كتاب ” السلالة الهاشمية في لبنان ” ( 1 )

بواسطة | الشريف محمد الصمداني
2006/10/27
الحمد لله الباعث محمداً بشيراً و نذيراً ، و الداعي إلى الله بإذنه و سراجاً منيراً ، طمس الله بدعوته دين اليهود و النصارى ، فهم ما بين مغضوب عليهم و ضلالاً حيارى ، صلى الله عليه و على آله و صحبه الطيبين الطاهرين من أنجاس اليهود و النصارى .. أما بعد : 
   فقد لفت انتباه المراقبين لما يتعلق بأنساب آل البيت و السلالة الهاشمية في العالم صدور كتاب بعنوان :" السلالة الهاشمية في لبنان " للكاتب النصراني طوني مفرج ، و قد تبنت طباعته و إصداره و التقديم له الجامعة الهاشمية و هي ما كان يعرف قديماً ب" جمعية الهاشم " .
و لفت الانتباه يكمن في أمور ، منها :
1- أن لبنان في أمس الحاجة إلى تحقيق أنساب من فيه و إثبات عروبتها و إرجاع جذر شجرته إلى أصلها العربي و الاسلامي ، ناهيك عما فيه من بيوت تنتسب لبيت الشرف المحمدي ، تحتاج إلى تمحيص و تحقيق ، و بهذا و غيره تكسر قناة الدعوات للأصل الفينيقي و اللاتيني و غيرهما من دعاوى السوء التي بثها أعداء الملة والدين في لبنان منذ أزمان خلت . و لهذا يسر المرء حين يسمع باخبار من يعتني بأنساب الأشراف هناك إذا كانوا على جهة محمودة شرعاً .
2- اختلاط النصارى بالشيعة الاثني عشرية و الباطنية من الدروز و النصيرية و غيرهم منذ قديم الأزمان في جبال لبنان و أوديته ، و قد تمازج هؤلاء تمازجاً كبيراً في عدد من القرون السالفة ، حتى أصبح لا يميز بينهم ، و قد أشار إلى ذلك محمد رشيد رضا في " المنار " .
و جرت بين هؤلاء تحالفات و حروب و عهود و مواثيق قديمة لا زالت مذكورة و محفوظة عند الأجيال المعاصرة . و كانت طائفة النصيرية و الباطنية من أقرب المذاهب إلى " النصارى " ، حتى احتار في العلويين رجال الاستعمار الانجليزي في تركيا إبان سقوط الخلافة العثمانية : هل نحتاج إلى بث دعوة التبشير فيهم أم هم نصارى بالأصل [1]؟ و ذلك لكثرة الشبه بين الطائفتين !
عندما سمعنا عن أنباء خروج كتاب " السلالة الهاشمية في لبنان " ، استبشرنا بذلك ، و كنا نظن أنه كتاب جديد في الأنساب الهاشمية المشهورة ، لكن أثار انتباهنا أن الأمر قد أعد له بعناية فائقة ، تدل على أن الأمر أكبر من مجرد صدور كتاب في سلالة أو عرق هاشمي ! و لقد صدمنا عندما رأينا أن كاتب الكتاب هو طوني مفرج ، ثم عجبنا أكثر عندما علمنا أن الجامعة الهاشمية تقف وراء الكتاب . و أين أهل الشرف و النسب في لبنان إن كانوا هناك ؟! للأسف إننا لم نجد أي رد أو بيان عن هذا الكتاب .. !
خبر توقيع الكتاب و إطلاقه للنشر :
بين يدي مصدران مهمان ذكرا خبر توقيع الكتاب و إطلاقه ، أحدهما موقع الجيش اللبناني ، و الثاني : تلفزيون المستقبل .
و اللافت للنظر في كلا السياقين للخبر احتفاء النخبة السياسية و مؤسسات الدولة من النصارى و أعضاء من السلك الدبلوماسي ، و حضور الوجهاء و غيرهم للتوقيع و الاعلان عن صدور الكتاب .
أولاً : الخبر في موقع " مؤسسة الجيش اللبناني " :
أقامت الجامعة الهاشمية في لبنان احتفالاً في قصر الأونيسكو وقّع خلاله طوني مفرّج كتابه “السلالة الهاشمية في لبنان"، في حضور كل من: ممثل رئيس الجمهورية المدير العام لوزارة الثقافة عمر حلبلب، ممثل الملك الأردني السفير أنمار الحمود، ممثل رئيس الوزراء مدير الشؤون القانونية في رئاسة الوزراء عثمان دلول، النائب عمار الموسوي، وممثل البطريرك الماروني المطران بولس منجد الهاشم، ممثل مفتي الجمهورية الشيخ هشام خليفة، ممثل نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى القاضي علي الخطيب، ممثل قائد الجيش العقيد الركن عبد الرحمن أسعد الى وجوه سياسية ودينية وعسكرية واجتماعية. قدّم الحفل رعد الهاشم وألقى قصيدة من وحي المناسبة، وقال إن “كتاب السلالة الهاشمية تناول أصول السلالة والدول التي أسسها الهاشميون أو استوطنوها”. وتحدث رئيس جمعية علماء الدين في لبنان السيد أحمد شوقي الأمين فقال: “إننا نفخر بتقويم حالة التقدم بنبذنا الطائفية، فمن أهداف الأديان التوحيد والجمع، والتفرقة ليست من الأديان إنما من المنتسبين إليها”. وألقى الأباتي باسيل الهاشم كلمة قال فيها: “تخطت الجامعة الهاشمية الحدود الجغرافية والحواجز الطائفية من خلال الغوص في أعماق الذات الإنسانية التي هي في جذورها انفتاح على الإنسان”.
وتحدث الشيخ محمد بكار زكريا عن دور بني هاشم، وقال: “إننا نريد الدور الذي نكمل فيه غيرنا ويكمل غيرنا بنا، لا نريد الدور الذي يلغي الآخرين، فالناس لبعضهم وكل يكمل الآخر ويشعر به”.
ورأى رئيس لجنة الثقافة في الجامعة جورج أبو طايع “أن للهاشميين دوراً وطنياً يظهر في اندماجه مع سواه من الناس دون استعلاء أو تمايز، همه الوحيد تأسيس الوطن على قاعدة الكفاية والإنتماء الوطنى”.
