث إلى المِسْوَر بن مخرمة الزهري –رضي الله عنه- يخطب ابنتَه، فلقيه مسور، وقال له: « والله ما من نسب ولا سبب ولا صهر أحبّ إليّ من سببكم وصهركم، ولكن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: فاطمة مضغةٌ مني، يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما بسطها، وإن الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وسببي وصِهْري. (ثم قال مسور للحسن بن الحسن:) وعندك ابنتُها، ولو زوجتُك لقبضها ذلك. فانطلق الحسن بن الحسن عاذرًا له. (أخرجه الإمام أحمد رقم 18907، وابنه عبدالله رقم 8930، والحاكم 3/158 وصححه). هذه آثار الحبّ الحقيقي، أن تراعي من الميت ما تظنّ أنه لو كان حيًّا لراعاه !!
وبذلك يتبيّن أن الحرص على هداية ضالّ آل البيت وإرشاد عاصيهم ينبغي أن يكون أكبرَ من هداية وإرشاد غيرهم، وأن الشفقة عليهم من عذاب الله تعالى ينبغي أن تكون أعظم من الشفقة على غيرهم؛ لأنّ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لو كان حيًّا لساءه ضلال ضالهم أكثر من ضلال غيرهم؛ لأنهم ذريته، ولأنهم أوّل من أُمر بتبليغهم دعوة الإسلام "وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ" [الشعراء:214]؛ ثم هُمْ المحبوبون إليه، بدليل الوصيّة بهم، وبدليل بيانه –صلى الله عليه وسلم- لفضلهم، وبدليل تخصيصهم بأحكام التشريف … ويكفي أنهم آلهُ وذريته!
ألا إن آل بيت النبيّ –صلى الله عليه وسلم- قد رضوا من الناس -مع ضعف الإيمان الذي ابتُليت به الأمّة المحمّدية- بأن يُنزلوهم قريبًا من منزلة أهاليهم الأبعدين في الحقّ! وما كان هذا سيحصل لو كانوا كالفاروق –رضي الله عنه- (كما سبق عنه)، ولكانوا -لو اقتَدَوْا بسلفهم- مُعَظِّمين لآل بيت نبيهم –صلى الله عليه وسلم-، كما كان الصّدّيقُ أبو بكر –رضي الله عنه-، عندما قال: (( والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أحبّ إليّ أن أَصِلَ من قرابتي )). (أخرجه البخاري: رقم 3712).
وهذا الحق لذوي القربى لا يحتاج إلى كثرة استدلال، لكونه عقيدةً ثابتةً عند أهل السنة والجماعة، ولكونه مقتضى الفطرة في المحبوب، فكيف إذا كان هذا المحبوب هو أعظم محبوب من الخَلْق، وهو رسول الله –صلى الله عليه وسلم-؟! إن تمام محبّة النبيّ –صلى الله عليه وسلم- تستلزم محبّة ذريّته، وهذا من طبيعة الناس التي لا ينازع فيها إلا مكابر. فكم من أسرة يعظمها الناس لأنها من ذرية عالم من العلماء، وكم أحبّ الواحد منا شخصًا لقرابته من محبوب لديه.
وهذا إمام الدعوة النجديّة التجديديّة محمد بن عبدالوهاب (رحمه الله)، يعاتب بعض أتباعه؛ لأنهم أنكروا على أحد الأشراف من آل البيت تقبيلَ الناس ليده ولكونه كان يلبس عمامةً خضراء، فقال في رسائله الشخصيّة (1/284) : «فقد ذُكر لي عنكم أن بعض الإخوان تكلَّم في عبدالمحسن الشريف، يقول: إن أهل الحسا يحبُّون على يدك [أي يقبّلونها]، وأنك لابسٌ عمامةً خضراء. والإنسان لا يجوز له الإنكار إلا بعد المعرفة؛ فأول درجات الإنكار معرفتك أن هذا مخالفٌ لأمر الله. وأمّا تقبيل اليد فلا يجوز إنكار مثله، وهي مسألةٌ فيها اختلافٌ بين أهل العلم، وقد قبّل زيد بن ثابت يد ابن عباس، وقال: هكذا أُمرنا أن نفعل بأهل بيت نبيّنا. وعلى كل حال: فلا يجوز لهم إنكار كل مسألة لا يعرفون حكم الله فيها. وأما لبس الأخضر: فقد أُحدثت قديمًا، تمييزًا لأهل البيت؛ لئلا يظلمهم أحدٌ أو يقصّرَ في حقّهم من لا يعرفهم، وقد أوجب الله لأهل بيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على الناس حقوقًا، فلا يجوز لمسلم أن يُسقط حقَّهم ويظنّ أنه من التوحيد، بل هو من الغلو…».
وقال رحمه الله في المسائل التي لخصها من كلام شيخ الإسلام ابن تيميّة (51) :
« لآله –صلى الله عليه وسلم- على الأمة حق لا يشركهم فيه غيرهم، ويستحقون من زيادة المحبّة والموالاة ما لا يستحق سائر قريش، وقريش يستحقون ما لا يستحق غيرهم من القبائل…».