و عرض رئيس الجامعة الشيخ حبيب الهاشم لنشأتها لافتاً الى الجهد الذي بذله مفرج لإنجاز الكتاب “على قاعدة العلم ونمط التوثيق الذي لا ريب فيه”. وقال: “إن الهم الوطني كان الدافع الأساسي لنبيّن للملأ أن محمود أو بطرس ينزلان من جد واحد ونسب واحد ليتكاتفا ويتعاونا، فيشكلان الأنموذج الحضاري الذي تبحث عنه الشعوب في مشارق الأرض ومغاربها”.
و تحدث مفرج عن كتابه ، و مما قال:" أردت منه إبراز تراث مشرف للبنان ومجتمعه. لا أدعي الكمال في ما أنجزت، ولكنني أؤكد أني بذلت كل ما أوتيت من قدرة في سبيل أن يكون هذا العمل صادقاً”. ومن مقدمة الكتاب، قرأ: “عندما يدرك اللبنانيون أنهم، رغم تعددهم المذهبي مرتبطون برابطة الدم، لا بد من أنهم سينبذون التفرقة، وسيفتحون صدورهم لبعضهم البعض. فإن لبنان النموذج ليس مجرد مقولة نتغنى بها في المناسبات، إنما هو حقيقة واقعية معيوشة منذ القديم في المجتمع اللبناني يشد أواصرها رابط الأصل والنسب الشريفين، ويضمن استمرارها ونموها تعميم معرفة ذلك الأصل والتأكيد على صحته. كل ذلك يستأهل في رأينا خوض الغمار”.
ثانياً : الخبر في موقع " المستقبل " :
أقامت الجامعة الهاشمية وفروعها في لبنان مهرج في قصر الأونيسكو بمناسبتي صدور كتاب "السلالة الهاشمية في لبنان" ومرور ستين عاماً على تأسيسها، بحضور ممثل رئيس الجمهورية اللبنانية، المدير العام لوزارة الثقافة والتعليم العالي الدكتور عمر حلبلب، وممثل عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، سفير المملكة في بيروت انمار الحمود، وممثل رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري، مدير الشؤون القانونية في رئاسة الوزراء الدكتور عثمان دلول، والنائبين عمار الموسوي وقاسم هاشم، بالإضافة الى مطران دير الأحمر وبعلبك للموارنة بولس منجد الهاشم ممثلاً البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، والشيخ هشام خليفة ممثلاً مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني والقاضي علي الخطيب ممثلاً نائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى، والعقيد عبد الرحمن أسعد ممثلاً قائد الجيش، والنقيب بطرس الهاشم ممثلاً قيادة قوى الأمن الداخلي، والنائب السابق الدكتور منويل يونس وشخصيات فكرية وأمنية وحزبية وروحية وعسكرية وثقافية من كل انحاء لبنان.
بداية النشيد الوطني والنشيد الهاشمي، ثم توالى على الكلام العلامة السيد أحمد شوقي الأمين الذي عدّد مزايا آل البيت عبر التاريخ حتى اليوم، ودعا الى الكاتف والتلاحم بين الهاشميين منوّهاً بشخصية رئيس الجامعة الذي يمثل اليوم قصي العهد الجديد الذي يجمع الهاشميين من كل الأطراف في اطار وطني مميز.
و تلاه الأباتي باسيل الهاشم الذي أشاد بالرئيس نبيه بري الذي دعم الجامعة، مذكراً بالعبارة التي أطلقها الرئيس برّي في لقاء مع الهاشميين: "قلوسة بين عمامتين هيدا لبنان"!!
وبعدهما تكلم الدكتور جورج بو طايع الذي حدّد دور الهاشميين بخمسة:
تضامن الهاشميين في 1994 بقيادة الشيخ حبيب الهاشم وتوحيد الجامعة على كل الأطر، انتقال الجامعة من هيئة ادارية الى أخرى عن طريق الديموقراطية، انجاز التاريخ، تحقيق النشيد الهاشمي، الجامعة هي الأنموذج للعيش المشترك.
كما أوضح رئيس الجامعة المحامي حبيب الهاشم، الدور الأساسي الذي لعبه الهاشميون في صناعة الكيان اللبناني واستقراره سياسياً ودولياً، وركز على توحيد الجامعة الذي جرى عام 1994، حتى أصبحت تشكل حالة وطنية فريدة، ونوّه بإنجاز التاريخ معدداً صفات الهاشميين ومبادئهم. " انتهى [2].
نقد كتاب " السلالة الهاشمية في لبنان " ؟
ما هي أبرز قضية في هذا الكتاب ؟ قبل أن نبدأ في مناقشة أبرز قضية في الكتاب ، أود أن أطرح ثلاثة أسئلة ، ثم أجيب عنها ، ثم ننظر بعد ذلك في محتوى الكتاب و موضوعه ، و الغرض من تأليفه !
السؤال الأول : ما هي الجهة التي تقف خلف طباعة الكتاب و نشره ؟
الجواب : هي ما يعرف بـ" الجامعة الهاشمية " ، و هي ليست جامعة بالمعنى المتعارف عليه عندنا اليوم ، بل هي جمعية نصرانية لبنانية صرفة أنشأت عام 1945 ، و كانت تدعى باسم " جمعية آل هاشم " ، نسبة لأحد أجداد المؤسسين ، وهو ( هاشم العجمي ) في أحد الأقوال في نسبهم .. ثم في سنة 1975 تحول اسمها إلى " الجامعة الهاشمية " ، و هي جمعية نصرانية عائلية خاصة في أساسها ، تقوم على متابعة شؤون سلالة جدهم المسمى – في أحد الأقوال – " هاشم العجمي " ! و للأسف فإن هذه الجامعة النصرانية الصرفة كسبت ثقة المجمعات الملكية في الأردن و المغرب ، باسم المزاملة بين الجامعات ، و هو نوع من أنواع الاستغلال يذكر القاريء بطرق الماسونية و دخولها في عدد من مناحي الحياة عبر العبارات و المصطلحات البراقة .. و هنا تم الدخول عبر باب الأنساب ؟!.
في تلك الجمعية دارت تساؤلات و جرت مناقشات عن كيفية استثمار التشابه بين اسم الجد النصراني الذي سميت الجمعية باسمه ، وهو " هاشم " ، مع وجود عدد من الشيعة و الباطنية و بيوت سنية متناثرة تنتسب للدم الهاشمي .. ؟! و لكن كيف سيكون ذلك ؟ هل هذا أمر ميسور ؟ هل نستطيع أن نفرغ كاتباً باسم أكاديمي رنان ، فيكتب كتاباً يجمع بين كل هؤلاء ؟!
لقد درسوا الأمر في " جامعة آل هاشم " ( جمعية آل هاشم العجمي ) النصرانية ، و فكروا فيه ملياً ، فوجدوا أن خير من يقوم بذلك هو الأكاديمي الصحفي النصراني طوني مفرج خاصة و هو مهتم بمسألة التعايش المشترك ؟ و ستكون قضية التعددية و التعايش من مداخل الكتاب و وسائل تقديمه للجمهور ، و لهذا دعوا له في احتفالات توقيع الكتاب عامة الطوائف في لبنان ؟!
ولهذا قال المحامي حبيب الهاشم رئيس جمعية الهاشم النصرانية – في حفل توقيع الكتاب – :" إن الهم الوطني كان الدافع الأساسي لنبيّن للملأ أن محمود أو بطرس ينزلان من جد واحد ونسب واحد ليتكاتفا ويتعاونا، فيشكلان الأنموذج الحضاري الذي تبحث عنه الشعوب في مشارق الأرض ومغاربها " . أهـ.
السؤال الثاني : من هو كاتب الكتاب ؟
كاتب هذا الكتاب هو :"طوني مفرج " ، صحفي أكاديمي ، لبناني نصراني ، يعتني بشؤون المذاهب و الأقليات ، وله كتاب يتحدث عن الأقليات و المذاهب الدينية في الشرق الأوسط . و هو من المهتمين بنشاط الشيعة في لبنان ، وله معهم علاقات واسعة ، و هم من أبرز المتحدثين في المؤتمرات المعقودة عن أئمة الشيعة في لبنان ، كمشاركاته المتكررة في المؤتمرات المعقودة عن شخصية " موسى الصدر " الايراني الأصل الذي وفد إلى لبنان في عهد شاه إيران ، ثم منح الجنسية اللبنانية بقرار رئاسي من الرئيس النصراني سليمان فرنجية [3]. و من آخرهذه المؤتمرات : مؤتمر المعقود في 11/09/2003 بعنوان :" المؤتمر الرابع لدراسة أفكار الإمام موسى الصدر " ، و هذا الكاتب النصراني يؤمن بقضية " التعايش المشترك " ، و أنها أبرز ما تكون في الصيغة اللبنانية المعاصرة ، و هي فريدة لا تكاد توجد في غيره من البلدان .
و النصارى الذين لا يشعرون بالطمأنينة في لبنان يسعدهم سماع كلام من شيعي إيراني يساهم في تبديد المخاوف ، و يعزز الطمأنينة ، تتمكن التيارات والميلشيات و القوى النصرانية كافة من أن تترسخ أقدامها أكثر و أكثر ، و يكون ذلك الطرح كالسند الثقافي و الحق المعرفي الذي تصول و تجول به في وجه الساحة اللبنانية ..!
في هذا السياق يمكن فهم سبب الاتحاد و الاشتراك بين النصارى و الشيعة في لبنان ، فإن لبنان أكبر من طوائفه المذهبية ، فهو بلد مأسور في يد الاستعمار منذ سقوط الخلافة العثمانية ، و كل ما يرى فيه اليوم من أحداث مأساوية إنما هو محاولة لايجاد البلد بصورة و مقاس معين يخدم القوى العظمى !
يقول طوني مفرج ناقلاً و مؤيداً لكلام موسى الصدر اللبناني :" إن التعايش اللبناني أقدم من الميثاق الوطني، ومن واضعي الوفاق الوطني، ومن آبائهم وأجدادهم، منذ ألف سنة فتح اللبناني عينيه فوجد جاره من غير دينه، وأكل من عنده وضيفه، والتجأوا وعاشوا في الآلام والآمال، وكان بينهم في الصلات والوثائق أكثر بكثير مما كان بين الناس في البلدان الأخرى، لذلك فإن التعايش هو من صميم الحياة اللبنانية، .. " [4]. و ينقل عنه أيضاً أنه قال :" ليس في لبنان أي مشكلة في التعايش بين الطوائف لكي تحل في التقسيم. فعمر التعايش هذا يعود إلى قرون متمادية، ولا علاقة للنظام أو للصدفة به. انه اصبح جزءاً من تكوين اللبناني".
و عندما سئل موسى الصدر عن رأيه في صيغة 1943 قال في مجلة الأسبوع العربي في 10 تشرين الأول 1977:" إذا كان المقصود من صيغة 1943 هو التعايش بين الفئات اللبنانية ذات الإتجاهات السياسية، وبين الطوائف اللبنانية فإني اعتقد ان هذا يسبق في تاريخه عام 1943، ويعود إلى مئات السنوات حيث عاش اللبنانيون مع بعضهم البعض بأخوة نادرة لا مثيل لها في العالم. اما ما عدا ذلك فإن الصيغة 1943 عبارة عن اطار عام، يضم اتفاقاً على تكوين لبنان المستقل الواحد، وهذا اعتبره مجرد إطار ضروري لأي بلد مستقل، وهذا الإطار بحاجة إلى المضمون الذي نفتش عنه اليوم وعندما وجدنا ان المضمون الذي وضع في ذلك الإطار المقدس لم يكن ناجحاً من اجل بناء شعب واحد ومجتمع متماسك " .
و ينقل عن الصدر قوله : "على لبنان واللبنانيين تقع مسؤولية مصير العلاقة ومسارها بين المسيحية والإسلام في العالم " ثم يقول طوني مفرج :" ألا يعني هذا الكلام نفس ما يعنيه البابا يوحا بولس الثاني الذي جاء في ارشاده الرسولي أكثر من ربع قرن على ذلك التاريخ:"لبنان أكثر من وطن لبنان رسالة" .