وكذلك كان الإمام أحمد بن حنبل يعظّم آل بيت النبيّ –صلى الله عليه وسلم- ، فقد قال عبدالله بن الإمام أحمد: "رأيتُ أبي إذا جاءه الشيخُ والحَدَثُ من قريش أو غيرهم من الأشراف، لا يخرج من باب المسجد حتى يخرجهم، فيتقدّمونه، ثم يخرج بعدهم". (الجامع للخطيب رقم 801). بل لقد عمل الإمام أحمد بهذا التقديم لآل البيت على غيرهم حتى في كتابه (المسند)، فبدأ بهم بعد مسانيد العشرة المبشرين بالجنة مباشرة.
ولما مرض الإمام أحمد مرض وفاته، وكثُر الناس عليه، ردّ كثيرًا من زوّاره، وفيهم الأمراء والقضاة، إلا بني هاشم، فقد أدخلهم عليه. (مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي 543).
ولـمّا أتاه طبيبٌ لينتزع قطعةً من جسده ماتت من أثر ضرب جلّادي المعتصم، وآلمه مبضع الطبيب، وضع يده على رأسه، وجعل يقول: «اللهم اغفر للمعتصم»، وكرّرها، حتى انتهى الطبيب، فقال الطبيب: «إن الناس إذا امتُحنوا محنة دعوا على من ظلمهم، ورأيتك تدعو للمعتصم! قال: إني فكّرتُ فيما تقول، وهو ابن عمّ رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فكرهتُ أن آتي يوم القيامة وبيني وبين أحد من قرابته خصومة، هو منّي في حلّ». (روضة العقلاء لابن حبان: 165).
وانظر إلى دقّة فهم الإمام أحمد لمداخل النَّصْب والانتقاص من آل البيت في القصّة التالية، فقد ذكر عبدالله بن أحمد أنه مَرَّ وهو صغير مع أبيه بجامع الرُّصافة، وعنده خدمٌ معهم طاسات، يسقون الناس من طيّب الشراب وبارده، وهم يقولون للناس: اشربوا على حُبّ معاوية بن أبي سفيان! فسأل عبدالله أباه: يا أبة، من معاوية؟ فقال الإمام أحمد: «هؤلاء قومٌ أبغضوا رجلاً لم يكن لهم إلى الطعن إليه سبيل، فأحبّوا أعداءه». (ذيل ابن النجار 4/63). فالإمام أحمد لا ينكر حب معاوية –رضي الله عنه-، لكنه ينكر تخصيصه دون من هو أولى منه بهذا البرّ.
والقصص في ذلك أكثر من أن تُحصى، وقد ألّف علماء السنّة في هذا الباب مؤلفات مستقلّة عديدة، وبوّبوا له في مصنفاتهم أبوابًا كثيرةً.

"وأهل بيتي"
ولو لم يكن في آل البيت إلا أنهم وصيّة النبيّ –صلى الله عليه وسلم- المؤكّدة العظيمة في أواخر حياته –صلى الله عليه وسلم-، حيث قام خطيبًا، فقال –صلى الله عليه وسلم-: ((أمّا بعد: ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب. وأنا تاركٌ فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به))، وحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثم قال: (( وأهلُ بيتي، أذكركم اللهَ في أهل بيتي، أذكركم اللهَ في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي)). وقد سئل زيد بن أرقم –رضي الله عنه- راوي هذا الحديث بعد روايته: مَن أهلُ بيته؟ فقال –رضي الله عنه- : ((من حُرِمَ الصدقة بعده: آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العباس)). (أخرجه مسلم في صحيحه رقم 2408).
والثقلان هما: كتاب الله وأهل البيت النبوي، سُمّيا بذلك -كما قال العلماء- : لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، والعرب تقول لكل شيء خطير نفيس: ثقيل.
وقد قال الإمام القرطبي (ت656هـ) بعد الكلام السابق: « فكأنه إنما سمَّى كتاب الله وأهل بيته ثقلين: لنفاستهما، وعظم حرمتهما، وصعوبة القيام بحقّهما ». (المفهم للقرطبي 6/303).
كما أن القرطبي عَلّق على الوصيّة النبويّة بأهل بيته بقول قال فيه: « هذه الوصيّة، وهذا التأكيد العظيم يقتضي: وجوبَ احترام آل النبيّ –صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته، وإبرارهم، وتوقيرهم، ومحبّتهم = وجوبَ الفروض المؤكّدة، التي لا عذر لأحدٍ في التخلّف عنها. هذا مع ما عُلم من خصوصيتهم بالنبيّ –صلى الله عليه وسلم-، وبأنهم جزءٌ منه، فإنهم أصوله التي نشأ منها، وفروعُه التي تنشأ عنه…». (المفهم 6/304).
ولو لم يكن في آل البيت إلا أنهم هم الذين أُمرتَ بالصلاة والتبريك عليهم في كل صلاة، وكلّما صليتَ على النبيّ –صلى الله عليه وسلم- أفضل صلاة، لكفى في الدلالة على فضلهم وحقهم. فآل محمد الواردون في الصلاة التي علَّمَنَاها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- هُمْ أزواجه وذريّته، كما جاء في اللفظ الصحيح الصريح الآخر، في حديث أبي حميد الساعدي عن النبيّ –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم. وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)). (أخرجه البخاري: رقم 3369، ومسلم: رقم 407). وهذا حديثٌ صريحٌ صحيحٌ في تفسير الآل، ما كان ينبغي لمن علمه أن يخالفه، فيدّعي أن آله –صلى الله عليه وسلم- هم أتباعه أو الأتقياء من أتباعه! فما حجّة من خالف هذا التفسير النبويّ الصريح؟! ولذلك كان جمهور أهل العلم (ومنهم فقهاء المذاهب الأربعة كلهم) على أن المقصود بالآل: من تحرم عليهم الصدقة. حتى إن ابن قيّم الجوزية (ت751هـ) لـمّا تكلّم عن هذه المسألة بكلام طويل في كتابه جِلاء الأفهام (236-251)، وصف قول من قال بأن المقصود بالآل الأتباع، أو الأتقياء من الأتباع، بأنهما: «قولان ضعيفان؛ لأنّ النبيّ –صلى الله عليه وسلم- قد رفع الشبهة …»، إلى أن قال: « فأولى ما حُمِل عليه الآل في الصلاة: الآل المذكورون في سائر ألفاظه، ولا يجوز العدول عن ذلك ».
وذهب بعضهم مذهبًا آخر في إخراج من شاء من آل البيت، باقتصاره في فهم وتفسير آل البيت: بأهل الصلاح منهم؛ لكي يتسنّى له التشكيك فيمن أراد أن يشكك في دخوله في الآل، كما سبق نقله والردُّ عليه سابقًا. والغريب أن هؤلاء قد شابهوا غلاة الشيعة، عندما زعموا أن الصلاة على الآل تقتضي عصمتهم، فردّ عليهم شيخ الإسلام ابن تيميّة، بما ينفع أن يكون ردًّا على الطائفتين، حيث قال: « فهذه الصلاة لجميع آل محمد، لا تختصّ بصالحيهم، فضلاً عن أن تختصَّ بمن هو معصوم، بل تتناول كل من دخل في آل محمد. كما أن الدعاء للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات يتناول كل من دخل في الإيمان والإسلام. ولا يلزم من الدعاء للمؤمنين عمومًا ولا لأهل البيت عمومًا أن يكون كلُّ منهم برًّا تقيًّا، بل الدعاء لهم طلبٌ لإحسان الله تعالى إليهم وتفضّله عليهم، وفضل الله وإحسانه يُطلب لكل أحد. لكن يُقال: إن هذا حقٌّ لآل محمد، أمر الله تعالى به. ولا ريب أن لآل محمد –صلى الله عليه وسلم- حقًّا على الأمة لا يشركهم فيه غيرهم، ويستحقّون من زيادة المحبّة والموالاة ما لا يستحقه سائر بطون قريش. كما أن قريشًا يستحقون من المحبّة والموالاة ما لا يستحقه غير قريش من القبائل …». (منهاج السنة النبوية 4/598-599).
أرأيتم هذا التشريف: الأمّة كلّها مأمورة بالدعاء لآل بيت النبوّة، وفي أشرف عبادة، وكلّما ذُكر النبيّ –صلى الله عليه وسلم- وأحبّ المصلّي عليه أن يصلي عليه أفضل صلاة صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ثمّ ما ظنّكم بأهل بيت صَلّت عليهم .. وسوف تُصلّي عليهم خيرُ أمة أُخرجت للناس، بمن فيها من الصِّدّيقين والشهداء والصالحين؟!!!
وكل ما سبق إنما هو غيضٌ من فيض النصوص الواردة في فضل آل بيت النبوّة والدلائل عليه، وإنما أوردت منها هذا القليل ليطمئن الناس، وليعلموا أن أئمة الدين وعلماء الملّة عندما أجمعوا على أن لآل البيت فضلاً وحقًّا على الأمّة يجب به تفضيلهم وتحقيق حقّهم بالعمل الدال على المحبّة والإجلال، إنما أجمعوا على ذلك لورود ما يدل عليه في الكتاب والسنة.



(1) وفي لفظ الآية ما يدلّ على أنه ليس في النساء خاصّة، لقوله تعالى: "عَنْكُمُ" ، فلو كان في النساء خاصة لجاء بنون النسوة (عنكن). وانظر: إعراب القرآن للنحاس (3/314).
(2) انظر: التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور (22/15).
(3) قال السيوطي في الحاوي للفتاوى: في العجاجة الزرنبيّة في السلالة الزينبيّة (2/31): «آله –صلى الله عليه وسلم- هم المؤمنون من بني هاشم وبني المطلب».
(4) انظر: صحيح ابن حبان (رقم 4660)، ومسند الإمام أحمد وحاشية تحقيقه (رقم 11148، 17858، 17859)، وسلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني (رقم 2178).

بحث سريع