و في حوار مع جريدة اللوموند الفرنسية ينقل عنه :" "… ان رئيس الجمهورية اللبنانية يجب ان يبقى مسيحياً، هذا دليل تسامح يشرف المسلمين ويكرم موارنة هذا البلد، موارنة العالم العربي، لماضيهم وحاضرهم، وخاصة من اجل الخدمات التي قدموها للقضايا العربية وللقضية الفلسطينية"[5]. واضاف: "اعتقد ايضاً ان لبنان برئيسه المسيحي هو المحاور الأكثر قدرة على تحريك الحوار العربي – الأوروبي، والذي يجعله يصل إلى نتيجة واضحة".
و الكاتب و من على شاكلته يرون أن " الصيغة اللبنانية التي يدور البحث حولها، انما هي ذلك النموذج اللبناني الفريد من نوعه في العالم الذي بموجبه يتشارك مسلمون ومسيحيون من مختلف المذاهب، في المواطنية بكل ابعادها، فيؤلفون بذلك وطناً حضارياً نموذجياً يتلاقى فيه المسيحية والإسلام، في حالة إيجابية تعاونية تباعدية، قل نظيرها بين الشعوب يتجسد فيها سمو الرسالتين السماويتين، والمعاني الروحية الراقية للديانتين، في أنبل مضامينها، وهي الداعية إلى الإيمان بالله والواحد الأحد، والأمر بالمعروف والناهية عن المنكر" .
و يقول طوني :" تلك صيغة النموذج، يعتبرها البعض صنيعة السنة 1943، رسمها بيان وزاري لحكومة الاستقلال الأولى. و لكنها في الواقع وخلافاً لذلك، لطالما كانت صيغة معيوشة منذ قرون، اوجدتها ظروف وتطورات ملحمية عايشها الناس، آلت بهم إلى التلاقي على هذه البقعة من الأرض منذ مئات السنين، فكان ان افرز ذلك التلاقي نهج حياة المشترك ، اندمج فيه اتباع الرسالتين السماويتين في الضراء غالباً وفي السراء متى تسنى لهم ذلك، كل على دينه، وجميعهم في وطن واحد كونته إرادة الله، وعرق الجبين، و ري تربته بدماء بررتهم على مدى التاريخ " . انتهى .
تطورات جديدة ..لمعنى التعايش المشترك في لبنان !
تقدم من كلام طوني مفرج النصراني و أئمة الشيعة أنهم من دعاة التعايش و أن لبنان يمثل الصيغة الفريدة منه في العالم ، بتعدد طوائفه و مذاهبه . و قد حصل تطور على معنى التعايش والاشتراك في لبنان ، و هو الاستفادة من التشابه في الأسماء و الألقاب و الزج بها في أتون الوجود ، فبعد أن كان يقال : إن التعايش في الوطن ، و المصالح المشتركة ، و نحو ذلك ، صرح طوني مفرج بوسيلة أخرى ، اكتشفها و تبدت له ، ألا و هي رابطة الدم الهاشمي ، و أنها هي التي توحد بين كثير من العوائل و الأسر اللبنانية بغض النظر عن أديانهم و مذاهبهم و مللهم !! يقول في فاتحة المقدمة لكتابه :" و نحن في مجال دراسة أصول العائلات اللبنانية و تفرعاتها ، على مدى نحو أربعين عاماً قضينا جلها في البحث و التنقيب ، ادهشنا ما كان يتكشف لنا تباعاً من أن عدداً كبيراً جداً من عائلات لبنان ، من مختلف الأديان و المذاهب ، يتحدر من السلالة الهاشمية الشريفة " انتهى[6] .
و هنا تلقف طوني مفرج الراية من الجمعية النصرانية و هو " مندهش " ، كيف لا و هو المغرم بالتعايش ؟ و هذا مما سيحقق أمنيته و أهدافه … و لهذا نراه يقول :" عندما يدرك اللبنانيون أنهم رغم تعددهم المذهبي مرتبطون برابطة الدم لابد من أنهم سينبذون التفرقة و سيفتحون صدورهم لبعضهم البعض . فإن لبنان النموذج ليس مجرد مقولة نتغنى بها في المناسبات ، إنما هو حقيقة واقعية معيوشة منذ القديم في المجتمع اللبناني ، يشد أواصرها رابط الأصل و النسب الشريفين ، و يضمن استمرارها و نموها تعميم معرفة ذلك الأصل و التأكيد على صحته ". انتهى[7] .
لاحظ أن كثيراً من ذلك الكلام تردد في التعريف بهذا الكاتب في مقابلاته مع الشيعي الايراني موسى الصدر و نقله لكلامه حين كان ذهنه لا يستوعب أن النسب و الدم الهاشمي يمكن أن يدخل في الموضوع ، ثم ههنا تجدد له أمرٌ جديد و هو الزج بموضوع النسب و الدم الهاشمي و أنه يفسر ( الحقيقة المعيوشة ) بل يضمن " استمرارها و نموها و تعميم معرفة ذلك الأصل " !
و هذا الكلام كارثة ؟ إذ يتبادر السؤال التالي : هل يعني أن الباب لا زال مفتوحاً لدخول عوائل و أسر جديدة لأنهم مجرد لبنانيين ، يوجد ما يمكن أن نصلهم به من قريب أو بعيد بـ" الدم الهاشمي " ، و هم يعيشون بحب و سلام و إخاء و تعايش مشترك في وطن واحد ؟!
الجواب : نعم ، فهذا ما وعد به في الطبعة الجديدة من الكتاب !! حيث قال :" كان يفترض في هذا الكتاب أن يضم جميع العائلات اللبنانية المتحدرة من السلالة الهاشمية الشريفة ، غير أن ظروفاً خاصة حالت دون تحقيق هذا التمني في الوقت الحاضر ، على أنه في نيتنا إصدار مؤلفات لاحقة في وقت قريب تتضمن التعريف بسائر الأسر الهاشمية التي لم يشملها هذا الكتاب ، و نأمل أن يتحقق ذلك في غضون أشهر بعون الله " [8]
و لأن المهمة صعبة ، كما اعترف طوني نفسه بذلك حيث قال : إنه " مؤلف صعب " [9]، و ليس ذلك من الناحية الأخلاقية و الموضوعية ، فإن هذه النواحي لها أهلون يعرفون بها ، و لكن من باب البحث و التنقيب والتفتيش و المراجعة .. و التجول في أعمدة النسب ما بين الحسينيات و و المرجعيات و الأديرة و الكنائس ! كيف سيخرج الأمر ؟ و كيف سيرتب أمر عمود نسب كثير من هذه الأسر النصرانية و إدخالها في البيت الهاشمي عنوة … ؟ و ما هي مبررات القول بذلك ؟ و هل سيهضم القاريء ما نسوقه من حجج و أدلة أم لا ؟ و كيف و قد انتشرت أقوال لويس و إدوار و بقية الجماعة !
لقد تسلح طوني بـ"شجاعة المؤمن " ، التي يتحدث عنها طوني في مقدمة كتابه ، فهو " المؤمن " بما يرى .. و لكنه نسي أن من الناس مَنْ " يؤمن بالجبت و الطاغوت " ! لهذا نراه يقول بكل صراحة و وضوح و شجاعة :" كل ذلك يستأهل برأينا خوض الغمار " ! [10] .
إذاً هي مغامرة جديدة ! لاثبات قضية التعايش و التأكيد عليها .. تلك القضية تستحق و " تستأهل " أن يجرب و أن يخوض غمار التجربة في الأنساب الهاشمية .. تستفيد بعض الأسر النصرانية من لذة التجربة و خوض غمارها ، فترتع في الأنساب الهاشمية المحفوظة عن الغبار .. فلايوجد شيء تخسره فهي لا تعرف جدها هذا الذي اسمه " هاشم " من هو ؟
إن طوني يحاول طرق الباب لأول مرة ، و لا يدري هل سيفتح الباب و تمر القضية دون انتباه أم لا ؟! و لهذا قال :" ندرك أن ردود الفعل على هذا الكتاب ستكون غير عادية ، و غير متجانسة ، و لكننا رغم هذا الادراك قررنا التسلح بشجاعة المؤمن بالحقيقة و نشر هذا الكتاب " . انتهى[11].
و نقول : بل ردود الأفعال ستكون عادية ، و ستكون متجانسة مع كتاب " السلالة الهاشمية في لبنان " ، من الناحية الموضوعية و الأخلاقية و التاريخية .. ففي بلد كلبنان ، يدعى جهاراً لـ" وحدة الأديان " ، فكيف لا يدعى لـ" وحدة الأنساب " ؟! .. لكن النسابة توني نسي في خوضه للغمار أن " وحدة الأديان " تختلف عن " التعايش المشترك " عند جميع العقلاء ، إذ إن التعايش و الحوار يدلان على وجود لهيئات شخصية منفردة عن بعضها البعض لا يمكن التوحيد بينهما أو الخلط ، ولكن ينظر في كيفية التعامل و الفهم و اللقاء ..فمن وجهة النظر المدنية المعاصرة يمكن أن يتم التعايش المشترك دون أن نزج بموضوع " الأنساب " !!
أما طوني فكأنه يقول : ماذا يضير القائل لو قال : جميع اللبنانيين أولاد أب واحد ، ليكن آدم ، فإن لم نعش بوئام و سلام و محبة ، فليكن أبونا إبراهيم ، فإن لم يتحقق أمرنا و تعايشنا ، فليكن أبونا محمد أو علي أو الحسن أو الحسين ..أو " هاشم العجمي " الذي لا نعلم من أي أصل هو ! فإن لم يكف هؤلاء فليكن " المسيح الدجال " الذي سيخرج في آخر الزمان أباً لهم و جداً ينتسبون إليه ، إذا عاشوا بسلام و وئام ، و ليس غريباً أن يكون الأب و الجد الجامع متأخراً عن ذريته ، أوليس " الدجال " كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
هل هذا الأمر يسير ؟ هل يمكن أن تأتي عائلة عريقة في النصرانية منذ قرون خلت في لبنان ، منهم الكاردينالات و القسس و الرهبان و أصحاب القداسات ، تشهد لهم جميع الأسر النصرانية المارونية و غيرها أنهم نصارى أقحاح ، فتقتحم بيت نبوة المسلمين ؟ هذه مغامرة صعبة التحقيق !
و لكن كيف سيفعل طوني مفرج ؟ و ما وسيلته في تحقيق ذلك الهدف ؟ فإن لبنان مليء بالمذاهب و النحل فكيف بالدماء و الأنساب و معرفة أصولها ، و لهذا كيف سينجح طوني مفرج في مهمته التي أوكلت إليه من قبل :" جمعية الهاشم " النصرانية ..هذا يحتاج إلى وضع خطة عاجلة في البحث و التنقيب و الاعداد ثم الاخراج و الاحتفال و نقل ذلك عبر وسائل الاعلام و الدعاية ..!
لندعه يتحدث فهو خير من يصف كيفية انجاز هذه المهمة .. يقول :" و إن ما ساعدنا كثيراً على تقفي آثار أصول بعض العائلات اللبنانية المتحدرة من السلالة الهاشمية ، هو شمولية المراجع و سعتها و تنوع مصادرها . و هذا ما لا يحصل عادة في مجال البحث في أصول العائلات ، فإن الباحث عادة عن أصل عائلة مارونية لا يعود إلى مراجع تتحدث عن العائلات الشيعية ، و هذا ما جعل الذين سبقونا في البحث عن أصول العائلات اللبنانية يتوقفون عن جد أعلى لا يستطيعون تجاوزه ، كون المراجع التي اعتمدوها لا تفي بالمطلوب ، و لو عادوا إلى المراجع الشيعية لكانوا سبقونا في كشف النقاب عن هذه الأنساب " [12]؟!
إذن الكاتب سيراجع المصادر الشيعية و المصادر الكنسية و مدونات الأديرة و سجلات وفاة النصارى في لبنان ، ليوفق و يجمع بين أولاد العم المختلفين المتناحرين المتعادين منذ قرون ، نسوا فيها الأرحام و الأنساب والقرابات ، واكتشفها طوني مفرج بتوجيه و إلهام من المحامي النصراني " حبيب الهاشم " رئيس الجامعة " الهاشمية العجمية " ؟!
و قبل أن أقدم للسؤال الثالث و الأخير في هذه المقدمة : أرغب في ذكر جانب من مقابلة جرت بيني و بين بعض محققي كتب الأنساب في لبنان في أحد معارض الكتاب ، و هو القبيسي مصطفى – شيعي لبناني فيما أعلم عنه – و قد حقق كتاب " سر السلسلة العلوية " لأبي نصر البخاري ، و قد غضب عليه زعماء الشيعة في لبنان ، و رفعوا أمره إلى " مرجع لبنان الشيعي شمس الدين " ؟! و تحقيق الكتاب كان قديماً ، لكن الشيعة الايرانيين لا يرغبون في أن يتولى دفة أي شيء يتعلق بآل البيت من شيعي عربي ؟ خاصة و أن لبنان كان ضمن المخطط الايراني لمد نفوذها فيه ، و هذا الأمر لم يتفطن له محقق الأنساب ذلك ؟! أما اليوم فإيران و رجالها في لبنان فيفتحون كل مؤسساتهم لأي طائفة أو حزب أو أي فكرة أو مشروع ( أو حتى تأليف كتاب ؟! ) يساهم في تثبيت الحالة الشيعية في لبنان بوجهها العربي ظاهراً ، و العجمي الصفوي باطناً ..
في ضوء هذا السياق يمكن أن نفهم : لماذا ساهم الشيعة و مراجعهم في إمداد طوني مفرج بما يشاء .. و هذه القضية سنعود إليها في الجزء الثاني من المقال .
السؤال الثالث : ما هي أبعاد هذا الكتاب ؟
الجواب : لا يخفى ما للدوافع السياسية و الاقليمية والدولية من أبعاد على لبنان ، و الأحداث المعاصرة تثبت ذلك و تؤكده . و قد تقدم في السؤال الثاني و الجواب عليه ذكر بعد مهم من أبعاد هذا الكتاب ألا و هي قضية " التعايش المشترك في لبنان " و ما يجره ذلك من تضييع للكتاب و السنة . و من الأبعاد المهمة أيضاً ، بعد نسبة آل البيت الهاشمي إلى " النصرانية " ! و أن منهم نصارى ؟ و أنهم بلبنان .. و أنهم أسرة " الهاشم " و فروعها التي تمثلها " الجامعة الهاشمية " ، فتجد الأسماء التالية ، وهي نصرانية صرفة تنسب لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ نقولا ، و فيليب و جورج و إدوارد ، و شارل ، و هنري ، و توني ، و مرقص ، وماريا ، و غيرها كثير ..
هل هي دعوة تنصيرية جديدة تتلفع برداء النسب ؟! أ يراد من هذه الحملة : حمل المسلمين كافة فضلاً عن آل بيت رسول الله إلى أبواب التنصير و التبشير المشرعة .
و لخطورة هذه القضية ، فإن النسابة طوني بحث الأمر ، و وجد أن هذه معضلة ، إذ إنه لما فرغ من الرد على ابن الأسرة ، البار بها لويس الهاشم و بولس مسعد ، و رأى أن هذه الأسرة تعود إلى " علي بن أبي طالب " ، قابلته قضية مشكلة و هي : كيف يتنصر الهاشميون ، فقال في " السلالة الهاشمية في لبنان " :" حتى هذا التاريخ ، ليس لدينا دليل ، أي دليل ، من شأنه أن يفيد عن أن بني هاشم كانوا قد تنصروا ، و آخر ما ذكرته المدونات عنهم قبل ظهور بعض أحفادهم متنصرين ، .. إلخ " . انتهى [13].
و كلامه هذا في بني هاشم الذين في العاقورة أم بني هاشم بن عبدالمطلب ؟ الظاهر من السياق الأول ، بدليل قوله " و آخر ما ذكرته المدونات عنهم .. " إذن هو يتحدث عن مدونات تلك الأسرة النصرانية ، عن تاريخها و أحداثها ووفيات رجالها و أخبارهم .. تلك الأسرة التي يقال : إنها عجمية الأصل من إيران ؟ ! و حقيقة الأمر لا تعدو حالتين :
الأولى : أن تكون تلك الأسرة نصرانية منذ القدم و بالوراثة من أجداهم الذين لا يعرف عن أصلهم و تاريخهم شيء ، فيكون إيراد " تنصرهم .. " و الحديث حوله كلام سفسطة .. إذ إنه لا يقال للنصراني ديانة متى تنصرت ؟
الحالة الثانية : أن تكون تلك الأسرة التي لم يستقر نسبها في الأجناس ( فهل هي من بخارى إيران ؟ أم من عرب العراق أم من أصل فينيقي لاتيني ؟! ) قد كانت على ديانة سابقة على النصرانية ، و لهذا يرد الكلام حول " تنصرها " ، و إثبات ديانتها أشد من إثبات نسبها ؟ فإذا لم يعرف نسبها فكيف يعرف دينها في الأزمان الغابرة ؟!
و لكن الكاتب قفز على كل تلك الدلائل المنطقية والعقلية التي يفهمها القراء العاديون فضلاً عن الصحفيين ، ناهيك عن الأكاديميين مثله ، و اختار من بين جميع الأديان و الملل و النحل أنها عائلة " مسلمة " … لماذا ؟ ألأجل قضية التعايش ؟ أم أن هناك بواعث خفية لتنصير المسلمين ؟ إنه لم يذكر دليلاً يفيد في هذا الشأن .. كل ما ذكره مجرد الربط بين الأحداث و مقاربة الزمان .. و ذلك ليتمكن من الربط بين الاستنتاج الذي استنتجه و رد به على لويس و بولس و إدوار و الآخرون ، .. و هذا يبين أن هؤلاء الذين في لبنان يظنون أن قضية الأنساب يمكن أن تتلاعب فيها و تكيفها وفق ما تريد على غرار ما يفعلون من دبلجة الأفلام و البرامج الغربية و الأوروبية ، ثم تشيع في العالم العربي والاسلامي ، فظنوا أن الباب واحد ..و هم إنما يدورون بين باب " محمد نصير " و باب " بولس " " يطوفون بينها و بين حميم آن " !
إن الكاتب يتعمد التدليس و الخلط لغاية في نفسه .. هل هي قضية " التعايش المشترك " ؟ هل هناك " توجيهات سياسية أو اجتماعية معينة " مدفوعة الأجر للقول بهذا القول و تأليف هذا الكتاب ؟ هل لو نحى المؤلف ببحثه و أخرجه بهذه الصورة ستستفيد جهة ما .. لها مصلحة من هذا الكذب و البهتان ؟
يعجبني كلاماً للآلوسي كان يرد به على الكرملي النصراني في " أدب الرسائل " حيث قال له عن قضية إثبات تنصر بني تميم في أشعار الجاهلية :" و كتب الافرنج في هذا الباب لا تسمن و لا تغني من جوع ، و الافرنج ليسوا معصومين و لا أنهم أصحاب وحي إلهي و لا أنهم أحاطوا بكل شيء علماً ، .. " أهـ[14] .
أهم قضية في الكتاب ..ربط نسب عائلة الهاشم المسيحية بآل البيت
إن نسب هذه الأسرة عريق في النصرانية ، فهم يطلق عليهم :" المشايخ آل هاشم " ، وفي العرف اللبناني و الشامي عامة أن كلمة " شيخ " تعني " شيخ " قرية ، أو " شيخ دين " ، و قد كان من عادة الدولة في القرون الماضية إسناد القرى في بلاد الشام إلى " شيوخها " و وجهائها " و " رؤساءها " ، يقومون بتقديم الخدمة للبريد والمسافرين ، جرى هذا في بلاد النصيرية المتسمين زوراً بالعلويين ، وفي بلاد النصارى بجبل لبنان الذين أصبحوا بكتاب طوني " أشرافاً هاشميين " .. !
و تحت عنوان " جد الأسرة الهاشمية العاقورية " قال طوني :" قبل أن أجد هذه الدراسة التي بين أيدينا ،تناقل أكثر الباحثين في أصول العائلات اللبنانية أن جد أسرة مشايخ آل هاشم العاقورية يدعى هاشم العجمي ، وأنه يتحدرمن هاشم بن عتبة، الصحابي الذي أسلم يوم الفتح ،ثم بايع عليا في القادسية[15] في حرب الفرس وأقام في بلاد العجم[16] " . انتهى .
ثم قال :" إلا أن هذه المقولة تحمل خطأها في ذاتها ،ذلك أن معركة القادسية التي جرت بين الجيسين العربي والفارسي سنة 365م ، إنما كان الجيش العربي فيها بقيادة سعد بن أبي وقاص وليس بقيادة الإمام علي رضي الله عنه ، كما أنه ليس هناك أي حجة من شأنها أن تبرز نسبة هاشم العجمي إلى سلالة هاشم بن عتبة " انتهى كلامه .
هذا هو تحقيق النصارى في أنساب آل البيت .. " أكثر الباحثين " النصارى يقولون : إن نسب أسرة آل هاشم العجمي النصراني ترجع إلى " هاشم بن عتبة " ، لكن طوني النسابة لم يرض عن هذا القول لأنه لم توجد أي حجة " تثبت نسب العجمي إلى هاشم بن عتبة " ثم يخرج النسابة الكبير بنتيجة منطقية ، و هي : " إن نسب هاشم العجمي ينتمي إلى علي بن أبي طالب " ؟! ما هي الحجة ؟ و ما هو الدليل ؟ و من ذكر هذا ؟ و أين ذكره ؟ كل هذا لا يهم … و لا يجوز للقاريء أن يسأل عن ذلك .. هل هذه يا ترى طفرة النظام التي نسمع عنها أم أنها مذهب البراجماتية النفعية لاسبينوزا الأمريكي ؟! في سبيل قضية " التعايش المشترك " بين اللبنانيين تهون كل " الصعاب " ، و تخاض كل " المغامرات " ، و ليعذرنا أشراف العالم الهاشميين من العلويين و الجعفريين و العباسين و غيرهم ، فإن لبنان بحاجة إلى الاقتراض من أنسابهم !
و في حقيقة الأمر ، فإن نسب هؤلاء لا يصل إلى هاشم بن عتبة و لا إلى علي و لم يقم دليل على انتمائهم لجنس العرب ، فدون ذلك خرط القتاد ، و لكن طريقة البحث و الموضوعية و منهجية " أحفاد هاشم العجمي " في لبنان تأبى إلا أن تطغى على جميع تلك الحقائق ، و تضرب بها عرض الحائط ..
هذا و نحن لا زلنا نتنزل في النقاش و نساير النسابة الكبير طوني ، و إلا فإن هناك قولاً مشهوراً من أن هذه الأسرة لا تنتسب لـ" هاشم العجمي " ! يقول مؤرخ العاقورة المونسينيور لويس الهاشم ، و هو من أبناء الأسرة الهاشمية النصرانية : " المزاعم تضاربت في نسبهم – أي : نسب أسرة آل هاشم – ، فقد روى البطريرك بولس مسعد أن أسرتهم تتحدر من المقدم عنتر الشهير في معارك سنة1302م [17]، وأنها تنتسب إلى الشيخ أبي هاشم أيوب ابن الشماس توما، وأيد هذا الزعم المطران يوسف الدبس[18]. وذكر فريق أنها تنتسب إلى هاشم العجمي " [19] .
هل غاب هذا الكلام عن النسابة طوني .. لا .. بل نقله ، و ناقشه .. و سننظر في كيفية مناقشة هذا النسابة الخطير .. يقول توني – ناقلاً عن لويس المتقدم – بعد أن أعرض عن ذلك كله :" و زعم بعض علماء المسلمين نقلا عن شرح القاموس المسمى تاج العروس ، وعن كتاب الإصابة في تمييزالصحابة، كما قال الشيخ إدوار الدحداح في كتابة "سياسة لاوجدان "، إن هذه الأسرة تتحدر من هاشم بن عتبة ، وهو صحابي أسلم يوم الفتح، ثم بايع عليا في القادسية في حرب الفرس، وأقام في بلاد العجم ، ومن ذريته من قدم لبنان وتنصر فيه، فنشأ منه الشيخ هاشم العجمي جد هذه الأسرة . وعندي كما يقول الأب لويس الهاشم ـ أن هذا الزعم هو الأصح: أولا، من التقليدات المتعارفة أبا عن جد ؛ ثانيا من الأخلاق فتؤيد أنها عجمية الأصل؛ ثالثا، من الإخاء الذي كان محكم العرى بين الهاشميين والحماديين مذ توطن هؤلاءلبنان؛ رابعا ، من الصكوك الموقعة من رعد الهاشم وأحفاده الذين ينتمون إلى هاشم ، فلو كانوا ينتمون إلى الشيخ أبي هاشم، لما حذفوا اسم الأب وانتسبو إلى الابن ، مع أن الأب هو أكثر شهرة وهو الذي تولى مشيخة العاقورة بأمر من نائب السلطنة في الشام كما ذكر المؤرخون " .انتهى [20].
و هذا كذب على علماء المسلمين ، فإننا لم نجد أحداً منهم معروفاً بعلم النسب يقول : إن أسرة آل هاشم اللبنانية تنتسب إلى " هاشم بن عتبة " ، و لم يحيلوا إلى كتاب ، غاية ما في الأمر أنهم نسبوا ذلك إلى مرتضى الزبيدي في شرح القاموس ، و لكن كلامه ليس في هؤلاء ، و هم حرفوا الكلم عن مواضعه ، و هذه عادة معروفة للنصارى أنهم " يحرفون الكلم عن مواضعه "
و العجب أنهم يحيلون ذلك إلى علماء المسلمين على جهة " الزعم " حيث يقولون :" و زعم علماء المسلمين .. " على جهة التنقص و الازدراء و الكبر ، ثم يتمسكون بذلك الزعم الذي نسبوه بعد أن حرفوا الكلم عن مواضعه ، و يصبح " التحريف " هو القول المعتمد بل الأصح كما يقول مؤرخ العاقورة " لويس الهاشم " ! و يأتي بعده النسابة طوني لينسف ذلك الاعتماد ! فهل هذا مما يرتضيه عاقل في نسبه ؟! لكن " إذا لم تستح فاصنع ما شئت " !
و مع يقيني بأن مرتضى الزبيدي أجل من أن يذكر نسب هذه العائلة النصرانية إلى هاشم بن عتبة ، إلا أنني قد راجعتُ مواطن الكلمة في " تاج العروس " ( المجلد التاسع مادة (هشم ) ) و راجعت مشجراته فلم أجد أي ذكر لهذه العائلة النصرانية العجمية ، و عادته قاضية بأنه يذكرها إن كان عنده علم بذلك في أحد هذين الموضعين ! و الطريف في الأمر ، أن النسابة توني لم يرض عن تصحيح و اعتماد " لويس الهاشم " بل رده و أبطله ، و رد عليه ، ثم أثبتهم في نسب علي بن أبي طالب ! دون ذكر حجة أو دليل " إن يتبعون إلا الظن و ما تهوى الأنفس " !
ثم ذكر النسابة النصراني كلاماً من جنس كلام الصحفيين لا من جنس كلام النسابين [21]: حيث تحدث عن شجاعة المشايخ آل هاشم النصارى و دفاعهم عن البطاركة و حمايتهم لهم ، .. فلعله ظن أنه يكتب مقالاً صحفياً مدفوع الأجر في جريدة ، و نسي أنه يكتب كتاباً في النسب ! و من أراد الرد عليه ، فإني أحيله إلى صفحات الجرائد فليراسلها !!



[2] المصدر المستقبل – الخميس 8 نيسان 2004 – العدد 1566 – تحقيقات و مناطق – صفحة 7
[3] و جاء دور المجوس (1/ ) .
[4] جريدة النهار في 18 كانون الثاني 1977
[5] جريدة اللوموند تاريخ 19 تموز 1975
[6] السلالة الهاشمية في لبنان (ص 7 ) .
[7] السلالة الهاشمية في لبنان ( ص 9 ) .
[8] السلالة الهاشمية (ص 9-10 ) .
[9] السلالة (ص 10 ) .
[10] السلالة الهاشمية ص 9 .
[11] السلالة الهاشمية ص 9 .
[12] السلالة (ص8 ) .
[13] (ص 426 ) .
[14] أدب الرسائل (ص 172 ) .
[15] القادسية :موقع غربي النجف0يحمل اليوم اسم القادسية محافظةفي العراق قاعدتها الديوانية ،تضم أربعةأقضية هي الديوانيةوعفك والشامية وأبوصخير .
[16] الدحداح الشيخ إدوار،سياسة لاوجدان (بيروت1926)،عن شرح القاموس المسمى تاج العروس وكحتاب الأصابة في تمييز الصحابة، بينما في الواقع أن هاشم بن عتبة المعروف بالمرقال، هوابن أبي وقاص بن أخي سعدبن أبي وقاص الزهري ،كان من الفرسان المقاتلين مع خالد في حروبة بالعراق ،ورحلتةإلى الشام ،ثم تولى رئاسة فرقة من الفرسان في معركة اليرموك التي تعدأكبر الفتوح في بلاد الشام ،وقد فقئت عينةفي هذه المعركة ،واستمر في جيش خالد حين فتح دمشق ،ثم عاد قائدا على من كان خالدبن الوليدقائدا عليهم ، وخاض معركة القادسية التي كان يقودها عمه سعد ، كما اشترك هاشم في مواقع :اليرموك ،ومدائن كسرى ،والجمل ، وصفين ، وكان قائدا أعلى على معركة جلولاء،وكان من أهم أنصار الإمام علي في معركة صفين 0راجع: الأمين ، أعيان ،250،10
[17] المقدم عنتر العاوقوري ، هو أحد مقدمي المردة الذين اشتكروا في رد المماليك عن بلاد جبيل أوائل القرن الرابع عشر عند نهري المدفون و إبراهيم .
[18] الدبس المطران يوسف ،الجامع المفصل في تاريخ الموارنة الموصل ، تقديم الأب ميشال الحايك، دار لحد خاطر (بيروت ،1987)ص182.
[19] الهاشم تاريخ العاقورة ( ص 491 ) .
[20] السلالة الهاشمية في لبنان ( ص
[21] السلالة الهاشمية في لبنان (
يتبع الجزء الثاني
{moscomment}

بحث سريع